الوزير الأول، نذير العرباوي, يترأس، اجتماعا للحكومة    الأسطول الوطني جاهز للإسهام في دعم التجارة الخارجية    قضية الصحراء الغربية تبقى حصريا "مسألة تصفية استعمار"    المصادقة على مخطط العمل الوطني الخاص بموسم الاصطياف 2025    الجزائر تجدد التزامها بحماية وتعزيز حقوق الطفل    غزة: استشهاد أكثر من 24 فلسطينيا وإصابة العشرات    افتتاح معرض الجزائر للسكك الحديدية 2025″    ولاية الجزائر : مخطط خاص لتأمين امتحان شهادة البكالوريا    الفواكه الموسمية.. لمن استطاع إليها سبيلاً    إرهابي يسلم نفسه وتوقيف 3 عناصر دعم    الرباط تحاول فرض الدبلوماسية الصفقاتية    فلاديمير بيتكوفيتش: سنستخلص الدروس من هزيمة السويد    تطوير شعبة التمور يسمح ببلوغ 500 مليون دولار صادرات    شراكة جزائرية - صينية لإنتاج القطارات    الارتقاء بالتعاون الجزائري- الكندي إلى مستوى الحوار السياسي    تأجيل النهائي بين ناصرية بجاية واتحاد بن عكنون إلى السبت    ميسي أراح نفسه وبرشلونة    إنجاز مقبرة بحي "رابح سناجقي" نهاية جوان الجاري    المرأة العنابية تحيك التاريخ بخيوط الفتلة والذهب    علكة بالكافيين.. مشروع جزائري للتقليل من إدمان القهوة    "الطيارة الصفراء" في مهرجان سينلا للسينما الإفريقية    تأكيد على دور الفنانين في بناء الذاكرة    برنامج نوعي وواعد في الدورة الثالثة    "كازنوص" يفتح أبوابه للمشتركين من السبت إلى الخميس    تحسين ظروف استقبال أبناء الجالية في موسم الاصطياف    رحيل الكاتب الفلسطيني علي بدوان    رئيس مجلس الأمة يستقبل سفيرة كندا لدى الجزائر    لجنة ال24 الأممية: المرافعة بقوة من اجل حق تقرير مصير الشعب الصحراوي    عنابة: عودة أول فوج من الحجاج عبر مطار رابح بيطاط الدولي    انطلاق التظاهرة الفنية الإبداعية "تيندا 25" بالجزائر العاصمة    جبهة البوليساريو تؤكد أمام لجنة ال24 : الشعب الصحراوي لن يتخلى أبدا عن حقه في تقرير المصير والاستقلال    الأمم المتحدة: الجزائر تتصدى من جديد لتحريف المغرب للحقائق بخصوص الصحراء الغربية    كرة القدم/ كأس إفريقيا 2025 (سيدات) : اختيار ثلاثة حكام جزائريين لإدارة مقابلات البطولة القارية    القرآن الكريم…حياة القلوب من الظلمات الى النور    فتاوى : أحكام البيع إلى أجل وشروط صحته    اللهم نسألك الثبات على الطاعات    كولومبيا: ندوة دولية حول نضال المرأة الصحراوية ضد الاحتلال المغربي    المنتخب الوطني للمحليين يفوز ودياً على رواندا    الشروع في إلغاء مقررات الاستفادة من العقار    مُخطّط خاص بالرقابة والتموين يشمل 14 ولاية ساحلية    بحث سبل دعم مؤسسة التمويل الإفريقية للمشاريع الجزائرية    جريمة فرنسية ضد الفكر والإنسانية    قِطاف من بساتين الشعر العربي    الجيش الوطني مُستعد لدحر أيّ خطر    سلطة الضبط تحذّر من المساس بحقوق الأطفال    آيت نوري: أتطلع للعمل مع غوارديولا    صور من مسارعة الصحابة لطاعة المصطفى    إنزالٌ على الشواطئ من طرف العائلات    معرض أوساكا العالمي : تسليط الضوء على قصر "تافيلالت" بغرداية كنموذج عمراني بيئي متميز    كأس الجزائر للكرة الطائرة (سيدات): ناصرية بجاية من أجل التأكيد وبن عكنون بحثا عن تحقيق انجاز غير مسبوق    حوادث الطرقات: وفاة 46 شخصا وإصابة 2006 آخرين خلال أسبوع    صحة: اجتماع تنسيقي للوقوف على جاهزية القطاع تحسبا لموسم الاصطياف    هؤلاء سبقوا آيت نوري إلى السيتي    الفنانة التشكيلية نورة علي طلحة تعرض أعمالها بالجزائر العاصمة    الاستفادة من تجربة هيئة الدواء المصرية في مجال التنظيم    الجزائر تودع ملف رفع حصة حجاجها وتنتظر الرد    تحديد وزن الأمتعة المسموح به للحجاج خلال العودة    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة تأسست منذ 20 قرنا‏
تلمسان.. جنة العلماء، قلعة الحضارة ولؤلؤة المغرب العربي
نشر في المساء يوم 22 - 07 - 2011

مدينة جميلة في شمال إفريقيا.. اغترسوا فيها البساتين ونمقوا القصور''.. هي عبارة كتبها عالم الاجتماع ابن خلدون عن مدينة تلمسان العتيقة التي درس بها خلال القرن ال,.14 وفي هذه المدينة التي تمثل هذه السنة عاصمة الثقافة الإسلامية، تصح العودة إلى 20 قرنا إلى الوراء لنستشف عبق الماضي والوقوف على عدة مشاريع استثمارية حديثة تنشد تحويل قبلة العلماء والثقافة والتاريخ إلى مقصد سياحي يجلب المصطافين من الداخل والخارج.. وها هي حكاية مدينة الحضارة الواقعة بالغرب الجزائري نختصرها على ورق الجريدة.
منذ 20 قرنا تأسست تلمسان أو المدينة التي تسحر الألباب وتذهل بطبيعتها الخلابة ونظافة شوارعها كل من يمر بها.. ''المساء'' زارتها في إطار جولة سياحية استكشافية نظمتها وزارة السياحة والصناعة التقليدية بالتنسيق مع الديوان الوطني للسياحة، فتمخضت عن الزيارة جملة من الانطباعات امتزجت بحقائق تاريخية جاءت على لسان المرشد السياحي الوطني حسان مصطفى، ومنه تشكّلت صورة رائعة عن مدينة تنبض بآثار الجمال، الإبداع والرقي... وليس ذلك بالغريب في مدينة ابن خلدون وأكبر علماء الصوفية عبد القادر الجيلاني وغيرهما من العلماء والأولياء الصالحين ممن تركوا عليها بصماتهم.

الجنة التي استقر بها العلماء والشعراء
''يا أهل أندلس لله دركم ?? ماء وأشجار وأنهار''... ''ما جنان الخلد إلا في دياركم?? فلا تخشو ان تدخلوا بعدها النار.. هكذا قال الشاعر الأندلسي حاج ابن خفاجة عندما رأى تلمسان أو ''بوماريا''، الإسم القديم لهذه المدينة العريقة التي أسسها الرومان، والتي أطلق عليها البربر المسلمون تسمية أغادير في القرن الثامن، والذي تحوّل إلى إسم ''ثقرارت'' خلال القرنيين 10 وال ,11 وهي فترة غزوها من طرف الإسبان... إنها حكاية منطقة حكمها 17 ملكا ليخلفوا وراءهم قصورا وقلاعا وعدة آثار هي اليوم شواهد تاريخية تستوقف كل من يمر منها وتثير فضوله لمعرفة المزيد من التفاصيل عن رقعة جغرافية مر منها الرومان والزيانيون والمرنيون والحفصيون وكذا العثمانيون، فتعانقت فيها الحضارات وتزاوجت الثقافات، لتصبح للزائرين خير مزار.
في يوم ال 23 من جوان من السنة الجارية، وفي حدود الساعة السادسة مساء، وخلال جولة في تلمسان عبر الحافلة كان في استقبالنا ثراء سياحي من مواقع تاريخية وأثرية وثقافية ودينية تمّ تدعيمها بهياكل فندقية جديدة في الآونة الأخيرة في خطوة نحو تجسيد مشروع التوسع السياحي وترقية خدمات قطاع السياحة، حيث منح للمدينة خلال هذه السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا لجعلها قطبا سياحيا تجسد من خلال جملة من المشاريع لتطوير قدرة استيعاب المدينة للسياح، حيث تعززت في شهر مارس المنصرم بفندق بوماريا، كما دشن وزير السياحة والصناعة التقليدية فندق ''ايبيز'' بمناسبة اليوم الوطني للسياحة المصادف ل 25 جوان، فيما ينتظر أن يفتح فندق ''رينيسانس'' أبوابه للسياح قريبا، وهي كلها معطيات تنبئ بمستقبل سياحي واعد في منطقة الأصالة والتاريخ والهندسة المعمارية والثقافة علما أن مدينة تلمسان تعد أكبر مدينة في الولاية بتعداد سكاني يقدر ب 300 ألف ساكن.
وجهتنا كانت نحو بعض أشهر المواقع الأثرية على غرار منبع عين الفزة، مغارة بني عاد مدينة المنصورة وقلعة المشور وهضبة لالا ستي وضريح سيدي بومدين... وخلال الرحلة شدّ انتباهنا غطاء نباتي كثيف تشكله أشجار الزيتون، الحمضيات، الضرو، الصنوبر البحري والكرز.
وعلى هضبة لالا ستي استقطبنا مشهد الغابة الترفيهية التي تم تجهيزها منذ فترة بطاولات دائرية مصنوعة بالخزف شكلت عدة عائلات حلقات حولها لحظة مرورنا بالمكان.
بين النباتات صخور تمتد على طول البصر، وبعد عدة أمتار من السير بالحافلة تراءى لنا منبع عين فزة أو الماء الذي ينفجر من الحجارة.. إنها مشاهد رقعة جغرافية لم يمتد إليها الإسمنت، فباستثناء الطريق المعبد الذي يتوسط أشجارها وصخورها ومغاراتها التي يبلغ عددها 87 مغارة تبدو طبيعة مدينة تلمسان عذراء تدعو للاسترخاء، بل وتدعو للانبهار خاصة عندما يتوقف بنا الزمن عند مغارة بني عاد أو المعجزة التي تختصر التاريخ وتصور للناس شخصيات مشهورة عبر مختلف العصور.
ووفقا لتوضيحات المرشد السياحي الوطني حسان مصطفى تعدّ من أقدم المغارات، حيث يعود تاريخ اكتشافها في القرن الثاني قبل الميلاد من طرف البربر الأمازيغ.
وتصنف هذه المغارة التي تسعى حاليا السلطات المعنية بالتنسيق مع منظمة اليونيسكو إلى دمجها في قائمة التراث العالمي في المرتبة الثانية بعد مغارة المكسيك.. وبهذا المعلم الطبيعي، حيث كانت لنا جولة، تستقر الحرارة عند حدود 13 درجة مئوية، وهو نفس رقم ولاية تلمسان في الوقت الحاضر.

عندما تنجب الطبيعة منحوتات طبيعية
تقع مغارة بني عاد على بعد 17 كلم شرق مدينة تلمسان.. توجد بها ثلاث قاعات مجوفة (قاعة الملوك، البساتين والمجاهدين) فيها نوازل وصواعد تشكلت عبر العصور من الجبس واتخذت ثلاثة ألوان هي الأبيض، الأحمر والأسود.. فاللون الأول ناتج عن أوكسيد الحديد، والثاني عن أوكسيد المغنيزيوم والثالث عن الكلس. في هذه المغارة المذهلة تشكلت منحوتات طبيعية اتخذت شكل حيوانات مختلفة على غرار الثعبان، قنديل البحر وكذا صور عدة شخصيات عرفها التاريخ على غرار سقراط وعبد الحميد بن باديس في قاعة البساتين، نازلة تشبه شلالات نياغرا وأخرى تجسد صورة محارب روماني، بل وحتى خارطة إفريقيا والخارطة التي أعدّها نابليون لمواجهة الإيطاليين موجودة في هذه المغارة العجيبة، والتي يكمن سرها في قطرات الماء التي تتقاطر فيها، حيث تتكون بها عدة منحوتات طبيعية كلما تأكسد الماء بها عبر 100 سنة، لتتوقف بذاكرة الشعوب المعاصرة عند أزمان خلت... صدق أو لا تصدق ولكنها الحقيقة التي يصنعها الماء بهذه المغارة التي ما تزال حية في وجود منبع مائي معدني.
وتبعا للمصدر، فإن هذا الموقع الطبيعي والتاريخي يضم قبر الشهيد عبد القادر بلعيد الذي لقي حتفه بالمغارة على يد قوات الاحتلال الفرنسي، إذ استعمل من طرف المجاهدين لتحضير الثورة التحريرية خلال الخمسينيات.. وفي هذا الصدد، يقول المرشد السياحي عبد الحق إبراهيم عن بعض النوازل التي تكسرت بقاعة المجاهدين: ''غنها شاهد على الديناميت الذي استعمله المستدمر الفرنسي عندما اكتشف أمر المجاهدين الذين كانوا يجتمعون بالمغارة، والتي كان يوجد بها منفذ سري استخدمه المجاهدون إبان الثورة التحريرية لجلب الأسلحة من وجدة المغربية، إذ كانوا يمرون عبر قنوات مائية وغير مائية.
ولما تفطنت سلطات الاحتلال للمنفذ السري، قامت بسده بالإسمنت المسلح عام 1957 بعد استشهاد المجاهد عبد القادر بلعيد بها، وهي معلومات موثقة من ضباط فرنسيين بحسب المرشد السياحي حسان.
يقول المولى تعالى ''سيروا في الأرض فانظروا'' .. ومن يسير في مغارة بني عاد يرى العجائب وأشياء أخرى، مئات الزوار يقصدونها يوميا للاستمتاع بمشاهدتها مقابل مبلغ مالي رمزي (30 دج) لدفع عجلة التنمية السياحية.
سويعات من الزمن سمحت بالتقرب من مدينة تلمسان والتعرف عن قرب على طبيعتها الخلابة وثرائها التاريخي والحضاري والثقافي والعلمي، وهو ما تدل عليه هندستها المعمارية الأصيلة.

المشور.. أو قلعة الملوك
لا شك أن من يزور مدينة تلمسان العريقة يستنشق حتما رائحة الحياة الملكية التي تنبعث من قلعة المشور التي سكنها 27 ملكا من بني زيان أولهم الملك بن زيان، حيث تحوم حولها أسوار بناها الملك رقم (13) أبو عباس احمد العاقل لحماية عائلته من خطر الغزاة. وفي هذه القلعة التي درس فيها العلامة ابن خلدون لمدة أربعة أشهر تجري حاليا عمليات ترميم واسعة النطاق على مأذنة شامخة طولها 24 مترا شيّدها الزيانيون احتفاء بتحريرهم لمدينة تلمسان من المرنيين.. وعدة غرف وأحواض وساحة للراحة والاستجمام تخضع هي الأخرى للترميم وفقا لهندسة القرن ال 14 الذي يتميّز بألوان أصيلة ذات طابع عربي ومغاربي إسلامي.
أمتار بعد بوابة قلعة المشور يوجد معبر استعمله الزيانيون لجلب الآليات العسكرية على غرار المنجانيق للدفاع عن المشور، وقد استخدمه العثمانيون كذلك والإسبان والفرنسيون، فمن البرج الأعلى في القلعة (طوله 22 مترا) كان الزيانيون يقذفون بالمجانين لكبح تقدم الغزاة من الخارج كالحفصيين والمرنيين والإيطاليين والإسبان.
وقبالة القلعة العتيقة حي يهودي تعود قصة نشأته إلى طبيب يهودي استدعاه أحد ملوك القصر لمعالجة ابنته، وبعد العلاج طلب الطبيب من الملك الاستيطان داخل تلمسان، حيث اشترى بها قطعة أرض ثم دعا مختلف اليهود المنتشرين في أوروبا، فتوافدوا بكثرة ليصل عددهم إلى 25 ألف يهودي..
يذكر أن قلعة المشور وقعت في قبضة الإسبان سنة 1830 لتصبح مركز العمليات للأمير عبد القادر، حيث صلى. وفي سنة 1842 دخلها الفرنسيون وحولوها إلى ثكنة عسكرية، حيث ظلت كذلك إلى حين الاستقلال لتتحوّل إلى مدرسة لأشبال الثورة.
هذه هي باختصار بعض أوجه الثراء السياحي والتاريخي والثقافي في مدينة تلمسان التي تأسر بجمالها قلوب الزوار.. تغرس في قلب كل من زارها الحنين للعودة إلى أحضانها.. وهي التي قيل عنها: ''ويا دار زيان في دولة ?? ضاهت بغدان في المشرق''.. ''بستانها العلم قد زين ?? بالدين والعقل والمنطق''.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.