ممثل للحركة الإسلامية المسلحة في فرنسا منذ جوان 1990 ؟ تيار الجزأرة والسلفية الجهادية ومسرحية تبادل الأدوار ؟ تحقيق صحافي يكشف إغراق الجزائر بمسدسات بيريطا تكشف ''النهار'' لأول مرة، عن مضامين وثائق سرية للمخابرات الأمريكية، تتحدث عن فترة بداية التسعينات في الجزائر، وتركز بالتحديد على فترة تنامي وتصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، حتى قبيل إنشاء وتأسيس الجماعة الإسلامية المسلحة ''الجيا''، إلى جانب تفاصيل مهمة حول علاقة ''الفيس'' المحل بالإرهاب. في هذه الوثائق، التي تمثلت في مراسلات جرت بين مختلف الأجهزة والوكالات الأمريكية المختصة في الأمن والإستخبارات، بالإضافة إلى مصالح السفارة الأمريكيةبالجزائر، تتحدث الإدارة الأمريكية عن جماعة الهجرة والتكفير وعلاقة بعض قادة حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة بها، إلى جانب عدد آخر من المجموعات الإسلامية المتطرفة، وإيديولوجياتها وقادتها. قنبلة تستهدف مقر السفارة الأمريكية في شهر ماي من عام 1992، وجهت السفارة الأمريكية رسالة سرية للمسؤولين الأمريكان في واشنطن، تبلغهم فيها بتعرض مقر سفارتها لهجوم إرهابي فاشل. وفي التفاصيل؛ تقول المراسلة أن عناصر من ''الفيس'' المحل، متشبعين بفكر جماعة الهجرة والتكفير، قاموا بإلقاء قنبلة صغيرة على الجدار المحيط بمقر السفارة بالجزائر العاصمة، غير أن الإنفجار لم يسبب أية خسائر في الأرواح، ليعرج التقرير على ظاهرة تنامي الإعتداءات والهجمات التي تحولت بالإضافة إلى استهداف رجال الأمن إلى استهداف الأجانب، من خلال تفجير قنبلة في الجناح الدولي لمطار هواري بومدين، في مؤشر اعتبرته وثيقة ''السي أي إيه'' بمثابة إعلان حرب من طرف نشطاء ''الفيس'' على المصالح الغربية. ''الفيس'' هدد السفارات الغربية وطلب منها مقاطعة الحكومة وفي نفس الوثيقة؛ يقول مسؤولو السفارة الأمريكية أنه بالموازاة مع الهجوم الفاشل على مقر السفارة، تلقت العديد من السفارات الغربيةبالجزائر، إلى جانب السفارة الأمريكية، رسائل تهديد من طرف عناصر إسلامية متطرفة، تحذرهم فيها من مغبة التعاون والتعامل مع السلطات الجزائرية. وقال التقرير إن تلك التحذيرات والتهديدات جاءت بالتزامن مع زيارة قام بها مسؤول ديبلوماسي أمريكي للجزائر. وحملت نفس المراسلة تحليلا رغم كونه مقتضبا، لواقع الحركات والجماعات الإسلامية بالجزائر في ذلك الوقت، حيث تقول الوثيقة السرية؛ إن قادة ''الفيس'' المحل ''لا يتحدثون بصوت واحد''، في إشارة إلى انقسام صفوفهم حسب تصوراتهم للعمل السياسي وإيديولوجياتهم. ''الجزأرة'' و''السلفية الجهادية''.. تمثيلية وتبادل أدوار وفي هذا الإطار؛ تكشف الوثيقة النقاب عن تواجد تيارات وجماعات داخل صفوف ''الفيس'' من العناصر المتشبعة بأفكار جماعة الهجرة والتكفير في أفغانستان، ومجموعة ''جيش محمد'' في باكستان، إلى جانب تواجد محدود لعناصر ''الجزأرة'' في الحزب المحل، حيث تصف الوثيقة الدور الذي كان يلعبه عناصر هذا التيار بالمحدود، وتذهب حد القول إلى أن صوتهم أصبح ''يأتي من تحت الأرض''، أو هكذا يبدو، لأن الوثيقة قالت في مقطع آخر إن العلاقة بين ''الجزأرة'' والتيار المتشدد داخل ''الفيس'' المحل، ممثلا في جماعة الهجرة والتكفير وجماعة ''السلفية الجهادية''، لا تعدو سوى أن تكون علاقة تبادل أدوار في تمثيلية على المسرح السياسي. عباسي شرطي صالح وبن حاج شرطي شرير..! وفي هذا الإطار؛ تصف التقارير السرية للمخابرات الأمريكية ما كان يوصف بأنه تناقض بين قادة ''الفيس'' المحل، من خلال اختلاف إيديولوجيات قادة تياري ''الجزأرة'' و''السلفية الجهادية''، بأنها مثل تقنية ''الشرطي الصالح والشرطي الشرير''، المعروفة خلال عمليات الإستجواب لدى محققي الشرطة، في إشارة إلى أن قادة الحزب المحل كانوا متفقين منذ البداية على تبادل الأدوار فيما بينهم، عندما يتعلق الأمر بالحوار مع السلطات والتعامل معها، من خلال حرص تيار الجزأرة على الظهور بمظهر الإعتدال، وعمل التيار السلفي الجهادي على الظهور بمظهر التشدد، مقابل حصول قادة الحزب المحل على المزيد من التنازلات من طرف السلطة. وفي شهر ماي عام 1992، حرر مسؤولو المخابرات الأمريكية وثيقة أخرى تحمل رقم 02932، جاء فيها أن تيار المتشدد والمتطرف في ''الفيس'' المحل، ممثل في جماعة الهجرة والتكفير، كان المسؤول عن الإعتداءات الإرهابية. وتركز الوثائق السرية للمخابرات الأمريكية في اتهامها للتيار السلفي ''الجهادي'' في ''الفيس'' المحل، مسؤولية العمليات الإرهابية التي عرفتها الجزائر منذ بداية التسعينات، على الإعتداءات الإرهابية التي استهدفت رعايا أجانب وممثليات دبلوماسية في الجزائر. ورغم ذلك؛ فإن تلك التقارير لم تغفل دور قادة ''الفيس'' الموصوفين بالاعتدال، في التحريض على العنف. الكلمة التي اصطادها الأمريكان وفي هذا الصدد؛ رصد تقرير آخر للأمريكيين صدر بتاريخ 27 أفريل من عام 1992، تصريحا أدلى به عباسي مدني في إحدى التجمعات التي كان ينشطها، عندما قال: ''إن خرج الجيش إلى الشارع، فإن اللجوء إلى العنف سيكون ضروريا..''، في إشارة إلى أن التحضير للإرهاب كان منذ بداية عام 1990 أو قبل ذلك التاريخ بكثير. ويقول تقرير آخر، يحمل رقم 055774، وصدر خلال نفس الفترة، إن بضع مئات من الجزائريين تدربوا على مدار الثمانية سنوات الماضية، أي ابتداء من عام 1984، في معسكرات للأفغان العرب، على تكتيكات وتقنيات حرب العصابات والقتال الملتحم. وأوضح التقرير الذي حمل تاريخ فيفري من عام 1992، أن هؤلاء ''الأفغان الجزائريين تلقوا تدريبات على استعمال الأسلحة الخفيفة والمتفجرات وحتى استعمال صواريخ أرض جو، في الجزائر، في دورات تدريبية استمرت لعدة أسابيع، قبل أن يتم إرسالهم إلى أفغانستان لاكتساب الخبرة، وكل هذا جرى ما بين عام 1989 وعام 1992. التحضير للإرهاب تحت غطاء القتال في العراق وفي تقرير سري آخر حرر في أفريل من عام 1991، قالت المخابرات الأمريكية؛ إن معسكرات التعبئة والتجنيد التي أعدها ''الفيس'' المحل، لتجنيد مقاتلين وتوجيههم إلى العراق خلال حرب الخليج الثانية، تحولت إلى إعداد ميليشيات سياسية خاصة بالحزب المحظور، وسرعان ما تبين الغرض الحقيقي من تلك الإستعدادات، حيث يقول نفس التقرير أنّه مباشرة بعد الإنتخابات المحلية في جوان 1990، ظهر أحد مناضلي ''الفيس''، دون تسميته بالاسم، وجرى تقديمه على أنه ممثل ''الحركة الإسلامية المسلحة'' المعروفة اختصارا ب ''ميا'' في فرنسا، ليشير نفس التقرير إلى وجود صلات وثيقة بين ''الفيس'' المحل وبين الحركة المسلحة، رغم حرص مسؤولي الحزب المحل على عدم الإعلان عن تبنيهم للحركة. تحقيق صحافي يكشف الإستعداد للجحيم يكشف التقرير السري رقم 01695، الصادر في أفريل من عام 1991، الذي أعدته مصالح السفارة الأمريكيةبالجزائر، النقاب عن قيام جريدة جزائرية وهي ''إيبدو ليبيري'' بنشر تحقيق صحافي مثير، تبين فيه أسرار شبكات تهريب الأسلحة والمتاجرة بها في الجزائر، وهي الأنشطة التي كانت حينذاك بمثابة المجال المفضل لدى بعض أنصار ''الفيس''. ويظهر تقرير الأمريكان كيف أن صاحب التحقيق الصحافي كشف النقاب عن شبكات تتاجر في مسدسات ''بيريطا'' عيار 9 ملم، وتقوم ببيعها في السوق السوداء بالجزائر، مقابل مبالغ معقولة، حيث وصل صاحب التحقيق من خلال عمله الصحافي، إلى حد اختراق الشبكات تلك ومعرفة مواقع البيع التابعة لشبكات السوق السوداء المتخصصة في الأسلحة.