بقلم: محمد قروش كل سنة في يوم العلم، نتذكر ذلك الرجل العظيم الذي تحدى الظلام.. ظلام الاستعمار وظلام الجهل وظلام العبودية التي أراد الاستدمار أن يفرضها بقوة الحديد والنار لتحويل الجزائريين إلى (آنديجان) يسكنون الوهاد والجبال والشعاب، ليمرح هو بالمدن والأنوار والخيرات والثروات.. والحقيقة أننا كلما نظرنا إلى سيرة هذا الرجل وتأملنا الظروف التي عاش فيها والظلمات التي كان يحاول أن يشق دروبها، تعجبنا في عظمة هذا الرجل وإرداته التي لا تلين، وتصميمه على زرع العلم والأمل والوعي والإرادة في شعب كان الكثيرون يظنون أنه مات واندثر إلى الأبد.. ليعلنها الشيخ بن باديس عالية في وجه المستسلمين والمتخاذلين.. (شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب، من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب).. متخذا من هذه الكلمات نبراسا وسلاحا من اجل إيقاظ همة الشعب والنهوض به عن طريق تنويره بالعلم، ودفعه إلى الجهاد وحثه على التمسك بالإيمان استلهاما لدروس أسلافه من المجاهدين الذين استطاعوا على مرّ القرون منذ بعثة محمد {صلى الله عليه وسلم} إلى القرن العشرين المحافظة على روح هذه الأمة وتواصلها عبر الأجيال عن طريق الإيمان والعلم والعمل والجهاد. بن باديس كان يدرك أن الأمة التي أكلها الوسخ والجهل والعبودية لن تنهض دون العلم الذي يفتح العقول والاذهان، ويدفع بالروح إلى القلوب والأجساد، من أجل أن تتغير وتجاهد وتنفض الغبار عن نفسها، في زمان كان ظلام الاستعمار والجهل والضعف والمهانة يلف البلاد والعباد ويدفع بها في مزالق الاندثار، فقد كان يدرك أن العلم هو الطريق الوحيد لإيقاظ الإنسان وتحقق التغيير والتمكين.. وسرعان ما بدأت خيوط النور تنفلق عبر ظلام الليل الدامس لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ونقلهم من صحاري التيه والضلال إلى طريق الحق والجهاد والثورة والحرية التي بزغت شمسها في نوفمبر 1954 وأضاءت الجزائر كاملة في جويلية عام 1962. لكن تلك الشمس سرعان ما عاد الظلام ليحجب أشعتها بعد طرد المستعمر، فمزقت الكتب ومسحت الألواح، وصار العلم تراثا والتاريخ أسطورة والعلماء مرتزقة وتجارا، وجعلنا من يوم موت بن باديس عيدا ! وكأننا نفرح بقبض العلماء ورفع العلم، ليفسح المكان لظلمات المادة والاستهلاك والبزنسة والتقليد والتفسخ والتخلف والتراجع والتقهقر في كل المجالات، ويصبح شعارنا الجهل نور والعلم ظلمات بعد أن كان العكس، لأن الرويبضة هو الذي تولى الأمر، والجهال هم الذين أصبحوا ناجحين والعلماء أصبحوا متخلفين يرمزون إلى الماضي الرجعي المتخلف في عصر عولمة التقليد والتغريب والفسخ والمسخ الذي يجرفنا إلى غياهب التاريخ، بعد أن ركبنا موجة الجهل والتقليد والانسلاخ، وضحكت من جهلنا الأمم، لأننا نسينا سلاح الحياة الذي ظلّ الشيخ ابن باديس رحمة الله عليه ينادي به.. (يا نشء أنت رجاؤنا وبك الصبح قد اقترب خذ للحياة سلاحها وخض الخطوب ولا تهب).