– منظر الأطفال خلف طاولات الخضر أو سلل الخبز على الطرقات السريعة أضحى مألوفا – بن براهم: الفعل يدخل في خانة استغلال الأطفال وقانونيا يعد جريمة – فاسي: إجبار الطفل على العمل مضرة للمجتمع برمته انتشرت ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر بصورة رهيبة لم تنفع معها القوانين الردعية ولا حملات التحسيس، وبات منظر الأطفال خلف طاولات البيع في الأسواق أو سلل الخبز على الطرقات السريعة منظرا مألوفا خاصة في الشهر الفضيل الذي يتزامن والعطلة الصيفية، ورغم الجهود المبذولة لتقليل الظاهرة إلا أن صورة طفل يحمل سلة خبز ليعيل أسرته لم تعد تثير شفقة أحد خاصة بعد تدني القدرة الشرائية للكثير من الأسر الجزائرية التي لم تعد تجد مانعا في إدخال أطفالها مبكرا لعالم الشغل الذي سرق طفولتهم وأدخلهم دوامة البيع والشراء من الباب الضيق. الظاهرة بذرة أزمة نفسية لرجل المستقبل وتكشف الأخصائية النفسية زهرة فاسي ل "الحوار" ما مدى خطورة استغلال الطفل في سنه المبكرة على الناحية النفسية والبيولوجية لهذا الأخير، وتضيف فاسي أن عمالة الأطفال تعود إلى أسباب مختلفة اجتماعية وثقافية ونفسية ..الخ، فالغريب أننا نشهد رغبة جامحة من طرف الطفل للعمل خارج إرادة الأولياء وبعيدا عن مراقبتهم – كنقطة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار- بهدف جمع الأموال لشراء ألبسة أو هاتف نقال وما شابه ذلك، ومن بين تلك الظروف الاجتماعية نجد فك الرابطة الزوجية أو الأم المطلقة التي تدفع بأطفالها للعمل لتوفير مصادر دخل إضافية لإعانة العائلة المعوزة، وكذا بعض الآباء التجار الذين يقحمون أبناءهم في التجارة منذ الصغر كمساعدين في العمل الربحي، وفي نفس السياق تضيف فاسي أنه لا يمكن إخفاء هذا الأمر بسبب نتائجه الوخيمة على نفسية الطفل، حيث سيتعود على الأموال وعلى الزبائن وبالتالي سيبتعد عن المدرسة ويرسب في الدراسة ولا يعيرها أي اهتمام، باعتبار أن المال هو الهدف والقيمة الكبرى في معيار السوق، ومنه ستتجذر الثقافة المادية في ذهن الطفل منذ نعومة أظافره، ما يقوض السلم القيمي والفضيلة في تعامل الطفل مع حاجياته ومجتمعه، وفي نفس السياق تضيف الأخصائية النفسية فاسي مثلما نجد في الشهر الفضيل "رمضان"..الآباء الذين يفرضون على أبنائهم بيع "المطلوع" في الطرقات غير المؤمنة، وأيضا الازدراء الذي قد يقابل به الطفل العامل من قبل أصدقائه أو نظرة المجتمع له التي قد تشكل له عقدة نفسية تجعله منطويا عن الحياة الاجتماعية برمتها، وهذا ما يتسبب في التسرب المدرسي، كما تؤكد فاسي على أن ظروف العمل الشاقة قد تؤثر على بنيته البيولوجية وتشكل له عاهة تحرمه من مزاولة حياته بطريقة عادية، خصوصا أن التلاعب بهذا الأخير حسب -فاسي- يعني تهديم النسيج الاجتماعي للدولة وزعزعة الاستقرار القيمي للطفل، فالأطفال رجال المستقبل وجب صون كرامتهم وحفظ حاجياتهم. كما لا يجب أن ننسى الأطفال اللاجئين في الجزائر، سواء من الدول الإفريقية أو سوريا في حمايتهم وتوفير لهم ظروفا لائقة للمبيت والمأكل والمشرب.
* وجب تفعيل النصوص القانونية لصون كرامة الطفل في الجزائر ومن جهة أخرى تؤكد المحامية فاطمة الزهراء بن براهم أن الفقر عامل رئيسي وأساسي في عمالة الأطفال خصوصا إذا كان البيت الزوجي غير مستقر نتيجة لظروف اجتماعية قاسية، وهناك صنف آخر يتحدد في الأهل الذين يفرضون على أبنائهم العمل، كما توضح المحامية أن هذا الفعل يدخل في شق استغلال الأطفال وهذه جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات الجزائري، ولكن لم نر إلى حد اليوم أناسا قدموا للمحاكم في هذا الشأن أو عوقبوا نتيجة لهذا الفعل حيث تبقى نسبة جد ضئيلة، وهنا يبقى السؤال مطروحا رغم وجود نصوص قانونية تعاقب مثل هكذا أفعال وتنظم هذه العملية، وبالتالي تطفو للأفق إشكالية التطبيق في القانون الجزائري في كل مرة، تضيف بن براهم أن القانون يسمح بعمالة الأشخاص الذين لا يقل سنهم عن 16 سنة فقط في جانب التكوين المهني، يعني كمتربصين في إطار رسمي، كما توضح بن براهم الفراغ الحاصل في منظومة حماية الطفل في الجزائر المتمثلة في غياب هيئة مكلفة ومختصة في مراقبة سير حياة القصر، مشددة على ضرورة توفير آليات قانونية وموضوعية وتقنية لحماية الطفولة منتهكة الحق، التي وصلت حد استغلالها في الدعارة، خصوصا وأن الجزائر موقعة على الاتفاقيات الدولية المنوطة بمحاربة استغلال الطفولة. بالرغم من أن مراقبة الحياة الاجتماعية ليس بالأمر السهل تقول المحامية. وفي نفس الاتجاه تشدد بن براهم على حتمية التكفل بالأطفال اللاجئين الذين نراهم للأسف يتسولون في الطرقات العامة من جنسيات مختلفة، فمن الواجب محاربة هذه الظاهرة وحفظ كرامة الطفل اللاجئ.
* عمالة الأطفال ..ظاهرة عالمية وأحيت المنظمة الدولية اليونيسيف قبل أيام فقط اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال الذي يوافق 12 جوان من كل سنة، ويعتبر هذا الفعل من الظواهر الاجتماعية التي أخذت أبعادا كثيرة في الوقت الراهن، حيث استفحل هذا الأمر في البلدان النامية بالدرجة الأولى بسبب الاحتياج والفقر الذي دفع بالعائلات إلى التخلي عن أطفالهم ورميهم في الشوارع خصوصا في البلدان التي تشهد ظروفا غير إنسانية كالحروب والمجاعة، ما ولد استغلالا من نمط آخر ألا وهو الهجرة ولجوء الأطفال لوحدهم إلى بلدان غريبة عنهم، وهذا بغض النظر عن القوانين الصارمة التي تتخذها كل دولة، ورغم أن العديد من الاتفاقيات الدولية والمواثيق العالمية والترسانات القانونية التي قد حرمت الاستغلال الاقتصادي للأطفال تحت أي شكلٍ من الأشكال، نظرا للآثار الوخيمة المؤثرة على نفسية الطفل ونموه السليم من جراء هذا الفعل إلا أن الظاهرة لا تزال مستفحلة. وفي ذات السياق أعلنت "اليونسيف" في بيان صدر عنها على شكل تقرير جديد، بأن العدد العالمي للأطفال اللاجئين والمهاجرين بمفردهم قد وصل إلى مستوى قياسي، حيث ازداد بما يقارب الخمسة أضعاف منذ 2010. وقد تم تسجيل ما لا يقل عن 300,000 طفل بدون مرافق ومنفصل عن ذويه في 80 دولة خلال السنتين 2015 و 2016 مجتمعة، بالمقارنة ب 66,000 في 2010 و2011. وفي سياق آخر يكشف تقرير اليونيسيف أنه تم اعتقال 100,000 طفل غير مصحوبين بذويهم على حدود الولاياتالمتحدةالأمريكية -المكسيك في سنتي 2015 – 2016، وما يقارب 170,000 طفل تقدموا باللجوء في الدول الأوروبية ما بين سنة 2015 -2016، بنسبة بلغت ٪92 وصلوا إلى إيطاليا عبر البحر في 2016 وفي الشهور الأولى من2017، وكذا يشكل الأطفال ما يقارب 28٪ من ضحايا الاتجار بالبشر في العالم، كما تحصد إفريقيا في جنوب الصحراء الكبرى وأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي أعلى النسب في ضحايا الاتجار بالبشر وذلك بنسبة ٪64 و٪62 على التوالي. وفي هذا الصدد يقول جاستن فروسيث، نائب المدير التنفيذي لليونيسف "إن عديمي الرحمة من المهربين والمتاجرين بالبشر يقومون باستغلال ضعفهم من أجل مكاسب شخصية، فهم يساعدون الأطفال على عبور الحدود من أجل بيعهم بغرض الرق أو البغاء القسري. وإنه لمن انعدام الضمير ألا نقوم بحماية الأطفال وبشكل كاف من هؤلاء المفترسين".