وهران: توصيات لحفظ وتثمين الأرشيف المخطوط والمخطوطات    توقيف 50 تاجر مخدّرات خلال أسبوع    عطاف يُحادِث رايزنر    إلغاء رحلات للجوية الجزائرية    بوجمعة يقدم عرضا حول قانون الإجراءات الجزائية    الحرب تشتد بين إيران وبني صهيون    قرار أممي يطالب المغرب بوقف انتهاكاته الجسيمة    الشباب يفتك الوصافة    الثوم ب300 دينار للكيلوغرام في عزّ موسمه    بوغالي يستقبل سفير البحرين    الجزائر عاصمة للثقافة الحسانية    ندوة تاريخية في وهران    نحو وضع خريطة صحية جديدة لإعادة تنظيم شبكات العلاج    تعليم عالي: السيد زيتوني يؤكد أهمية الشراكات مع محيط الأعمال في تشغيل الخريجين    مدرسة القيادة والأركان بتامنفوست: تخرج الدفعة ال53 للضباط المتربصين لدروس القيادة والأركان    مالية: تسجيل أكثر من 500 مليار دج في حسابات الصيرفة الإسلامية بالجزائر    ألعاب القوى (ذوي الهمم)/ الجائزة الكبرى بتونس: الجزائر تختتم مشاركتها بحصيلة 16 ميدالية    مشروع المرجع الوطني للعنونة: إبراز البعد الاقتصادي للعناوين ومخططات التوجيه    أمطار رعدية مرتقبة بولايتي جانت وتمنراست ابتداء من ظهيرة يوم الخميس    مجلس الأمة : المصادقة على نص القانون المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية    في يومهم العالمي: تواصل ارتفاع عدد اللاجئين و دعوة للتضامن معهم    الرئيس المدير العام لمؤسسة "أوكلا" الإسبانية يشيد بتحقيق "موبيليس" لأفضل تغطية للهاتف النقال في الجزائر ل2024    الجزائر الأولى مغاربيا بتصنيف 53 جامعة ضمن تصنيف التايمز للجامعات العالمية    مهرجان "سيرتا للفروسية": مسابقة التقاط الأوتاد، خطوة أولى نحو ترسيخ رياضة جديدة وطنيا وجهويا    المنافسات الإفريقية للأندية: الكونفدرالية الإفريقية تضبط تواريخ منافسات موسم (2025- 2026)    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 55706 شهداء و130101 مصاب    إيران: بدء الموجة 12 من عملية "الوعد الصادق 3" بإطلاق صواريخ "سجيل" نحو الكيان الصهيوني    الوزير الأول, نذير العرباوي, يترأس, اجتماعا للحكومة    الجزائر تبنت استراتيجية وطنية استباقية وسيادية في هذا المجال    فلسطين: استشهاد 10 فلسطينيين بقطاع غزة    بكالوريا بصفر خطأ والعدالة تتصدّى لحالات غشّ معزولة    وفاة 3 أشخاص وإصابة 211 آخرين بجروح    حديقة التسلية "حبيباس لاند" إضافة نوعية ل"الباهية"    الجزائر ترغب في الانضمام للتحالف الإفريقي للهيدروجين    ما يرتكبه الكيان الصهيوني جريمة حرب يجب توثيقها    الجزائر تعتمد استراتيجية سيادية في الأمن السيبراني    دفع 800 مليار تعويضات خلال 5 سنوات    وكالات السياحة والسفر تضبط برامج عطلة الصيف    نادي سطاوالي يجرّد اتحاد الجزائر من اللقب ويحقق الثنائية    توتنهام الإنجليزي وأنتويرب البلجيكي يتنافسان على زرقان    مانشستر يونايتد الإنجليزي يخطّط لضم هشام بوداوي    عنابة تحتفي بالطفولة والهوية    بجاية تحتضن ملتقى وطنيا حول المسرح الأمازيغي للهواة    متيجة من عل تسبي العالم    موهبة تعطي "عديم القيمة" نبضا جديدا    "تارزيفت"... تعبير عن حفاوة الاستقبال    وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ    فعل الخيرات .. زكريا عليه السلام نموذجا    فتاوى : الهبة لبعض الأولاد دون البعض    قسنطينة: الطبعة ال11 للمهرجان الدولي للإنشاد من 25 إلى 30 يونيو    هذه أسباب زيادة الخير والبركة في البيت    التلاحم بين الشعب الفلسطيني و المقاومة الباسلة لا تكسره المؤامرات    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي بالجزائر    الخضر يتوّجون    تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن    إيران تطالب بإدانة الكيان الصهيوني بشكل صريح وواضح    الجزائر/الأردن: تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن تابع ل "حكمة فارما الجزائر"    الحماية الاجتماعية مبدأ مكفول قانونا لكل جزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقاش التلفزيوني وهشاشة النخب

إذا كانت هناك سمة إيجابية لظهور القنوات الخاصة في الجزائر فهي أنها كشفت عن هشاشة “النخب” الجزائرية، وعن بعدها المؤسف عن ثقافة الحوار والنقاش والتبادل الحر للكلمة.
لقد استبشر الجميع بهذا التناسل السريع للقنوات الفضائية وبكثرة حصص النقاش حول القضايا الطارئة والتافهة في آن واحد، إلاّ أنّ بعض تلك الحصص تحوّلت إلى مجرّد حلبة للتراشق الكلامي الذي يجعل المشاهد في حسرة من أمره، وقد تنتهي الحصة دون أن يزداد فهما للوضع بسبب هذه “النخب” السياسية والاجتماعية والثقافية التي تنحرف في كل مرة عن مقاصد السؤال، وتخفي عجزها الرهيب عن إنتاج البدائل بممارسة نوبات هستيرية من الصراخ. هل يعني هذا أنّ الصراخ هو المعنى الجديد لتبادل الآراء؟
كتب المفكر المغربي طه عبد الرحمان معرّفا “الحوار” على النحو الآتي: “الأصل في الكلام هو الحوار، والأصل في الحوار هو الاختلاف”؛ إذ نفهم أنه لا يوجد “حوار” دون وجود اختلاف في الرؤى والمواقف والأفكار، بل إنّ “الاختلاف” هو من العوامل الأساسية التي تجعل من الحوار أداة لتنمية الأفكار والدفع بالأسئلة نحو آفاق الجواب.
الحوار يعني إذن “الاعتراف” أولا بوجود طرف مختلف، والمختلف غير المؤتلف لكنه قد يفضي في الأخير إلى حالة توافق أو تقارب في الآراء، لما يكون الاختلاف إثراء وإضافة وليس نفيا وإقصاء وعداوة. أليس “الاختلاف” عندنا، سواء في وعي النظام أو الأحزاب السياسية أو حتى في وعي “النخب الثقافية”، يحمل هذه الدلالات السلبية، حيث المختلف بالضرورة عدو يتآمر على الجميع، وبذلك لا يجب أن يظل صوته عالياǃ
وكقراءة أولية، نستنتج بالنظر إلى مستوى النقاشات التلفزيونية أنّ مبدأ النقاش مبني على أسس غير صحيحة، وهي “رفض الآخر”، فالموالي للسلطة ينفي معارضها ومعارضها ينفي مواليها، وهكذا دون أن يقع نقاش حقيقي يجد البدائل لواقع متشظٍ، يزداد تدهورا يوما بعد يوم.
لابد أن نقرأ بجدية مستوى النقاش التلفزيوني اليوم كمرآة تعكس بصدق التدني الذي بلغته النخب المفلسة في الجزائر، فهي مفلسة تاريخيا وسياسيا وثقافيا، وهي عاجزة عن إقناع نفسها وما بالك إقناع غيرها، إذ تبدو عاطلة عن التفكير الجاد، بل ومجرد ديكورات للواجهة الإعلامية تستعمل لسد فراغ ما في البرمجة والإيهام بأن الانفتاح الإعلامي قد أتى ثماره أخيرا، وعلى الجميع أن يستبشر ب«ربيع إعلامي”، حيث أصبح الجميع يبدون آراءهم بحرية. لكن عن أي آراء يتحدثون وعن أي قضية يدافعون؟
ما الذي يبرر ذلك التدني في النقاش؟ يقول طه عبد الرحمان، مرة أخرى، في كتابه “الحق العربي في الفلسفة”: “فحيث لا يوجد برهان لا يمكن أن يوجد إلا السلطان”. البرهان هو امتلاك الحجة العقلية والدليل المنطقي، والدفاع عن الأفكار بمسؤولية أخلاقية، أي الدفاع عن حق المتكلم في إبداء الرأي، والدفاع عن حق الطرف الآخر في الرد النقدي، أما “السلطان” فهو القوة أو العنف الذي قد يكون ماديا أو معنويا؛ أما “المادي” فهو الذي يتجلّى في رفع الصوت عاليا بطريقة توحي بأنّ المتحدّث في قمة غضبه، ومنع الآخر من أن يدافع عن وجهة نظره، أو باللجوء إلى حركات استفزازية بملامح الوجه أو بحركة باليد أو بالجسد ككل، وأكبر تجسيد لهذا النوع من العنف هو تعرّض أحد المحاورين للاعتداء من الطرف الثاني، والكثير من الحصص الحوارية التلفزيونية تنتهي للأسف بتشابك المتحاورين بالأيدي إلى درجة الضرب المفضي إلى إحداث ضرر جسمي بأحدهما.
أما العنف المعنوي فيتجلى في ألفاظ التخوين أو التهديد بالقتل أو السب والتلفظ بألفاظ تجرح مشاعر طرف من الأطراف؛ فالخطاب الحواري اليوم يضج بهذا العنف الرمزي الذي يخرج الحوار عن طوره الطبيعي، دون مراعاة مشاعر المشاهدين، خاصة وأنها حصص تُبث في وقت الذروة. ولكي يميز طه عبد الرحمان بين العنفين، فقد وصف الأول بالعنف “الخَلقي” والثاني بالعنف “الخُلقي”. وفي كلتا الحالتين تفضح هذه الممارسات الطبيعة العنيفة في النخب، ونحن نطرح تساؤلا بريئا: أليست النخب هي من يدرّبنا على ثقافة الحوار؟؟؟
فما السبيل إلى وقف هذا العنف وتطهير خطاباتنا منه؟ إنها التربية؛ الحوار والنقاش ثقافة ومجموعة من القيم التربوية التي يتربى عليها الأفراد في الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد، وفي كل المؤسسات الحيوية في المجتمع. إنّ بعض الذين ينادون بحرية التعبير يرفعون شعارات فقط، لكن لا أحد قدّم لنا ما هي الأسس التربوية التي يجب أن نكرّسها لبناء ثقافة الحوار؟
حرية التعبير هي التربية على الحوار الناضج، فلا يمكن أن تكون هناك حرية للكلمة في ظل سيادة مراهقات خطابية يمارسها من يدّعون أنفسهم نخبا. لابد أن يكون للحرية ضابطها، فكما تكون هناك حرية للتعبير فثمة في المقابل ثقافة تقبّل الرأي المختلف، فأن تكون معارضا لا يمنح لك الحق لأن ترفض كل شيء، وأن تكون صاحب سلطة لا يعني أنك ذات مطلقة لا يحق أن يمارس عليها النقد. ثمة قانون حضاري مهم جدا وهو “لا تمنع معترضا من الاعتراض، ولا تمنع أحدا من أن يتوجه إليك بالنقد”. الفكرة بسيطة جدا، وربما هي بديهية؛ ولكونها بديهية لا نجد لها أثرا في ما يقدّم لنا من نقاشات تلفزيونية هي أقرب إلى حلبات لصراع الديكة، تنتهي بكثير من الغبار الذي يخفي المشهد أكثر ويجعله أكثر غموضا، وكثير من الريش المتناثر على الأرض، ومشاهدٌ جالس وقد فقد الإحساس بالحقيقة، وربما كانت رغبته في أن يصرخ هو أيضا، وفي هذه الحالة هو وحده من له الحق في الصراخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.