المنيعة.. توقع إنتاج أزيد من 185 ألف قنطار من التمور    مشاركون في يوم دراسي..دعوة إلى تعزيز التنسيق بين الجهازين القضائي والإداري    ارتفاع حصيلة الضحايا في غزة إلى 68 ألفا و116 شهيدا..سفارة فلسطين بالقاهرة تعلن إعادة فتح معبر رفح غدا الاثنين    ليبيا : انتخابات محلية في 16 بلدية    الجزائر تواصل صعودها في تصنيف الفيفا    منافسات الأندية للكاف (الدور التمهيدي الثاني ):الأندية الجزائرية على موعد مع لقاءات الذهاب    الكشف عن خطة "الكان" وموعد سفر "الخضر" إلى المغرب    ورقلة..حركية تنموية دؤوبة ببلدية البرمة    تيارت.. مشاريع لإنجاز تسعة خزانات مائية    الجامعات الجزائرية تتصدر التصنيف العربي والمغاربي بعد إدراج 46 مؤسسة في تصنيف "كيو إس" 2026    حركة عدم الانحياز تشيد بدور الرئيس تبون في دعم القضايا العادلة وتعزيز التعاون الدولي    البروفيسور مغدوري: الهجرة الجزائرية امتداد للمقاومة الوطنية و17 أكتوبر 1961 محطة مفصلية في الذاكرة النضالية    سفراء إندونيسيا وماليزيا وفيتنام يهنئون الجزائر بانضمام مجلسها الشعبي الوطني إلى جمعية "الأيبا"    توقيع اتفاقيتي تعاون بين وزارتي الثقافة والمالية لتعزيز حماية التراث ودعم الاقتصاد الإبداعي    وزارة الثقافة تطلق "جائزة نوادي السينما الجزائرية" دعماً للحوار والإبداع السينمائي    وزارة الصحة: تسجيل خمس إصابات مؤكدة بداء الدفتيريا بينها حالتا وفاة بولاية سكيكدة    ممثل منظمة الصحة العالمية يشيد بمتانة النظام الصحي الجزائري والتزامه بتعزيز الأمن الدوائي    الجيش الوطني يُفكّك خلية إرهابية    الرئيس يستقبل جميلة بوحيرد    بوعمامة يدعو إلى تظافر الجهود    الانتهاء من إعداد قانوني التعمير والبنايات غير المكتملة قريبا    شرعية الكفاح أثارت هستيريا المستعمر    17 أكتوبر شاهد على تاريخ اغتيلت فيه القيم الإنسانية    تسليم إشعارات استيراد 10 آلاف حافلة    تيغرسي: الرقمنة أولوية وطنية    دعم التعاون لتعزيز فرص الإدماج لخريجي التكوين المهني    الحفاظ على حقوق المتقاعدين واجب دستوري    تحفيز الابتكار المفتوح يعطي دفعا للاقتصاد الرقمي    مولوجي تبشّر الريفيات    فيديو تعذيب شاب يثير استنكار الرأي العام    الاقتصاد الجزائري يظهر مرونة قوية    نجاح وقف إطلاق النار بغزة مرهون بتنفيذ كافة التعهدات    5 ملايين مستفيد من صندوق الزكاة منذ إنشائه    اتفاقية بين وزارة الثقافة والجمارك    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    بوغالي يترحّم    هكذا عادت جثامين الأسرى الفلسطينيين..    شراكة بين "أنجام" وجمعية "سند"    تتوّيج سميرة بن عيسى بجائزة كتارا للرواية العربية    أبواب مفتوحة على الفضاء بجامعة قسنطينة 3    امتحان بشعار الفوز لا غير    سليماني يفتتح عدّاده الرسمي    تجديد العهد لترسيخ دولة القانون وصون الحقوق والحريات    قتيل وجريحان في حادث مرور    حجز 13 ألف مؤثر عقلي    الأكلات الجاهزة.. حرفة لربّات البيوت وحل للعاملات    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    الشبيبة والمولودية من أجل نتيجة إيجابية    ندوة فكرية بجامع الجزائر    تكريم رئاسي لأبطال الجزائر    ضمان وفرة الأدوية والمستلزمات الطبية بصفة دائمة    موسوعة التعابير القبائلية المتعلقة بالجسد    الرأس الأخضر.. لأول مرّة    التزام بمواصلة العمل لتحسين أوضاع مستخدمي الصحة    "صيدال" و"نوفو نورديسك" لتطوير أدوية    المجتمع الرقمي له تأثيره وحضورُ الآباء ضروري    خديجة بنت خويلد رضي الله عنها    فتاوى : كيفية تقسيم الميراث المشتمل على عقار، وذهب، وغنم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبداعات من حقيبة الذكريات والنزوح
الفن يحفظ ذاكرة غزة تحت الركام
نشر في المساء يوم 21 - 08 - 2025

شرعت المعمارية والفنانة البصرية الفلسطينية، ولاء شبلاق، في خريف عام 2022، في مشروع فني توثيقي استثنائي، كانت تتنقل بين أزقة البلدة القديمة في غزة، ترسم قبابها العتيقة، وأسواقها الحجرية، وبيوتها التي تختزن ذاكرة أجيال متعاقبة. بعين فنانة وحس إنساني، حاولت أن تجمع بين الفن والسرد، وأن تحفظ للمدينة معالمها المهددة بالاندثار، فكانت النتيجة كُتيبًا حمل عنوان: "مسار ما تبقى لنا".
هذا المشروع، الذي حصل على منحة من وزارة الثقافة الفلسطينية، بدأ في الأصل كبحث فني، يهدف إلى تتبع أثر الإنسان في فضاء البلدة القديمة، وتوثيق ما بقي من معالمها، باعتبارها شواهد تاريخية وثقافية. أرادت شبلاق أن يكون الكتيب دليلا مرئيت، يحفظ "ذاكرة المكان" للأجيال القادمة.
بين الذكريات والفن
انبثقت فكرة المشروع، من ارتباط شبلاق بطفولتها في بيت جدها لوالدتها، عبد القادر بسيسو، وهو أحد البيوت الأثرية المميزة في حي الشجاعية. هناك تفتحت موهبتها في الرسم، ومع دراستها لهندسة العمارة، تعمق إيمانها بأن العمارة الحقيقية ليست جدرانًا فقط، بل فضاء يحتوي الإنسان جسدًا وروحًا. ومع مرور الوقت، اكتملت أكثر من 60 لوحة ومشهداً فنياً، كان من المفترض أن تجمع في كُتيب ورقي، قبل أن تداهمها الحرب وتحول الحلم إلى أنقاض.
لوحات في "حقيبة النزوح"
حين اشتدت الحرب على غزة في فيفري 2024، اضطرت ولاء للنزوح أكثر من مرة. كانت تحفظ لوحاتها كما يحفظ الناس وثائقهم الثمينة، وتضعها في "حقيبة النزوح". غير أن الحصار الذي استمر تسعة أيام في أحد منازل حي الرمال، انتهى بتفجير البيت، وفقدت الفنانة كل شيء: لوحاتها، حاسوبها، دفتر ملاحظاتها، وحتى أوراقها الرسمية.
نزحت مع عائلتها سيرًا على الأقدام، عبر شاطئ البحر نحو جنوب القطاع، وهناك واجهت صدمة فقدان ثمار جهد سنوات. لكن الاستسلام لم يكن خيارها. استعادت ما تبقى من صور المشروع عبر أرشيف تطبيقات التواصل الاجتماعي، وبدأت من جديد على هاتفها البسيط. رتبت الصور، أعادت كتابة النصوص، ودمجت اللوحات مع الكلمات، لتكتمل النسخة الإلكترونية من الكتيب، وإن تعذرت طباعته ورقيا، بسبب الحرب. واليوم، يجري العمل على ترجمته إلى عدة لغات.
محتوى الكتيب
يتضمن "مسار ما تبقى لنا" مقدمة واعتذارا، يروي رحلة المشروع منذ بدايته وحتى ضياعه وإعادة جمعه، ثم فصولاً متتابعة وهي: "غزة تاريخ وأثر"، الذي يتناول خصوصية المدينة عبر العصور. و«الزمان والمكان"، حيث تغوص شبلاق في ذاكرتها البصرية. و«محطات" وهو جولة مصورة في معالم البلدة القديمة. ويُختتم برسالة وجدانية لأهل المدينة بعنوان: "وبعد، يا أهل مدينتي الطيبين. ما يميز الكتيب أنه يجمع بين التاريخ والأدب من جهة، والفن والعمران الإنساني من جهة أخرى، ليصنع وثيقة متكاملة تحفظ هوية المكان رغم الخراب.
ضاع الرسم وزال المرسوم
تضاعفت صدمة شبلاق، عندما رأت صورا تؤكد أن معظم المواقع التي وثقتها لوحاتها، قد دُمرت بالكامل: الجامع العمري الكبير، قصر الباشا، البيوت الأثرية في الزيتون والشجاعية، وحتى الكنائس. لم يبق حجر على حجر. ومع ذلك، ترى الفنانة أن ما فعلته بات أكثر أهمية الآن، لأنه يمثل المرجع البصري الوحيد لتلك المعالم التي طمستها الحرب. تقول: "بعدما رأيت حجم الدمار، أدركت أن التوثيق الذي قمت به هو كل ما تبقى لنا، دليل وشاهد نعتمد عليه عندما يحين وقت الترميم والإعمار".
شهادات أخرى من غزة
لم تكن شبلاق وحدها في مواجهة هذا الفقد. الباحث أيمن البلبيسي، مؤسس فريق "حكاوي غزة"، اعتاد أن ينظم جولات أسبوعية، لتعريف الناس بتراث البلدة القديمة. لكن مع العدوان الأخير، وجد أن 80٪ من تلك المواقع دُمر بالكامل أو جزئياً، ومنها حمام السمرة، المسجد العمري، مسجد ابن عثمان، قصر الباشا، والمقابر التاريخية. ويؤكد البلبيسي، أن ما يحدث اليوم، امتداد لتدمير مماثل، نفذته بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى عام 1917، حين محيت غزة تقريباً من الوجود.
أما عاصم النبيه، عضو المجلس البلدي لمدينة غزة، فيبدي مخاوفه من أن الاحتلال يسعى إلى طمس الهوية التراثية للمدينة بشكل منهجي. ويشير إلى أن الدمار امتد شرق شارع صلاح الدين، حتى وصل إلى أطراف البلدة القديمة، ما يهدد بفقدان أهم مرافقها التاريخية.
توثيق رسمي للأضرار
رغم صعوبة الوصول إلى كثير من المواقع، بسبب القصف، أصدرت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تقريرًا، أوضح أن 226 موقعًا أثريًا تضرر في قطاع غزة، من أصل 316 تم حصرها. تضمنت القائمة مساجد تاريخية وكنائس وقصورًا وبيوتًا تراثية وحمامات ومقابر. ومن أبرز ما دُمر في البلدة القديمة: الجامع العمري الكبير، كنيسة القديس بيرفيريوس، جامع كاتب الولاية، مسجد عثمان بن قشقار، قصر الباشا، دار السقا، دار الطرزي، دار العلمي، وحمام السمرة.
ذاكرة وهوية لا تُمحى
رغم قسوة المشهد، تحافظ شبلاق على تفاؤلها. تقول: "لن يخسر سكان غزة، فهويتهم تجري في دمائهم، وذاكرتهم محفورة في وجدانهم، مهما خُربت معالمها ظاهريًا". وتشبه مدينتها بالعنقاء التي تنهض من رمادها: "على خطى الأجداد نعود إلى المسار الأصيل، لنبدأ من جديد".
هكذا، يصبح كُتيب "مسار ما تبقى لنا" أكثر من عمل فني. إنه شهادة حية على تاريخ مدينة، حاول الاحتلال محوه، لكنه بقي محفوظًا في ذاكرة أبنائها، وفي رسومات فنانة أصرت أن تنتصر على الفقدان. فالفن هنا لم يعد مجرد جماليات، بل فعل مقاومة وحفظ للهوية، يعيد بناء ما تهدم على الورق والصورة، انتظارًا ليُبنى على الأرض من جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.