كانت المدرسة الإسلامية المتواجدة باعالي العباد بمحاذاة مركب سيدي بومدين السباقة في نشر العلم بمختلف إتجاهاته المعرفية و الدينية منذ تأسيسها في شهر جويلية من صائفة عام 1848 اين عرفت في الوهلة الأولى تعليم الشباب اللغة العربية و خصوصا تكوين الدرارين بالقبائل المتفرقة بتلمسان و هذا لتفادي تحويلهم لمنطقة القبائل الكبرى التي إشتهرت فيها الزواي اقبل ان تتأسس نهائيا بتاريخ ال30 سنة 1850 حيث إختصت هذه الفترة مباشرة بالدراسات التعليمية الهادفة إلى تكوين و تخريج الموظفين الذين تحتاجهم الإدارة الفرنسية كالمفتيين و العدول القضائيين و المترجمين و مدرسي اللغة العربية . إن المحلل للأرشيف و الوثائق المتعلقة بالمدرسة الإسلامية التلمسانية يلمس جوانب عديدة بالنسبة للبيئة الثقافية و العلمية التي كانت تسير عليها المدرسة منذ بداية إفتتاحها وعهدها العملي العلمي و بالنسبة للعلاقة المنسوجة بينها كمؤسسة علمية و تربوية و الزوايا الدينية التي كانت تزودها بافواج الطلبة لفترة طويلة كما هو الحال لزاوية أولاد سيدي الطيب بعمي موسى زيادة على العلاقة العضوية و التكاملية بين أساتذة الشريعة و اللغة و الفقه الذين ينتمون إلى هذه المدرسة و المدرسين الكبار في مساجد المدن المتحضرة بتلمسان أمثال بني سنوس و ندرومة و مناطق أخرى بوهران و معسكر و سيدي بلعباس و مستغانم ممن تفرق فيها المفتيين و الأئمة و معلمي القرآن الكريم الذين إلتحقوا كأساتذة بالمدرسة الإسلامية من قبل الإدارة الحكومية أثناء شغور المناصب و التي في حالات عديدة عينوا في القضاء الرسمي بصورة عادية أو كمستشارين و مساعدين أو مهام عليا مثلما حدث للسي بوعلي الغوتي بن محمد المدرس بمسجد بلعباس انذاك عندما تم إنتدابه إلى مدينة طنجة المغربية للمساهمة في تحرير جريدة السعادة لمدة ستة أشهر إلى غاية شهر ماي من سنة 1904 . هي إذن تلك المدرسة التي عرفت كبار العلماء في الشريعة و اللغة و النحو و التوحيد في الجهة الغربية من الجزائر و نذكر على سبيل المثال سي أحمد بن طالب و سي محمد بن مرابط من مدينة تلمسان و مولاي الطيب ولد بن عزة من منطقة الحناية بولاية تلمسان و السي محمد ولد عبد الله من أعالي العباد (ضريح سيدي بومدين) و السي طاهر بن غراس من منطقة طرارة و محمد بن عبد الله الزقاي صاحب إجازة البلاغة من جامعة الأزهر و ثلة من علماء معسكر السي محمد بن ويس و محمد بن الشيخ و السي الحبيب بن عربي و محمد بن أحمد ضف لهم محمد بن بوطالب و السي الميلود بن نميش و أحمد بن بشير و أحمد بن حمزة و السي الطاهر بن حسان . * طلاب ... وأقطاب و قد استطاعت شريحة واسعة و رئيسية من الطلبة المتخرجين من هذه المدرسة أن تحتل مكانتها في المجتمع الجزائري كوسيط داخل المؤسسات الإجتماعية و الدينية و الثقافية كإداريين و قضائيين و مدرسين و مفتيين مما يعني أن المدرسة الإسلامية لم تكن حكرا على أبنائها في فترة تأسيسها مابين سنوات 1848 و 1860 و إنما فئات مختلفة من مناطق القطاع الوهراني الساحلية منها و الداخلية من طلبة الزوايا و الأقسام الملحقة بالمساجد الكبرى بذات النواحي أصبحت تتنافس على مقاعدها في الفترات المتراوحة من عام 1860 إلى سنة 1880 قبل أن تمنح أولوية القبول داخلها للتلاميذ الجزائريين المتحصلين على شهادات المدارس الفرنسية المزاولين العربية و الفرنسية بمدارس هذه الأخيرة خصوصا بعد مراسيم الإصلاحات التربوية لسنة 1877 و عام 1895 و كان معدل الطلبة المسجلين بالمدرسة الإسلامية بتلمسان تارة يكون مرتفع و تارة أخرى يلمسه أي واحد منا من خلال كل سنة ففي الفترة التاريخية من عام 1848 و 1852 وصل عدد الطلبة 25 متمدرسا و في سنوات 1853-1857 تضاعف الرقم بإضافة 10 طلاب ليصبحوا 35 تلميذا أما في سنة 1857-1862 إرتفع عدد الطلبة الى 51 طالبا و عام 1863-1867 قفز العدد ل 60 متعلما و في سنة 1868-1872 تراجع قليل بنقص 5 طلاب ليقف على العدد 55 طالبا و تقلص ثانية بإثنين فقط عام 1873-1877 ب 53 تلميذا و تنازل أيضا سنة 1878-1882 إلى 50 طالبا أما مع اواخر ال1883-1887 إنخفض ل 44 متعلما أو تدنى بكثير في سنة 1888-1892 ل26 مقبلا على المدرسة الإسلامية و زاد مجددا عام 1893-1897 ب 12 طالبا أي بمعدل 38 مسجلا بها ليسقط فجأة و يعود للمؤخرة ب 33 تلميذا و يحدو مرة و مرارا بالزيادة فتحصي المدرسة 47 طالبا سنة 1903-1907 و ترتفع أيضا بصفة تدريجية مابين 1908-1912 ب 56 تلميذا . و في إطار حركة التنظيمات التي شهدتها المدارس الفرنسية صدر قرار 18 مارس 1905 لينظم سير هذه المدارس من طرف الحاكم العام "جونار" الذي حاول تشجيع الدراسات العربية الإسلامية كون حركته كانت تعتبر جزء من سياسته الأهلية و أن المصالح الإستعمارية تتطلب ذلك للإستفادة من الطاقات الجزائرية حتى أنه حاول و حسب مصادر أكيدة الرفع من مستوى اللغة العربية و تعليمها مع تأسيس بعض المكتبات في المدن الكبرى لتسهيل مهمة تكوين مثقفين جدد و طلب بإعادة النظر في مستوى الأساتذة و منذ عام 1905 بدأ العمل بالإجراء الجديد المتمثل في أن يكون أساتذة هذا النوع من المدارس أنفسهم متخرجين من القسم العالي بمدرسة العاصمة . أما فيما يتعلق باللغة الفرنسية و المواد المدرسة بها فإن الأساتذة المشرفين على تعليمها يجب ان يكونوا حاصلين على شهادة البكالوريا و يحملون ديبلوم اللغة العربية و شهادة الأهلية للتعليم من مدارس المعلمين و من بين الفرنسيين الذين اشرفوا على التدريس بالمدرسة الفرنسية و ليس الإسلامية التي نحن بصدد الحديث عنها و إنما تلك الواقعة في "بلاس العود" و تجري على مستواها أشغال جذرية و معمقة لإضافتها لمتحف "المدرسة" ،كل من المترجمين العسكريين بيرلا و ريكات و ديسيو و ديستانغ ورينداميك و إدمان دوتي ووليام مارساي و ألفريد بال الذي أقام بتلمسان أربعين سنة و كان دائم التنقل من مدينة تلمسان إلى قبائل بني سنوس و أعجب كثيرا بمساجدها العتيقة و دخل للمغرب الأقصى منها و هو يتحصر على مغادرته . و ما نشير إليه أنه بفعل الدور الكبير الذي لعبته المدرسة الإسلامية بتلمسان من الناحية الثقافية و العلمية مع منتصف عام 1854 فقد حافظت بعض القبائل على المدارس القرآنية رغم الإحتلال الذي ضرب بأطنابه الوسط الإجتماعي إلا أن الزوايا وظفت الدرارين"الطلبة المسافرين" و معلمي الصبية الذين إنتشروا عبر 56 قبيلة بولاية تلمسان بإستثناء 367 طالب و تلميذ واصلوا مسيرة القرآن الكريم بدائرة تلمسان وحدها ممايدل أن العدد بالمداشر كان أوفى و أكفى و أكبر من هذامن جهته بلغ عدد المتخرجين في السنة المذكورة أعلاه 91 مدرسا موزعين ببني سنوس و الغزوات و مغنية و سبدو . وتشكلت انذاك بمقاطعة تلمسان 04 دوائر بتاريخ ال 13 جوان 1854 ،بحيث تواجد بتلمسان 12 قاضيا و أربعة مفتيين و 24 عالما دينيا و ظهر عالمين -2- من مدينة مغنية و تسعة علماء من الغزوات و11 من بني سنوس و الأقلية منهم بسبدو بما مجموعه في نفس الفترة 62 عالما كانت من اهم النخب الجزائرية و التي تحدث عن دورها الفرنسي فريموك جاك .فهذه الحركة الثقافية إذن جاءت بعد ان وجد الجزائريون انفسهم محرومون من الحقوق السياسية و المساواة الإجتماعية و الإقتصادية مع الكولون و كانت الأمية تشكل معدلا مرتفعا و خطيرا يضاف لذلك سلبية الخرافات و القدرية و اللامبالاة التي لحقت بذهنية المجتمع برمته بالإضافة غلى ان الجزائري عاش تحت وطأة الإضطهاد الثقيل و التعسفية في الإدارة كادت ان توقع به في الشلل العلمي لولا فطنته و نباهته في ان العلوم الدينية هي الكفيلة بإخراجه من قوقعة الإستعمار الفكري قبل الشخصوي .