يقول المثل الشعبي:»زواج ليلة تدبارو عام«، أي أنّ التحضير لليلة الزواج يتطلب الكثير من الجهد والمال والوقت، حتى لا تحدث أخطاء من أي نوع من شأنها أن تفسد الفرحة والعرس، الذي لا يتكرر إلاّ مرّة في العمر. البعض يشرف على التحضير لتلك الليلة بنفسه، بمساعدة الأسرة والأقارب، أما آخرون، خوفا من الخطأ أو تهربا من المسؤولية أو طلبا للاحترافية، أو تفاديا لبذل جهد إضافي، أو للإسراع في المراسيم، أو لهذا كله يفضلون جلب »متعهد« أو ما يطلق عليه بالفرنسية »تريتور«، وهو شخص مهنته ومهمته التحضير للأعراس، فيقوم بكل صغيرة وكبيرة، بما فيها قاعة الحفلات ونقل الحضور الخ.. فالمهم لديه ولدى المعني أن يتمّ الزواج بخير. هذا الشخص، أو »التريتور« قد يكون وكالة أو فردا، يدفع له الرجل المقبل على الزواج أو المرأة أو كلاهما مبلغا ماليا يتحدد أساسا على حساب نوع الخدمة المطلوبة، وحتى بعض التجهيزات التي يمكن إضافتُها كما يمكن تركها، حتى أنّ البعض يطلب من »التريتور«، خاصّة إن كان هذا الأخير أهلا للثقة أن يجهز له العرس على حسب الأموال التي يعطيها له، ثم ينفض يديه تماما من العرس وهمومه. هذه الظاهرة التي ازدادت رواجا في السنوات الأخيرة، بل أصبحت عادة وتقليدا لدى بعض العائلات التي ألفت أن تحضر أعراسها بهذه الطريقة، والتي فيها محاسن وعيوب. في البداية فضلنا الاقتراب من بعض المتعهدين الذين يمارسون هذه المهنة منذ سنوات، لا يمارسونها لوحدها، بل يعتبرونها موسمية، حيث لا يمكن الاعتماد عليها كدخل وحيد، خاصة خارج موسم الأعراس، يقول لنا سيد علي (32 سنة): »في الحقيقة لم أكن أنوي أبدا أن أمتهن تحضير الأعراس، وكانت البداية من الحي الذي أسكنه، والذي وبحكم معرفتي بكل سكانه كنت أساعد أصدقائي وأبناء الحي على تحضير أعراسهم، والسهر على إنجاحها، وكنت فعلاً موهوباً في ذلك، حيث كانوا يثنون علي وعلى مهارتي في الإشراف، وعندما رأى الناس ذلك صاروا يلجأون إليَّ، ولم أكن أطلب أموالاً، بل كانوا هم يعطونها لي جراء خدماتي، إلى أن اقترح علي صديقٌ لي أن أجعل منها مهنة، خاصة وأنني طباخ بسيط أحتاج إلى دخل إضافي ففعلت، ولأني كنت ملما بكيفية تحضير الأعراس، بتقاليدها المتنوعة، وعادات العائلات من مختلف مناطق الوطن، فالعرس عند مناطق الشرق يختلف عن ذلك الذي يقام في الغرب وهكذا، كما أنّ بعض العائلات تطلب مني أن أوفر للعروس والعريس وحتى بعض المدعوين فساتين للاستئجار، أمّا الأسعار التي أطلبها من هذه الخدمة فتتراوح بين العشرين والستين ألف دينار، فهناك أعراس تتطلب جهدا كبيرا لتحضيرها وأخرى لا. ويجد بعض المواطنين في هذه الطريقة خلاصا من »تكسار الراس«، يقول عصام (29 سنة، مقبل على الزواج): »أنوي الزواج في الصائفة القادمة، ولأني لم أحضر شيئا حتى الآن فأنا أفضل أن استأجر متعهدا ليقوم بكل أمور عرسي، وهو أمر عملي خاصّة وأني أعرف بعض الأصدقاء الذين قاموا بالشيء نفسه، وتمت أعراسهم على أحسن وجه، فعلى الأقل سأضمن أنّ عرسي سيكون بين أيدي محترفة«. وإذا كان هذا رأي عصام فإن بعض الناس يجدون أن هذه الطريقة في تحضير الأعراس غريبة، بل وتمس العادات والتقاليد الجزائرية، حيث أنّ العرس ورغم أنه يتطلب جهدا ووقتا كبيرين، إلاّ أنّ التحضير له يبقى متعة لا تضاهيها متعة، وهو ما صارحتنا به أم زكي، والتي قالت لنا: »كيف يمكن لأم أن تسمح لشخص غريب بأن يحضِّر لزواج ابنها، فلا تشرف هي على الطهو، ولا على التسوق رفقة ابنها، ولا على شيء من الليلة التي وإن كانت الأسعد في حياة العريس، فإنّ أمه تعتبرها كذلك ليلة لا تنسى«، وهذا نفس رأي اسمهان، التي ورغم أنها لم تتجاوز الثانية والعشرين من العمر إلاّ أنها تبقى محافظة على التقاليد التي توارثتها عائلتها في الأعراس، تقول:»لا يمكن بحال من الأحوال أن يضع شخص غريب يده في عرسي، عندي إخوة وأخوال وأعمام هم من سيشرفون على العرس الذي سيكون عاصميا بطبيعة الحال، لأننا من سكان القصبة العتيقة«. ورغم أنّ الكثيرين لا يعرفون هذه الظاهرة، إلاّ أنها منتشرة بشكل كبير خاصّة في المدن الكبرى، حتى أن البعض يروِّجون لمهنتهم تلك بالملصقات وحتى الأنترنيت، حيث فتحت مواقع كثيرة تعرض خدماتها تلك على الزبائن، وبأدق التفاصيل، من العرس على الطريقة الشرقية أو المغاربية أو الجزائرية، إلى نوع القاعات والأكلات والفساتين وكل شيء.