روبورتاج/سامية حميش يختار بعض الأزواج اليوم الاحتفال بنهاية زواج غير سعيد، والخلاص من ارتباط لم يعرفوا فيه معنى للسعادة أو الاستقرار، بإقامة حفل طلاق للأصدقاء والمقربين، فحينما تستحيل العشرة الزوجية وتتسم بالفشل والمعاناة، يتحول أبغض الحلال إلى حدث سعيد يستحق الاحتفال حسب هؤلاء، تعبيرا عن الفرحة بالحرية وبداية عهد جديد. وإن كانت مثل هذه الحفلات تنظم في مجتمعنا الجزائري المحافظ في أضيق الحدود، فهي على عكس ذلك تعرف انتعاشا كبيرا في باقي الدول العربية و تشرف عليها شركات تنظيم حفلات الزفاف !! لم تتردد نادية- 35 -سنة في دعوة صديقاتها وزميلات المهنة المقربات إلى احتفال صغير بمناسبة حصولها على الطلاق" لم أسمع يوما بمثل هذه الحفلات لا في الجزائر ولا في أي مكان في العالم، لكن المبادرة جاءت من تلقاء نفسي تعبيرا عن فرحتي الغامرة بحصولي على الطلاق بعد سنتين من جحيم الانتظار والجري في المحاكم،كان زوجي خلالها يحاول كل جهده دفعي لطلب الخلع، حتى أتنازل له عن كل حقوقي وأخسر كل شيء، وكنت فعلا سأستجيب له لولا تحذيرات محاميتي التي طالبتني بالصبر، لأن حقي في الطلاق مكفول بسبب استيفاء الشروط، فطليقي لم يكن ينفق على البيت ولا على الأولاد، وظل يعتمد على مرتبي لسنوات طويلة، لا نرى أنا وأولادي من مرتبه فلسا واحدا..وأخيرا تنفست الصعداء لأنني حصلت على ورقة الطلاق ولم أضطر إلى طلب الخلع كما كان ينوي زوجي السابق." وعن ردود فعل المدعويين، قالت:"منهن من استغربت، لكن معظمهن تفهمن الوضع لما عرفنه عن معاناتي مع طليقي طيلة سنوات، فأنا كنت وحدي المسئولة والمعيلة، بينما عاش هو لنفسه، لا أنكر أن هناك من استاء في مكان عملي للمبادرة ، خصوصا من جنس الرجال، حيث قالوا أنها بدعة وتخوف بعضهم من تحولها إلى تقليد، إلا أني لم آبه لكل تعليقاتهم لأنني وحدي من تضررت وعشت المعاناة. الخلاص من زوج خائن..يستحق الاحتفال عايدة هي الأخرى لم تسعها الدنيا فرحا، حينما حصلت على طلاقها من زوجها السابق محمد، تنهمر دموعها وديانا كلما تذكرت صنيعه معها بعد عشرة زوجية طويلة دامت 19 سنة، حيث اكتشفت خيانته لها مع فتاة تصغره بعشرين سنة، صرف عليها كل أمواله وكتب لها السيارة باسمها، رغم أنها ساهمت في شراءها، تقول عايدة:" لم أستمتع بمرتبي كما تفعل النساء ولا بملابس على الموضة و عطور و ماكياج، بل ادخرت له مرتبي لأساعده على شراء سيارة للعائلة، لكنه وبعد أن عرف الفتاة الأخرى وعاش مراهقة جديدة معها أهداها سيارة أولادنا، وبقيت أندب حظي وأتحسر على سنوات عمري التي ضاعت هباء، وحتى بعد أن ضاقت بي الدنيا وسئمت عشرته، تعنت ورفض منحي الطلاق، فكيف لا أفرح اليوم وقد ارتحت من حبل ظل يضغط على أعصابي سنوات طويلة ولم يجلب لي سوى الأذى النفسي والمعنوي. اكتفت عايدة بإقامة مأدبة عشاء لضيوفها من الأهل والأحباب قدمت فيها كل ما لذ وطاب وأصرت أن يكون طبق التحلية "لحم حلو" حتى تكون أيامها القادمة حلوة. حفلة طلاق ب" فرقة مسامع" طبعت فضيلة أحلى بطاقات دعوة لحفلة طلاقها، وبمجرد أن تلقتها صديقاتها وزميلاتها في العمل، حتى انفجرن ضاحكات لما فعلته،خاصة وأنها أكدت في الدعوة حضور فرقة "مسامع"، أما هي فكان مبررها المعاناة التي تجرعتها لسنوات طويلة:" تعسف زوجي ورفض منحي الطلاق لأكثر من ثلاث سنوات، كان محسوبا علي كرجل، لكنه في الواقع كان عالة علي، فأنا من تحمل المسئولية داخل البيت وخارجه، حتى أولادي الثلاثة ربيتهم لوحدي، أما هو فكنت أقول دائما أنه الطفل الرابع المدلل الذي لا يحرك ساكنا ويتكل علي في كل صغيرة وكبيرة وكأني أمه لا زوجته، لم يفلح في شيء طيلة حياته، ساعدته كثيرا ليقف على رجليه، لكنه لم يخيب ظني يوما في إثباته المستمر للفشل، إلى أن ضقت درعا بهذا الزواج الذي لا يشبه أي زواج. وبعد نطق القاضي بحكم التطليق لم أصدق أنني أصبحت حرة وتخلصت من عبء كبير أثقل كاهلي لسنوات طويلة، لم اشعر بأي حزن كما كنت أسمع عن المطلقات ولا بالندم، فالزواج الفاشل قيد ولا يجب أن يستمر لأنه كلما طال كلما ضغط أكثر على الطرف المتضرر سواء كان رجلا أو امرأة. أقامت فضيلة حفلتها الصغيرة و المتواضعة بحضور مقربات من الصديقات والزميلات اللواتي تقاسمن معها الهموم وكانوا لها سندا وعونا، وأطرف ما في الموضوع أنها تلقت منهن هدايا خاصة لتكتمل فرحتها في هذا اليوم الذي اعتبرته مميزا وبمثابة ميلاد لمرحلة جديدة في حياتها. وتتابع ضاحكة:" في الخارج تلبس المطلقة فستان عرس، لكنني اكتفيت بلبس طاقم تقليدي جميل، وفي فرنسا تقدم كعكة احتفال الطلاق التي تشبه كعكة الزواج، مع وجود اختلاف بسيط هو أن الزوج الذي يرافق الزوجة بطاقم العرس على أعلى الكعكة في حفلات الزواج يتدحرج من أعلى الكعكة في حفلات الطلاق. * عائشة بلحجار رئيسة المنتدى العالمي للمرأة المسلمة: حفلات الطلاق استهانة بمكانة الأسرة واعتبرت عائشة بلحجار رئيسة المنتدى العالمي للمرأة المسلمة في تصريحها لمجلة"الحوار" أن بروز ظاهرة الاحتفال بالطلاق في الجزائر، إنما يؤشر لتفتيت قداسة الأسرة نتيجة لعولمة هيمنت على المجتمعات بصفة عامة، حتى أصبح كيان الأسرة اليوم يقل أهمية بالنسبة للمرأة والرجل على حد سواء. "ونركز على المرأة، لما لها من دور فطري في الحفاظ على كيان الأسرة واستقرارها أكثر من الرجل، ونتأسف لأن التيار الجديد للعولمة صور للمرأة أن حريتها تكمن في التخلص من قيود الرجل والتزامات الأسرة ومسئولية الأطفال، لكن المرأة تبقى في كل الأحوال بحاجة إلى أسرة تؤويها وتحميها حتى في حال الطلاق، ولولا ذلك فستبقى ضعيفة"، و أضافت بالحجار" نبقى دائما في أمس الحاجة إلى الأسرة، لأنها أكبر من علاقة رجل بامرأة ،أما الحرية فلا نجدها في غير العلاقات الاجتماعية والأسرية، لذا علينا ألا نستسلم للمفاهيم المسمومة التي يحاول النموذج الغربي أن يسوقها لنا.كما يتوجب علينا الحفاظ على مكانة الأسرة وقداستها، وإقامة الحفلات فرحا بالطلاق لما يحمله ذلك من استهانة بالمعاني المقدسة للزواج وللأسرة." ولم تنف بلحجار تعرض الكثير من النساء الجزائريات إلى الغبن من طرف أزواج لا يصونون العشرة ولا يقدسون الرابطة الزوجية،تماما كما يوجد رجال عانوا من زيجات فاشلة، لكن مهما كان مصير الزواج " علينا ألا ننساق وراء النموذج الغربي ولا يجوز إقامة مظاهر الاحتفال على أنقاض أسرة هدمت". * الأخصائية الاجتماعية سميرة السقا: الاحتفال بالطلاق يعكس تراجع دور الرجل في المجتمع أرجعت الأخصائية الاجتماعية سميرة السقا احتفاء النساء بالطلاق إلى جملة من الأسباب، أهمها ظلم الرجل للمرأة كاستيلائه على مواردها المالية وتعنيفه لها واتخاذه لقرارات تعسفية في حقها، وكذا إلى إهماله لواجباته الأسرية كحال بعض المدمنين على المخدرات. وأكدت سميرة أن تعديلات قانون الأسرة وصندوق المطلقات سهل مسألة الطلاق في بلادنا، فلم يعد يخيف النساء إلى درجة أعطى فيها الحرية للمرأة في تحديد مصيرها، مما دفعها إلى تجاوز الخطوط الحمراء وإقامة الاحتفالات فرحا بالطلاق، مشيرة إلى تفشي حالات الطلاق في ظل تراجع دور الرجل وانتشار ظاهرة المرأة القوية والمتسلطة والمستقلة ماديا في المجتمع، مقابل تراجع كبير في شخصية الرجل وقوته ، مما أدى إلى استغناء هذا النوع من النساء على أزواج لا يقومون بأدوارهم في الحياة. واعتبرت السقا، أن الخلع الذي تحصل عليه المرأة بسبب تعسف الرجل في تطليقها هو سبب فرح النساء، فالمرأة التي تصل إلى حد أن تفتدي نفسها بالمال، من المؤكد ستفرح بحصولها على حريتها.لكن إقامة حفلات للطلاق فيه استهانة كبيرة بالرابطة الزوجية وعادة دخيلة على المجتمع الجزائري. * الرأي المعاكس أليس من حق المرأة أن تفرح؟! الرأي المعاكس للأخصائية النفسية أمنة منصوري، قالت فيه "من يدرك المعاناة التي تعانيها النساء في سبيل الحصول على الطلاق يدرك أن أي رد فعل هو طبيعي، فإذا كانت المرأة وهي التي تكره الطلاق وتبعاته هي من طلبته وأصرت عليه، فهذا يعني أنها قاست الأمرين فقد يكون هذا الزوج سليط اللسان أو مدمن أو يضربها أو بخيل جدا أو أي سبب آخر هي من عاشت وقاست مع زوج لا ترغب أن تكمل مسيرة حياتها معه أليس من حق المرأة أن تفرح ولو قليلا بعد معاناة كلفتها شهور أو سنوات من عمرها مع زوج غير مناسب، لماذا لا نحاسب الرجل إذا أقام عرسا بعد طلاق الأولى بأيام أو أسابيع أليس يعتبر احتفالا ببداية حياة جديدة انظروا لها نفس النظرة فمن حق أي إنسان أن يفرح بالطريقة المناسبة طالما أنها لا تؤذي مشاعر الآخرين خاصة إذا لم يوجد أبناء.