الجيش الوطني الشعبي يحظى بمكانة راسخة في وجدان الأمة    نرفض مخططات الكيان الصهيوني المقوضة لمستقبل الدولة الفلسطينية    تستهدف تحويل أنظار الرأي العام الفرنسي عن مشاكله الجوهرية    دورة غير عادية للجامعة العربية على مستوى المندوبين    المرأة الماكثة في البيت بالمناطق الحدودية والصحراوية    إطلاق حملة لتعزيز الوعي الجماعي بأهمية التدخل السريع    تمنراست : توقيف شخص وحجز كمية من الكيف المعالج    الحماية المدنية تواصل إخماد حرائق الغابات ببعض ولايات الوطن    المعرض الوطني لكتاب الطفل لغاية 16 أوت : أكثر من 14 ألف عنوان موجه للأطفال    شواهد أثرية حاضرة في معرض "أوساكا 2025" باليابان.. الجزائر تؤكد للعالم عراقة تاريخها وثراءها الحضاري    من 26 إلى 30 نوفمبر 2025..الطبعة ال15 للمهرجان الثقافي الدولي للمننمات وفنون الزخرفة    خلال موسم الاصطياف..الفضاءات الترفيهية بالواجهة البحرية للعاصمة متنفس حقيقي للزوار    المجلس الأعلى للشباب : تنظيم ندوة تحضيرية للطبعة الثانية لمخيم صناع المحتوى    وزارة التعليم العالي والبحث العلمي : التسجيل الالكتروني النهائي لحاملي البكالوريا الجدد بداية من اليوم    للرفع من مساهمتها في سلاسل القيمة العالمية.. شايب يؤكد على ضرورة تقديم الدعم للدول النامية غير الساحلية    بقرار من رئيس الجمهورية.. الجزائر تعزز أمنها الصحي في التداوي بالخلايا الجذعية    وتيرة متسارعة لاستقبال التلاميذ في أحسن الظروف    إنتاج مليوني قنطار من الحبوب وطفرة في قدرات التخزين    دعم الوعي الشبابي والانسجام الاجتماعي    ورشات تكوينية للناشطين في الجمعيات المحلية    8 مشاريع استراتيجية.. حلم يتحقّق    صائفة "دموية" على الطرقات    حملة إعلامية حول تدابير عطلة الأمومة    المخزن ينفذ مخططات لزعزعة استقرار المنطقة بدعم أجنبي    استبعاد الصحراء الغربية من اتفاق التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    معركة "جبل اسطمبول" محطة بارزة في تاريخ الثورة التحريرية    الفن التشكيلي يزين مطار عنابة    عنابة تكتب فصلا جديدا في حماية التراث    أربعة جزائريين في القائمة القصيرة    الأزمة الدبلوماسية الأخيرة مع الجزائر: فرنسا تضيع شريك استراتيجي" في إفريقيا والبحر المتوسط "    إنجاز أول عيادة ذكية للعلاج بالخلايا الجذعية    موسم الحج 2025 : تنسيق القطاعات أثمر نجاح عمليات نقل الحجاج    التلاحم بين الجزائريين وجيشهم سيبقى شوكة في حلق أعداء الجزائر وصمام أمنها واستقرارها    انطلاق فعاليات المؤتمر الكشفي العربي ال 24 للمرشدات    سباحة/الطبعة الثالثة لسباق "عبور خليج الجزائر" : مشاركة أكثر من 180 سباح وسباحة تتراوح اعمارهم بين 14 و 68 سنة    الجيش الصحراوي يستهدف قواعد جنود الاحتلال المغربي بقطاع الفرسية    تيسمسيلت: جثمان المجاهدة خيرة خليل يوارى الثرى    صندوق النقد العربي يتوقع نمو الاقتصادات العربية ب 8ر3 بالمائة في 2025    دراجة الطريق/ترتيب الفرق الوطنية الأفريقية: الجزائر ترتقي الي الصف الثاني قاريا    بطولة العالم للكرة الطائرة لأقل من 21 اناث /المجموعة 3-الجولة الثالثة: المنتخب الجزائري ينهزم أمام جمهورية التشيك 3-0    إنجاز محطة كبيرة لتكرير البترول بحاسي مسعود    طابع شخصي وصارم لمنحة السفر    الجزائر تتألّق وتحصد 3 ميداليات    التأكيد على تعزيز الإنتاج.. والتوجه نحو التصدير    التحلّي بالجدّية ومواصلة مسيرة الاجتهاد    توجه الخواص لإنتاج المواد الصيدلانية يقلص فاتورة الاستيراد    بيتكوفيتش يراقب نجوم "الخضر" في "الشان"    كتيبة بوقرة تظهر نية الذهاب بعيدا في "الشان"    مدرب أينتراخت فرانكفورت يشيد بشايبي    الطبعة الثامنة للمهرجان الثقافي الدولي "الصيف الموسيقي" تفتتح بالجزائر العاصمة    انطلاق الطبعة الثانية للمعرض الوطني لكتاب الطفل بمنتزه الصابلات بالعاصمة    تكريم خاصّ للرئيس تبّون    "أنس بن مالك" .. خادم رسول الله وصاحبه    فتاوى : تكفير المصائب للسيئات يشمل الطائع والعاصي    هكذا اجتمعت هذه الصفات في شخص النبي الكريم    اعتراف إفريقي بنجاح دورة الجزائر    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مارتن إيدن.. الغرور القاتل
نشر في الخبر يوم 08 - 01 - 2015

رواية “مارتن إيدن” تعبر عن تكوين الكاتب وإصراره على تقديم إبداع ذي قيمة، بعد أن أدرك أن الكتابة تعد كضرورة مطلقة، وقد أدرك أنه لا يجيد غيرها على حد تعبير صمويل بيكيت.
لم يكن الروائي الأمريكي جاك لندن يعني أي شيء بالنسبة لي وأنا في ريعان الشباب. كنت أعتبره كاتبا عاديا أو كاتب مغامرات. كانت كتبه تملأ المكتبات مع نهاية السبعينات، وتباع حتى لدى باعة الجرائد، لكن لم تكن لي أي رغبة في قراءتها، فأعماله بدءا برواية “ذئب البحار” إلى “العقب الحديدة” شاهدناها أفلاما في السينما والتلفزيون، وكانت عبارة عن مغامرات عادية. لكن بعد سنوات اكتشفت رواية “مارتن إيدن”، فتغيرت نظرتي إليه. والمؤسف أنني لم أكتشفه إلا بعد 20 عاما، وتطلّب الحصول عليها 10 سنوات.
لما قرأت “مارتن إيدن” أدركت حجم الخطأ الذي وقعت فيه، اكتشفت روائيا متمكنا عميقا. ولم يخطئ هنري ميلر عندما تحدث عنه في كتابه الممتع “كتب حياتي” بكثير من الاحترام، فقال إنه كان يقشعر بالقشعريرة بمجرد سماع اسمه وهو في سن الرابعة عشر. وبالعودة إلى هنري ميلر دائما، فإن جاك لندن اعتبر الكتابة بمثابة “لحظة للعيش”، بل إنها تجربة. وبخصوص التجربة، أجد أن الروائيين الأمريكيين أصيبوا بهوس بالتجربة، وهذا ما دفع أرسكين كالدويل إلى وضع العنوان التالي على مذكراته “اسمها تجربة”.
من قرأ كتاب كالدوين ثم رواية “مارتن إيدن”، يدرك حجم المعاناة التي يكابدها الروائي قبل أن يصبح كاتبا ذا قيمة. كالدويل يصف في “اسمها تجربة” لحظات العوز والفاقة التي كان يعانيها وهو يكتب قصصه القصيرة في أمكنة باردة منعزلة، تكاد تكون مقفرة، فيعيش لحظات من التوتر والنكد طيلة النهار والليل، فتحمّل أقصى ما يمكن لإنسان أن يتحمله من المشقة والمعاناة. هذا ما يعانيه مارتن إيدن في رواية جاك لندن. لندن الذي كتب عن شبيهه (نفس البديل نعثر عليه عند فرناندو بيسوا) فأطلق عليه تسمية مارتن إيدن. فكتب عن شاب مغمور أراد أن يصبح كاتبا. وفي الحقيقة كتب عن حياته هو شخصيا، فتحدث عن بؤسه وشقائه بين سنوات 1895 و1900، قبل أن يتذوق طعم النجاح. وفعل ذلك بعد أن ابتسم له الحظ الأدبي، واشترى لنفسه “يختا” انتقل به للعيش بجزيرة هونولولو. بمعنى أنه نظر إلى نفسه ومعاناته بعد أن حقق النجاح الأدبي والمالي.
في البداية أراد لندن أن تكون روايته بمثابة موقف ضد البرجوازية الأمريكية وأفكارها، بحكم أنه ينتمي إلى الحزب الاشتراكي العمالي (كما يخبرنا ميلر في “كتب حياته”) وكان أول روائي أمريكي يحقق الثروة بفضل كتبه. وكتب لصديقه ابتن سنكلير أن رواية “مارتن إيدن” عبارة عن رواية ضد الفردانية (مجسدة في بطله). لكن النقد ترك كل هذه الأفكار التي أرادها لندن لكتابه، وفضل التركيز على فكرة شقاء الكاتب ومعاناته لكي يصبح كاتبا. وأعتقد أنه من المجدي فعلا أن تقرأ هذه الرواية من قبل كل روائي شاب يريد الخوض في الكتابة. فمنها يتعلم كيف يواجه طواحين الإهمال وجحود الناس من حوله. لكنه يتعلم كذلك كيف يتجنب الغرور.
رواية “مارتن إيدن” تعبر عن تكوين الكاتب وإصراره على تقديم إبداع ذي قيمة، بعد أن أدرك أن الكتابة تعد كضرورة مطلقة، وقد أدرك أنه لا يجيد غيرها على حد تعبير صمويل بيكيت. جاء مارتن إيدن من أقبية المجتمع وأراد أن يصبح كاتبا. يتعرف على فتاة بورجوازية تدعى “روث مورز” فاتها قطار الزواج، فقبلت التعرف عليه لكن على مضض. تسعى لتقريبه من روحها البرجوازية فيرضى مارتن بذلك، وقد وقع في الخطأ الثاني بعد أن كان يعتقد أن الأدب مقرون بصالونات البرجوازية وبالربح المادي. وتعودني الآن مقولة هرمان ملفيل (صاحب رائعة “موبي ديك”) الذي تصرف عكس مارتن إيدن تماما، عندما كتب في رسالة لناثنيال هوثورن “الدولارات تأسرني. ما أتمنى أن أكتبه لا يحقق لي أي ربح. ورغم ذلك ليس بإمكاني كتابة غيره”.
كتب مارتن إيدن نصوصا كثيرة رفضها الناشرون، فتخلت عنه روث. أصر هو على الكتابة. ولما حقق النجاح بعد أن كابد عزلة طويلة، حاولت روث التودد إليه (وكذلك فعلت البرجوازية التي لفظته) لكنه أبعدها عنه. لا أريد الكشف عن نهاية الرواية تجنبا لإفساد متعة القراءة لمن أراد ذلك، لكن “مارتن إيدن” عبارة عن رواية حول الغرور، غرور كاتب حقق نجاحا أدبيا، ثم قرر الابتعاد عن الناس والتخلي عن الحياة والإبحار في اتجاه الموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.