وقفة مع يوم العلم لتجتهد الجزائر الآن أن تكون هيَ الشيخ باديس.. * مساهمة: الشيخ أبو إسماعيل خليفة إنما الأمم برجالها علماءَ كانوا أو ساسة أو قادة إنهم هم الذين يجسّدون روحها التواقة إلى الكمال وجلائل الأعمال هم النبراس الذي ينير لها الطريق إلى الحياة الحرّة الكريمة وهم الذين يحركون فيها الشوق إلى غد أفضل ومجد أكمل هم النموذج المله م الذي ينبغي أن نقدمه لناشئتنا لتتأسّى به وتنسج على منواله في خدمة هذه الأمة والتمكين لها.. وها هي الجزائر المحروسة بعناية الله تحيي يوم العلم الذي يصادف كل عام: 16 أفريل وتأتي هذه المناسبة تخليدا لذكرى وفاة باني النهضتين العلمية والفكرية بالجزائر وواضع أسسها على صخرة الحق الأستاذ الرئيس الشيخ عبد الحميد ابن باديس أول رئيس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. ولد الشيخ رحمه الله بمدينة قسنطينة في 4 ديسمبر 1889م وتوفي يوم: 16 أفريل 1940م وترك بصماته العميقة الأثر فصورته رحمه الله من الصعب محوها من ذاكرة أبناء الجزائر وأصعب من ذلك أن تُحصَر مميزاته الشخصية وقدراته العقلية والنضالية ومواقفه الفعالة تجاه أوضاع الأمة ومجريات أحداث تاريخها هو المعلّم المثالي والمناضل المستميت في الدفاع عن عزة شعبه وترسيخ مبادئ دينه.. لقد سأله يوما أحد طلبته: لم لا تؤلف الكتب أيها الشيخ؟. فأجابه رحمه الله: إن الشعب يا بنيّ ليس اليوم بحاجة إلى تأليف الكتب بقدر ما هو في حاجة إلى تأليف الرجال.. هَبْ أني انصرفت إلى التأليف وانقطعت عمّا أنا بصدده من نشر العلم وإعداد نشء الأمة فمن يقرأ كتبي وتآليفي.. ؟. . وكذلك كان رحمه الله فلقد قضى حياته مؤلفا للرجال لا يرجو من ذلك شهرة ولا يبغي من ورائه جزاء من البشر ولا شكورا وإنما قام بها أداءً للمسؤولية وقيامًا بالواجب نحو دينه ووطنه وقومه بعدما استيقن مما يُكاد لهذا الدين من محو ولهذا الوطن من إدماج ولهذا الشعب من سلخ عن أصله وهويته. لقد تصدى رحمه الله بكل قوة للمخططات الفرنسية الهادفة إلى طمس هوية الأمة ودخَل في سباق مع فرنسا فسبقها وانقلبت على أعقابها خائبة خاسرة لم تنلْ خيرا ويَذكُر التاريخ أنه في اليوم الذي توفي فيه رحمه الله أقامت فرنسا الأفراحَ ابتهاجا بموته وقال قائلها: آن لفرنسا أن تطمئن على بقائها في الجزائر فقد مات ألدّ أعدائها !. فارتجل شاعر الثورة _ محمد العيد _ مخاطبا ابن باديس في رائعته وهو واقف عند قبره يقول في مطلعها: يا قبر طبت وطاب فيك عبير * هل أنت بالضيف العزيز خبير؟ هذا ابن باديس الإمام المرتضى * عبد الحميد إلى حماك يصير إلى أن يقول رحمه الله: نم هادئا فالشعب بعدك راشدُ * يختط نهجك في الهدى ويسيرُ لا تخش ضيعة ما تركت لنا سدى * فالوارثون لما تركت كثيرُ وعلى هذا الأساس لم يُختر يوم مولده ولا يوم تأسيسه لجمعية العلماء يوما للاحتفال بيوم العلم وإنما اختير يوم وفاته وكأننا بهذا الاختيار نقول لفرنسا: أنه لا داعيَ لئن تفرحي بموت ابن باديس فالعلم الذي قهرك به لم يمت بموته بل ورثته الجزائر برمتها وعلى أسسه قامت الثورة التحريرية المباركة. فابن باديس رحمه الله لم ينجح في تعزيز الهوية في قلب أمته فحسب بل ساهم في تكوين جيل الثورة الجزائرية الذي قال عنه: يا نشء أنت رجاؤنا * وبك الصباح قد اقترب خذ للحياة سلاحها * وخذ الخطوب ولا تهب وكان ذلك فبعد بعد مرور 14 عاما على وفاته اندلعت ثورة التحرير الجزائرية والتي قادها ذلك النشء الذي تتلمذ ودرس في معاهد الشيخ عبد الحميد بن باديس وكان الله معهم وكان إيمانهم به عظيما وكان صبرهم جميلا فصدقهم الله وعده وفرح الجزائريون بنصر الله والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.. ألا فكونوا صفّا واحدا في كتيبة واحدة متراصّة لمواصلة الطريق والسّاحة للصادقين المخلصين والانتماء الوطني هو الأغلى وتيار الحق والكرامة هو الأقوى في عدالة سائدة وحرية منضبطة وشعور جماعي بالحفاظ على الوطن والممتلكات والمكتَسبات ولتحيا في نفوسكم المعاني التي كانوا يجسدها الشيخ عبد الحميد بن باديس وأسلافه ولتتعمّق في قلوبكم المبادئ التي وهبوا حياتهم من أجلها. قال شيخ العربي تبسي رحمه الله: (لقد كان الشيخ عبد الحميد هو الجزائر فلتجتهد الجزائر الآن أن تكون هي الشيخ باديس). رحم اللّه العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد النهضة والإصلاح في جزائر الشهداء وجزاه عنا خيرا ورحم الله رفاق دربه وقادة العمل الوطني الجزائري وفي مقدمتهم شهداء ثورة نوفمبر الخالدة وحمى الله الجزائر من كيد الكائدين ورفعها ورفع أهلها بين الأمم وجعلها آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين..