الصحفي،محمد مرزوقي،في ذمة الله    اجتماع للحكومة يتعلق بمحاربة المضاربة والوقاية من وضعية الهيمنة    سونلغاز توقع اتفاق مع المجمع الأمريكي "جنرال إلكتريك"    من يحرر فلسطين غير الشعوب..؟!    تفكيك جماعة إجرامية تزور يقودها رجل سبعيني    باتنة: توقيف مروج وحجز 210 قرص مهلوس    الجزائر تتقدم رسميا بمشروع قرار للتوصية بقبول العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الهيئة الأممية    الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية للأونروا بقيمة 15 مليون دولار    مجبر على البحث عن ناد جديد الموسم المقبل! عكس بن طالب.. مدرب ليل يواصل استبعاد وناس لأسباب انضباطية    المديرية العامة للإتّصال برئاسة الجمهورية تعزّي..    خصص لدراسة المشروع التمهيدي لقانون يحدد القواعد المتعلقة بالمنافسة: اجتماع للحكومة يتعلق بمحاربة المضاربة والوقاية من وضعية الهيمنة    لتوسعة "جنرال إلكتريك الجزائر للتوربينات- جيات": سونلغاز توقع اتفاق مع المجمع الأمريكي "جنرال إلكتريك"    يقدّم مستويات لافتة هذا الموسم مع الذئاب : يقوم بأدوارا هجينة .. ريان آيت نوري مطلوب في مانشستر سيتي بمبلغ خيالي!    دورة اتحاد شمال افريقيا لكرة القدم (اقل من 17 سنة): رئيس الفاف وليد صادي يعطى اشارة انطلاق البطولة    "الجوية الجزائرية" ترفع عدد الرحلات الداخلية الإضافية إلى 68 رحلة    الجزائر لم تبخل يوما بجهودها لتغليب الحلول السلمية للأزمات    فرقة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية بالعاصمة: تفكيك جماعة إجرامية تزور يقودها رجل سبعيني    لا بديل عن مقاربة وطنية لتعليم الأمازيغية بمختلف متغيّراتها اللّسانية    عهدة الجزائر بمجلس الأمن جد مشرفة    الصّهاينة يرتكبون 6 مجازر في يوم واحد    اعتراف بمكانة الجزائر المتنامية كمركز اقتصادي إقليمي هام    إشراف تشاركي على الانتخابات المقبلة    40 سؤالا ل8 وزراء    صناعة السيارات تستوجب شبكة مناولة بمعايير دولية    الرابطة الأولى: شبيبة القبائل تفوز على مولودية وهران وبلوزداد يتعثر أمام نادي بارادو    خطوات متسارعة لطي"عدل2" وإطلاق عدل "3"    انتقال طاقوي: ضرورة تصميم نماذج استشرافية لتحقيق مزيج طاقوي دائم    أحزاب ليبية تطالب غوتيريس بتطوير أداء البعثة الأممية    انطلاق حملة كبرى للوقاية من حرائق الغابات    الصحة العالمية.. حجم الدمار في مستشفيات غزة "مفجع"    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    توقعات بمستوى عال ومشاركة جزائرية مشرفة    بطاقة اشتراك موحدة بين القطار والحافلة    أول طبعة لملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    البعثة الإعلامية البرلمانية تختتم زيارتها إلى بشار    الأندية الجزائرية تبحث عن التّألّق قاريّا    ضرورة جاهزية المطارات لإنجاح موسم الحج 2024    نريد التتويج بكأس الجزائر لدخول التاريخ    معارض، محاضرات وورشات في شهر التراث    شيء من الخيال في عالم واقعي خلاب    حجز 20 طنا من المواد الغذائية واللحوم الفاسدة في رمضان    ربط 577 محيط فلاحي بشبكة الطاقة الكهربائية    مكيديش يبرر التعثر أمام بارادو ويتحدث عن الإرهاق    الطبعة الأولى باسم التشكيلي "محمد دميس" : ملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    تيبازة تحيي الذكرى ال68 لاستشهاده .. ذكاء وعبقرية سويداني بوجمعة سمحا له بنيل شرف التحضير للثورة    تراجع كميات الخبز الملقى في المزابل بقسنطينة    توزيع الجوائز على الفائزين بمسابقة "أشبال الثقافة" في طبعتها الثانية    عودة إلى رؤية العلامة للقضية الفلسطينية: 22 دار نشر وطنية في صالون بن باديس للكتاب بقسنطينة    لعقاب خلال تسلّم نسخة من المصحف الصوتي : على إذاعة القرآن الكريم لعب دور ريادي في معركة الوعي    توزيع أكثر من 152 ألف طرد غذائي    انطلاق أسبوع الوقاية من السمنة والسكري    وفق تقرير لجامعة هارفرد: الجزائري سليم بوقرموح ضمن أهم العلماء المساهمين في الطب    انطلاق عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تساؤلات عن توليفة التاريخ والأدب والسينما
نشر في أخبار اليوم يوم 03 - 11 - 2021


مراصد
إعداد: جمال بوزيان
أخبار اليوم ترصد مقالات أهل القلم
تساؤلات عن توليفة التاريخ والأدب والسينما
ترصد أخبار اليوم مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة.
الأدب التاريخي في عيون السينما بالجزائر
بقلم: الأستاذة عائشة قواتي روائية وقاصة
ماذا يعني أن تكون لديك فكرة في مجال ما؟ وهل صحيح أن الفكرة لا تحدث كل يوم؟ وإذا حدثت فهي شكل من أشكال الاحتفال.. الفكرة مثل صاحبها تتكرس في مجال معين وليس ممكنا أن يكرسها فرد بذاته في كل المجالات.. فالفكرة قد تكون في الأدب أو الفلسفة أو الرسم أو العلوم بكل أنواعها..سأنطلق من مبدإ أني أشتغل في مجال الأدب والكل يعلم ماذا يعني الأدب؟.
حاول الكثير إعطاء تعاريف متعددة للأدب على حسب طبيعته المتغيرة وسرعان ما تنتقض تلك التعاريف حيث أن الأدب وأشكاله ومفهومه يختلف باختلاف الحضارات عبر الأزمان كما قيل: إن أصله أتى من اللغة اللاتينية litera وتعني الحرف وlitteratera وتعني الحروف الأبجدية حتى وصل إلى الإنجليز وأصبح ليتيرترliterature)) أو ما يسمى بالأنجلو ساكسن الأدب الإنجليزي القديم..فقط هذه إشارة لأصل كلمة أدب لكن ما يهمنا هنا المتفق عليه أن الأدب هو كل ما هو في الشكل المكتوب والملفوظ وأهميته هو أنه يزودنا بالمتعة والثقافة والمعرفة.. وهو من أنواع الفن التي تحرك مشاعر قرائه ومستمعيه ومنه الأدب الخيالي والواقعي والعلمي والتاريخي وهذا الأخير هو ما يهمنا اليوم.
يقول قائل: ما علاقة الأدب بموضوع التاريخ والسينما؟
الأدب أو الكتابة الأدبية السردية هي حلقة الوصل بين هذين المؤسستين الفنيتين نعرف ولو تعريفا يسيرابهذين العنصرين التاريخ والسينما.
التاريخ ليس كما هو شائع في ثقافتنا وعلمنا الأكاديمي أنه هو مجرد كرونولوجيا الأحداث المتعاقبة في زمن ومكان معين بل هو تلك الحمولة التي يحملها من عمران وفنون وعادات وتقاليد وحكايات شعبية ولباس.. أي التاريخ الشعبي ونتاجه المادي وغير المادي ولعل هذا ما قصده العلامة ابن خلدون في مقدمته حين قال: إنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران الأرض وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك من المُلك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر من أعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش...وسائر ما يحدث في طبيعة ذلك العمران..ومن هنا ندرك حجم اتساع مفهوم التاريخ عنه الآن فنحن حصرنا التاريخ في مجرد الأحداث السياسية والحربية للدول وتغافلنا عما أشار إليه ابن خلدون مما تضمنه تعريفه وهذا يجعل التاريخ يتجاوز مجرد التقاطع مع الأحداث أو الشخصيات أو الواقع ويضم إليه الفنون والآثار التي نتجت عن الماضي واستدعائها حاضرا بهُوِيَّة دالة على عصرها.
وهذا ما تعمل عليه الفنون والآداب باستحضار هذه الهُوِيَّة بكل حمولتها لتبني عليها عملا فنيا أدبيا إبداعيا تحت اسم الرواية التاريخية .
فالرواية التاريخية ليست مجرد تقاطع مع زمن تاريخي ما وإنما هو تقاطع مع هُوِيَّات ذلك الزمن التاريخي..معنى ذلك أن التاريخ يدل على هُوِيَّته من خلال نتاجاته الفنية وهذا ما تشتغل عليه الرواية وما تشتغل عليه الآداب والفنون جميعا على حسب رأي الدكتور محمود الضبع.
ولذا يمكن القول: إن كل رواية هي تاريخ إما أن تكون الرواية استلهمت أحداثه أو تقاطعت معه في استلهام حمولته الثقافية والفنية ومن ثم تتشابه عناصر بناء الرواية مع عناصر بناء التاريخ لكونهما يشتغلان على أحداث فهما يتقطعان ويتمثلان في عناصر البناء التاريخي ذاته في سرد أحداث وشخصيات وسيرة حياة ولكن تبقى لكل منهما خصوصيته التاريخ إذا طابق الواقع فإن الرواية لا تتحكم في هذا الواقع وإنما تأخذ سردا من التاريخ وتبني عليه متخيلا سرديا.
اتكأت الرواية على التاريخ منذ نشأتها بوصفه حكيا يربط بين الواقعي والمتخيل في بناء سردي تعيد بناء السرد التاريخي من خلال الثغرات المنسية بين مراحل انتقال التاريخ وهذا ما انتهزته الروائية رضوى عاشور في رواية ثلاثية غرناطة حينما سقطت الأندلس وتركت وراءها مئة سنة مهجورة لم يذكرها التاريخ استلهمتها الروائية وبنت على عناصرها الخلفية روايتها.
فالتاريخ على رأي الدكتور محمود الضبع مليئ بالفجوات وهو ما تتلقفه الكتابات الإبداعية لملئها بكيفيات متخيلة وحضور التاريخ في الرواية له أشكال ومراوغات متعددة كما صنفها الدكتور محمود الضبع.
-الحضور التاريخي بوصفه علامة أو أيقونة ومثالها رواية ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور سقوط الأندلس كأيقونة.
-الحضور التاريخي بوصفه متكأ أو خلفية مرجعية.
-الحضور التاريخي بوصفه حدثا مركزيا.. استحضار الشخصية والبناء عليها.
- الحضور التاريخي بوصفه أسطورة..بوصف الرموز الأسطورية ويبني عليها.
-الحضور التاريخي بوصفه الحضور الجدلي مع التاريخ وليس بوصفه فقط وإنما مساءلته للتاريخ.
-الحضور التاريخي بوصفه نصا موازيا..توازي بين حادثتين تاريخيتين في القديم والحديث.
-الحضور التاريخي بوصفه تفكيكا للتاريخ القديم.
ومن خلال هذا التعريف المقتطف للرواية التاريخية ألا يدعونا ذلك إلى إعادة النظر في مفهوم الرواية التاريخية والخروج من ذلك التعريف الضيق الذي يحصرها في مجرد العودة إلى زمن ماض ؟.
يجب أن نغير نظرتنا لهذا النوع من الفن الأدبي بأنه نسخ للتاريخ ونقل حرفي للتاريخ المدون بأحداثه وحيثياته..ألا يجدر بنا الأمر أن ننظر إليها بمنظور حديث ينطلق من الفكر والثقافة والفن والتقنية الابداعية لنعطيها نظرة أخرى ليست بوصفها استرجاعا لأحداث التاريخ وإنما بوصفها عملا فنيا يحقق أهدافا فنية فكرية تعطيها مكانة إبداعية تليق بإضافتها للمدونة السردية العربية التي حققت انتشارا باهرا وواسعا حتى الآن.
وبهذه المقومات لفتت إليها نظر الفن السابع لينهل منها أقوى الأعمال السينمائية الخالدة.. وقبل أن نغوص في هذا الموضوع الذي يعد الشطر الثالث من هذه التوليفة كان لا بد أن نعطي صورة ولو ميسرة عن ماهية الفن السابع الذي هو السينما.
فتعريف السينما هو فن حكي القصص بالصورة المتحركة ولكن تعريفها حسب إتيان سوريو فإن الفنون السبعة هي:
1- النحت المعماري
2-الرسم والزخرفة
3-التلوين التمثيلي
4-الموسيقى
5-الإيماء والرقص
6-الأدب والشعر
أما الفن السابع الذي احتوى كل هذه الفنون فهو السينما.
وعندما نقول الفن فإن ذلك يعود لسبب ما توفرت عليه من تقنيات في انتشارها والسابع بقي من ملاصقات للسينما حتى أصبحت عنوانا للعديد من برامج التلفزيون والمقالات الفنية وكتب مطبوعات يعتمد عليها مختلف دول العالم فعند مراجعة هذا اللقب تبين أن له جذورا تاريخية قديمة تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر أي منذ بداية السينما وكانت هناك دراسات خلف هذه التسمية تعود إلى فردين هما الناقد الفرنسي ذو الأصول الإيطالية كامودوإليتشو والفرنسي إتيان سوريو.
ويعود الفضل لظهور هذا الفن للوجود إلى إحدى هذه الفنون التي سبقته الذي هو الأدب وبالأخص فن الرواية في عام 1895حين بدأت اللغة المكتوبة تتحول إلى صور والدلالات إلى تقنيات في عملية مركبة تتفاعل لتولد عمل.
وكما أن الرواية كما أسلفنا أخذت من التاريخ الهُوِيَّة والمحمول الفني فكذلك السينما أخذت من الرواية ما يتناسب وتقنياتها المرئية وحيزها الزماني والمكاني.. ولايسعنا المجال للتفصيل في هذا الموضوع لأني فقط سلطت الضوء على التعريفات العامة الشاملة لنصل إلى الموضوع الأهم.
وقد يسأل سائل: لماذا كل هذه اللفة الطويلة والسؤال واضح وجلي وهو مدى احتواء السينما أو الفن السابع للعمل الأدبي التاريخي (الرواية التاريخية) في الجزائر؟
أجيب السائل وأقول: ليس من الممكن أن أكتب عنوانا على مظروف وأرسله إلى صاحب هذا العنوان دون رسالة مكتوبة توضح له لماذا راسلته؟ هكذا تماما هدف هذا المحتوى لكي أصل إلى العنوان المطروح كان يجب أن أوضح ولو بتعريفات ميسرة محتوى عناصره المكونة له.
ومن هذا السؤال تتمخض أسئلة أخرى أو استفهامات ربما طرحت في أكثر من مناسبة ولكن سنبقى نطرحها حتى نصنع لهذا الفن مكانته بين الأمم ونبني صناعة سينمائية تبرزه وبمعيته تبرز حضارة هذا البلد الزاخر بتاريخه وفنونه المتعددة قبل وبعد الإسلام.
هل نستطيع أن نقول إن هناك سينما في الجزائر حقا؟وإذا كانت إلى أين آلت وما آفاقها المستقبلية..؟
أسئلة موجهة إلى القائمين على هذه المؤسسة وقبلها إلى الوزارة مركز التشريع والتقنين والتمويل والبناء.
نذكر بأن في ا لسنوات الأولى للدولة المستقلة كانت دُور السينما 450 دارعرض تمتلئ على آخرها لمشاهدة إنتاجات جيدة وناجحة تاريخية واجتماعية وكوميدية وصلت حتى للجوائز العالمية كفيلم سنوات الجمر للمخرج الأخضر حامينا بجائزة السعفة الذهبية.. ثم حصلت نكسة أمرضت هذه الصناعة وصلت فيها دُور عرض السينما إلى 88 دار عرض وبحدوث العشرية السوداء انغلقت السينما على نفسها..ما الأسباب؟
فيه من يعوزها إلى بقاء سيطرة الاستدمار بثقافته الفرنسية وكذا اللهجة التي لا تستسيغها ولا تفهمها ولا تدركها الشعوب العربية الأخرى لأنها أكثر صعوبة باعتبار أن اللهجة تنتشر بالفنون كالعمل الروائي السينمائي والأغاني.
ولكن الأسى الحقيقي الذي قلص من هذه الدُّور لدرجة وصلت إلى الستة أو أقل على حسب الملاحظين هو العشرية السوداء التي كانت تغتال فيها الشخصيات الأدبية والفنية وصناع المشهد السينمائي.
لكن ماذا بعد العشرية التي مر على انقضائها 27 سنة؟ ألم يكن الوقت كافيا لتبعث هذه الصناعة من جديد وهذا البلد ينام على موروث تاريخي وثقافي؟ كان من الممكن أن يبعث بحضارته إلى العالمية؟.
===
جدلية العلاقة بين التاريخ والسينما..
هل تصبح الأعمال السينمائية وثائق تاريخية؟
بقلم: نفيسة دسوقي*
هل أصبحت السينما عنصرا مؤثرا في كتابة التاريخ.. وهل يمكن الاعتماد عليها عند كتابة التاريخ أو عند توثيق الوقائع التاريخية خاصة المعاصر منها لصناعة السينما وللإنتاج السينمائي؟ وكيف يتسنى للمؤرخ أن يتعامل مع الفيلم السينمائي سواء كان روائيا أو وثائقيا بوصفه وثيقة يمكن الإستناد إليها عند كتابة تاريخ القرن العشرين؟ وما هي الدوافع التي قد تدعوا المؤرخ للإعتماد على الفيلم السينمائي كوثيقة؟
تساؤلات عديدة فرضت نفسها على الندوة التي عقدت تحت عنوان السينما.. تاريخ القرن العشرين ضمن فعاليات السيمنار الشهري بمركز دال والذي ينظمه الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة وذلك بمشاركة نخبة من المبدعين والباحثين والأكاديميين على رأسهم الدكتور عماد أبو غازي أستاذ التاريخ والوثائق بكلية الآداب جامعة القاهرة ووزير الثقافة الأسبق والأستاذ الدكتور أيمن فؤاد سيد رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية والمصور السينمائي الكبير الأستاذ سعيد شيمي.
تغير في المفاهيم
افتتح الدكتور محمد عفيفي أعمال الندوة بالتأكيد على أن هناك تغيرا قد حدث في العقود الأخيرة في مفهوم التاريخ حيث لم يعد التاريخ هو التاريخ السياسي للحكام وفقط وإنما صار التاريخ هو تاريخ الناس و تاريخ الشعوب بشكل عام وبالتالي أصبح الموضوع مرتبطا بطريقة كتابة التاريخ وبات الأمر الهام هو البحث عن وسائل جديدة لكتابة التاريخ حيث لم تعد الوثيقة التاريخية وحدها كافية كوسيلة لكتابة التاريخ.
وأشار الدكتور محمد عفيفي إلى وجود عدد من المؤرخين باتوا يتعاملون مع الفيلم السينمائي بوصفه وثيقة تاريخية هامة يمكن الإعتماد عليها عند كتابة تاريخ القرن العشرين وضرب مثالا بالمؤرخ الفرنسي مارك فيرو الذي بدأ حياته كمؤرخ تقليدي يعتمد على سجلات الضرائب كوثائق تاريخية إلا أنه حين حاول الكتابة عن تاريخ المجتمع السوفييتي لجأ إلى السينما السوفييتية التي أقر بأنها كانت أكثر فاعلية في التأريخ للمجتمع السوفييتي في القرن العشرين من سجلات الضرائب التي إعتاد الإعتماد عليها وذلك بالرغم مما تعانيه السينما السوفييتية من خضوعها لأعمال الرقابة.
بدأ مارك فيرو كتابه السينما والتاريخ والذي صدرت له مؤخرا ترجمة للغة العربية عن المجلس الأعلى للترجمة بفصل يحمل عنوان الفيلم كوثيقة تاريخية مؤكدا على أن الأفلام الروائية تعد وثائق أصدق – حتى من الأفلام الوثائقية -في كتابة التاريخ.
السينما والتاريخ.. جدل مستمر
الدكتور عماد أبو غازي تناول قضية العلاقة بين السينما وتاريخ القرن العشرين مشيرا إلى أن السينما المصرية من الصناعات الإبداعية التي وصلت مصر بمجرد ظهورها فبعد أسابيع معدودة من أول عرض سينمائي بالعاصمة الفرنسية باريس كان هناك عرض سينمائي بمدينة الأسكندرية وذلك على عكس الطباعة التي لم تصل مصر إلا بعد ما يقرب من ثلاثة قرون من ظهورها.
يضيف الدكتور غازي أن مصر قد عرفت الجريدة السينمائية من بداية العشرينات من خلال رائد السينما المصرية محمد بيومي وجريدة أمون ثم جريدة مصر السينمائية التي تمكن محمد بيومي من الحفاظ على عدد من شرائطها التي وثقت عددا من الأحداث الهامة مثل: وقائع بناء مسجد المرسي أبو العباس ووقائع استقبال سعد زغلول عند عودته من المنفي.
القضية المثيرة للجدل في العلاقة بين السينما والتاريخ تتمثل في كون السينما التاريخية باتت مصدر الوعي التاريخي للعديد من الأجيال التي لا ترجع إلى أي مصادر تاريخية أخرى تتعلق بالأحداث التاريخية التي تطرحها تلك الأعمال هنا يضرب دكتور غازي المثل بفيلم الناصر صلاح الدين للمخرج يوسف شاهين والذي جاء على سبيل المثال بشخصية عيسى العوام كشخصية مسيحية ربما لكى يستطيع شاهين من خلالها أن يطرح قضية الوحدة الوطنية على الرغم من أن الوقائع التاريخية تؤكد على أن العوام كان مسلما إضافة إلى طرح يوسف شاهين لقضية القومية العربية وهى قضية بطبيعة الحال لم تكن تشغل صلاح الدين بأي حال من الأحوال.
يتساءل غازي هل سيتم محاسبة السينمائي بوصفه مؤرخا عليه توخي الدقة التاريخية؟ هل سيتم التعامل مع فيلم الناصر صلاح الدين بإعتباره وثيقة تاريخية للحروب الصليبية؟ يجيب غازي على تساؤلاته تلك بأن للفنان كامل الحرية في التعامل مع الموضوع الذي يقدمه بفيلمه كيفما شاء وأن على الباحث التاريخي الذي يستعين بالفيلم السينمائي عند كتابة التاريخ أن يتحرى الدقة والتنقيب عند تعامله مع الفيلم السينمائي.
هنا يختلف الدكتور أيمن فؤاد سيد مع رؤية الدكتور عماد أبو غازي فيما يتعلق بالأفلام التاريخية فبينما أكد أبو غازي على مبدأ الحرية الكاملة للمبدع السينمائي في التعامل مع موضوع فيلمه أكد أيمن على ضرورة المراجعة التاريخية من قبل المتخصصين عند تناول أي من الأحداث التاريخية بأي عمل درامي وذلك حتى لا يتم نقل أي معلومات تاريخية خاطئة.
سباق مع الزمن
يروي المصور السينمائي سعيد شيمي رحلته مع عالم السينما منذ أن كان طفلا صغيرا برفقة رفيق رحلته المخرج الراحل محمد خان مشيرا إلى الدور التأريخي الذي لعبته السينما في مصر في القرن العشرين وكيف استخدم السياسيون السينما كوسيلة لتعزيز رؤيتهم في كثير من القضايا هنا يضرب سعيد شيمي مثالا بسلسة الأفلام الوثائقية التي رافقت بناء السد العالي حيث كان هناك فيلم أسبوعي يحمل عنوان سباق مع الزمن يهدف لتوثيق عملية البناء إضافة إلى وجود ظاهرة سادت بكل دور العرض السينمائي بستينيات القرن الماضي تتمثل في عرض فيلم وثائقي قبل عرض الفيلم الروائي وغالبا ما كانت تلك الأفلام الوثائقية تعرض لإنجازات ما بعد ثورة 23 يوليو 1952.
على الجانب الآخر يشيد سعيد شيمي بفترة تأميم صناعة السينما من عام 1963 حتى بداية السبعينات التي شهدت إنتاج حوالي 150 فيلما ضمت مجموعة من أفضل ما أنتج بالسينما المصرية كان منها على سبيل المثال: المومياء.. الأرض.. الزوجة الثانية.. الحرام وهى أفلام في مجملها هدفت لتغيير العديد من المفاهيم الإجتماعية التي كانت سائدة آنذاك.
* المصدر: موقع أصوات أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.