شان-2024/ودي: المنتخب الجزائري للمحليين يفوز أمام رواندا (2-0)    الاقتصاد الجزائري بخير.. والقدرة الشرائية تتحسن    رافعات من الجيل الجديد تؤسّس لموانئ"ذكية" بالجزائر    آخر الروتوشات لانطلاق امتحان البكالوريا    إجراءات جديدة لإصدار تأشيرات العمرة الموسم القادم    الجزائر تتوّج بالجائزة الذهبية "اليتيم"    "حماس" تدين جريمة الاحتلال بحق سفينة "مادلين"    المديرية العامة للحماية المدنية تطلق مسابقة توظيف    مجلس الأمة يهنّئ بالجائزة الذهبية "لبيتم"    كنت مستعدا لكسر ساقي من أجل البرتغال    إجماع على استقدام جمال بن شاذلي    خطوة أخرى لتعزيز التنمية بقرى وادي الأبطال    رفع ألفي طن من النفايات    جمع 27 ألف "هيدورة"    "التطور الحضاري لمدينة تلمسان" محور يوم دراسي    عوالم من نور تتجاوز الملموس البائس    تتويج سيليا العاطب سفيرةً للثقافة الإفريقية 2025    مناقشة مشروعي القانونين المتعلقين بمحكمة التنازع والوقاية من المخدرات    12 جوان.. آخر أجل لتفعيل حسابات المكتتبين في "عدل3"    مبادرة حسنة من الحجّاج الجزائريين    برنامج "عدل 3" : ضرورة تفعيل الحسابات وتحميل الملفات قبل 12 جوان    السيد مراد ينوه بتجند مستخدمي الجماعات المحلية خلال أيام عيد الأضحى المبارك    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن : العمليات الانتقالية السياسية السلمية في وسط إفريقيا تمثل "تقدما لافتا" باتجاه المصالحة    مصطفى حيداوي : تقدم ملموس في إعداد المخطط الوطني للشباب وإستراتيجية قطاع الشباب    أشاد بمجهودات أعوان الرقابة.. زيتوني ينوه بحس المسؤولية الذي تحلى به التجار خلال أيام العيد    توقيف 3 مجرمين وحجز قرابة 5ر1 مليون قرص مهلوس بباتنة    عودة أول فوج للحجاج الجزائريين غدا الثلاثاء الى أرض الوطن بعد أداء المناسك في ظروف تنظيمية محكمة    ألعاب القوى/ الملتقى الدولي بإيطاليا: العداء الجزائري سريش عمار يتوج ببرونزية سباق 1500 م    عيد الأضحى: احتفال في أجواء من البهجة والتضامن والتآزر    الملتقى الدولي بموسكو: نسرين عابد تحطم الرقم القياسي الوطني لسباق 800 م لفئة اقل من 20 سنة    "قافلة الصمود" : قرابة 1700 مشارك ينطلقون من تونس لكسر الحصار الصهيوني على قطاع غزة    وهران : الطبعة الأولى لمعرض الجزائر للسكك الحديدية بدءا من الأربعاء    معركة سيدي عبد الرحمان بالشلف : بطولات وتضحيات خالدة في الذاكرة الوطنية    جامعة فرحات عباس بسطيف: 3 باحثين يتحصلون على براءة اختراع في مجال قياس الجرعات الإشعاعية    تنظيم الطبعة الرابعة لصالون الصيدلة "ألفارما" من 26 إلى 28 يونيو بعنابة    وزير الثقافة زهيرَ بللُّو يهنئ الفنانين في يومهم الوطني    حث على تعزيز أداء الخدمة العمومية عبر كامل التراب الوطني    هلاك 9 أشخاص في حوادث المرور    غزة : استشهاد 11 فلسطينيا وإصابة العشرات    الفريق أول شنقريحة يترأس مراسم حفل تقديم التهاني    عملية جمع جلود الأضاحي لسنة 2025 تشهد تقدما ملموسا    الصحفي عبد الرحمن مخلف في ذمة الله    خواطر الكُتاب.. أبعاد لا تنتهي    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    متابعة 50 مشروعا كبيرا لضمان نجاعة الإنفاق    ناصري: كل عام وأنتم بخير    إيمان خليف تغيب عن بطولة العالم للملاكمة    بن جامع يدعو لإسقاط درع الحصانة عن الكيان الصهيوني    أعياد ودماء وخبز    شخصيات سياسية تدعو روتايو إلى الاستقالة    المغير: لمياء بريك كاتبة تتطلع إلى الارتقاء بأدب الطفل    تشييع جثمان المجاهد المرحوم مصطفى بودينة بمقبرة العالية    "وهران : اختتام الطبعة ال11 لمهرجان "القراءة في احتفال    الخضر يبحثون عن التأكيد    توسعة الحرم المكي: انجاز تاريخي لخدمة الحجاج والمعتمرين    ويلٌ لمن خذل غزّة..    هذه أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة    عيد الأضحى المبارك سيكون يوم الجمعة 06 جوان 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بشير حمادي..أبو اليقظان الجزائري يودع القلم و"الحقائق"
نشر في الحوار يوم 25 - 11 - 2016

ودّعت الأسرة الإعلامية بالكثير من الأسى، هرما من أهرامها وأستاذا تخرّج على يده جيل كامل من الصحفيين، قلم فذّ أبى البعض إلاّ أن يسمّيه أبي اليقظان الجزائري، فيما تمنى البعض الآخر من مقربيه أمثال الإعلامي الكبير سعد بوعقبة، لو كان قد رحل قبله ليرثيه المرحوم كما رثى والدته، فيما أجمعت أجيال من الصحفيين أنها نهلت من علمه وتأطيره، هو الذي أحب المهنة حبّا جما فأخلص لها ومات عليها كما تمنى دائما.. وفي هذه السطور استطلعت "الحوار" كلمات وداع كوكبة من الإعلاميين لبشير حمادي رحمة الله عليه.
* الإعلامي مصطفى هميسي مدير عام جريدة "الحرية":
بشير حمادي ساهم في تشكيل المشهد الإعلامي المؤثر في الرأي العام الجزائري
كان بشير حمادي رحمه الله من رعيل من الصحافيين الذين تركوا بصمات كثيرة على وسائل الإعلام وعلى التجربة الإعلامية.
أولا، من ناحية المساهمة في تكوين جيل من الصحافيين هو جيل الثمانينيات الذين ساهموا بعد ذلك في تشكيل المشهد الإعلامي الرئيسي، لاسيما الناجح منه والمؤثر في تشكيل الرأي العام اليوم.
ثانيا، كان أحد الذين يمكن أن يعتمدوا مرجعا في التقيد الصارم بأخلاقيات المهنة وعدم جعلها مطية لا لفوائد مادية ولا سياسية أو سياسوية، بحيث ظل مستقلا في فعله الصحفي، كتابة وإدارة، فلم يكن في خدمة حزب ولا سلطة ولا عصبة.
ثالثا، كان أحد الذين يمكن أن يكونوا مثلا لأجيال أخرى في العمل الصحفي من حيث المهنية الاحترافية وإتقان مختلف الألوان الإعلامية التي مارسها، خاصة التحقيق والحديث الصحفي وفن المقال.
رابعا، كان الراحل أحد ضحايا السلوكيات السياسية للسلطة في مختلف المراحل، والتي حيدت وقيدت الكثير من الذكاء في الساحة الإعلامية وهو ما أدى إلى فتح الباب أمام رداءة مقرفة مخيفة ابتليت بها الصحافة بلاء جللا وهي صارت تدفع للأسف الشديد لليأس من إعطاء الجزائريين وسائل إعلام ذات مصداقية راقية تلبي كل أنواع الطلب الإعلامي وتوفر مساحات جدل إعلامي سياسي في فائدة الدولة وليس السلطة.
لقد منعت السلطة الكثير من العناوين الصحفية والتي كانت ناجحة بالمعايير الإعلامية، وأنهت وجودها بقرار تسلطي، والمخيف أن السلطة أعلنت السير في طريق المصالحة مع من تمردوا على الدولة والقانون ولم تنتهج السياسة نفسها مع الذين اختلفوا معها في مرحلة من المراحل وعملوا في إطار قوانين الجمهورية. من يذكر الجزائر اليوم والحوار والصح آفة وبريد الشرق وغيرها كثير، وقد كان الراحل بشير حمادي أحد ضحايا تلك القرارات، التي كبدته هو ورفاقه خسائر ضخمة من قوت أولادهم.
لقد اضطر الراحل بشير حمادي وشركاؤه على وقف صدور آخر جريدة ترأسها وهي الحقائق لأن شركة الإشهار توقفت عن تزويدها بالمساحات الضئيلة من الإعلانات التي كانت تحولها للنشر بهذه الجريدة وهو أمر لا يتوقف على هذه الجريدة بل مس الكثير من العناوين من دون أي تمييز بين ما يحمل منها قيمة إعلامية وقيمة ثقافية وما هو مجرد عنوان لجمع ما أمكن من أموال الإشهار.
رحم الله الفقيد وسدد خطى رفاقه لإنقاذ الصحافة الجزائرية من براثن الرداءة والفساد المهني والأخلاقي.
* الإعلامي سعد بوعقبة يرثي بشير ببركة دموع:
"كنت أتمنى أن أرحل إلى دار الحق قبلك لتكتب عني بعض ما كتبته في أمك"
في محاولة لاستطلاع كلمة الإعلامي سعد بوعقبة في صديقه بشير حمادي، بدا في حالة تأثر شديد وخانته العبارات، ففضل أن نؤجل الحديث عنه وفاجعة فقدانه لا تزال حديثة، إلا أن عموده نقطة نظام في "الخبر"والذي رثى فيه صديق عمره، كان أكبر دليل على وقع فاجعة الفقد على قلبه،فقد تمنّى لو أنه رحل قبله حتى يرثيه ويكتب فيه بعض ما كتبه في أمه.
"هل من صدق القدر يا بشير أن تكون آخر صورة تلتقط لك وأنا أجلس فيها أمامك، وكان اللقاء مع الزملاء رحايلية وقارة علي، وكانت الجلسة بمبادرة منك، كالعادة، وتأسفت لغياب الزميل مصطفى هميسي عن اللقاء، وتشاء الصدف أيضا أن تكون آية الكرسي معلقة فوق رأسك في هذه الجلسة، كما نبهنا إليها أحد القراء في الفايسبوك".
بشير كانت حياته الخاصة مضرب المثل.. فهو الصحفي القنوع الذي لا يعرف اللهفة على الماديات في هذه الحياة ، فقد مات وهو يسكن في غرفتين بالطابق الخامس بحي العناصر 2،
بشير كان نموذجا في التوثيق والترتيب إلى درجة أننا نعود إليه في كثير من الوثائق.. وكأنه خريج قسم علم المكتبات والتوثيق، وليس قسم العلوم السياسية.. أتذكر أنني أوكلت إليه مع الزميلين عباس محمد ومصطفى هميسي، مهمة تصيح أوراق المسابقة التي أجريناها لاختيار صحفيين شباب سنة 1985.. فهو الذي صحّح أوراق المسابقة لعمر أورتيلان وعثمان سناجقي وعمر كحول وكمال جوزي وشريف رزقي وغيرهم ممن أنشأوا فيما بعد قلعة "الخبر" الحالية! وتشاء الأقدار أن ينقل بشير إلى مثواه الأخير، في نفس اليوم، الذي توزّع فيه جائزة "عمر أورتيلان" للصحافة!.
* الإعلامي محمد بوازدية
كانت الحياة المهنية رفقة بشير جميلة راقية… لا حسابات ولا منافع رخيصة
نعم لقد عرفت الأستاذ المرحوم بشير حمادي في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، يعني لأكثر من ثلاثين سنة. كنت في بدايات حياتي المهنية، وكان بشير رحمه الله قد تجاوز العشر سنوات في مهنة المتاعب. كنت شابا متحمسا وكان هو قد خبر من المهنة ما لم نكن قد خبرنا. وكنا نتعلم منه بقدر ما كنا نتناقش ونتناقش إلى ما لا نهاية… كانت الحياة المهنية رفقة هذا الصديق الطيب الكريم جميلة راقية… لا حسابات ولا منافع مادية رخيصة… كنا فقط نعيش للمهنة وحب المهنة… لا أكثر ولا أقل… والذي أعرفه أن بشير يسكن في شقة صغيرة ولا يزال يسكنها مذ عرفته إلى الآن وهو الذي صاحب الولاة والوزراء وعرف الرؤساء وعرف من عرف، ولكنه لم يكن يخلط بين المهنة وصفائها ومصالح الدنيا التي تأتي من وجهها الصحيح… والذي أعرفه أيضا أن بشير الذي زاول مهنة التعليم قبل أن يلتحق بالصحافة بقي يتمتع بعقلية ونفسية المعلم المربي إلى النهاية… كان بشير إلى جانب هذا وذاك واسع الثقافة… كان أصيلا في خياراته وانتماءاته السياسية والثقافية… رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.
الإعلامي عمار بوريوس مدير الجزائرية الثالثة:
كان بشير أستاذا لجيل كبير من الصحفيين..تعلمنا منه التواضع وحب فعل الخير
لم أعرف بشير حمادي كما كان يجب أن أفعل … عرفته من بعيد في بداية الأمر وكنت ألمحه في ساحة موريس اودان وسط العاصمة رفقة مصطفى هميسي وسعد بوعقبة والراحل محمد الصالح بن حمودة .. كان ذلك مطلع الثمانينات عندما كنت طالبا بجامعة الجزائر وكان هو صحفيا في جريدة الشعب … بعد ذلك بسنوات قصيرة وجدت نفسي أكتب على صفحات نفس المجلة التي كان يكتب لها .. مجلة الوحدة .. لم يحدث أبدا أن رأيت بشير جالسا من دون عمل .. كان يتحرك باستمرار .. إما يقرأ أو يكتب أو يتحدث … وكم كان حديثه مفيدا وممتعا .. كنت أستمع إليه باهتمام كما يفعل التلميذ في مواجهة أستاذه. وكان بشير أستاذا لجيل كبير من الصحفيين . تعلمنا منه التواضع وحب فعل الخير والإحسان ومهنة الصحافة التي بدأت أمارسها أنا ومجموعة من الزملاء في وقت كانت هي على موعد مع تغيير جذري تميز بالانتفاخ والتعددية .. لم يتغير بشير حمادي رغم التحديات والصعوبات ورغم المصاعب بقي مخلصا ومتواضعا … كم كان متواضعا .. أتذكر يوما وكنت في بداية مشواري المهني لما سألني .. وأنت ما رأيك يا عمار .. ؟ كنت أستمع فإذا بي أتحدث في حضرة مجموعة من كبار الصحفيين .. أثنى على كلامي ابتسم لكي يشعرني بأهمية رأيي. تعلمت منه التواضع … ويؤسفني أني لم أعرفه كما كان يجب أن أعرفه وأستفيد منه .. كنت أعتقد أن العمر سيطول. عاش كبيرا ومتواضعا ورحل كبيرا متواضعا … وسيبقى في قلبي أستاذا وصحفيا كبيرا تشرفت بمعرفته قليلا وتعلمت منه كثيرا .. لم يمت بشير حمادي في قلبي وإن رحل عن هذه الدنيا..

* الإعلامية المخضرمة فتيحة زماموش:
"كان يعتبر الصحافة بيته.. لكنه بيت فيه الكثير من النّكران"
آخر لقاء لي مع المرحوم بشير حمادي كان قبل أيام فقط، فرحت كثيرا برؤيته كما فرح لرؤيتنا نحن الإعلاميون الذين اشتغلوا معه، بعد غياب السنوات التقطنا صورا كثيرة بابتسامته المعهودة ومزاحه أيضا، كان يعتبر "الصحافة بيته لكنه بيت فيه الكثير من النّكران" كلمات لا يقولها سوى من قضى تجارب عديدة في مهنة المتاعب وكان يخرج من مشروع إلى مشروع، فهو ظل يصارع من أجل الكلمة، علمني كتابة الروبورتاج، لكنه وللأمانة لا يجامل في المهنة، فقد كان في نفس الوقت يؤنبني على الأخطاء بأخلاق مهنية وإنسانية أيضا، هذا ما جعله يكبر في أعيننا، دوما، الرجل كان متواضعا ولا يشعر الآخر بأنه أعلى منه مرتبة أو هو رئيس تحرير ونحن مجرد صحفيين، كان يضعنا أمام ضمائرنا، خسارة كبرى للإعلام الجزائري، رحمه الله ورحم الله شهداء الكلمة.

* الإعلامي نصر الدين قاسم:
أبكاني أخي بشير مرتين.. يوم رثى أمه بكلام "يدمي القلب" واليوم وهو يفارقنا
كان الإعلامي نصر الدين قاسم أول من رثى المرحوم والصديق بشير حمادي، وفي حديثه ل"الحوار" قال إنه شديد التأثر لوداع صديقه الذي أبكاه مرتين.
"لقد أبكاني أخي بشير مرتين.. يوم كتب عن أمه كلاما مؤثرا "يدمي القلب"، واليوم وهو يفارقنا دون وداع.. وبكاء الرجل لا أخاله عيبا.. فكيف لا أبكيك وكنت لي نعم السند،..كيف لا أبكيك وأنت تعيد لي الأمل في كل مرة، ..كيف لا أبكيك وأنت السباق إلى الخير دائما..كيف لا أبكيك أخي بشير، وقد رحلت وفي نفسك أشياء وأشياء من "مسؤولين" و"زملاء" و"أصدقاء"..
لقد كان بشير طيب القلب دمثا، لا تفارقه البسمة والنكتة أبدا في كل مكان وزمان لم يكن يعرف الحزن والغم والنكد إلى نفسه سبيلا..
عاش بشير شامخا بقلمه وأفكاره، لم ينحن لأحد، ولم يستسلم، ولم ييأس، قلت له ذات مرة وهو يسعى لإصدار مجلة الحقائق، أما آن لك أن تستريح، وتعترف أنه ليس لنا مكان بين هؤلاء، قال لي: "والله ما أستكين لهم، سأظل كأبي اليقظان كلما أغلقوا لي جريدة أصدرت أخرى".. وانطلقنا وظل يسعى لكنه عندما أيقن أن الغلق مطبق قال لي قولته الشهيرة ضاحكا: "يريدونني أن أذهب إليهم صاغرا والله ما ذهبت، وما تذللت". ولم يذهب الرجل ولم يسأل ولم يتذلل ولم يتمسح على الأبواب بل ظل يضحك من "المتداعين" على قصعة بن عكنون، وينكت عليهم.
وحتى عندما بشرني بمعاودته إطلاق الحقائق يومية، كتبت له من المنفى الإرادي كما كان يقول الراحل أحمد الطيب معاش رحمه الله وطيب ثراه: "أبشير أتغير الوضع أم أنت الذي تغيرت" فرد كعادته تعرفني أخي نصرالدين قلت لك أنا كأبي اليقظان..
وقد ظل بشير أبا يقظان زمانه، دائم النشاط والحركة والعمل وكأنه في سن العشرين وقد تجاوز الستين..أخي بشير قر عينا فقد رحلت إلى دار القرار، إلى جنة الفردوس إن شاء الله".

* الإعلامي مروان الوناس من الإذاعة الدولية:
كان يستمتع بإغلاق صفحات جريدته يوميا إلى آخر ساعة من عمره
بشير حمادي رحمه الله هرم من أهرامات الصحافة الجزائرية، رجل مخضرم عاش مرحلة الحزب الواحد مثلما عاش الفترة الذهبية للديمقراطية والانفتاح السياسي.
لقد كان حمادي قلما حرا لا يساوم ولا يخضع للابتزاز لم تثنه مضايقات السلطة عن مواصلة حلم الصحافة فمثلما قال لي يوما إنني لن أتوقف يوما عن ممارستها فحتى عندما علقوا صحيفة الجزائر اليوم صوت الحوار والمصالحة في سنوات الحرب قرر إصدار مجلة الشاطر للأطفال حتى لا يستسلم.
لقد كان أول لقاء مهني معه في 2003 عندما كنت مدير مكتب الرأي الوهرانية هنا بالعاصمة حيث أجريت يومها أول حوار مع الراحل نذير مصمودي العائد لتوه من منفاه الأوروبي ولأن الرأي أوقفتها مطبعة الوسط فقد التقيت الأستاذ بشير رحمة الله وطلبت منه نشر الحوار إكراما لمصمودي الذي لم يكن قد التقاه من قبل فوافق رحمه الله.
رحمة الله عليك لن أنسى كيف هرول إلينا قبل 20 يوما في معرض الكتاب مسلما وممازحا مستعرضا عصا السيلفي التي كان يحملها.
بشير حاولت أكثر من مرة إخراجه من مكتبه وإدخاله ضيفا إلى استوديو الإذاعة الدولية فكان يرد بأنه يجد صعوبة في مغادرة مكتبه وعالم صحيفته التي ظل يشرف ويستمتع بإغلاق صفحاتها يوميا إلى آخر ساعة من عمره.

* الدكتور عبد السلام عليلي باحث في شؤون الإعلام:
حمادي خص الإعلام على المستوى التشريعي والقانوني والتنظيمي والاقتصادي باهتمام خاص بفكره المتزن
بشير حمادي إعلامي محنك، صادق، وكاتب مطلع، كانت له بصمة خاصة في تطور المشهد الإعلامي الجزائري. وقد خص الراحل بشير حمادي التحولات التي يعرفها الإعلام الجزائري على المستوى التشريعي والقانوني والتنظيمي والاقتصادي باهتمام خاص، بفكره المتزن، وحسه الناضج، وعمله الدؤوب، وجهوده المتواصلة، ومساهماته الوافرة للرقي بالإعلام الجزائري، وذلك من خلال مختلف المواقع التي عمل بها. وقد كان همه الأساسي هو النهوض بحرية الصحافة وضمان الكرامة للصحافي المهني، وتأطير المهنة بتشريعات تواكب منحى التطور الديمقراطي، وحاجيات المجتمع لإعلام راق يستوعب كل الروافد الثقافية والفكرية والتعددية السياسية وحاجيات التقدم والتنمية. فقيد الإعلام الجزائري كان بسيطا في حياته وفي معاملاته، لكنه كان عميقا في تفكيره ومعالجته لأعمق الإشكالات السياسية والمهنية والفكرية بفضل اطلاعه الواسع بخبايا سياسية وطنية وإقليمية ودولية اعترف له البعيد قبل القريب بتميزه فيها. إن الراحل بشير حمادي الذي يعد عميد الصحافة الجزائرية بامتياز وأيقونتها النادرة، ساهم بحنكته ورزانته في توجيه بوصلة الإعلام الجزائري، ودافع عن الهوية الوطنية من موقعه الإعلامي المتقدم، وشكل بذلك ضمير الإصلاح في مجال الصحافة، ومرجعا في مسار تقدم الإعلام الوطني، وذاكرة حية في الإعلام الجزائري منذ بداياته التحديثية. كما قدم الراحل بشير حمادي دروسا في الوطنية الصادقة بنزاهته وتحاليله الثاقبة وانشغاله الدائم بالشأن العام في كل خرجاته ووفائه للرسالة الإعلامية وصراحة مواقفه.

* زين العابدين بوعشة كاتب صحفي بالتلفزيون الجزائري:
حمادي كانت تسعده الحرية وإن كانت مجرد نسمات
آخر مرة التقيته كانت في شهر أكتوبر الماضي بمقبرة قاريدي بالعاصمة، في جنازة إحدى أقاربي وسلمت على الأستاذ حمادي وكان مبتسما على عادته وهو يقدم واجب العزاء للعائلة… بشير حمادي عميد الصحافة الجزائرية – بالنسبة لجيلي – عرفته في منتصف الثمانينات بجريدة "الشعب" حيث كان يشغل منصب رئيس تحرير، وكان يوقع عموداً يحمل عنوان "لحظة تأمل" على الصفحة الأخيرة، مشهراً قلمه في وجه التيار الفرنكوفيلي وأعداء اللغة العربية، علماً أن بشير حمادي كان يتقن اللغة الفرنسية… وبين عامي 1991 – 1992، عملت معه (كمتعاون إلى جانب عملي الدائم بالتلفزيون) في يومية "الجزائر اليوم" (الجريدة الخضراء) كما كنا نسميها، وكان بشير حمادي من مؤسسي جريدة "الجزائر اليوم" مع الأستاذ علي ذراع، في غرة نوفمبر1991، وقد شغل بشير حمادي منصب رئيس تحرير بيومية "الجزائر اليوم" قبل أن تختفي قسريا..
سُئل بشير حمادي ذات يوم: ما الشيء الذي يسعدك في الصحافة الجزائرية وما الشيء الذي يحزنك فيها ؟فقلت: تسعدني الحرية وإن كانت مجرد نسمات لا نشعر بها.
تشاء الأقدار أن يرحل أحد عمالقة الصحافة الجزائرية في وقت تمر فيه معظم الصحف الخاصة بوضعية صعبة. رحمه الله سيبقى رمزا لجيل ناضل من أجل الصحافة المستقلة والحرة بالجزائر.

جمعتها: سامية حميش/ سمير تاملولت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.