❊"انتهت اللعبة".. "استعدت نفسي"... تعابير للفرحة ❊الاحتفال علامة على عدم اكتمال التعافي ❊المقاومة الاجتماعية تسيئ للمطلقة في حد ذاتها ❊الاحتفال علنا قد يتحول إلى جنحة كان الطلاق، في وقت مضى، يُعد واحداً من "المحرمات الاجتماعية" التي يُتهامس بها في المجتمعات العربية. وكان الوصول الى هذه المرحلة آخرَ محطة بعد محاولات عديدة لإنجاح علاقة يمكن أن تكون فاشلة تماماً؛ بسبب عدم التوافق، أو بلوغ حد المشاكل التي لا رجعة فيها. لكن مع تغير الأنماط الاجتماعية وانتشار منصات التواصل، برزت في الآونة الأخيرة، ظاهرة جديدة مثيرة للجدل، وهي "الاحتفال بالطلاق" ! غريبة في معناها، لكن حقيقة تُتداول بين فتيات الجيل الحديث، وحتى من جيل أقدم منه. حيث يخرج البعض لاستعراض ذلك من خلال احتفال عبر المنصات؛ فهل هو إعلان عن التحرر من علاقة سامة، أم تراجع لقيم الأسرة؟.. وبين مؤيد ومعارض للأمر تتحول هذه الظاهرة إلى مساحة لنقاش اجتماعي عميق، وواقع عن تحوّل النظرة الاجتماعية إلى الزواج. ويبدو أن الطلاق لم يعد في العالم العربي وحتى بين بعض النساء في الجزائر، مجرد لحظة صامتة تُطوى تفاصيلها خلف أبواب المحاكم، بل تحولت الى مادة دسمة لحديث الكثيرين لأشهر طويلة، وفي حالات أخرى تتحول الى مناسبة للاحتفال والفرحة؛ كأنه نوع من التعبير عن النجاة من علاقة مليئة بالأزمات. وفي الجزائر، كما هو الأمر في دول عربية أخرى، تتكرر مشاهد حفلات الطلاق يوما بعد يوم وإن كانت محتشمة، لكنها تبرز تدريجيا، وبفستان، غالبا، أسود، وديكور، وكعكة هي الأخرى باللون الأسود مكتوب عليها "أخيرا حرة" او "احتفال طلاق"، وغيرها من العبارات التي توحي بفرحة المحتفلة بتلك اللحظة، تتكرر تلك المشاهد... الغريب فيها أنه يتم تخليد تلك الذكرى عبر فيديوهات، ونشرها في المنصات، بل والأغرب من ذلك ظهور حشد من الضيوف المدعوين لتلك الحفلة، الذين يُعربون عن فرحتهم هم الآخرون بذلك اليوم؛ من خلال زغاريد وتصفيقات ورقص، وغيرها من تعابير البهجة في يوم كان في زمن ماضي، سبب مأساة حقيقية خصوصا للمرأة. ومهما كان الدافع اليوم وراء بلوغ الطلاق، إلا أنها مرحلة لم تكن قطُّ سهلة على قلب المرأة. فما الذي يدفع أشخاصا، خاصة النساء، لتحويل الانفصال إلى لحظة انتصار؛ هل هو تحوُّل في القيم، أم وسيلة جديدة للتعبير عن مقاومة القهر، أم انتفاضة من واقع مرير كان معيشاً خلال العلاقة الزوجية؟ تساؤلات رفعتها " المساء " الى بعض الخبراء، لقراءةٍ في تلك الظاهرة، التي زادت، فقط، من حدة الحصيلة المسجلة سنويا عن عدد حالات الطلاق المرفوعة في المحاكم. هذه مبررات الطلاق... ظاهرة "الطلاق المعلَن والمُحتفًى به" تكررت مؤخرا في ولايات مختلفة، وبصفة غير بارزة تماما بين شخصيات مألوفة، وإنما، فقط، بين عدد من رواد تلك المواقع. يبدو بعضها لنسوة عشن عنفا، أو اضطهادا أسريا، أو الإهانة، أو التهميش. وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا في إبراز هذه الظاهرة؛ حيث تُنشر صور ومقاطع من "حفلات طلاق" أو "جلسات احتفالية مع الصديقات" ترافقها عبارات مثل: "انتهت اللعبة"، "استعدتُ نفسي"، أو حتى "رجعت نعيش" . وفي هذا الصدد قالت مرام خربوش، مختصة نفسانية، إن الاحتفال بالطلاق يمكن أن يكون مؤشرا على تعافٍ نفسي، لكن شريطة أن لا يتحول الى استعراض جارح للطرف الآخر، والقيام بذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي. والتشهير بالأمر ليس بالسلوك الصحي أبدا، بل هو دليل على وجود مشكل نفسي لم يتعاف منه حقيقة الطرف المحتفِل، بل محاولة للمساس بكرامة الطرف الآخر، أو الشماتة فيه، أو فقط توضيح أن الأمور تحت السيطرة، ولا مشكل في الفراق. كما تحاول أخريات تحويل اللحظة الى لحظة فرح، وتوضيح للطرف الثاني أن الأمر لن يكون أبدا نوعا من "الدراما" ، بل الأمور بخير، والفرحة لا توصف؛ كأنه تم إزالة عائق أو حمل أو عبء كبير من حياة المحتفِل. وأضافت المختصة أن بعض المطلقات يحتفلن لا لأنهن يكرهن الزواج كمؤسسة، بل لأن التجربة كانت جارحة. ومحاولة من خلال تلك التصرفات تحويل الحزن إلى قوة؛ مثل الاحتفال بشفاء مريض، وهو ليس تبريرا للأمر، تضيف المتحدثة، لكنه واقع مؤسف، وهو دافع بعض تلك التصرفات البارزة إثر علاقة ربما كانت تعاني خلالها بصمت. ونبهت المختصة الى أنه بالرغم من كل محاولات إثبات عكس " الدخول الى أزمة جديدة"، إلا أن الاحتفال المبالغ فيه خاصة حين يتضمن تشهيرا أو إساءة للطرف الآخر، قد يكون علامة على عدم اكتمال التعافي، بل حتى على الرغبة في الانتقام من خلال تصرفات جريئة، وغير مسؤولة. وفي الوقت الذي يرى الكثيرون في الأمر استفزازا اجتماعيا وتحديا لقيم المجتمع وحياء المرأة، يراه آخرون احتفالا بنجاة من علاقة سامة لا فشل علاقة، وأن لا يكون الأمر عبارة عن حدث أكثر توترا، وإنما الخلاص الوحيد، والانتصار على المعاناة، أو التحرر، والتنفيس وليس انتقاما وتشفياً. من احتفال "ساذج" الى أداة للتشهير والتجريح وبالرغم من كون الطلاق حقا قانونيا ومن أبغض الحلال عند الله، إلا أن الاحتفال به علنا، قد يحوَّل الى جنحة تؤدي الى تبعات قانونية، هذا ما أكده محمود بوفارس، محام ومختص في العلاقات الأسرية. فالاحتفال بالطلاق أو حتى الكشف عن ذلك من خلال منصات التواصل والحديث عن الأسباب وراء بلوغ تلك المرحلة، أو استعراض تفاصيل من تلك الحياة والعلاقة، قد يتحول من مجرد سذاجة الى فضيحة للطرف الآخر، عبر نشر تلك التفاصيل الخاصة، أو السخرية من الشريك السابق. والقانون بالرغم من عدم وجود نص صريح ومباشر لمنع الاحتفال بالطلاق، إلا أن القذف والتشهير حتى وإن كان المحتفل هو الضحية، يحوّله، مباشرة، الى المسؤول، ويتابَع قانونا وفق ذلك. ويضيف: " في الجزائر، لا يوجد نص قانوني يمنع الاحتفال، لكن بعض التصرفات المرتبطة بهذه الاحتفالات قد تدخل ضمن الضرر المعنوي، والاساءة للغير. وقد تُستخدم في دعاوى لاحقة؛ مثل حضانة الأطفال، أو الطعن في السلوك، وغيرهما من تبعات القضية، التي قد تبلغ القذف، والتشهير، والتجريح بطرف صامت ".