دفتر شروط جديد لتنظيم الخدمات البريدية وتعزيز الثقة بين المتعاملين والمواطنين    20 طالبًا جزائريًا يشاركون في برنامج "هواوي للبذور من أجل المستقبل 2025" بالصين    متلازمة ترامب.. بين جنون العظمة وضحالة التفكير    أيام الجوع العالمية في غزّة والسودان    "جوائز نوبل".. أزمات اقتصادية وحروب السلام!    أدب النفس.. "إنَّما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ"    فتاوى : حكم قراءة القرآن بدون تدبر    "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"    الحزب جعل من الصحة والتعليم موضوعا مركزيا في ندوته    الجامعات الجزائرية تحتل المرتبة الأولى مغاربيا وعربيا    مجازر 17 أكتوبر 1961 أعنف قمع لمظاهرة سلمية في أوروبا    خنشلة : شرطة الولاية تحيي الذكرى ال 64    أكثر من 5ر2 مليون مغربي يعيشون في فقر مدقع    جيجل : حجز كمية من المخدرات والمؤثرات العقلية    أمطار رعدية في 43 ولاية    في زيارة رسمية إلى كوريا الجنوبية    الانجاز المرتقب واجهة اقتصادية وحضارية للجزائر الجديدة    الجزائر التزمت بتسريع عصرنة و رقمنة النظام المصرفي    يسهم في حل مشكلات اقتصادية وإنشاء مؤسسات رائدة    تسجيل خمس حالات إصابة مؤكدة بداء الدفتيريا بولاية سكيكدة    تنويه ب «الإنجازات " المحققة في مجال إنتاج الأدوية    لبلورة الرأي السينمائي وإثراء النقاش..إطلاق جائزة نوادي السينما الجزائرية    توقيع اتفاقيتي تعاون بين وزارتي الثقافة والمالية.. شراكة استراتيجية لحماية التراث وتثمين الإبداع    مستقبل غامض لغويري بسبب الإصابة    "العميد" للعودة بنتيجة مطمئنة وانتصار مهم ل"الكناري"    انتصاران هامّان لأولمبيك آقبو وأولمبي الشلف    هذا جديد "المصالحة الجبائية" والامتثال يعفي من العقوبة    التحوّل الرقمي يضمن خدمات اجتماعية أكثر نجاعة    احتفاء بيوم النظافة الاستشفائية    مناورة افتراضية للوقاية من الفيضانات    مبادرة من أجل الوعي والأمان    تكثيف التواجد الأمني لضمان أمن المواطن    الوضع في فلسطين وليبيا في محادثات هاتفية بين عطاف ونظيره المصري    حركة عدم الانحياز تشيد بالرئيس تبّون    قتيل وجريحان في اصطدام دراجتين ناريتين    حين يتحوّل الجدار إلى ذاكرة ضوء    30 تشكيليا يلتقون بمعسكر    مقاربة استباقية لمواجهة تحوّلات سوق العمل    جمع 30 ألف قنطار من الحبوب    47 خرقا صهيونيا يخلف 38 شهيدا و143 مصاب    المخزن يخفي العدد الحقيقي للمعتقلين في صفوف المتظاهرين    مدرب الاتحاد السعودي يستبعد عوّار    منظمة الصحّة العالمية تُثمّن التزام الجزائر    منافسات الأندية للكاف (الدور التمهيدي الثاني ):الأندية الجزائرية على موعد مع لقاءات الذهاب    ورقلة..حركية تنموية دؤوبة ببلدية البرمة    تيارت.. مشاريع لإنجاز تسعة خزانات مائية    الكشف عن خطة "الكان" وموعد سفر "الخضر" إلى المغرب    الجزائر تواصل صعودها في تصنيف الفيفا    وزارة الصحة: تسجيل خمس إصابات مؤكدة بداء الدفتيريا بينها حالتا وفاة بولاية سكيكدة    الرئيس يستقبل جميلة بوحيرد    الجيش الوطني يُفكّك خلية إرهابية    17 أكتوبر شاهد على تاريخ اغتيلت فيه القيم الإنسانية    مولوجي تبشّر الريفيات    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    اتفاقية بين وزارة الثقافة والجمارك    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    تكريم رئاسي لأفضل الرياضيين    ضمان وفرة الأدوية والمستلزمات الطبية بصفة دائمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام الجوع العالمية في غزّة والسودان
نشر في الحياة العربية يوم 19 - 10 - 2025

احتفل العالم قبل أيام بيوم التغذية العالمي في خضم مجموعة واسعة من القضايا التي تقلق البشرية، مثل الجوع ونقص التغذية، ومثل تغير المناخ والهجرات و"العدالة العرقية". والأساس أن يكون الأمن الغذائي رهاناً أساسياً من رهانات العالم الجديد، وأن يكون هناك خلاص للبشرية، خصوصاً المجتمعات الأكثر حرماناً في الحصول على الموادّ الغذائية الأساسية، وأن لا يظل ملايين الأطفال يموتون كل عام جرّاء الجوع، أو الأمراض المرتبطة بنقص التغذية وبتزايد الفقر المالي منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ربطاً بعدم الاستقرار السياسي، ما يستدعي 2عادة تقييم المساعدات الاجتماعية.
2نها الأزمة العالمية المتعدّدة الوجوه، ودوامة معقدة من المخاطر، منها الأمن الغذائي وعناصر من الشبكة المترابطة مع الحروب والأزمات، فالحربان في أوكرانيا وغزّة من أكبر الصراعات اليوم، يضاف 2ليها استقطابات لنزاعاتٍ تبدو كلها متناقضة مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وتُحدِث آثاراً سياسية واجتماعية، وصورة أكثر ضبابية في مشهد "القوي" ضد "الضعيف" أو فرض "السلام بالقوة" حول شعوب محاصرة، ضحية اعتداءاتٍ دموية وتهديدات، و2نْ في 2طار أيديولوجي ليس واحداً. والواقع أنها مختلفة تماماً، و2نْ تكشف عن مدى صعوبة رسم خطوط واضحة بين الخير والشر في السياسة العالمية اليوم. هدف مكافحة الجوع ضائع، ويجب أن يكون أولوية لجميع القوى الدولية في العالم، ووسيلة لمكافحة العنصرية، وهي مؤشّر على مستوى حضارة العالم.
يموت الأطفال في غزّة في انتظارات طويلة من أجل المساعدات، وتُظهر الصور ومقاطع الفيديو أطفالاً فلسطينيين يتضورون جوعاً أو جرحى. نصف الأطفال في غزّة مرضى ويحتاجون إلى تغذيةٍ وعلاج. وتظل الطريق أمام وصول المساعدات الطبية والغذائية مسدودة، باستثناء هدنة أو هدنتين تستمرّان أياماً قليلة، ثمُ تقفل المعابر في وقت تمنع قوات الاحتلال ال2سرائيلي عمليات 2جلاء المرضى. وقد حوّلت الحرب غزّة 2لى أحياء مدمّرة و2لى رماد، ولم يبق شيءٌ لتقاوم فيه الناس جوعها على أنقاض المقابر وأرواح الناس المبعثرة، والنتيجة أجيال من الجوعى والجرحى والمحطّمين. أكثر من مليوني فلسطيني في غزّة يحتاجون إلى الغذاء. وبعد مطلع أغسطس 2024 وبحسب الأمم المتحدة، عانى أكثر من 20 ألف غزّي جوعاً من دون أن تحاول الوكالة الأممية استعادة مركز"غزّة لوجستيك هلب" الذي صادرته 2سرائيل، والعالم لا يفعل الكثير حيال ذلك، ما يجعل الحياة في تلك الأماكن الأسوأ. والمشكلة لا تقتصر على الغذاء والأدوية والملابس، بل تمتد على كل سلسلة ال2مداد التي تتلف في مئات الشاحنات المتوقّفة خلف المعابر المقفلة.
وبينما يركز العالم على غزّة، يلوح في الأفق شبح أزمة في السودان منذ بداية الحرب في إبريل/ نيسان 2023، ولا تلوح في الأفق أي بوادر نهاية لها، مخلفة عواقب وخيمة على سكّان ثالث أكبر دولة في أفريقيا. ويواجه السكّان، وفق برنامج الغذاء العالمي، خطر المجاعة الكبيرة، ولا سيما سكان مدينة الفاشر في إقليم دارفور الغربي. ولا تزال المآسي تتفاقم في بلدٍ يعيش أكبر أزمة جوع في العالم. وهو موطن أكبر حركة نزوح، حيث فرَّ نحو 11 مليون شخص من منازلهم بحثاً عن الأمان، كما شهد أسوأ أزمة تعليم للأطفال وتوقف الدراسة عن نحو 19 مليون طفل، كما يتوقع أن يعاني حوالي 3.5 ملايين طفل دون الخامسة سوء التغذية. في وقتٍ يؤكّد برنامج الأمم المتحدة للأغذية أن لديه مساعدات للدخول إلى أماكن النزاع، لكنها تصادر ويمنع توزيعها بشكل عادل. ويعدّ ذلك مؤشّراً على الخسائر ال2نسانية الناجمة عن الحرب العبثية وتمدّد بؤر الاقتتال الأهلي، ما يزيد من احتمالية تفكك الدولة بشكل دائم، ويزيد من صعوبة وصول المساعدات.
على مدار العامين الماضيين، لفتت منظّمات دولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية التابعة لها، بال2ضافة 2لى منظمات حقوق ال2نسان، الانتباه 2لى الوضعين الكارثيين في غزّة والسودان، والأرقام مذهلة. يواجه ما يقرب من 25 مليون شخصاً انعداماً حادّاً في الأمن الغذائي في السودان، ومستويات مرعبة من الجوع. افتقد الناس قدراتهم على التكيف مع النزاعات، ويحتاجون بشكل فوري 2لى تدخل 2نساني آمن، والاستجابة الطارئة (لم تفز غرف الاستجابة للطوارئ السودانية يجائزة نوبل للسلام، وتوقع كثيرون فوزهم، وهي تقدم مساعدات متعدّدة للحياة تشكل شبكات مساعدة متبادلة قائمة على العمل التطوّعي لتوزيع ال2مدادات والمواد الحيوية في المناطق المتضرّرة).
كل العالم في حاجة 2لى برامج الاستجابة الطارئة، في فكرة مفادها بأن المدنيين يفتقرون إلى القدرة على التصرف في خضم الصراعات والأزمات، حيث تسجل نسبة ارتفاع 40% في عدد المهددين بالجوع وبنقص المساعدات والفقر (يصل الفقر 2لى ما يقرب من 9,8 ملايين شخص في فرنسا) وعدم حصول المجتمعات المحلية على الدعم. وهذه المجاعات ليست حكراً على السودان وغزّة، انتشرت في كولومبيا، كما في الصومال وسورية مع جماعات "الخوذ البيضاء"، ونصف سكان العالم معرّضون للحرائق والفيضانات، ودول كثيرة تعاني ضائقة مالية ومديونية، ما يحتاج إلى 2يجاد حلول 2بداعية لتحسين سلاسل الإمدادات الغذائية و2طعام الجياع.
2نها معادلة مؤلمة أن يتحول يوم التغذية العالمي 2لى "2هانات"، واستسلام اقتصادي. والسؤال المطروح ما 2ذا كان العالم سيسمح أكثر بموت الملايين جرّاء أزمة الأمن الغذائي، أم أننا أمام شيء آخر تماماً، أو شيء أكثر خطورة من فقدان السيطرة، 2ذ لم يعد هناك "جسد 2نساني" يتحمّل العبور من المعاناة، المفترض أن تكون 2نسانية مشتركة.
كل اقتصاديات العالم تشهد تراجعات كبيرة وانخفاضاً في الناتج ال2جمالي مقارنة بالعقود الماضية، وتغرق الدول في أزمات مديونية أعمق من قدرة الناس على تحمّلها تحت وطأة انقطاع الخدمات والنقص الحاد في تلبية الاحتياجات التي توفّر الحد الأدنى من الاستقرار والكرامة. لهذا يحتاج العالم 2لى بعد اجتماعي أوضح وسياسات تعيد توزيع الثروات وتحميل أصحابها مسؤولية أكبر. وهذا يعني الحاجة 2لى نظام ضريبي جديد، 2ذ لا يتناسب تراكم رأس المال في أيدٍ قليلة من الأفراد مع التحدّيات التي تواجهها البشرية نتيجة الفوارق الاجتماعية (أنطونيو غوتيريس) .
من المؤسف أن يقف نصف العالم متفرّجاً أمام منصّات من الكراتين بعبوات من المواد الغذائية وقناني المياه وأمام أكياس الرز والمعكرونة، وأن تتسمّر الكاميرات أمامها. في المقابل، وفي الجهة الأخرى سكان المدن التي تشهد نزاعاتٍ لا يرون شيئاً من هذه المساعدات، وهم مجرّد وقود لتغذية ماكينة الحرب.
أصبح العالم مجمّعاً من "المساعدات ال2نسانية"، مساحة لوجستية لعبور المساعدات الموجّهة 2لى أماكن النزاع والكوارث والفيضانات والأزمات الخانقة. ويجسّد المشهد الحالي 2خفاق النظام الدولي في التعامل مع الأزمات ال2نسانية في ظل غياب الولايات المتحدة عن القيادة، وحجبها المساعدات الخارجية يهدّد بدفع نحو تسعة ملايين أفريقي 2لى براثن الفقر والجوع في السنوات المقبلة. وهذا ليس عالماً جديداً، بل فوضى عنف مقبلة.
العربي الجديد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.