بعد مرور 41 سنة على رحيله: الجزائر ما زالت تنبض بالحس البومديني
* عميمور: من كان يعتبر أنه خليفة بومدين لم يحتفل بذكرى وفاته * بلغيث: سيظل رمزا من رموز القرن العشرين
تحل اليوم ذكرى ال 41 لرحيل الرئيس الأسبق هواري بومدين، الذي وافته المنية في 27 ديسمبر عام 1978، ويعد ثاني رئيس للجمهورية الجزائرية بعد استرجاع السيادة الوطنية. واسمه الحقيقي محمد بوخروبة، وهو من مواليد مدينة ڤالمة في 23 أوت 1932، حكم الجزائر من 19 جوان 1965 إلى غاية وفاته في 27 ديسمبر 1975، حيث ذهب من استطلعت “الحوار“ آراءهم حول شخصية وحكم الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين على أن الجزائر لم تحد عن النهج البومديني، بل واصلت مسيرتها وفق المبادئ التي أسست عليها منذ خروج الاستعمار من على أرض الجزائر، سواء في سياستها الداخلية وكذا على المستوى الخارجي، في حين يرى البعض الآخر أنه تعرض إلى تعتيم إعلامي، حتى من الذين جعل منهم شيئا يُذكر، ولكنهم جسدوا جحودا وإنكارا للخير، لعله هو الذي وضعهم في خانة من قالت عنهم الجماهير “يتنحاو ڤعْ“. ماذا بعد 41 سنة من رحيل الزعيم هواري بومدين، هذه الشخصية التي صنعت وزنا للجزائر عربيا، إقليميا، إفريقيا ودوليا؟؟؟ الجزائر لم تفقد بوصلتها.. بل تعثرت وستنهض قريبا وفي هذا الصدد، أكد المؤرخ محمد الأمين بلغيث، في تصريحه ل “الحوار”: مخطئ من يعتقد أن الجزائر قد دخلت في نفق مظلم، وأنها تفقدت الروح النوفمبرية، بل فقط عثرات تعرضت لها، وسرعان تعيد مجدها وبريقها قريبا، وقال بلغيث: ذهب الرجل وبقي الأثر متجذرا في عمق الاستراتيجية التي تسير في فلكها الجزائر، رحل الرجل وآثاره باقية راسخة في الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري، ويضيف المتحدث ذاته: إن الرئيس الأسبق للجزائر هوراي بومدين سيظل رمزا من رموز القرن العشرين، شئنا أو أبينا، ويكفي أنه استطاع الحفاظ على المال العام وحماه من الفساد، ويبقى حيا في وجدان الحس الجماعي للشعب الجزائري. بن جديد ليس مسؤولا مباشرا في التعتيم على بومدين وفي سؤال “الحوار”، حول: هل حافظت الجزائر على نهج الراحل هواري بومدين؟، قال المؤرخ الدكتور محيي الدين عميمور: لا أتصور ذلك، إن لم أقل إنها كثيرا ما تناقضت معه، وحدث عندنا ما حدث بشكل مشابه في مصر بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وربما كان الفارق أن أرض الكنانة كان فيها محمد حسنين هيكل، الذي حرص طوال أكثر من نصف قرن على التذكير بزعيمه الراحل، وكان فيها الكثيرون من تلاميذ عبد الناصر الأوفياء، ممن تخلص منهم فيما بعد الرئيس الجديد. لكن هناك شيئا أسجله للأمانة التاريخية، يقول دكتور محيي الدين عميمور، وهو أن الرئيس الشاذلي بن جديد ليس مسؤولا بشكل مباشر على التعتيم الذي عانى منه تاريخ هواري بومدين، ولا عن الانحراف الاقتصادي الذي عرفته الجزائر بعد ذلك في الثمانينات، فقد تحالفت التوجهات الفرانكولائكية وبذور الرأسمالية الطفيلية وعناصر النزعة البربرية لتوجه الاتهامات من كل نوع لبومدين، ولم يكن ذلك مجرد تعبير عن كره الزعيم الذي كان يقول بأنه ليس مدينا بشيء فرنسا، ولأنه عمل على أساس أن اللغة العربية هي الإسمنت القوي الذي يجعل الوحدة الوطنية بناء راسخا كجبل لا تهزه ريح. كرههم لبومدين.. هدموا إنجازاته الاقتصادية هذا، وأضاف المؤرخ ذاته أن الهدف كان أكبر من ذلك، وأشد خطورة، وتركز على تدمير الإنجازات الاقتصادية الكبيرة التي كانت الأساس الاقتصادي والاجتماعي للطبقة الوسطى، وهي إنجازات يجب أن نعترف بأنها كانت تعاني من خلل كثير نتيجة لسيطرة الروح البيرقراطية التي تتغذى من عجز الإطارات على تسييرها، حيث ظن كثيرون أن مجرد معرفة اللغة الفرنسية ضمان للخبرة التكنولوجية والمعرفة العلمية، وكان الرئيس الراحل يستعد لإجراء تعديلات كبرى في مؤتمر الحزب نهاية السبعينات. هذه الأسباب التي فجرت أحداث أكتوبر 1988 وواصل عميمور يقول: والذي حدث هو أننا، بعد وفاته، تصرفنا كمن يهدم المستشفى لأن أداءه لم يكن في المستوى المطلوب، بدلا من تغيير الإدارة أو تحسين الأجهزة او تحفيز الممرضين. وهكذا حثت الردة التي قادتنا إلى أحداث 1988 ثم العشرية الحمراء، وعرفنا تداعيات ذلك في العقود التالية، التي وضعت البلاد في يد عصابة لا دستورية عبثت بكل شيء، وما حدث هو مسؤولية يتحمل جانبا كبيرا منها كل رفقاء بومدين، وخصوصا أولئك الذين جعل منهم شيئا يُذكر، ولكنهم جسدوا جحودا وإنكارا للخير، لعله هو الذي وضعهم في خانة من قالت عنهم الجماهير “يتنحاو قعْ”. لم توضع حتى باقة ورد على قبره في ذكرى وفاته ال 40 ومن المؤلم، يقول المؤرخ الدكتور محيي الدين عميمور أن الدولة التي كان على رأسها من كان يعتبر نفسه خليفة بومدين، يقول عميمور لم تحتفل أبدا بذكرى وفاته، وآخرها الذكرى الأربعون، وهو ما ينطبق على آخرين لم يتذكروا الزعيم الرحل بوردة على ضريحه في ذكرى وفاته. ولن أذكر بانهيار الإنجازات الاقتصادية وتآكل المشروعات الاجتماعية، فالهدف كان خلق طبقة رأسمالية شرهة، كان الرئيس قد حذر من قيامها قائلا إنها ستكون أسوأ من الكولون في العهد الفرنسي، وهكذا وصلنا إلى عصر الرداءة، كما قال عبد الحميد مهري.
في الليلة الظلماء يُفتقد البدر وفي رده عن إمكانية سرد بعض مواقف وخصال الرحل التي لم تكشف عنها سابقا في الإعلام، قال المؤرخ الدكتور محيي الدين عميمور: لن أستطيع أن أكرر ما قلته منذ نحو أربعين سنة، شفويا وكتابيا وتلفزيا، وأكتفي بالقول إن مشاعر الشعب في المراحل الماضية كانت تجسيدا لمقولة: في الليلة الظلماء يُفتقد البدر.