في ختام زيارته لمؤسسات تابعة لقطاعه،وزير الاتصال،محمد لعقاب،من وهران: انهينا إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة وسنعرضه على رئيس الجمهورية    قالت تحسبا للانتخابات الرئاسية المقرر يوم 7 سبتمبر المقبل: حركة البناء الوطني تنظم ندوة خصصت لشرح خطتها الإعلامية    خلال إشرافه على افتتاح ندوة ولائية للأئمة بتمنراست،يوسف بلمهدي: التوجه للبعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية أمرا في غاية الأهمية    نشاط "سيدار" لن يتأثّر بحادث وحدة تحضير المواد والتّلبيد    احتضنته جامعة محمد الصديق بن يحي بجيجل: ملتقى وطني حول دور الرقمنة في مكافحة الفساد والوقاية منه    عطاف يجري محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة بنيويورك    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    الجزائر تقدّم 15 مليون دولار لصالح الأونروا    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    خلق أزيد من 3000 منصب عمل دائم في المرحلة الأولى من العملية: تسليم قرارات تغيير النشاط وتعديل الشكل القانوني لفائدة المستثمرين بقسنطينة    إيران وسياسة الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    أتلانتا يقصي ليفربول من الدوري الأوروبي    هلاك 5 أشخاص وإصابة 175 آخر بجروح    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    ارتفاع جنوني في أسعار الخضر بعد رمضان    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    36 مؤسسة إعلامية أجنبية ممثّلة في الجزائر    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    نعمل على تقليل ساعات انتظار الحجاج بالمطارات ال 12 المبرمجة    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    المجمّع الجزائري للّغة العربية يحيي يوم العلم    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحراء... دعم استراتيجي وقصص بطولية بقيادات محنّكة
بين الشمال والجنوب.. فرنسا الاستعمارية تغرق في مستنقع أطماعها
نشر في المساء يوم 31 - 10 - 2015

تطرح العديد من الكتب والمراجع والشهادات وقائع أخرى لحرب الجزائر، كانت الصحراء الجزائرية مسرحا لها، وشهدت على تفاصيلها كثبان الرمل التي تروي لك قصصا بعدد حباتها عن شجاعة أبناء الجنوب، وتمسّكهم بوحدة الجزائر شعبا وبحدودها وطنا، وتؤكد النصوص والأبحاث والتقارير الأرشيفية الدعم الاستراتيجي الذي قدمته الصحراء الجزائرية للثورة، وهي التي أوقعت فرنسا الاستعمارية في فخ أطماعها التوسعية، التي كانت في البداية تعمل على إجلاء الجزائريين إلى رمال الصحراء للاستحواذ على الجزائر الشمالية، التي تمتاز بأراضيها الخصبة، لكنها سرعان ما سعت بعد ذلك وعلى نقيض ما حدث، لأن تترك للجزائريين جبال الشمال للاستيلاء على ثروات الصحراء، لتبدأ محاولات بتر الصحراء من خارطة الجزائر وظهور ما يسمى بالسياسة التوسعية الاستعمارية في الصحراء التي قوبلت بمقاومة شرسة لا تقل عن تلك التي قام بها أهل الشمال ضمن حلقة من سلسلة تاريخ الثورة الجزائرية المجيدة التي تستحق منا الدراسة والتعمق.
كان اندلاع الثورة التحريرية سنة 1954 نتيجة ترسبات تاريخية لنضال الشعب الجزائري منذ 1830، حيث هبّ الشعب الجزائري منذ الغزو الفرنسي للجزائر، منتفضا ورافعا لواء المقاومة ومدافعا عن حريته وأرضه ومقدساته، رافضا كل أنواع الغطرسة والقمع الاستعماري عبر مختلف مناطق الوطن، وعلى الرغم من وجود الجنوب الجزائري تحت الحكم العسكري الجائر طيلة الحقبة الاستعمارية إلى غاية 1947، ورغم موقعه الجغرافي البعيد، ومناخه الصحراوي القاسي، وأرضه المكشوفة إلا أنّه لم يكن معزولا عن تطور المقاومات الشعبية والأحداث السياسية في الجزائر.
وكانت الصحراء الجزائرية الكبرى حاضرة بقوة في المقاومة الشعبية والسياسية منذ تغلغل الاستعمار في المنطقة، إلى غاية تفجير الثورة التحريرية. ويوضح لنا الدكتور والأستاذ المحاضر من جامعة ورقلة السيد رضوان شافو في هذا الحديث التاريخي المعمق والمفصل، أن منطقة الجنوب الجزائري كانت مثل غيرها من المناطق في التحضير للثورة في نطاق نشاط المنظمة الخاصة، وذلك عن طريق توفير السلاح عبر الحدود مع دول الجوار، ولاسيما بعد إضافة منطقة الصحراء كولاية سادسة، طبقا لمقررات مؤتمر الصومام.
ورقلة: بداية الدعم التمويني واللوجستيكي للثورة
كان لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954م وقعٌ على سكان ورقلة وضواحيها، إذ لم يكن عامة الناس على علم بالحقائق الجارية في الشمال إلا قلة قليلة؛ حيث كانت تراقب الوضع من بعيد، يستفسرون عما يجري هنا وهناك، ويسألون المسافرين القادمين من الشمال، وتجار التمور والناقلين للبضائع والسلع من وإلى مدن وقرى التل، خاصة القادمين من بسكرة وباتنة وقسنطينة والجلفة والمدية والأغواط، فينقلون لهم ما يجري، ويصفون لهم الأحداث والعمليات التي تستهدف مقرات الشرطة والدرك والمراكز الحيوية، ونقل الأخبار عن تصفيات الخونة والعملاء، وتنفيذ الإعدام في غلاة المستعمرين، بالإضافة إلى الإعلام العربي الذي لعب دورا كبيرا في التعريف بالقضية الوطنية في أوساط الشعوب، وذلك عن طريق إذاعة "صوت العرب".
ومن هنا بدأت التعبئة الثورية تتم بين الناس، لتبليغ أصداء الثورة والأسباب الحقيقية التي دفعت بالوطنيين لتفجيرها وخوض غمارها، وشرح أهدافها، وكان ذلك عن طريق توزيع المناشير الثورية أو عن طريق الأفراد الذين كانت لهم علاقات أسرية أو اجتماعية، ومعاملات تجارية بالمنطقة، زيادة عن دور الشعانبة في نشر أصداء الثورة وتثبيتها عبر مختلف مناطق الجنوب الشرقي، بحكم معرفتهم للمناطق كمرشدين، وقد شهدت الفترة الأولى للثورة التحريرية بالمنطقة (54-56) مرحلتين، وهما الاتصالات وتشكيل خلايا ثورية.
ويشير الدكتور رضوان شافو في هذا الحديث، إلى أن الأحداث الثورية التي عرفتها منطقة الأوراس دفعت بمناضلي الحركة الوطنية عن طريق الاتصالات ببعض القادة، إلى تهيئة الجو المناسب وتبليغ أصداء الثورة، وتوفير الأرضية الصلبة للعمل المسلح، موضحا أن القائد سي الحواس كان قد قدم إلى مناطق الجنوب الشرقي في إحدى جولاته المتعددة التي شملت تقرت، ورقلة، غرداية... وكان ذلك سنة 1953م، وهي فترة التحضير للثورة المسلحة، وقام بالاتصال ببعض الشخصيات الفاعلة في الحركة الوطنية بهدف التحسيس والدعاية. واعتبرت هذه الاتصالات الأولية بمثابة عملية جس نبض لمعرفة مدى استعداد المواطنين لخوض الكفاح المسلح، علما أن الصحراء كانت بصفة عامة، تابعة للمنطقة الأولى.
ويقول السيد شافو إنه ".. وحسب تحليلنا وتمحيصنا لشهادات بعض المجاهدين وجدنا أن طريقة الاتصال بالأهالي لتجنيدهم كانت تتم في الأعراس والمناسبات الدينية، ومن خلالها جندوا المئات من الشباب، وبدأت السلطة الاستعمارية التي كانت تحكم الجنوب، تشتمّ رائحة الثورة قد قربت منها، خصوصا بعدما علمت وبعد فوات الأوان، بقدوم مسؤولين من المقاومة المسلحة وإقامتهما بتقرت والحجيرة لدراسة الكيفية التي بواسطتها يمكن لجيش التحرير الوطني، الانتشار بالمنطقة واتخاذها مقرا متأخرا لقيادة عمليات فدائية.
وقد أفاد تقرير فرنسي في إطار تحقيق عسكري قامت به الكتيبة الأولى للقوات المظلية الأجنبية، بأن هناك أربعة أشخاص رئيسيين، وهم خليل عبد القادر، هارون الهاشمي، إيدر علي، حفيان مصطفى، وتحت قيادة خليل عبد القادر، قاموا بإنشاء خلية مدنية لجمع الأموال والتبرعات في جوان 1957. ويضيف التحقيق أن خليل عبد القادر اتصل بمصطفى حفيان الذي كان يدرب علي إيدر، وهذا الأخير قام بجمع الاشتراكات بالتعاون مع هارون الهاشمي وتحصيلها من التجار الكبار، وقارب المبلغ المحصل ما بين 200 ألف و250 ألف، كما يوضح هذا التقرير أن هذه الخلية وبالتوازي معها، انقسمت إلى أشخاص لنقل المعلومات. وتنتشر خلايا هذه المنظمة في أوساط الشباب الورقلي، وتعمل بدون هوادة ضد القوات الفرنسية، واختلفت أدوارهم في ذلك، فمنهم من يعمل في مصلحة الدعاية كإيدر علي وخليل محمد وخليل الهاشمي.
كما يكشف التحقيق في التقرير الفرنسي، بأن السيد قوريشي محمد كان مكلفا بالتنسيق بين خلايا جمع الأموال، وقد قام بتوظيف مخلوفي محمد، الذي بدأ لتوّه وبدوره، بجمع الأموال، وقد حصل على الأقل على ما يقارب 13 ألفا في اليوم الواحد بمنطقة نقوسة، ولم تعرف فرنسا أو قواتها إلى أي حزب ينتمي أفراد هذه الشبكة، وقد رسمت الكتيبة الأولى للقوات المظلية الأجنبية من خلال تحقيقاتها مع مناضلي منطقة ورقلة الذين أُلقي عليهم القبض، المخطط التنسيقي لجمع الأموال والتبرعات بين المناضلين.
ودفع انتشار سرعة العمل العسكري بالصحراء عموما ومنطقة ورقلة خصوصا، بالكثير من السياسيين في البرلمان الفرنسي، إلى المطالبة باتخاذ تدابير وإجراءات عسكرية حاسمة، بهدف حماية المصالح الفرنسية، وضمان أمن وسلامة المستوطنين الفرنسيين، هذا بالإضافة إلى أن كبار القادة العسكريين المرابطين بالصحراء الجزائرية، كانوا متخوفين جدا من أي عمل يقوم به المجاهدون لتخريب المنشآت البترولية قبل انطلاق الضّخ نحو مدينة سكيكدة، وهذا باعتراف الجنرال شال القائد العام للقوات الاستعمارية في الجزائر، وقائد أركانه الحربية العقيد بواسيو في تقريره إلى الوزير الأول، أن جبهة التحرير الوطني تهدد المصالح الفرنسية بقوة في الصحراء.
لم تبق السلطة الفرنسية وعن طريق جهازها العسكري خاصة الاستخباراتي منه، مكتوفة الأيدي، بل وأمام الضربات التي باتت تتلقاها من الثوار سارعت إلى اتخاذ إجراءات عسكرية أكثر قمعية ووحشية مما هو قائم؛ بهدف حماية المصالح الفرنسية الاستراتيجية في الصحراء الجزائرية، وفي هذا الإطار تدخلت القوات الفرنسية وبكثافة في محاولة لتتبّع، ثم القضاء ثانيا على الخلايا اللوجيستية التابعة لكل من جبهة وجيش التحرير الوطني بمنطقة الواحات، وخصوصا ورقلة وحاسي مسعود.
وأمام هذه الضغوطات السياسية والتهديدات العسكرية، عُقدت لقاءات على مستوى الاتحاد الفرنسي في 10 سبتمبر 1957، لمناقشة الإجراءات والتدابير الأمنية التي يجب أن تُتخذ لحماية المصالح الفرنسية في الصحراء الجزائرية، ومنها تعزيز القوات الفرنسية من تواجدها بالمنطقة وإعادة هيكلتها. كما أصدرت تعليمات مؤرخة في 16 جويلية 1957، ممضاة من طرف العقيد كاتز (Katz)، فرضت من خلالها مجموعة من الإجراءات العسكرية، كزيادة عدد الجنود لحراسة الشركات الفرنسية لتأمين وصول البترول إلى السواحل الجزائرية، وتشديد الرقابة على مداخل ومخارج المدن والقرى المجاورة لورقلة، إلى جانب محاصرة الخلايا الثورية المدنية بجميع الوسائل، وتضييق الخناق على تحركاتها ونشاطاتها، وذلك في إطار إنشاء المناطق المحرمة بالصحراء. كما قامت السلطة الاستعمارية بتنظيم حركة التنقل باستصدار عدة قوانين تلزم الأشخاص المتنقلين ما بين الجنوب والشمال، بضرورة الحصول على رخصة السفر من طرف حاكم العمالة.
احتجاجات ومظاهرات في الصحراء ضد سياسة الاستعمار
يتطرق الدكتور رضوان شافو في حديثة لنا عن ردة فعل سكان الجنوب إزاء الاستعمار، لجملة الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية التي قام بها سكان الصحراء ضد السياسية الاستعمارية الفرنسية في الفترة الممتدة بين 1912 و1962، وذلك من خلال تقارير الإدارة الاستعمارية، والروايات الشفهية، التي تؤكد أن المظاهرات والاحتجاجات جاءت كرد فعل بعدما أخضعت الإدارة الاستعمارية سكان الصحراء لسلطتها في أواخر القرن 19، وطبقت عليهم سياسة قمعية كان لها انعكاسات سلبية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وأبرز المتحدث مواقف سكان الصحراء من القوانين والمشاريع الاستعمارية، الداعية إلى تفكيك بنية المجتمع الصحراوي، حيث أثبت هذا الأخير تلاحمه الشعبي في جميع صوره، لإجهاض المخططات الاستعمارية.
وعلى الرغم من النقص الكبير في الدراسات التاريخية التي أرّخت للاحتجاجات والمظاهرات الشعبية بمناطق الجنوب الجزائري، بالإضافة إلى التأكيد على أن سكان الصحراء الجزائرية كانوا قد طبّقوا أسلوب الاحتجاجات والمظاهرات منذ البدايات الأولى لنشاط الحركة الوطنية الجزائرية، وليس فقط خلال مشروع فصل الصحراء عن الشمال، إلا أن بعض الدراسات التاريخية، وظهور بعض الوثائق الأرشيفية الجديدة كشفت مدى مساهمة سكان الجنوب في الحركة الوطنية والثورة التحريرية؛ من خلال تلبيتهم نداء جبهة التحرير الوطني للتصدي للسياسة الاستعمارية في عدة مظاهرات شعبية، وهو معطى جديد في الدراسات التاريخية الوطنية المعاصرة.
ويطلعنا الأرشيف الفرنسي على معلومات غنية حول مختلف الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية التي شهدتها مناطق الجنوب خلال الحركة الوطنية والثورة التحريرية، بداية بالاحتجاجات والمظاهرات في الجنوب الشرقي، والتي انطلقت بسبب قانون التجنيد الإجباري في غرداية وورقلة ووادي ريغ ووادي سوف: بعد إصدار السلطات الفرنسية مرسوم 03 فيفري 1912م، الخاص بتجنيد الأهالي الجزائريين في الجيش الفرنسي، تعالت أصوات المعارضة والاحتجاج من مختلف المدن الجزائرية، فبعض الأهالي سلكوا مسلك التظاهر إلى حد الشغب، والبعض الآخر بعث بالوفود، وبعضهم لجأ إلى الجبال والمناطق النائية، وآخرون هجروا البلاد كلية؛ هروباً من نير التجنيد. وما كان من السلطات الفرنسية إلا أن استعملت القوة والقسر لاقتياد الشبان الجزائريين المعنيين بقانون التجنيد.
ومن غرداية إلى منطقتي ورقلة ووادي ريغ وصولا إلى وادي سوف وغيرها، تم التعبير عن رفض قانون التجنيد من خلال حركات احتجاجية واسعة قادها مشايخ وأعيان المناطق.. أما حول المساس بالأحوال الشخصية للجزائريين فقد عرفت وادي سوف سنة 1938 احتجاجات سلمية أو ما يعرف محليا ب "هدَّة اعميش الثانية" ضد المساس بالأحوال الشخصية للجزائريين، وتضامنا مع مجازر 8 ماي 45 خرج سكان بسكرة في مظاهرات بعد اجتماع الإدارة المكلفة بتنظيم المظاهرة، ومنهم ميدة عمر، علي بلاغة، سعيد عبيد... وذلك بنادي التحركات الشعبية بمنطقة وادي ريغ تأثرا بالمجازر. وفي 13 ماي ازداد التوتر في العلاقات بين الأهالي والأوربيين، مما دفع بالسلطة الفرنسية إلى اتخاذ كل الاستعدادات والاحتياطات الوقائية لإحباط أية محاولة تمرد.
وببسكرة أيضا انطلقت مظاهرات يوم 12 ديسمبر 1960 ضد زيارة الجنرال ديغول، والذي كان متوجها نحو مدينة سكيكدة، إلا أن معلومات استخباراتية جاءته بمعلومات حول تدبير عملية لاغتياله هناك، فحوَّل وجهته نحو بسكرة، إلا أنه تفاجأ بمظاهرات سكانها، الذين هتفوا بحياة جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، حيث ألقى خطابا في ساحة البلدية لمدة ثلاث دقائق، يشرح فيه مشروعه "الجزائر جزائرية"، وقد واجهت السلطة الاستعمارية المتظاهرين بالقمع والاعتقالات العشوائية.
وفي الذكرى السابعة لاندلاع الثورة التحريرية، شهدت كل من ورقلة والأغواط وغرداية وتقرت وكوينين بالوادي وتقديدين بالجامعة، مناوشات وتحركات تطالب بالحرية والاستقلال، أما سنة 1962 فقد شهدت منطقة ورقلة ووادي ريغ آخر مظاهرة شعبية ضد مشروع فصل الصحراء عن الشمال، والتي سميت بحادثة "السبت الأسود"، والتي جاءت بنتائج عكسية أخلطت الأوراق الديغولية، وأجبرته على إعادة النظر في سياسته تجاه الشعب الجزائري، بعدما جعلته مندهشا بالانفجار الشعبي المنظم في مظاهرات عارمة سلمية يوم 27 فبراير 1962 بورقلة، عبّرت عن التضامن والوحدة الوطنية، وعن إرادة الشعب الجزائري.
القاعدة الجنوبية للصحراء.. عبد القادر المالي مرّ من هنا
جاءت القاعدة الجنوبية في الصحراء لتعزز الانتصارات التي كانت قد حققتها الثورة وإبطال فكرة تقسيم الوطن التي أصبح المستعمر يسعى لتحقيقها، كان التوجه إلى أقصى جنوب الوطن، وبالتحديد جنوب منطقة الأهقار، والتي شهدت مقاومات شعبية عديدة إلى أن وصل صدى الثورة بتنظيمها المحكم، والذي جعل من سكان المنطقة يواصلون الكفاح ويلبون نداء نوفمبر للتخلص من الاستعمار.
ولتجسيد الفكرة عملت قيادة الأركان بقيادة العقيد هواري بومدين الرئيس الأسبق للجزائر، على فتح الجبهة الجنوبية، حيث أرسل كلا من الرائد عبد العزيز بوتفليقة قائد عسكري وسياسي للمنطقة رئيس الجمهورية حاليا الملقب بعبد القادر المالي، وعبد الله بلهوشات مكلف بالشؤون العسكرية، ومحمد الشريف مساعدية مكلف بالشؤون السياسية، وأحمد دراية مكلف بالاتصالات، وعيساني شويشي مكلف بالتموين، والطبيب بشير معناك المدعو نور الدين مكلف بالشؤون الصحية، لقيادة هذه الجبهة. تنقّل هؤلاء من تونس إلى غينيا جوا، ثم واصلوا طريقهم إلى مالي، واستقرت بقاو، واتخذوها مركزا للقيادة، وقام عبد القادر المالي بوضع جميع الترتيبات وتمهيد الأرضية لبداية العمل الميداني، والذي يُعتبر من بين الأوائل الملتحقين بالجبهة الجنوبية سنة 1960... وتشير الكتابات وشهادات العديد من المرافقين إلى أنه بعد ذهاب عبد القادر المالي قام المرحوم عبد الله بلهوشات كونه مكلفا بالشؤون العسكرية، بإنشاء معسكر للتدريب ب (كيدال) رفقة أحمد درايا ومحمد الشريف مساعدية، والذين قاموا بتجنيد وتعبئة المناضلين من أجل تجنيد الجالية الجزائرية المقيمة في هذه المناطق؛ حيث لعب في هذه المهمة الدور الكبير المجاهدون، مثل زافزاف حمو، مرموري لخريف وأيضا من داخل الجزائر وخاصة منطقة الهقار وتوات.
وتؤكد البحوث أن الثورة ازدادت عمقا من خلال خلقها للقاعدة الجنوبية، حيث شارك عدد من الدول الإفريقية وخاصة مالي، التي احتضنت معسكرات الجبهة الجنوبية في كل من قاو، كيدال، أقلهوك، تساليت وأنتديني وغيرها من المعسكرات، كما قامت النيجر بتسهيل عبور المجندين إلى معسكرات التدريب، وإن عمق الثورة امتد، حسب الباحث، إلى غانا من خلال ممثل جبهة التحرير الوطني في أكرا فرانز فانون، الذي عمل من أجل الاستفادة من جميع الجهود الإفريقية، وهذا بفضل علاقاته مع عدد من قادة الدول، ما جعل الثورة الجزائرية تستفيد من محيطها الإفريقي وتوظفه في كفاحها من أجل استرجاع السيادة. وتبقى الجبهة الجنوبية حلقة من أهم الحلقات التي ساهمت في ثبات الموقف الجزائري؛ من خلال المفاوضات التي سبقت الاستقلال، وهذا بما قدمته من دعم استراتيجي للثورة؛ من خلال تأسيسها في وقت مميز جدا، ومن طرف قيادات محنّكة.وعرفت منطقة التديكلت والأهقار معارك عديدة من طرف السكان؛ من أجل التصدي للاحتلال الذي واصل زحفه من أجل بسط سيطرته على كافة التراب الوطني، ومن أهم هذه المعارك معركة الفقيقيرة شرق مدينة عين صالح (تبعد عنها حوالي 20كلم)، وقُدر عدد المقاومين المحليين بحوالي ألف ومائتين (1200)، يتزعمهم الحاج المهدي باجودة، أسفرت عن استشهاد 50 مجاهدا وجرح ما لا يقل عن 150 آخرين. ومعركة الدغامشة التي كانت امتدادا لمعركة لفقيقيرة ودافعا للقصور المجاورة لمنطقة عين صالح (أقبلي تيط أولف إينغر) لتعبئة السكان؛ من أجل الثأر لشهداء معركة لفقيقيرة، تلتها معركة واد تيت وثورة الهقار..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.