الجزائر تشارك في القمة الثالثة لتمويل تنمية البنية التحتية في إفريقيا بلواندا    رئيسة المحكمة الدستورية تشارك في المؤتمر العالمي للعدالة الدستورية بمدريد    رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات يدعو المواطنين إلى التسجيل عبر المنصة الرقمية لتجديد القوائم الانتخابية    إصابة 31 تلميذا في حادث مرور بوسط مدينة القطار شرق غليزان    "إيتوزا" تعلن عن رحلات خاصة لنقل زوار المعرض الدولي للكتاب    الدكتور مصطفى بورزامة: الإعلام الجزائري منبر وطني حرّ وامتداد لمسار النضال    تنصيب المجلس العلمي الوطني للأمن الغذائي    اتفاقية تنظم عملية تبادل البيانات    الفلاحة رهان الجزائر نحو السيادة الغذائية    سياسة الجزائر نموذج يحتذى به    الإعلام الوطني مُطالبٌ بأداء دوره    حملاوي تدعو إلى تفعيل لجان الأحياء والقرى    وزارة السكن تتحرّك لمعالجة الأضرار    مئات الاعتداءات على شبكة الكهرباء بالبليدة    من نظرية علمية إلى رفيق فعّال في مكافحة السرطان    هذا موعد انطلاق مسابقة بريد الجزائر    التلقيح ضروري لتفادي المضاعفات الخطيرة    المولودية تتأهّل    سيلا يفتح أبوابه لجيل جديد    تحويل 9 ولاة وترقية ولاة منتدبين وأمناء عامين    بطولة الرابطة الثانية:اتحاد بسكرة يواصل التشبث بالريادة    كأس افريقيا 2026 /تصفيات الدور الثاني والأخير : المنتخب الوطني النسوي من أجل العودة بتأشيرة التأهل من دوالا    رقم أعمال سوق التأمين يقارب 100 مليار دينار    تكثيف الوساطة لاستحداث مناصب عمل للشباب    ناصري يشارك في قمّة تمويل المنشآت في إفريقيا بلواندا    إبراز اهتمام الجزائر بالدبلوماسية الوقائية لإرساء السلام في العالم    سطيف..إعادة دفن رفات 11 شهيدا ببلدية عين عباسة في أجواء مهيبة    منع وفد من قيادة فتح من السفر لمصر..93 شهيداً و337 إصابة منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار    مراجعة دفتر شروط خدمات النّقل بالحافلات    المهرجان الثقافي للموسيقى والأغنية التارقية : الطبعة التاسعة تنطلق اليوم بولاية إيليزي    الطبعة ال 28 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب: المحافظة السامية للأمازيغية تشارك ب 13 إصدارا جديدا    المنافسات الإفريقية : آخرهم مولودية الجزائر .. العلامة الكاملة للأندية الجزائرية    مباشرة حملات تلقيح موسعة ضد الدفتيريا بالمدارس    حملات مكثّفة لضبط المخالفين وحماية المواطنين    10 فرق في التجمع الجهوي    الفاشر.. صراع دام بعيد عن أعين الإعلام    ضرورة إدماج مفهوم المرونة الزلزالية    الرياضي الصغير.. بذرة النخبة الوطنية    إصابة محرز وبلغالي قد تخلّط أوراق بيتكوفيتش    حوارات في الذاكرة والهوية وفلسفة الكتابة    نسمات المهجر وطلة الصحراء ووقفات أخرى    دُور نشر تغازل القارئ كمّاً ونوعاً    ميزانُ الحقِّ لا يُرجَّحُ    العلامة الكاملة للأندية الجزائرية    جامعة "بوقرة" ترافع من أجل أسلوب حياة صحيّ وسليم    دعوة إلى ضرورة التلقيح لتفادي المضاعفات الخطيرة : توفير مليوني جرعة من اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية    الشبيبة تتأهل    فلسطين : المساعدات الإنسانية ورقة ضغط ضد الفلسطينيين    إكينور" النرويجي يبدي اهتمامه بمجالات البحث, والاستكشاف    الإطلاع على وضعية القطاع والمنشآت القاعدية بالولاية    الشباب المغربي قادر على كسر حلقة الاستبداد المخزني    شروط صارمة لانتقاء فنادق ومؤسّسات إعاشة ونقل الحجاج    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    ما أهمية الدعاء؟    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    معيار الصلاة المقبولة    تحسين الصحة الجوارية من أولويات القطاع    تصفيات الطبعة ال21 لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقشبندي.. كروان السماء ومنشد الأرواح
نشر في الحوار يوم 29 - 03 - 2010

للصوت الندي الخاشع سلطانه على النفوس، وربما تعداه إلى غيره من الكائنات، ولم يكن عجيبا أن تدرك العرب تلك الحقيقة؛ فكانت تلجأ إلى أندى الأصوات في أسفارها حتى ينشد لها من روائع البيان حتى تطرب الإبل؛ فتجدّ في سيرها، وتختصر الطريق بعدما ارتوت آذانها من عذوبة الصوت وروعة الكلمات.
وقد امتازت مصر بأصوات ندية قرأت القرآن وقدمت الابتهالات بطريقة فريدة، حتى قيل: ''نزل القرآن بمكة، وقرئ بمصر''، ولكن هناك أصواتا حفرت مكانها في الذاكرة، ولم تستطع الأيام رغم تقلباتها أن تمحوها، رغم كثرة ما تقذفه تلك الأيام من أصوات.
وهناك أصوات ارتبط سماعها بالزمن؛ فلا تكاد تسمعها حتى تستعيد ذاكرتك أحداثا وذكريات ومناسبات معينة؛ فأصبح الصوت كالمثير للذكرى، ومن هذه الأصوات النادرة صوت الشيخ ''سيد النقشبندي'' الذي ارتبط صوته بشهر رمضان الكريم هو والشيخ ''محمد رفعت''؛ فكلاهما في الذاكرة المصرية السمعية من مثيرات الشجن حول رمضان.
يعد الشيخ النقشبندي من أروع الأصوات التي قدمت الابتهالات الدينية والتواشيح، واستطاع بما حباه الله من صوت ندي قوي، وخشوع وإحساس بالكلمات التي يتغنى بها أن ينقل فن التوشيح والابتهالات من أروقة الصوفية وزواياهم إلى آذان المسلمين جميعا، وأن يوجد جمهورا كبيرا لفن الابتهال والتواشيح تجاوزت حدوده الثقافة والمكان بل والدين أيضا؛ فكان الرجل أشبه بالظاهرة الصوتية منه إلى مبتهل يقول ما عنده ثم يمضي.
ويكاد المرء عندما يستمع إلى صوت النقشبندي وهو يعلو بالابتهال وينطلق الإحساس من أعماقه أن تلامس نفسه السحاب، وأن تطير روحه بلا أجنحة سوى أجنحة الحب الصوفي الذي استطاعت الكلمات المحملة بالمشاعر وجودة صوت النقشبندي وقوته أن ترفعه إلى تلك الآفاق البعيدة.
النقشبندي.. قصة الحياة
وحياة النقشبندي -رغم شهرته- تكاد تكون مجهولة إلا من نتف قليلة قد لا ترسم الصورة الكاملة عن ذلك الرجل الذي لم يطرق أبواب الشهرة في القاهرة إلا بعدما تجاوز عمره الأربعين بكثير، إضافة إلى أنه توفي في الخمسينيات من عمره، لكن ما كان يحمله الرجل أكبر من السنوات لتحقيق الشهرة؛ فالرجل كان يحتاج إلى من يخلي بين صوته وقلوب الناس وآذانهم.
ولد ''سيد النقشبندي'' في قرية ''دميره'' مركز طلخا بمحافظة الدقهلية بمصر في عام 1920م، ثم انتقل وهو في صغير بصحبة أسرته إلى مدينة طهطا بمحافظة سوهاج وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، وهناك تربى تربية صوفية خالصة، وتأثر بالطريقة النقشبندية التي أخذ منها اسم شهرته، وكان والده هو شيخ الطريقة التي كانت تلتزم بالذكر بالقلب، وحفظ في تلك الفترة القرآن الكريم ونال حظا من الفقه، وقدرا من الشعر الصوفي الخالص، منه قصيدة البردة للإمام البوصيري وأشعار لابن الفارض -الشاعر الصوفي المصري الشهير- وكان الذي تعمق في نفسه بقوة في تلك الفترة هو محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان حبا يتميز بالصفاء حتى ليخيل لمن يستمع إليه أنه عندما كان يذكر اسم محمد صلى الله عليه وسلم كأنه يخاطبه أمامه ويوجه إليه ابتهالاته.
كان النقشبندي مقرئا للقرآن في محافظة الغربية بدلتا مصر، وكان مشهورا بالابتهالات الدينية داخل محيطه الإقليمي، وذاع صيته في تلك المحافظة، وكان قريبا من محافظها الذي كان يستدعيه في بعض السهرات الصوفية للإنشاد؛ فكان النقشبندي يهيم بصوته في مدح النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى إن المارة في الطريق كانوا يتزاحمون للاستماع إلى هذا الصوت الفريد في معدنه وأدائه؛ فكان صوته يروي الآذان والقلوب العطشى إلى ذلك الحب الإلهي.
بدأت شهرة النقشبندي في عموم مصر والعالم الإسلامي متأخرة؛ حيث تعرفت عليه الإذاعات عندما أحيا إحدى الاحتفالات الدينية في مسجد الحسين بالقاهرة، ثم ازدادت شهرته عندما بثت الإذاعة المصرية برنامجا تحت اسم ''الباحث عن الحقيقة- سلمان الفارسي''، وكان الشاعر ''حمد السيد ندا'' من الشعراء الذين كتبوا عددا من القصائد الصوفية التي تغنى بها النقشبندي.
الإنشاد والمديح
يلاحظ أن الإنشاد الديني كان مدخلا للبعض للدخول إلى عالم الطرب، وعلى رأسهم السيدة ''أم كلثوم''، وكانت حلقات الإنشاد أشبه بالمكان الذي يصقل الموهبة؛ فهذا الفن بوجه عام يحتاج إلى ذوي النفس الطويل، والتدريب المتواصل على التحكم في النفس وطبقات الصوت في أثناء الإنشاد.
أما موقع ''النقشبندي'' في الإنشاد فيكاد لا يضاهيه غيره؛ إذ تحتل ابتهالاته مكانا في وجدان المسلمين على اختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم؛ فقليلو الحظ من الثقافة يهيمون مع صوته، ويرتفعون به، ويحلقون بعيدا في بحور محبة الخالق ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانت الحفلات التي يترنم فيها بصوته وإنشاده العذب مجتمعا للمحبين على اختلاف انتماءاتهم.
وقد ترك النقشبندي تراثا كبيرا من الإنشاد ما زالت غالبية الإذاعات العربية تذيعه خاصة في رمضان، وله بعض الابتهالات باستخدام الموسيقى، ونظرا لروعة إنشاد النقشبندي وقوة تأثيره في نفس مستمعيه قامت إحدى المخرجات المصريات بإنتاج بعض من ابتهالاته في رسوم كرتونية للأطفال حتى يتعايش هؤلاء الصغار مع هذه الظاهرة الصوتية والشعورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.