أحزاب نفتقدها حتى خارج السرب..!؟    ياسين وليد ينصب عشاشة مديرا لوكالة دعم المقاولاتية    حوالي 42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    هلاك 44 شخصا وإصابة 197 آخرين بجروح    سكيكدة : رصد جوي لأشخاص يضرمون النار بغابات تمالوس وسكيكدة    اسبانيا تعلن حجز أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: حضور لافت في العرض الشرفي الأول للجمهور لفيلم "بن مهيدي"    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    الفريق أول السعيد شنقريحة يترأس أشغال الدورة ال17 للمجلس التوجيهي للمدرسة العليا الحربية    الجزائر العاصمة.. انفجار للغاز بمسكن بحي المالحة يخلف 22 جريحا    المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: خطوة نحو تعزيز السيادة الرقمية تحقيقا للاستقلال التكنولوجي    معسكر.. انطلاق المسابقة الوطنية الثانية للصيد الرياضي والترفيهي بالقصبة بسد الشرفة    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    معسكر : "الأمير عبد القادر…العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    من 15 ماي إلى 31 ديسمبر المقبل : الإعلان عن رزنامة المعارض الوطنية للكتاب    اجتماع لتقييم السنة الأولى من الاستثمار المحلي في إنتاج العلامات العالمية في مجال الملابس الجاهزة    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    بحث فرص التعاون بين سونلغاز والوكالة الفرنسية للتنمية    السيد مراد يشرف على افتتاح فعاليات مهرجان الجزائر للرياضات    جامعة بجاية، نموذج للنجاح    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    بطولة وطنية لنصف الماراطون    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش كبقية الهياكل يجب أن يخضع للسلطة السياسية
أستاذ القانون ورئيس المجلس الدستوري سابقا السعيد بوالشعير ل''الخبر''
نشر في الخبر يوم 27 - 05 - 2013

أتساءل: لماذا نلجأ دائما إلى فرنسا لتعديل دساتيرنا؟
لو عدّل بوتفليقة الدستور في 2006 لما أثير جدل حول التمديد
يتساءل أستاذ القانون، السعيد بوالشعير، رئيس المجلس الدستوري سابقا، عن السبب الذي يدفعنا دائما للجوء إلى فرنسا لتعديل دساتيرنا. ويرى بوالشعير، في حوار أجرته معه ''الخبر'' و ''الوطن'' في بيته، بمناسبة صدور كتابه ''النظام السياسي الجزائري.. دراسة تحليلية لطبيعة نظام الحكم''، أن تعديل الدستور في 2008 كان يفترض أن يمر عبر استفتاء شعبي ''لأنه مس بتوازن السلطات''. ووصف محدثنا النظام السياسي في الجزائر ب ''الرئاسوي''، كونه أشد إغلاقا من النظام ''الرئاسي''.
كنت رئيسا للمجلس الدستوري. هل بإمكانك أن تعطينا تقييما لأداء هذه الهيئة منذ إنشائها في 1989؟
المجلس الدستوري مؤسسة أنشئت بموجب دستور 1963، ولكنه لم ير النور لأسباب تتعلق بتبني نظام الحزب الواحد والاشتراكية. وقد بقيت الأمور على حالها إلى أن جاء دستور 1989، فنوقشت القضية وكان التوجه هو استحداث مؤسسة لمراقبة دستورية القوانين، والإشكال الذي أثير في جانفي 1989، حيث ناقشت لجنة صياغة مشروع الدستور قضية الإخطار الذي كان ضيقا في المسودة المطروحة، وطالب الحاضرون بوجوب توسيعه، فإن لم يكن متاحا للمواطنين، يكون على الأقل لرئيس الحكومة ولمجموعة من النواب. الحقيقة أنه كان هناك تردد، ثم حسم الأمر بعدم تمكين لا الحكومة ولا النواب من إخطار المجلس الدستوري. أنا أعتقد بأن أسبابا سياسية حالت دون ذلك.
وطلب توسيع الإخطار كان بناء على ما هو سائد في بلدان أخرى، مثل فرنسا، خاصة في البلدان التي تأخذ بنظام المحاكم الدستورية أو بالمحاكم العادية التي تنظر في الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع. إذا، تم حصر الإخطار في رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس الجمهورية، وأضيف لذلك رئيس مجلس الأمة في دستور 1996، ما أدى إلى تقييد هذه المؤسسة واحتمال صدور نصوص مخالفة للدستور وتطبيقها، مادامت المؤسستان موافقتين على النص وهو ما يحط من قيمة دولة الحق والقانون التي تقتضي بالضرورة أن تكون هناك رقابة عامة على دستورية القوانين.
الحقيقة أن هذه المؤسسة حديثة النشأة ولا يمكن أن نحكم عليها في مرحلة قصيرة، خاصة أن الإخطار مقيَّد. لو كان واسعا ومسموحا لغير المسؤولين الثلاثة المذكورين، لأمكن الحديث عن دورها. ومادام مازال محصورا في ثلاثة أشخاص لهم علاقات تكاملية في إطار تحالف سياسي، فمن الصعوبة أن تكون هناك رقابة دستورية حقيقية مثلما هو الحال في الدول المتقدمة. لذلك، يتوجب تعميم الإخطار ضمانا لقيام دولة الحق والقانون.
هذا يدعونا إلى الحديث عن مدى وجود فصل حقيقي بين السلطات؟
الفصل بين السلطات كان في السابق معيارا للحكم على مدى ديمقراطية النظام، لكنه الآن لم يعد معيارا حاسما وإنما الرقابة على دستورية القوانين هي الحاسمة. قضية الفصل بين السلطات والتعددية الحزبية تعتبر معيارا يدل على توفر الديمقراطية ولكنه نسبي. أما المعيار الحقيقي، الآن، في إقامة دولة الحق والقانون، هو مدى الأخذ بالرقابة الدستورية وتعميمها، أي تمكين الجميع من إخطار مؤسسة الرقابة على الدستورية المشكلة من قانونيين فحسب، محدد تشكيلها واختصاصاتها في الدستور وليس في القانون ولها استقلالية تامة في المجال التسييري والمالي، وتخضع للرقابة الذاتية فيما يتعلق بواجبات أعضائها.
يفهم بأنك تدعو إلى توسيع إخطار المجلس الدستوري في التعديل الدستوري المرتقب؟
دعوت إلى ذلك في وقت مضى وقبل 1989 ومازالت على رأيي، وهو أنه لا بد أن يكون الإخطار متاحا لرئيس الجمهورية ولرئيسي الغرفتين البرلمانيتين وللوزير الأول ولعدد من أعضاء الغرفتين وللمواطنين ذوي المصلحة. ولكن ينبغي أولا تحديد طبيعة المجلس الدستوري، هل هو هيئة سياسية أم قضائية أم مختلطة؟ ولابد من الفصل في طبيعة أحكامه هل هي نهائية وملزمة للجميع؟ وإن كان المجلس قد فصل في ذلك منذ .1995 وقد طرحت على المجلس عن طريق الإخطار المثار قضية الجنسية الأصلية لزوج المترشح لرئاسة الجمهورية، لما كنت رئيسا للمجلس الدستوري، بناء على بيان في جويلية 1995 قلنا فيه إننا ضد الفقرة التي تقول إنه لابد أن يتمتع زوج المترشح للرئاسة بالجنسية الأصلية، لأن المجلس في 1989 قال إن هذا الشرط غير دستوري، وأعادوه في الانتخابات الرئاسية 1995 لإبعاد أشخاص محددين. وقررنا في المجلس وجوب التمسك بقراره الصادر في 89، لأنه إذا سمحنا للهيئة التشريعية بتجاوز قرارات المجلس الدستوري، نصبح في فوضى وكان ذلك بموجب بيان كان يفترض أن ينشر في وكالة الأنباء الجزائرية ويذاع في الإذاعة والتلفزيون ولكن ذلك لم يتم، غير أن المؤسسة الرئاسية بسبب ذلك البيان، اضطرت لإخطار المجلس الذي أكد رأيه السابق لسنة .1989
الدستور يحدد عهدة رئيس المجلس الدستوري بست سنوات، وفي فترة بوعلام بسايح تم التمديد له. هل يجوز ذلك؟
الإضافة وقعت معي أيضا أنا أولا، فقد تم التمديد في عهدتي إلى غاية مارس ,2002 بينما كان يفترض أن تنتهي في ماي .2001 وبعدما غادرت المنصب، لم يخلفني شخص آخر إلا بعد خمسة أشهر (محمد بجاوي). والفراغ الذي وقع في هذه الفترة، يجعلنا نتساءل: ماذا كان يقع لو حدث شغور في منصب رئيس الجمهورية؟
من يتحمل مسؤولية هذا الفراغ؟
تتحمله أطراف عدة.
لكن رئيس الجمهورية هو من يعيّن رئيس المجلس الدستوري؟
فعلا، الرئيس هو من يعيّن وهو الذي يفصل في الموضوع، لذلك من المفروض أن تكون في النص مادة تلزم المؤسسات باحترام الآجال. وقد قلت في كتابي: ''النظام السياسي الجزائري.. دراسة تحليلية لطبيعة نظام الحكم''، في ضوء كل الدساتير، بأن المواثيق والدساتير لا تعتبر إلا وسائل يستعملها الإنسان، لتحقيق غايات معينة، وأن فاعليتها تبقى مرتبطة بمدى تمسك واضعها بها واحترامه لها، قبل الأشخاص المكلفين بتنفيذها. وفي هذا الصدد، أتساءل عن سبب توجهنا إلى فرنسا لأخذ نموذجها في المجلس الدستوري العام ,1989 الذي كان أصلا معابا في بلده، ولم نأخذ بنمط المحاكم الدستورية كما هو الحال في مصر أو النمسا، حيث توجد محكمة مختصة تنظر في دستورية القوانين فقط؟ لا أفهم لماذا ربطنا أنفسنا بفرنسا في هذا الجانب.. كان علينا أن نسمي الهيئة محكمة دستورية، أعضاؤها أشخاص معروفون بالاشتغال في القانون ولا يكونون من آفاق أخرى.
ما سبب اللجوء المفرط لتعديل الدستور منذ الاستقلال برأيك؟
التعديلات الدستورية التي وقعت في 1988 و1989، كانت متعارضة مع المادة 191 من دستور 1976 التي تقول: ''لرئيس الجمهورية حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور في نطاق الأحكام الواردة في هذا الفصل''. التعديلات في 1988 و 1989 لم تكن دستورية من وجهة نظر دستورية. ولو أخذنا فرنسا كمثال، تم تعديل دستورها أكثر منا ولكن عن طريق البرلمان أكثر من الاستفتاء. برأيي، النصوص الدستورية تحترم من طرف واضعها أولا، فإذا لم يحترمها هو كيف يطلب من بقية المواطنين احترامها؟ فالذي يفرض احترام القانون هو صاحب السلطة. وعلى خلاف القوانين، ليس في الدساتير قوة إلزامية ردعية عقابية، بمعنى أن الدستور ليس فيه جزاءات.
هل توافق هذا الرأي: المبدأ في أي تعديل دستوري هو توسيع هوامش الحرية وممارسة الحقوق، وليس تعزيز سلطات الهيئات التنفيذية..
هذا المبدأ العام في الأنظمة الديمقراطية، إلا أن ثقافة تركيز السلطة على حساب الحرية هي سمة الأنظمة في الدول النامية. صحيح هناك أنظمة رئاسية، ولكنها تختلف فيما بينها. هناك مثلا النظام الأمريكي وهناك أنظمة رئاسوية يعني أكثر من رئاسية، وهناك أنظمة رئاسوية مغلقة بمعنى أن كل شيء مرهون بموافقة الرئيس الصريحة أو الضمنية، وفي هذا النظام يصبح الرئيس محور كل شيء.
هل شكل هذا النظام هو السائد في الجزائر؟
نعم، نحن في هذا النظام. ولكن لما تقرأ الدستور الحالي تجد أنه يعتمد على ميكانيزمات الدول المتقدمة. مثلا، ملتمس الرقابة وقضية الثقة والاستجواب والسؤال الشفوي والكتابي، وهي ما تسمى آليات الرقابة. ففي الدول المتقدمة نجد آلية الرقابة تقوم على الأقلية التي تشارك الأغلبية ولكن دون إبعادها، وتسعى إلى الوصول إلى السلطة. وفيما يخص الاستجواب، يلاحظ أن هناك غربالا يمر عليه يتمثل في مكتب المجلس الشعبي الوطني الذي من المفروض أنه يدافع عن النواب بالتمكين من طرحه وكذا الأسئلة، بدل ممارسة الرقابة عليها. وفي الغالب، تكون مبررات الرفض غير دستورية، مع أن البرلمان مؤسسة تعبّر عن الإرادة العامة للشعب في إطار الدستور.
هل قدمت ملاحظات أو اقتراحات للتعديل الدستوري المرتقب؟
لا علاقة لي بالتعديل الدستوري الجديد، هناك لجنة تشتغل على هذه القضية.
اللجنة تشتغل على مسودة وضعت بين أيدي أعضائها، هل لديك بصمة على هذه المسودة؟
ليس لي أي دخل فيها، المسودة أعدتها لجنة برئاسة السيد بن صالح والوزير الأول، حيث استقبلت مجموعة من الأحزاب، وجمعت أفكارها وأعطيت للجنة لصياغة مقترحات سيأخذ منها رئيس الجمهورية ما يشاء.
أعطنا رأيك كخبير في هذه اللجنة. فقد قلت في كتابك إن تعديل الدستور سيكون في خدمة السلطة التنفيذية في حال تكفلت به لجنة تقنية.
النص الذي ستعده هذه اللجنة سيرفع إلى السلطة التنفيذية، لتأخذ منه ما تريد. ولا يمكن تصوّر أن تأخذ السلطة بالأحكام التي تقلص من صلاحياتها. وحتى إذا قرر الرئيس التراجع عن تعديل 2008 بشأن تركيز السلطات بين يديه وتحويل مهمة الوزير الأول من مجرد منسق إلى توسيع صلاحية رئيس الحكومة كما كان في السابق، فإن هذا التراجع سيكون وفق وجهة نظره هو. لأن رئاسة الجمهورية في الدول النامية لا يجب أن تكون ضعيفة. في اعتقادي، يؤدي ضعف الرئاسة إلى مشاكل يصعب تجاوزها. فالإشكال يكمن في غياب الثقافة السياسية التي يستحيل أن تتوفر بواسطة الأدوات الموجودة حاليا وإنما بوجود هيئات وتنظيمات اجتماعية واقتصادية ومهنية، تشكّل سلطة مضادة للنظام في حال جنوحه، ونسمي ذلك المجتمع المدني المستقل وهو غير موجود عندنا، أما ما هو موجود، فلا يعدو أن يكون منظمات مسانداتية تعتبر امتدادا للمنظمات الجماهيرية السابقة، بل يمكن الذهاب بعيدا إلى القول بأن بعض الأحزاب ليس لها إلا التسمية، فهي لا تملك برامج ووظائف واضحة وبقاؤها مرتبط بغيرها وبما تجود به عليها.
لماذا برأيك تردد الرئيس بوتفليقة في تعديل الدستور، رغم أنه قضى أطول فترة في الحكم، مقارنة بمن سبقوه إلى المنصب؟
هذا سؤال يوجه إلى صاحبه، ما أعلمه أن الرئيس صرّح في 2006 بأنه سيدخل تعديلا جوهريا على الدستور. ولو وقع التعديل في نفس العام، ما كان يطرح أي إشكال بالنسبة لتعديل 2008 لا من حيث أهميته ولا من حيث أهدافه، لأن التعديل الأخير، أشير إليه بأن الهدف منه كان المادة ,74 بحكم أنه جاء قبيل انتخابات الرئاسة. ولكن لو كان وقع في 2006 لسارت الأمور عاديا ولما أثير ضجيج حول العهدة الثالثة.
لكن التاريخ سيسجل بأن الدستور خضع للتعديل في 2008 من أجل أن يكسر الرئيس بوتفليقة، ما يمنع ترشحه لأكثر من عهدتين..
هذا رأي، أما أنا فأقول إن تعديل 2008 يتضمن عدة قراءات، هناك رأي يقول إنه مطابق للمادة 176 من الدستور التي تمنح للرئيس حق تعديله عن طرق البرلمان، دونما حاجة إلى الاستفتاء إذا كان لا يمس المبادئ العامة التي تحكم المجتمع، ولا يمس التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية. ويقول بعض المتخصصين إن التعديل الدستوري 2008 مسَّ بتوازن السلطات والمؤسسات، لأنه كان يوجد رئيس حكومة ولديه اختصاصات دستورية وكان يوجد مجلس حكومة متميز عن مجلس الوزراء، وكان هناك برنامج للأغلبية يعرض على البرلمان من طرف رئيس الحكومة الذي يعدّه بالاعتماد على توجه الأغلبية، لذلك هناك من يقول إن ذلك التعديل جاء مخالفا للمادة .176 وهناك رأي آخر مفاده أن ذلك التعديل وقع داخل السلطة التنفيذية ولا علاقة له بالسلطات الأخرى، وهذا رأي مرجوح لأن مجلس الحكومة مؤسسة تقرر وتنفذ بمفردها في كثير المجالات، وبرنامج الأغلبية انتقل إلى برنامج رئاسي، وهو ما يمس بالتوازنات. فبعدما كان رئيس الحكومة والمجلس الشعبي الوطني هما أصحاب البرنامج، أصبح البرنامج المعروض على البرلمان هو لرئيس الجمهورية، خلافا لأحكام الدستور، لكن الإشكال ليس في تعديل 2008، وإنما في التطبيق. ففي 1999 أصبح ما يناقش في البرلمان هو برنامج رئيس الجمهورية وليس رئيس الحكومة، وقد جرى ذلك خارج ما ورد في النص الدستوري، والمحصّلة أن تعديل 2008 كرّس في هذا المجال ممارسة سابقة.
لو تراجع الرئيس عن تعديل 2008، بالعودة إلى تحديد العهدات الرئاسية وهو احتمال متداول، ألا يكون عاكسا لعدم استقرار مؤسساتي ودستوري؟
في رأيي، لو عدّل الدستور في 2006 بعد خطاب 4 جويلية الذي ألقاه الرئيس في وزارة الدفاع، لكان شيئا جميلا بالنسبة للجزائر. أنتم في الصحافة مهتمون بمن في يده السلطة المطلقة وبالصراع في المؤسسات. أما ما يهمني أنا في التعديل الدستوري، فهو حقوق المواطن وحرياته. ما يهمني أن تتوفر رقابة دستورية ناجعة، وبعدها يأخذ الرئيس أو البرلمان السلطات التي يريدانها. فلو توفرت للمواطن إمكانية التوجه إلى المجلس الدستوري ليشتكي إليه من تعدي الحكومة والبرلمان على حقوقه، سيكون شيئا رائعا وهذا من أساسيات أي تعديل في الدستور، وهذا هو أصل دولة الحق والقانون.
هل قرار تعديل الدستور ينفرد به الرئيس، أم يشاركه فيه من تسميهم في كتابك ''ذوو البدل المدنية في الجيش''؟
تعديل دستور ليس مهمة سهلة يقوم بها شخص واحد، لأن رؤساء الدول وحتى الملوك ليسوا مطالبين بأن يكونوا رجال قانون. إذن الرئيس لا يستطيع أن يحرر الدستور بمفرده.
سؤالي يتعلق بقرار التعديل الدستوري وليس بمن يقوم بصياغته؟
القرار تترتب عنه آثار. كل كلمة تكتب فيه عندها معاني يعطيها المجلس الدستوري أو المحكمة الدستورية وليس رئيس الجمهورية. الدستور وثيقة حيَّة تسير مع تطور المجتمع، والذي يعطيها روح الاستمرار والتطبيق هو الهيئة المشرفة على تفسيرها، بمعنى الهيئة القضائية التي قد تكون المجلس الدستوري أو المحكمة الدستورية. وضمن هذا المنظور يستشير الرئيس كل من يثق بهم، وليس الجيش فقط.
هل يتعلق الأمر بمفهوم استشارة، يعني الاستئناس برأي الجيش، أم أنه يطلب موافقته؟
أنا أحدثك بما هو مكتوب في الدستور الذي يقول: لرئيس الجمهورية حق المبادرة بالتعديل الدستوري.. أي أنه هو المعني بالأمر.
لوحظ عزوف من جانب الرئيس بوتفليقة عن استفتاء الشعب في تعديل الدستور، خلال فترة حكمه. لماذا؟
تعديل 2002 الذي أدرج الأمازيغية كلغة وطنية، لا يمس بتوازن المؤسسات ولا بالمبادىء العامة التي تحكم المجتمع. أما في 2008 فأقول إنه طال توازن السلطات وهذا رأيي وقد عبّرت عنه، وكان ينبغي أن يمر على البرلمان ثم الاستفتاء وفق الباب الرابع (المادة 174)، بعكس آراء أخرى يعتقد أصحابها أن الاكتفاء بموافقة البرلمان يجنبنا صرف المال على الاستفتاء. وأضيف لك شيئا آخر: مسألة التمثيل النسوي في المجالس المنتخبة يطرح مشكلة دستورية كبيرة. فالمادة 29 تقول إن كل المواطنين سواسية أمام القانون بغض النظر عن الجنس واللون والأصل والدين.
أطرح عليك نفس السؤال لكن بصيغة أخرى. هل ترى أنه من الطبيعي أن يستفتي الرئيس الشعب بخصوص قانون، كما كان الحال في الوئام المدني 1999 والمصالحة الوطنية في 2005، ويعزف عن ذلك عندما يعدّل الدستور؟
الأمران يختلفان، والدستور يعطي للرئيس حق تعديل الدستور، وهو من يملك سلطة التقدير بشأن اللجوء إلى البرلمان أو الاستفتاء أو هما معا. ورأيي أن الاستفتاء يمنح فرصة المشاركة السياسية للشعب، وبفضله يعزز الرئيس سلطته، وفي المقابل يشعر الشعب بأن رئيسه يولي اهتماما لرأيه في القضايا الكبيرة.
من وجهة نظرك كخبير، ماذا ينبغي أن يتضمن التعديل الدستوري المرتقب؟
لست متحمسا للنظام البرلماني. فيما يحبذ البعض النظام شبه الرئاسي أو برلماني عقلاني كما هو الحال في فرنسا. أنا أرى أن الرئيس كان في بداية حكمه رافضا مطلقا لهذا المزيج، أي يرفض النظام شبه الرئاسي. ورأيه في ذلك أن يكون صاحب السلطة التنفيذية محددا. وفي هذه الحالة تنتقل المسؤولية السياسية إليه شخصيا، كما في الولايات المتحدة الأمريكية، لأن ممارس السلطة يجب أن يتحمل المسؤولية.
وإذا تم الأخذ بالنظام شبه الرئاسي في التعديل المرتقب، ينبغي أن يعاد النظر في كامل الميكانيزمات بما فيها المتعلقة بالاستجواب وملتمس الرقابة وطلب سحب الثقة والتشريع بأوامر، والقراءة الثانية للقانون ومناقشة السياسة الخارجية وتقديم ميزانية وزارة الدفاع أمام البرلمان ولو في عموميتها، كون هناك مصلحة وطنية تقتضي عدم الخوض في التفاصيل ولكن ينبغي أن تخضع وزارة الدفاع للرقابة، إذ لا يعقل أن نستثنيها منها، بينما يخضع لها الرئيس بواسطة الانتخاب والوزير الأول وكل الحكومة عن طريق البرلمان! المطلوب الشفافية، لأن هذا الجيش ملك للشعب، فالجنرال واللواء والجندي البسيط هم أبناء الشعب. أقصد بهذا الكلام أننا ينبغي أن نناقش هذه القضايا بعيدا عن الانفعال.
ثم إن قضية ملتمس الرقابة أو طرح الثقة هي ذر للرماد في الأعين، فالموافقة على إسقاط الحكومة بواسطة ملتمس رقابة يجب أن يوافق عليه ثلثا أعضاء المجلس الشعبي الوطني وليس الحاضرون، ما يعني بأن الحكومة تبقى قائمة إذا حاز ملتمس الرقابة على ثلثي الأعضاء ناقص واحد، وبالتالي، فإن الحكومة تستمر في عملها رغم معارضة ثلثين ناقص واحد. أي رقابة هذه التي تجعل الأقلية، الثلث زائد واحد، تحكم ضد ثلثين ناقص واحد؟ وهل تستطيع الحكومة الحصول على النصوص القانونية من هذه ''الأغلبية المعارضة'' بما يتوافق وبرنامج الحكومة؟
والحل هو إما الاتصالات لليّ ذراع ''الأغلبية المعارضة'' أو حل المجلس، لكن هذا الحل قد يدفع الشعب إلى إعادة نفس الأغلبية وهنا تفقد السلطة التنفيذية (الحكومة) ثقة الشعب فيها وتهتز مصداقية رئيس الجمهورية.
والحل هو العودة إلى ما تسير عليه الأنظمة الديمقراطية بإقرار إسقاط الحكومة بالأغلبية المطلقة للنواب. أما فيما يخص طلب الثقة، فهي طريقة لتعزيز مكانة الحكومة لأنها لا تطلبها إلا إذا كانت متأكدة من حيازتها، فهي بالطبع لا تغامر بذلك الطلب إذا لم تكن متأكدة حسابيا من حيازتها، بل قد تطلبها ولم تحصل عليها رغم حساباتها. وفي هذه الحالة، يمكن للرئيس قبل قبول استقالتها، حل المجلس الشعبي الوطني الذي تجرأ على رفض منح الثقة للحكومة.
والملاحظ أن آلتي الرقابة لا يجوز اللجوء إلى أي منهما إلا خلال تقديم بيان السياسة العامة السنوي من الحكومة أمام المجلس الشعبي الوطني، بما يعني أن إمكانية الرقابة لا تتم إلا مرة واحدة في السنة بمناسبة البيان دون غيره، لكن الملاحظ أن الحكومة لم تلتزم بتقديم بيان السياسة العامة كل سنة، وإنما اقتصرت منذ 1996 على تقديم أربعة بيانات إلى غاية 2012، وتخص سنوات 1998 و2001 و 2005 و.2010
ما نصل إليه أن إقرار آليات الرقابة لا يعني شيئا إذا لم يكن لها مفعولها الإيجابي لصالح ديمقراطية النظام وتفاعله مع متطلبات العصر والتطور، إذ أنه لا يمكن الاحتماء وراء ميكانيزمات غير ناجعة ولا حتى وراء السلم الاجتماعي لإقامة النظام الديمقراطي.
أما التشريع بأوامر فيجب ضبطه وأحبّذ إلغاءه نهائيا، لأن الفترة التشريعية طويلة من جهة، ويمكن دعوة البرلمان للانعقاد في دورة غير عادية عند الحاجة.
ألا تعتقد أن عدم التعامل بشفافية فيما يخص القضايا الهامة كالدفاع، يعكس أزمة شرعية نظام في بلادنا؟
لا أعتقد ذلك، لكن الشفافية يجب أن تعم جميع المؤسسات والهياكل. فالسؤال المركزي هو وجوب حياد الإدارة حيادا صارما. فالموظف في البلدية والولاية سواء أكان واليا أو عاملا في المصلحة الحالة المدنية، ينبغي أن يتصرف كموظف في الدولة، يعمل وفق مصلحة الدولة لا يفرق بين حزب ''أ'' أو ''ج''.
هل توجد في الجزائر مصادر قرار متعددة؟
لا، هناك جهة واحدة يصدر عنها القرار، ولكن من يدفع إلى إصدار القرار؟ هل يصدر بتدخل شرعي من هيئة دستورية أم من جهة أخرى؟ وعلى كل، حتى في دول الشمال توجد طبقة أوليغارشية وبلوتوقراطية تملك المال الذي يتيح لها التأثير في القرار.
هل من الأفضل برأيك العودة إلى تحديد العهدة الرئاسية في التعديل الدستوري المنتظر؟
ولم لا.. حسب المناقشات التي ظهرت بعد تعديل 2008 يبدو لي أن التوجه إلى تحديد العهدة أفضل. ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أن الرئيس الحالي سيكون معنيا إذا تغيرت المادة .74 بمعنى أنه يستطيع الترشح وفق النص الدستوري الجديد، وقد يعزف عن الترشح لقناعة شخصية. ولكن ما ينبغي أن يؤخذ في الحسبان أن الرئيس ليس وحده، فقد جاء به أشخاص وساندوه ولم يترشح لوحده، ولا يوجد أي أحد يأتي إلى المنصب بمفرده، بما في ذلك النائب ورئيس البلدية.
لو كنت رئيسا للمجلس الدستوري، كيف كنت ستتصرف مع أزمة الرئيس الصحية، في ظل ما يطرح بخصوص اللجوء إلى المادة 88 من الدستور؟
صراحة، لا يمكن أن أفعل شيئا. هذه القضية نفسية واجتماعية ثم سياسية، لذلك من الصعوبة على الإنسان العاقل الذكي أن يتدخل في هذه المسألة. فالوزير الأول قال إن الرئيس بخير، ومن مصلحة البلاد أن يعود سالما، أما ترشحه ل2014 فهي مسألة تخصه.
ألا تعتقد أن العيب الكبير في المادة 88، أنها لا تحدد الجهة التي تبلغ المجلس الدستوري بضرورة الاجتماع ليتثبت من المانع الصحي؟
هل تتصور أنه من السهل الإجابة على هذا السؤال؟ ما هي الجهة المؤهلة لمراسلة المجلس الدستوري لإبلاغه بأن الرئيس لم يعد قادرا على الاستمرار في الحكم؟!
هل المكانة المميزة التي تعطيها المادة 25 من الدستور للجيش، تجعل منه فوق كل المؤسسات؟
أبدا أبدا، لكن الإشكال في الفقرة الثانية من هذه المادة التي تقول إن ''مهمة الجيش هي المحافظة على الاستقلال الوطني والدفاع عن السيادة الوطنية''، إذ من المفروض أن يضاف لها ''تحت إشراف السلطة السياسية''، لأن الجيش عبارة عن هيكل كبقية الهياكل، ووزارة الدفاع وزارة كبقية الوزارات الأخرى، موجودة تحت سلطة رئيس الجمهورية الذي يجسد وحدة الأمة حسب المادة 70، ويمارس السلطة السامية في الحدود المثبتة في الدستور حسب المادة .72


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.