يتزايد إخضاع المشاعر الدينية للاستغلال كوسيلة من وسائل توسيع السوق، بل وأحياناً لترويج أكثر السلع بعداً عن الدين، وعليه، فإننا نؤكد على أن مفتاح حل الأزمات الحقيقي إنما يكمن في التربية الاستهلاكية إن شهر رمضان هو محاولة لصياغة نمط استهلاكي رشيد وعملية تدريب مكثف تستغرق شهراً واحداً يشعر فيها الإنسان أن بإمكانه أن يعيش بإلغاء استهلاك بعض الحاجات في حياته اليومية ولساعات طويلة كل يوم، إنه محاولة تربوية لكسر النهم الاستهلاكي الذي أجمع علماء الاجتماع وعلماء النفس على أنه حالة مرضية، وهنا نذكر بعض المعالجات التي يمكن من خلالها التصدي للشراهة الاستهلاكية أو التخفيف من حدتها فيما يلي: ينبغي التخلص من القيم الاستهلاكية السيئة حتى لا يتسبب الاستهلاك الترفي في الفقر، إذ باستمراره تضيع موارد الأسرة، كبح رغباتنا العاطفية المتعلقة بالشراء والاستهلاك على مستوى الأطفال والنساء والأسر هدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: لو علمتم ما في رمضان من خير لتمنيتم أن تكون السنة كلها رمضان"، وذلك لما فيه من نفحات روحانية جليلة لو تعرَّض لها المسلم لغَدَا بعد رمضان إنسانًا جديدًا مقبلاً على الطاعة ومتلهِّفًا للعبادة ومتطلعًا دائمًا إلى مرضاة ربه سبحانه وتعالى مع ذلك نشاهد الناس مع مقدم الشهر الكريم يحشدون له كل الإمكانيات، مخالفين بذلك الحكمة منه، حيث يقومون بشراء السلع وخصوصاً تلك التي يسمونها بالسلع الرمضانية مع أن الشهر الكريم وما يتبعه من مناسبات دينية كعيد الفطر المبارك، والقرب من عيد الأضحى، مما يدخل الأسرة في حلة من عدم التوازن، كما أن الكثير من أصحاب الدخل المحدود يلجأون للاقتراض لتلبية هذه المتطلبات، ورغم كل هذا فالكل يحرص على شراء مستلزمات رمضان قبل أن يبدأ وقد صار رمضان شهرًا استهلاكيا في كل شيء، فحتى الدول التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة تحرص الأسر على توفير احتياجات هذا الشهر، أما عن مظاهر الاستهلاك في الجزائر فهي مبالَغٌ فيها إلى حدّ كبير، فلا يكتفي الجزائريون بشراء كل مستلزمات هذا الشهر من الأسواق وتكديسها في المنزل، بل لا يكتفون أيضًا بشراء كسوة العيد فقط، بل يقومون بتغيير حتى أثاث البيت والديكور والدهانات وحتى الأجهزة الكهربائية وأدوات المطبخ واستبدال السجاد بآخر جديد، وكثرة والولائم الرمضانية، وهذا الاستهلاك المرتفع يؤدي إلى الإفلاس والدمار الاقتصادي بالتدريج، كما يعلن بعض الجزائريين إفلاسهم بالفعل مع كثرة مصاريف شهر رمضان، فلماذا هذا الهوَس الاستهلاكي في شهر رمضان الكريم؟! وهل تستشعر القلوب وسط هذه الاهتمامات المادية روحانية ونفحات الشهر الجليل إن رمضان الكريم هو شهر الاقتصاد وليس الإسراف الذي اتبعه الكثير من الناس وصار بدعةً وضد تعاليم ديننا الحنيف الذي يأمرنا بعدم الإسراف ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِيْنَ﴾ الأعراف: 31، فإذا كان الإنسان يتناول في الأيام العادية ثلاث وجبات فإنه في هذا الشهر الكريم يتناول وجبتَي الإفطار والسحور فقط، حتى في تناوله إيَّاهما لا ينبغي أن يُكثر من الأكل والشرب فيهما حتى لا يطغى ذلك على ما ينبغي أن يُقبل عليه من طاعة وعبادة وهمَّة عالية في الإقبال على الله عز وجل حتى يغفر له ذنبه، ولا يكون كل همه أن يأكل ما لذَّ وطاب من أنواع المأكل بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإذا أخذه الشره فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ومن ناحية أخرى، فإن الإسلام لم يحبِّذ أن يأكل الإنسان كل ما يشتهيه، حتى لا يكون عبدًا لشهواته ومعدته وألا يجعل رغباته المادية هي الغاية الأساسية التي يعيش من أجلها، فكثرة الطعام تجعل المعدة تتمدَّد، فتضغط على القلب والحجاب الحاجز، الذي من شأنه أن يضرَّ الإنسان صحيًّا ولا يفيده نحن كمسلمين لا بد أن نسير على هدي وسنة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد كان يفطر على تمرة، فإن لم يجد فشربة ماء، وليس كما نجد الآن من تنوُّع المأكل والمشرب بين التمور والمكسرات وقمر الدين والكنافة والقطايف وأنواع العصائر والمشروبات. وإن كان الجسد في حاجة بعد ساعات طويلة من الصيام إلى ما يعوِّضه عن ذلك فلا يكن بإسراف لا داعي له، وإذا نظرنا إلى حال أمتنا الآن فسوف نأسف للغاية بسبب الإقبال الشديد على الإسراف المادي طوال شهر رمضان الكريم حتى تكاد روحانيةُ هذا الشهر وفضائله الجليلة تتوارَى، ولا يشعر بها أحد من هؤلاء المتكدِّسين على أبواب المحالّ التجارية قبيل بداية الشهر الكريم لشراء كل ما تشتهيه أنفسهم وأيضًا ما لا يحتاجون إليه، وعلينا ألا ننسى الحكمة من الصوم، وهي التقوى والتقرب إلى الله عز وجل، وقد أثبتت الدراسات الأجنبية فوائد الصوم الإسلامي من كونه مطهرًا للجسم مرةً كل عام. لا بد من التوازن في كل شيء حتى نشعر بخير الشهور عند الله بدلاً من ضياع الوقت فيه، سواءٌ بالتفكير في الأكل والشرب واللبس والإنفاق، أن نكثر من الصلاة، وختم القرآن، وزيادة الخيرات، وازدياد معدل الإنتاج، وتنظيم الوقت، وصلة الرحم، وحسن الخلق مع الناس جميعًا "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"، فعلينا أن نستغلَّ كل لحظة في هذا الشهر الكريم ونعود لمقاطعة كل ما لا يمتّ لتعاليم ديننا الحنيف بصلة، فأين لنا التقوى والخشوع في العبادة في هذا الشهر الكريم إذا كان كل ما يشغل أذهاننا هو مظاهر مادية نعيشها ونضيّع بها روحانية الشهر الكريم، عادات متوارثة الداعية سمية رمضان وتعلق الداعية الإسلامية سمية رمضان على هذا الموضوع فتقول بالفعل انتشرت في مجتمعاتنا المسلمة هذه العادات المتوارثة، ونودّ هنا أن نبعث لإخوتنا في كل مكان رسالةً، ولا نقول لهم لا تأكلوا، ولكن كلوا واشربوا بدون إسراف، ويا حبذا لو غلَّفوا الطعام المتبقي ووزَّعوه على الفقراء فرغم أن شهر رمضان يجب التقليل فيه من طيبات الحياة الدنيا كي يشعر المرء بحلاوة الطاعة ويقدر على القيام بالعبادة كما شرعها الله عز وجل ولا يثقل جسده بالكثير من الطعام والشراب حتى لا يتكاسل عن الطاعة، ومن المهم والضروري أن نتبع سنة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث كان إذا أكل من طعام لا يثني، فليس من السنة أن نكثر من أصناف الطعام على الإفطار ونلقي ما تبقَّى منه في سلة المهملات، وقد قامت كثير من الأسر بهذه التجربة، حتى اعتاد الزوج والأولاد عليها وحتى الأهل والأقارب، فأصبح طعام الإفطار صنفًا واحدًا، وبعده الفاكهة، ومن ثم لا يضيع الوقت الثمين للشهر الكريم في إعداد الطعام والوقوف في المطبخ من بداية الشهر لآخره، ومن ثم لا تجد الزوجة وقتًا للطاعة والعبادة، وما أكثرها وأعظم أجرها!! خاصةً في هذه الأيام المباركة، فالإفطار لا يعني الإكثار من الطعام، بل يكفي أن نلتقي مع الأهل والأقارب والأصدقاء، فالمرأة التي تظل طوال العام تعمل أصبحت أشبه بالساقية التي تدور وعلى الأعين أربطة، ويأتي شهر رمضان ويزيد الدوران، ولكن عندما تتوقف هل يا ترى ستجد الأرض سُقيت بالماء أم ما زالت جدباء!! فالمرأة التي تعطي وقتها وحياتها وصحتها وجهدها للبيت والزوج والأبناء آن الأوان أن تعطي لنفسها الحق في التقرب إلى الله عز وجل وتخطط لوقتها وعملها في هذا الشهر الكريم وعلى الأزواج أن يعينوا زوجاتهم على ذلك وألا يثقلوا عليهن في طلبات المنزل وإعداد الطعام وولائم الإفطار حتى يجدن الوقت والجهد للطاعة والعبادة وكذلك عليهم رفع شعار "لا للحلوى" التي تسبب أضرارًا صحية كثيرة، منها زيادة الوزن ووهن الصحة وزيادة المصاريف، وعلى ربة المنزل أن تعتاد على تبديل الحلوى بالفاكهة، فعلينا ألا نسرف في الطعام وغيرنا من المسلمين لا يجد كسرة خبز جافة يسدُّ بها جوعه، فشهر رمضان فرصة للإحساس بالفقراء والمحتاجين والمحاصرين، الذين لا يجدون القوت، فالاقتصاد وعدم الإسراف، بل وادخار مبلغ يساعد على نفقات المعيشة ومواجهة أي ظروف طارئة أمرٌ فيه استقرار للنفس، ويشع السكينة والطمأنينة على كل أفراد الأسرة، وأقول للزوجة بألا تخشى من النقد أو الغمز واللمز عليها إن لم تقدِّم سفرةً عامرةً بما لذَّ وطاب من المأكل والمشرب، ولكن عليها أن تكسب حب أهلها بتغيير العادات التي لا تمتّ للشرع بصلة، فكم من بيوت مليئة بالطعام والشراب ولكنها خاوية من الحب والمودة والألفة!! فعلينا أن نعيد التوازن في كل شيء في حياتنا ولا نقول كما قال الأولون: ﴿بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُوْنَ﴾، فعلينا أن نتخلص من إلف العادة التي تتعارض مع تعاليم الشرع، فلنفعل ذلك بلا حرج من أحد، حتى لا يصل البيت في النهاية إلى تراكم الديون واستنزاف الموارد في هذا الشهر الكريم فقط فيفقد بذلك روح الشهر الكريم وفضائله الجليلة