تتحجج الكثير من التشكيلات السياسية بحالة الطوارئ التي تقول إنها حرمتها من النشاط والتحرك، في الوقت الذي تخفي هذه التشكيلات حقيقة أن حالة الطوارئ خدمتها على الأقل ماديا وانتفعت منها بطرق مختلفة، وربما حالة الطوارئ التي طال زمنها استطاعت أن تكشف للجيل الجديد طرق تفكير الأحزاب وانتفاعها على حساب المبادئ التي تنادي بها، لذا فحالة الطوارئ لم تكن معرقلة لهذه التشكيلات، بقدر ما كشفت للشباب مدى زيف أغلب التشكيلات السياسية، لأنها كرست للحالة بتصرفاتها والبحث عن المصالح الشخصية على حساب معاناة جيل جديد يعرف جيدا الطريق الصحيح لتحقيق أهدافه. بعد رفع حالة الطوارئ.. ما الذي يمكن أن تقدمه الاحزاب للجيل الجديد؟ استمرت الكثير من الأحزاب السياسية في الجزائر تعليق كل فشل على حالة الطوارئ، وإن كانت حالة الطوارئ في واقعها تؤثر على النشاط السياسي وتضعفه، إلا أن العديد من التشكيلات السياسية لم تستطع منذ البداية وقبل رفع حالة الطوارئ أن تثبت لها موطئ قدم على الخارطة السياسية. وربما التساؤل الجوهري ما الذي يمكن أن تقدمه هذه التشكيلات الحزبية للشعب الجزائري؟ وكيف يمكنها رد جسور الثقة بينها وبينه بعد القطيعة التي أثبتها الشعب مع هذه التشكيلات خلال المناسبات الانتخابية المختلفة؟ الأمر بلا شك لن يكون بالسهولة التي يعتقدها أي فصيل سياسي، لاسيما وأن الشعب صار يأخذ زمام المبادرة بنفسه ولو بطريقة دراماتيكية بعدما غابت هذه الأحزاب عن الواقع السياسي ودخلت في سبات مزمن، بينما فضل بعضها النوم في عسل الامتيازات والأكل من فتات الموائد، فالشعب وعلى رأسه فئة الشباب أو الجيل الجيد ما عاد ينتظر أن ترفع أي تشكيلة حزبية تطلعاته، سواء أكان الأمر في زمن الطوارئ أو ما بعد الطوارئ، فأول امتحان يفشل فيه الشباب في تحقيق مطالبهم التي تعترف بمشروعيتها هذه الأحزاب، يتجه مباشرة لقطع الطرقات، وفي أحيان أخرى الانتحار، كما حدث في عدة مناطق من البلاد، أو إثارة الفوضى، ما يعنى أن الأحزاب السياسية لم تعد تحمل هموم الشباب والشباب الجزائري لم يعد يؤمن بها، لأنها كانت طيلة عشريتين من الزمن مثالا سيئا للانتفاع والتحدث باسم الشعب والشباب. فقانون تجريم الحراڤة مثلا، مرر في البرلمان وافقت عليه أحزاب تقول إنها معارضة، بينما عجزت أحزاب أخرى عن قول كلمته، حتى وإن كانت رافضة للقانون، وبالتالي الجيل الجديد استطاع إثبات ذاته بطرق مختلفة، حتى وإن كانت خاطئة في بعض الأحيان في تحد للواقع السياسي وللقيود المفروضة عليه، ورفع حالة الطوارئ لم تكن نتيجة لنشاط أو اجتهاد حزبي، بل كانت كنتيجة حتمية لما أفرزته انتفاضة الشارع في جانفي الماضي. بعدما فضحه قرار الرئيس.. التلفزيون اجتهد في التملق فأخطأ طالب رئيس الجمهورية في اجتماعه الأخير بفتح أبواب التلفزيون لجميع التشكيلات الحزبية، وكذا تغطية نشاطها بالتساوي، كاشفا في الوقت ذاته أنها لا توجد تعليمة من طرفه تحرم التشكيلات السياسية من التلفزيون، ما يعني أن إدارة التلفزيون اجتهدت فأخطأت وكانت تتملق دون طلب منها، وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن الطريقة التي يتم بها تسيير التلفزيون؟ وعموما، فإن دخول الأحزاب إلى بلاتوهات اليتيمة لن يكون سوى للكلام والوعود، وهذا ما تعوّد عليه الشعب الجزائري منذ فتحت التفلزة أبوابها للتشكيلات السياسية في التسعينيات، ثم قررت غلقه اجتهادا منها في التملق. وكما كان للأحزاب السياسية حضور في بداية التسعينيات والحديث في التلفزيون وتقديم الوعود دون نتائج، سيكون الأمر هذه المرة نفسه مع فارق بسيط، وهو أن الجيل الذي ستتعامل معه أكثر وعيا وأكثر فهما وأكثر إدراكا للنوايا. لذا، فمحاولة التلاعب به محاولة فاشلة لن تؤدي سوى إلى ضحك هؤلاء الشباب على تأخر أحزاب المعارضة عندنا وأحزاب الموالاة ممثلة في التحالف الرئاسي عن طموحات جيل ولد ولم تتغير رؤوس هذه الأحزاب أو حتى طريقة تفكيرها، والنتيجة أن هذه الأحزاب وكل التشكيلات السياسية في البلاد كي تعطي مصداقية لها في الشارع الجزائري، ليس عليها سوى مواكبة الجيل الجديد، وأي محاولة منها لجر هؤلاء الشباب خلفها، ستكون فاشلة حتما، والضرورة تقتضي بضخ دماء جديدة في هذه الأحزاب تشكلها أطراف شبابية من الجيل الجديد، ربما حينها فقط يقبل الشباب على السياسة ولو بطريقة محتشمة. بعدما تجاوز الشعب الأحزاب هل يمكن لرفع حالة الطوارئ أن ترد الأحزاب للشعب؟ دون أدنى شك، يوجد قطيعة بين الشعب وأغلب التشكيلات السياسية، إن لم يكن أغلبها، وقد بينت نتائج الانتخابات في أكثر من مناسبة نفور الناس من الأحزاب. وإن كانت الأحزاب تتحجج بحالة الطوارئ، فإن الشعب يتهمها صراحة بأن التشكيلات السياسية لا ترقى إلى تطلعات الحزب وهي أحزاب مصلحية تجمع من حولها الكثير من المنتفعين والمتسلقين، ونتائج عمل هذه الأحزاب في الهيئات المنتخبة مثل البلدات والمجلس الشعبي الوطني تعطي الإنطباع أنها مجرد أحزاب انتفاعية، حسب وجهة نظر الشارع، وهو محق في ذلك بما أن التشكيلات السياسية لم تستطع أن تقدم له لحد الآن بديلا حقيقيا، بعدما استطاع هذا الشارع أن يحقق مطالبه الاجتماعية بيده، كما حدث في ديار الشمس وحدث في مناطق عديدة، فما يسمى بالحوار وتبادل الأفكار التي كان يعتقدها الشارع في فترة زمنية ماضية تحقق له الطموح، صارت حتى الأحزاب لا تؤمن بها بعدما صار رؤساء بلدياتها ومنتخبين يغلقون الأبواب في وجه الشباب، لذا أخذ الشباب زمام الأمور على عاتقه، ولا يهمهم هنا حالة الطوارئ التي يتحجج بها كل فصيل سياسي بأنها تعرقل عمله، لأن الشباب برمته يريد لهذه التشكيلات التي تشتكي من حالة الطوارئ إيجاد آليات لتحقيق برنامجها الذي وعدت به وهو لا يهتم لرفع أو لبسط حالة الطوارئ التي تتحجج بها الأحزاب، لذا جاء الإعلان على مشروع رفع حالة الطوارئ بردا وسلاما على الأحزاب، ولكنه جاء عكس ذلك بالنسبة للشباب لعلمه أن هذه التشكيلات السياسية ستستغل الظرف لمحاولة ركوبه والتكلم باسمه، وهو ما صار أمرا مشكوفا ولن يسمح به الجيل الجديد، لأنه يعلم جيدا كيف يحقق طموحاته ويفرض رأيه.