❊ قمّة نوفمبر.. من قمّة عربية إلى قمة عالمية ينتظر أن تسلّم الجزائر، بعد غد الجمعة، رئاسة الجامعة العربية إلى المملكة العربية السعودية، بإرث من الإنجازات النوعية التي ميزت رئاستها رغم قصر مدتها، التي دامت أكثر من 6 أشهر، ولكنها سمحت بإصدار مجموعة من القرارات، الهامة أبرزها التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية وتعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل والتأكيد على ضرورة بناء علاقات سليمة ومتوازنة بين المجموعة العربية والمجتمع الدولي. رغم أن انعقاد القمة العربية بالجزائر، سبقتها حملة إعلامية شرسة، قادتها دول مناوئة لكل إنجاز دبلوماسي للجزائر، إلا أنها نجحت في تنظيم هذا الحدث الهام في التاريخ الذي حدّدته، كونه يحمل رمزية تاريخية وعلى علاقة بتاريخ اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر. لأول مرة.. قمة من دون ورق وهو تاريخ لاينسى لأن قمة الجزائر هي أول قمة تخلت عن الأوراق ودوّنت قراراتها على جبهة انتصار العمل العربي المشترك بكل توافق ودون أي تحفظ، فضلا عن حرص الجزائر على توفير كافة شروط النجاح من الجوانب اللوجيستية والسياسية، إلى جانب انخراط رئيس الجمهورية شخصيا في مسار التحضيرله. ويكفي أن نستشهد في هذا الصدد بتصريح الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، خلال القمة، الذي أقر بأن الجلسات التشاورية بين القادة العرب لم تشهدها أي قمة عربية منذ سبع سنوات، بما يؤكد النجاح التام لقمّة نوفمبر. إرادة سياسية عربية بروح توافقية يبقى أكبر إنجاز سجلته قمة الجزائر، بلورة إرادة سياسية عربية بروح توافقية ضمن مكسب لم يتحقق داخل الجامعة العربية منذ عقود، ما مكن من صياغة إعلان توّج أشغال القمة دون تسجيل أي اعتراض، أما آليات التنفيذ فهي من طبيعة العمل المستمر والعادي جدا للجامعة. فقد سمحت قمة الجزائر، للدول العربية، التأكيد على أن روح التوافق يمكنها إيجاد أوضاع جديدة تسمح لها بفرض مبادئها وتغليب مصالحها في الساحة الدولية، ما يشكل حافزا لتجسيد الأهداف المشتركة، خاصة ما تعلق بالقرارات المصيرية التي يمكن أن تتوّج العمل العربي المشترك مباشرة إلى المواطن العربي للتكفل بهمومه والاستجابة لتطلعاته. فقد نجحت قمة الجزائر، كونها أول قمة ألقت بالعمل العربي المشترك إلى الشعوب العربية لتحتضنه، من خلال تثمين مقترح رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون الداعي إلى تكريس البعد الشعبي وتعزيز مكانة الشباب والابتكار في العمل العربي المشترك وكذا التأكيد على ضرورة إطلاق حركية تفاعلية بين المؤسسات العربية الرسمية وفعاليات المجتمع المدني بجميع أطيافه وقواه الحية، من خلال استحداث فضاءات لتبادل الأفكار والنقاش المثمر والحوار البناء، بهدف توحيد كل الجهود لمواجهة التحديات المطروحة بمشاركة الجميع. كما ساهم احتضان الجزائر لأشغال القمّة تحت شعار "لمّ الشمل العربي" بعد انقطاع دام ثلاث سنوات بسبب تفشي جائحة "كوفيد-19" في توحيد الصف، بعد الجهود الكبيرة التي بذلتها بلادنا، لإعادة ترتيب البيت العربي واسترجاع جامعة الدول العربية مكانتها على الساحة الدولية والاضطلاع بدورها كمنظمة عربية قوية ومؤثرة لتمكينها من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، في ظل ظروف تتسم بتعدد وتلاحق الأزمات على الساحة الدولية. وقد عملت الجزائر، انطلاقا من تقاليدها الراسخة في الدفاع عن القضايا العربية، على جعل اللقاء العربي الكبير فرصة للتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية ومواصلة الدفاع عنها، كونها قضية تمثل بالنسبة للجزائر "أم القضايا عبر كل الأزمنة". كما يحسب للرئيس تبون، نجاحه، أياما قبل انعقاد القمة العربية في لم الشمل الفلسطيني على أرض الجزائر، بعدما ظلت الفصائل الفلسطينية منقسمة ومتنافرة لمدة 15 عاما، حيث بادر إلى دعوة ممثليها للمشاركة في "مؤتمر لمّ الشمل من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية"، في محاولة منه للتوصل إلى اتفاق قبل القمة وهي المبادرة التي توّجت في 13 أكتوبر من العام الماضي ب"إعلان الجزائر"، الرامي إلى وضع حد للانقسام ليكون فيما بعد بمثابة أرضية صلبة لتحقيق الوحدة بينها. جهود الجزائر تعيد سوريا إلى الحضن العربي ولا يختلف اثنان في أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية كان بفضل الجهود الجبارة المبذولة من طرف الجزائر، التي اتخذت منذ اندلاع الحرب الأهلية في هذا البلد عام 2011 مواقف ثابتة، صبّت جميعها في إطار الدفاع عن مصالح الشعب السوري ودعم استقراره ووحدته. وشكلت المكالمة الهاتفية التي تلقاها رئيس الجمهورية من نظيره السوري، بمثابة عربون عرفان لجهود الجزائر التي تكللت باستعادة دمشق مقعدها في الجامعة، رغم المقاومات الكبيرة التي واجهتها من قبل بعض الدول العربية المعارضة لها. فقد عبر الرئيس السوري بشار الأسد، عن شكره وتقديره البالغين للجهود الدؤوبة التي بذلها الرئيس تبون، في سبيل استعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، في ظل الرئاسة الجزائرية للقمة العربية المنعقدة شهر نوفمبر الماضي. لمّ الفرقاء الفلسطينيين..وترحيب عربي ودولي بالإنجاز وتكون الجزائر بذلك قد مهّدت لهذه العودة التاريخية خلال قمّة "لمّ الشمل" بعد أن كان قد تقرّر مشاركة دمشق في القمّة التي احتضنتها شهر نوفمبر الماضي، إلا أنها قرّرت في الأخير وبطلب من سوريا التي فضلت تجنّب الحساسيات، إرجاء ذلك إلى موعد لاحق إلى غاية توفر كافة الظروف لتوحيد المواقف العربية بخصوص موضوع هذه العودة، ليقطع ذلك الطريق أيضا أمام المعارضة السورية التي حاولت بشتى الطرق وبدعم من بعض الاطراف الخارجية إلى سد الطريق أمام دمشق لتحيلها دون العودة إلى الحضن العربي. ويمكن القول إن مخرجات قمّة الجزائر قد بنيت على ركائز أساسية، تمثلت في الزخم الذي أعيد من جديد للقضية الفلسطينية وإحياء المبادرة العربية التي قدمتها السعودية في قمة بيروت سنة 2002، القائمة على "الأرض مقابل السلام"، ما يعني ضمنيا رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني . عودة القضية الفلسطينية ودعم مركزيتها كما تمّ الاتفاق على دعم القضية الفلسطينية في كل أبعادها وغاياتها وأهدافها، بما في ذلك السعي الدؤوب لضمان عضوية دولة فلسطين في جمعية الأممالمتحدة، الى جانب تفعيل التعاون العربي - العربي والتنسيق والعمل المشترك على كل المستويات وحل الخلافات العربية العربية، ضمن أروقة الجامعة لا خارجها، ورفض كل تدخل خارجي في شؤونها. وفي المجال الاقتصادي، اتفق المشاركون على دعم التوجهات الاقتصادية المستقبلية ضمن الشراكة العربيةالعربية في المجال الاقتصادي والاجتماعي، بما يفضي إلى فضاء وتكتل اقتصادي يدفع باتجاه كسب رهان الأمن الغذائي والطاقوي والصحي، إذ من شأن هذا التكتل الذي قد ينشأ عن العمل العربي المشترك بعد حل الخلافات الجانبية والبينية، إرساء فضاء شبيه بفضاء "شنغن" مع اتحاد جمركي موحّد يبدأ بإقامة مناطق تجارة حرة بين البلدان الجارة وصولا إلى التكامل الاقتصادي والتجاري بين البلدان العربية. منظمات إقليمية ودولية حاضرة كما شكلت القمة العربية حدثا عالميا، بمشاركة ممثلي عدة منظمات دولية، ما يؤكد الدور المحوري للجزائر على المستويات الإقليمية والإفريقية والعربية والأوروبية المتوسطية والدولية، إلى جانب تناولها لأول مرة مواضيع معينة مثل الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الطاقوي وقضايا تغير المناخ والحاجة إلى حلول عربية للمشاكل العربية.