لا يتوانى نظام المخزن في اللجوء إلى أساليب لا ترقى إلى ممارسات الدول، في محاولة استفزاز الجزائر كلما حققت تقدماً دبلوماسياً على الساحة الإفريقية، حيث يسعى إلى التشويش على مبادراتها عبر تحركات موازية تفتقر للتفويض القاري وتتم خارج الأطر الدبلوماسية المعتمدة. أحدث هذه المناورات تمثل في تنظيم "المؤتمر الأول للضحايا الأفارقة للإرهاب" بالرباط، في توقيت متزامن مع فعاليتين قاريتين تستضيفهما الجزائر بقرارات رسمية من قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، في محاولة لإحداث توازن رمزي أو إعلامي لا يرتكز على أي شرعية أو وزن تمثيلي. فعاليات جزائرية بمشروعية مؤسساتية راسخة تستضيف الجزائر حدثين قاريين محوريين تمت المصادقة عليهما في أعلى هيئات الاتحاد الإفريقي: 1. المؤتمر الدولي حول جرائم الاستعمار في إفريقيا وصدر بشأنه القرار 903 لقمة الاتحاد (فيفري 2025) بناء على مبادرة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ضمن تنفيذ شعار الاتحاد للسنة الجارية حول العدالة وجبر الضرر. 2. الدورة الثانية عشرة لندوة وهران حول السلم والأمن في إفريقيا وهي منصة قارية راسخة منذ 2013، تم تثبيتها كآلية دائمة بقرار 815/2022. وتعد الواجهة الرئيسة للتنسيق بين أعضاء مجلس السلم والأمن (CPS) والأعضاء الأفارقة في مجلس الأمن (A3).
هذا العام، شهدت ندوة وهران قفزة نوعية بحضور رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمد علي يوسف، لأول مرة منذ إنشاء المسار. وهي مشاركة تحمل دلالات عميقة، أبرزها: اعتراف رسمي من أعلى جهاز تنفيذي في الاتحاد الإفريقي بالدور المتنامي لندوة وهران. تثمين واضح لمكانة الجزائر داخل أجهزة السلم والأمن بعد انتخابها لعضوية المجلس (2024–2026). تأكيد مكانة وهران كأحد أهم فضاءات التفكير وصناعة القرار في القارة. كما عرف الحدث حضوراً وزارياً رفيعاً من كوت ديفوار، بوتسوانا، توغو، رواندا، ناميبيا، أنغولا، الجمهورية الصحراوية، وتونس، إضافة إلى نواب وزراء خارجية من غانا، ليبيريا، الصومال، سيراليون، مصر وجنوب إفريقيا. أما الحضور الدولي فكان بارزاً بمشاركة مفوض السلم والأمن للاتحاد الإفريقي، ومسؤولين كبار من الأممالمتحدة، من بينهم الأمين العام المساعد لعمليات حفظ السلام والمبعوث الأممي لإسكات البنادق. مناورة مغربية خارج التفويض في المقابل، حاول المغرب خلق حدث موازٍ بتنظيم "المؤتمر الأول للضحايا الأفارقة للإرهاب"، برئاسة وزير خارجيته ناصر بوريطة، وبمشاركة مسؤول أممي بالنيابة، وهو مستوى تمثيل ضعيف لا يعكس دعماً من قيادة الأممالمتحدة. كما اقتصر الحضور على: وزراء من دول انقلابية تخضع لعقوبات الاتحاد الإفريقي (مالي، بوركينا فاسو). تمثيل منخفض لغينيا الاستوائية عبر كاتبة دولة فقط. وهو ما يكشف العزلة السياسية التي وجد المغرب نفسه فيها بعد تحركه خارج المؤسسات القارية. شرعية مقابل مناورة تظهر المعطيات بوضوح حجم الفارق بين دبلوماسية مؤسساتية تتحرك بتفويض رسمي مثل الجزائر، وأخرى تعتمد محاولات رمزية بلا سند مثل المغرب. فقد اشتغلت الجزائر بالشرعية والقرارات القارية وحظيت بحضور دولي ثقيل، بينما انتهت تحركات المغرب إلى لقاءات ذات تمثيل ضعيف ومع حكومات غير معترف بها. كما أن الاتحاد الإفريقي كلف الجزائر بملفات أساسية تتعلق بالسلم والأمن، في حين لم يمنح المغرب سوى تفويض يتعلق بملف الهجرة. وبذلك يتأكد مرة أخرى أن مكانة الدول تُبنى عبر المؤسسات والشرعية، لا عبر المناورات الإعلامية.