احتضن المسرح البلدي (الكازينو سابقا) بالعاصمة، عرضين سينمائيين، الأوّل بعنوان "مع حسن في غزة" والثاني "أبولون نهارا وأثينا ليلا" وذلك في اطار الطبعة ال12 لمهرجان الجزائر الدولي للفيلم. يختلف الفيلمان في الفكرة لكنّهما يقدّمان حالات إنسانية بعضها يسترجع الذكريات في زمن الحرب، والآخر يعود إلى التاريخ القديم الذي يبدو ملاذا آمنا من الراهن المعيش. يعرض الفيلم الوثائقي المطوّل "مع حسن في غزة" (106 دقيقة) الحياة في غزة منذ عقدين واصفا إياها في سيناريو الفيلم بالسجن الكبير خاصة بعد الانتفاضة فالس"ياج في كلّ مكان لحماية المستوطنين بينما يعاني الفلسطينيون الحصار والتضييق وإغلاق كلّ سبل العيش الكريم. الفيلم من اخراج الفلسطيني كمال الجعفري الذي تقوده رحلته (المصوّرة) إلى غزة للبحث عن صديق له، عرفه عندما كان مسجونا معه في سجن النقب، وقد وثّق من خلال هذا الفيلم الرحلة التي كانت سنة 2001، وطبعا فإنّ تلك الحياة واليوميات والناس وغيرها لا شكّ أنّها أبيدت خلال حرب غزة الأخيرة ما يحوّل الفيلم إلى وثيقة حية ومهمة. تأخذ لقطة حاجز التفتيش الإسرائيلي حيزا من الوقت، لتنطلق التفاصيل تباعا لكشف ما خفي، حيث تطلّ المخيمات بمآسيها، وتبرز النساء اللواتي يواجهن الجنود بشجاعة، وغيرها. يتضمّن الفيلم أيضا لقطات حيّة أخرى من غزّة عبر شوارعها المهترئة وبيوتها الهشّة وأسواق السمك وأفران الخبز، وحياة الصيّادين الفقراء والأطفال الأبرياء الذين يلعبون ويمرحون ويتسامرون مع العصافير. يسمع المشاهد طيلة الفيلم السيد حسن مرافق المخرج ودليله وهو يصف الأوضاع ويعلق، ورغم أنّ المخرج لم يتمكّن من الوصول لصديقه لكنّه رأى غزة وأهلها وعاش حالهم المزري. سجّل المخرج يوميات الغزاويين البسيطة منها تلك التي صوّرت داخل البيوت مع العائلات التي تتسامر ومع الأطفال الصغار الذين يتسابقون لأخذ صورة، تماما كما سجّل دوّي الانفجارات وطلقات الرصاص التي لا تهدأ ليلا، ما يسبّب الرعب خاصة عند الأطفال، كذلك دوريات ونقاط التفتيش التي تستهدف المارة، وقد علق حسن قائلا "لولا أنّ الجنود منشغلون بمقابلة رياضية لأطلقوا الرصاص على هؤلاء الفلسطينيين". رغم القهر يبقى هؤلاء الفلسطينيون صامدين، ما يبرز من خلال الشعارات المكتوبة على الجدران وعلى الأسوار القريبة من البحر منها رسم القدس الشريف. من الذكريات التي يتم سردها هو أيام المخرج في السجن خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى مع زميله عبد الرحيم، وكيف كانت الأيام قاسية فيه مع نقص الطعام الذي لا يتعدى البقايا من الأكل والحرمان من مشاهدة التلفزيون إلاّ لفترة وجيزة رفقة السجناء لكنّه تذكّر زيارات الصليب الأحمر وكيف حملت للسجناء الكتب منها كتاب "المعذبون في الأرض" للمناضل الجزائري فرانز فانون. رافقت الفيلم موسيقى من المواويل الفلسطينية وأحيانا تتداخل مع موسيقى الرعب، تتوالى المشاهد وصولا للجنريك الذي كتبت عليه فقرات متقابلة من حياة الفلسطينيين قبل الاحتلال خاصة في العوائل المعروفة والمناسبات وغيرها ثم تصعد فقرات أخرى توثق حال الاحتلال وجرائمه. "أبولون نهارا وأثينا ليلا" من الحاضر إلى زمن الإغريق بعدها مباشرة، عُرض الفيلم التركي "أبولون نهارا وأثينا ليلا" للمخرجة أيمين يلدريم، وهو فيلم روائي طويل، بطلته دزنه (إزجي تشيليك) يغوص في عالم الأفكار والقيم والرجوع إلى الماضي كشغف وهواية مثلما تفعله البطلة. ينطلق المشهد الأوّل والبطلة جالسة في الحافلة متّجهة من إسطنبول نحو مدينة ساحلية تركية، وتنزل في إقامة تشبه الفندق وتربطها علاقة جيّدة مع مسيرة هذا المكان عكس زوج هذه السيدة الذي يبدو فضّا. تخرج البطلة في جولة عبر الطبيعة لتدخل إلى مغارة داخلها متحف ضخم يضمّ المجسّمات التاريخية الإغريقية، ونتيجة تعلّقها بهذا المكان تصبح وكأنّها في تواصل روحي دائم مع تلك القطع الأثرية خاصة مجسّمات الأشخاص، ونتيجة تطوّر هذه العلاقة مع العالم الحيّ الذي يمثّل الراهن وعالم الأموات الذي هو التاريخ تشعر البطلة بالتيه والدوار، لكن كلّ المحيطين بالبطلة يلومونها ويتّخذون اتجاهها مواقف تصل للعنف، لكن البطلة تستمر ولا تتراجع كنوع من التحدي ودفاع عن اختياراتها المقتنعة بها، رغم أنّها تعمل كمحامية لها كيانها واستقلاليتها لكن ذلك بالنسبة لها مجرد وظيفة اجتماعية وليست خيارا ذاتيا .