رسمت النتائج المثمرة التي أفضت إليها اللجنة المشتركة الكبرى الجزائرية التونسية ملامح نموذج رائد للتعاون، تحرص الجزائر على إرسائه مع دول الجوار، في سياق التصوّر الذي قامت عليه سياستها الخارجية، والتي ترتكز على الارتقاء بمشاريع الشراكة والتكامل الاقتصادي وبعث مشاريع مشتركة في مختلف المجالات، فضلا عن ترقية المناطق الحدودية، بما يعود بالنفع على شعوب المنطقة. حافظت الجزائر على مبدأ تفعيل الشق التنموي مع دول الجوار منذ حصولها على الاستقلال، وفق مقاربة ترتكز على العمل لخلق قيمة مضافة لتحقيق شراكة متكافئة، تعزز الاندماج الاقتصادي الذي مازالت دول المنطقة بعيدة عنه رغم تنامي التجاذبات الدولية المعقدة . وتنفرد الجزائر في كل مرة بالمبادرة لإطلاق ركائز هذه المقاربة، في سياق استحداث تصوّر جديد يرسي النموذج الملائم لشراكة تمكن المنطقة ككل من معالجة الكثير من العوائق، التي تكبح الانطلاقة التنموية في ظل ما تملكه من إمكانيات وموارد هائلة. من هذا المنطلق، يعكس مستوى التعاون الجزائري – التونسي، الإرادة التي تحذو البلدين لإقامة شراكة اقتصادية استراتيجية، من خلال استغلال عوامل القرب الجغرافي والانسجام السياسي والتاريخ المشترك، وفق قناعة بأن تعميق التعاون الثنائي لم يعد خيارا ظرفيا، بل ضرورة لتعزيز الاستقرار والتنمية في البلدين والمنطقة ككل، فضلا عن تجسيد التوافق بشأن القضايا التي تهم القارة الإفريقية، والمنطقة المغاربية والعربية والمتوسطية. وتسعى الجزائر إلى تعميم ذات الرؤية على بقية دول الجوار وفق مقاربة شمولية تركز على التنمية المستدامة للأقاليم الحدودية كآلية لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي ومواجهة التهديدات الأمنية على غرار الإرهاب، الجريمة المنظمة، الهجرة غير الشرعية التي مصدرها دول الجوار غير المستقرة مثل ليبيا، ومالي، والنيجر. وتتمحور سياستها في هذا السياق، على تحسين الظروف المعيشية، وتعزيز البنية التحتية، وتفعيل التجارة عبر المعابر الحدودية وتوفير فرص اقتصادية مستدامة، بالتوازي مع تعزيز التعاون الإقليمي في إطار مبادرات مثل مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد)، فيما تتمثل الأهداف الرئيسية للسياسة التنموية التي ترافع الجزائر من أجل تحقيقها، في الحد من هشاشة المناطق الحدودية التي تشكل بؤر تهديد للأمن القومي. كما تعمل على تنويع الاقتصاد المحلي من خلال رفع مستوى النمو عبر تحسين الوصول الى الأسواق وتعزيز الموارد الطبيعية المحلية، مع تفعيل الربط الإقليمي بتسهيل الوصول إلى الموانئ عبر مشاريع مثل الطريق العابر للصحراء لربط دول الساحل بإفريقيا وأوروبا. ويعد الاستثمار في البنية التحتية من أبرز الملفات التي تراهن عليها الجزائر، التي تركز على تطوير الطرق، خاصة الطرق السريعة التي تربط بالدول المجاورة، وتفعيل المعابر الحدودية لتشجيع التبادل التجاري، حيث يعد المعبر الرابط بين الجزائر وموريتانيا الذي افتتح في فيفري 2024 أبرز مثال على ذلك. ومن هنا تتجلى الأهمية القصوى التي توليها الجزائر لتنمية المناطق الحدودية، وحرصها على فك العزلة عنها وتحريرها من البيئة الطبيعية الصعبة والتهديدات الأمنية المتزايدة، مما يتطلب جهودا تشريعية واقتصادية وسياسية مكثفة لمواجهة هذه التحديات المتداخلة ووضع حد لحالات اللااستقرار والاضطرابات غير المحسوبة. ولم تتردد الجزائر في إطار مقاربتها، في المبادرة بآليات لتقوية التكامل الاقتصادي مع جيرانها على غرار الترويكا المغاربية التي تضم الجزائر، وتونس وليبيا لسد فراغ الاتحاد المغاربي، في انتظار التحاق بقية الدول المغاربية بها، موازاة مع دعم مبادرات الحلول السلمية لاستتباب الأمن في ليبيا وفي دول الساحل .