مراصد إعداد: جمال بوزيان تثبيتا لهوية المجتمع الجزائري الحضارية التنوع الثقافي عامل وحدة واستقرار تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي مختلف المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ. ///// في استغلال الهامش المتاح..! أ.م.رابح لكحل في ظل ابتعاد الناس وخاصة الشباب منهم عن الاهتمام بالشأن العام والعزوف الكبير (الذي يتسع كل مرة..) عن المشاركة في النشاطات العامة بمختلف أشكالها فضلا عن المقاطعة العدمية للاستحقاقات الانتخابية المختلفة مند عقود.. ومع سياسة التشويه المتعمد للعمل السياسي الذي تعتمده أطراف وجماعات مختلفة وحتى متناقضة في أهدافها ومنطلقاتها..! ازداد الأمر سوءا وتعقيدا.. نسمع بين الحين والآخر دعوات طيبة لاستغلال هامش العمل المتاح تصدر عمن نحسبهم من النخبة ونظن أن صرختهم تندرج في إطار مسعاهم الإصلاحي وهدفهم دفع الناس للمساهمة في الشأن العام بالمشاركة الواسعة في مختلف أعمال ونشاطات المؤسسات الرسمية والمجتمعية والانخراط في العمل السياسي بالمستوى المتاح وبمختلف أشكاله وألوانه وينطلقون في ذلك من منطلقات أساسية ثلاث هي: 1--اعتمادا للحكمة الأصولية: ما لا يدرك كله لا يترك جله . 2- التزاما وتنفيذا للقاعدة النبوية: اعملوا فكل ميسر لما خلق له . 3- قناعتهم أن السكون فعل عدمي لا ترجى منه أي ثمرة. ويفسرون أو يدللون على أهمية دعوتهم ب: 1- التجارب المؤلمة القريبة (في الزمان أو في المكان) بينت أن الإصلاح السياسي في بلداننا لا يتم بضربة واحدة ولا هو بضربة لازب كما أن ثقافتنا السياسة نالها تشويه رهيب زاده طول الأمد تجذرا. 2- فباعتماد ثقافة الصبر الاستراتيجي والاكتفاء بخطة تدافع تقوم على تسجيل النقاط يمكن تحقيق المبتغى وتجسيد التغيير المنشود على أرض الواقع مع الزمن. 3- السياسة محور دوران المجتمع وتتحكم في جميع وظائفه وتأثيرها قوي على مختلف مناحي الحياة ولذا فمن الحكمة أن ينفر لها أناس رساليون ذوو كفايات علمية حقيقية محصنون بقيم أخلاقية عالية يعتمد عليهم في تقدير المآلات رسم الخطط المناسبة وبناء التحالفات الناجحة بدلا من ترك الساحة فارغة للمفسدين والرويبضات من الناس والاكتفاء بالبكاء والعويل وتيئيس الناس... وكنتيجة لهذه المقدمة نجدهم يجتهدون في إقناع غيرهم بإمكانية تحقيق الإصلاح المنشود باعتماد وسيلة الديمقراطية المتدرجة الإصلاحية وكثيرا ما يذكرون التجربة التركية كمثال للتدليل على مقاربتهم هاته ويظهر أن كلامهم مقنع إلى أبعد الحدود كما يظهر كأنه منطقي جدا لكن من المهم الإشارة لوجود: 1- خلل في الممارسة: فتجربة عقود من الزمن بينت لها أن التغيير الحقيقي والفعلي في سياسات الحكم لا يتم عبر الديمقراطية كما هي الآن والمحصورة فقط في الفعل الانتخابي المشوه. 2- اختلال في القوى: تبين أن الطرف الذي نناوره هو الأقوى بامتلاكه لأدوات التغيير وإصراره على احتكارها وعدم التفريط في أي منها وبتعامله بعين الريبة مع منافسيه المفترضين. كما ثبت أن السلط في بلداننا لا تؤمن أصلا بالديمقراطية (حتى في أبسط صورها وهو التداول على الحكم..) وهي غير مستعدة للتخلي عن مكاسب وإغراءات المُلك.. وحتى الغرب المنافق (ظهير أنظمة الاستبداد..) لا يؤمن بحق شعوبنا في الحرية كما يتعامل مع الشعوب الإسلامية كعدو حضاري (فمن مظاهر تزييف الوعي أشاعوا في بلداننا أن الغرب المخادع يمكنه في يوم ما أن يسمح لأعدائه الحضاريين بالوصول إلى الحكم لو أثبتوا أنهم ديمقراطيون..!). 3- من المعلوم أن الديمقراطية الغربية بالضرورة هي وسيلة للتداول على الحكم بين المختلفين في الفروع ضمن اإدتفاق عام حول المبادئ والتوجهات الكبرى فمثلا رغم المعارك الانتخابية الطاحنة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أمريكا فلن تجد اختلافا جوهريا بينهما في الموقف العقدي بالعِداء للقضية الفلسطينية. 4- في تقديري أعتقد أن أي مشروع إصلاحي لن ينجح إذا لم يضع نصب عينيه الهدفين الأساسيين الآتيين: أ- تصحيح مبادئ سياسة الحكم عموما والتركيز على إعادة الشرعية وتثبيثها. ب- تغيير الواقع الذي فرضه الاستدمار ثم وكلاؤه من بعده بدرجة أخص. 5- لأسباب كثيرة أقلها قلة الممارسة وانعدام تجارب العمل السياسي دخل الكثير من السياسيين حلبة الصراع بسوء تقدير لموازين القوى وبعجز قاتل عن إدراك عمق التشويه والتضليل الذي خلفته غواشي التاريخ وسياسات المكر والتحريف التى زرعها ورعاها الاستدمار. وبعد تجارب فاشلة تبين لهم أن: أ- بضاعتهم مزجاة. ب- تفاجأوا بقلة حيلتهم وهوانهم على الناس (خاصة الإسلاميون من بينهم..). وتعرض أصحاب المشاريع الجادة منهم لسياسات قهر وتهميش متعمدة وحتى لأبشع المجازر وأشنعها.. ونتج عنها انقسامهم في مقارباتهم للتعامل مع الواقع المكتشف بحيث: أ- قسم منهم انخرط في سياسات الأمر الواقع بحجة تجنب الصدام (جعلوه مبدأ لا حيدة عنه..) دون بوصلة فتاهوا.. بحيث تستروا ابتداء خلف فتاوى وآراء باسم الضرورة ثم تطوروا بعدها إلى العبث بالدين وأحكامه. ب- قسم من شدة الصدمة انطوى على نفسه (هاجر في الزمن ..) وعاش أصحابه يمني بعضهم بعضا بأمجاد ماض مشرق. ت- قسم ينتظر.. لا أدري مستغرقا في العمل والتحضير مترقبا الفرصة المناسبة أم على أمل وقوع معجزة إلهية تحدث التغيير المأمول. 6- لو ناقشنا بعض تجارب العمل في الهامش المتاح فلن نجد أحسن من تجربة إخوان مصر وتجربة النهضة في تونس اللذين قبلا بجميع قواعد الممارسة وشاركوا تحت سقف السلطة في جميع الاستحقاقات الممكنة بل وقدموا تنازلات كثيرة (خاصة نهضة تونس) أحدث بعضها تململا داخل صفوفها فضلا عما تحملوه من نقد قاس من أطراف خارجية لدرجة اتهامهم بالانحراف من طرف حراس المعبد ومريديهم.. لقد طبقوا بالحرف نظرية العمل في الهامش المتاح فكانت النتيجة أن قتلوا سجنوا أو هجروا لسبب وحيد أن صدقوا ببلاهة أن تقبل سلط ما بعد الاستدمار الحديث أن تتنازل عن كرسي الحكم بالانتخابات وفقط...!. في المقابل نجد تجربة حققت تقدما كبيرا نحو أهدافها الكبرى هي تجربة حزب العدالة والتنمية التركي الذي أحدث اختراقات مهمة أبرزها لجم سلطة العسكر (وتأكد ذلك خاصة بعد محاولة انقلاب 2016..) ويمكن أن نفسر نجاحاتهم ب: أ- تجنبهم الدخول في مواجهة مباشرة مع ذات الشوكة وصبرهم عند كل انقلاب ويعود هذا لوضوح الرؤية عند قادتهم فليس الهدف أن أنجح أنا أو جيلي المهم وضع لبنة صحيحة وانتظار الفرصة المناسبة. ب- نجاحهم في امتلاك أدوات التغيير من إعلام قوة اقتصادية وفعالية اجتماعية...الخ سمحت لهم بصناعة وتجنيد الرأي العام عند الحاجة (انقلاب 2016 الذي أفشله الناس أحسن مثال..). ج- اعتمادهم فقه الأولويات في انخراطهم في المعارك الداخلية والخارجية. وكذلك تجربة حماس الفلسطينية وهي الأكثر إشراقا فبالرغم من مشاركتها السياسية مع سلطة أوسلو العميلة كانت أكثر وعيا وحافظت على مبادئها ومنطلقاتها ولم تغفل عن سر قوتها متمثلا في سلاح المقاومة فبالرغم من اجتماع كل القوى الممكنة في العالم على حربها استطاعت أن تحدث اختراقا كبيرا تمثل في: 1- دفع الجميع دون استثناء على الاعتراف بها والتسليم بخياراتها فبعد المقاطعة والحصار (الذي لم يعرف له مثيل..) انقلب يهود الغرب والشرق وتسارعوا لتقديم عروضهم وخدماتهم ولو بسوء نية. 2- استطاعت حشر وكلاء الاستدمار وكسرت نظريتهم الحياة تفاوض . 3- عرت الجميع من غرب منافق منحاز وصهيونية عنصرية ظالمة إلى أنظمة عربية خائنة متواطئة. 4- امتلكت هي أيضا أدوات التغيير وأبانت على مستوى عال في فقه الأولويات.
وكنتيجة لما سبق: - لا يمكن تغيير الواقع إلا بتغيير ميزان القوى والسياسة الحقة هي التي تعمل على امتلاك أدوات التغيير وما سوى ذلك وتحت أي مسمى هو تثبيت لأنظمة الحكم والعمل على استمراريتها أدركنا ذلك أم لم ندرك. - الكَلُّ من الناس لا يمكنه كسب أي معركة ولا النجاح في مشاريعه لأنه لا يملك قوة ذاتية ومن يعتقد أن بإمكانه أن يستمد قوته من خارج إطاره التنظيمي وبعيدا عن مناضليه فهو واهم أو كذاب إن لم نقل عميلا. //// تاريخ القدس أ.د.هاشم غرايبة التاريخ هو أكثر ما يزور والغزاة الطامعون هم أكثر من يفعل ذلك ولما كانت القدس أكثر مدينة في العالم استهدفت لذلك من المهم جلاء الحقيقة وكشف التزوير. المصدر الوحيد الموثوق به هو كتاب الله لكنه لا يقدم تأريخا بل إشارات مختصرة لأحداث محددة ولما أنه لا ثقة بالروايات البشرية لذلك سأقدم فيما يأتي أكثر الروايات التاريخية موثوقية ولا تتناقض مع ما ورد في القرآن. تعد مدينة القدس واحدة من أقدم مدن العالم ويسجل التاريخ أن أقدم من سكنها هم اليبوسيون وهم إحدى القبائل الكنعانية ويبدو أنهم قبل خمسة آلاف سنة عمروا المنطقة المحيطة ببقايا مسجد قديم لم يعرف من بناه والذي عرف فيما بعد بالمسجد الأقصى لذلك أطلق عليها من هاجروا إليها من الكنعانيين في الألف الثالثة قبل الميلاد أورساليم وتعني مدينة السلام أو مدينة الإله ساليم وعند ما احتلها الإغريق عام 333 ق.م. أطلقوا عليها اسم ايلياء أي بيت الله وحافظ المحتلون الرومان على هذا الاسم الى أن فتحها المسلمون عام 636 م وسموها بيت المقدس ثم القدس. ما يهمنا في الموضوع هو نقض التزوير الغربي المبني على رواية الفئة المخترقة من المسيحية من قبل الماسونية والمسماة (المحافظون الجدد) والذين يحكمون العالم الآن والتي تتبنى أسطورة (هرمجدون) التي تقول بأن المسيح سينزل من جديد ويقاتل الوثنيين (وهو مسمى المسلمين لديهم) ليقيم مملكة الله الي.هودية في فلسطين ولن ينزل الا بعد أن يبنوا الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى لكن أحدا لا يسأل: أليس مستغربا أن ينزل المسيح لنصرة من تآمروا لقتله بل يقولون إنهم صلبوه!؟. لم يعد سرا أن احتلال فلسطين ليس استجابة لمقولات وأساطير بل من أجل فرض التخلف والتبعية على منطقة الشرق الأوسط وإبقاء المسلمين متشرذمين لكن القصة اليه.ودية الملفقة هي لتبرير وجوده لاستغلال اليه.ود كخط دفاعي أول للغرب وتشجيع هجرتهم إلى هذا الكيان. إن وجود بني إس.رائيل أصلا بفلسطين كان مؤقتا ولفترة قصيرة ومحدودا بالفترة الوحيدة التي أنعم الله بها عليهم بأن جعل لهم من أنبيائهم ملوكا وهي فترة النبي داود وابنه سليمان عليهما السلام ودامت 73 عاما فقط حيث تقسمت مملكتهم وضعفت في عهد ابنه رحبعام ثم زالت نهائيا في عهد آخر الملوك صدقيا بن يوشيا عند ما هاجمهم نبوخذ نصر عام 586 ق.م فجاس خلال الديار ودمرها ونقل من بقي فيها من الي.هود أسرى إلى بابل بمن فيهم الملك صدقيا نفسه. هكذا لم يبق في فلسطين يه.ودي واحد بل احتجزوا جميعا في بابل خمسين عاما إلى أن انتصر قورش الفارسي على البابليين فسمح لمن أراد منهم الذهاب إلى فارس أو فلسطين. بقيت فلسطين تحت الحكم الفارسي إلى أن احتلها الإسكندر المقدوني عام 333 ق.م ثم الرومان عام 63 ق.م إلى أن فتحها المسلمون عام 636 م. وخلال الحكم الفارسي عادت فئة قليلة من المسبيين إلى فلسطين وأقاموا في القدس أغلبهم من الي.هود والقلة القليلة كانوا من بني إس.رائيل وبالطبع ولد المسيح عليه السلام خلال فترة الحكم الروماني إذ أنه من بني إس.رائيل نشأ فيما بعد وقبيل انقراض هذه الذرية الصالحة أنبياء صالحون ومنهم عمران والد مريم العذراء وزكريا الذي تزوج أختها وولدت يحيى آخر أنبياء بني إس.رائيل الذي انقرضت بموته هذه الذرية حيث أن المسيح عليه السلام لا يعد من بني إس.رائيل بل أمه منهم ومعروف أن المرء ينسب لجهة الأب. ما يثبت ذلك هو دعاء زكريا ربه أن يرزقه ذكرا يرث من آل يعقوب لتستمر سلالة الأنبياء فهو لم يعلم أن الله شاء ذلك لتنتقل السلالة من بني إسحاق الى بني إسماعيل ليولد خاتم الأنبياء عليه السلام فأعطاه الله زكريا لكنه قتل قبل أن يتزوج الذين بقوا هم الذرية غير الصالحة من بني يعقوب والذين دعا موسى عليه السلام ربه من قبل أن يفرق بينه وبينهم لكن الله تعالى لحكمة أرادها أبقاهم معهم. الي.هود الحاليين أثبتت فحوص الجينوم أن أغلبهم ينحدرون من أصول خزرية ثم تشتتوا في الدول الأوروبية وبالطبع فهم ليسوا بني إس.رائيل الذين كرمهم الله بالرسل والأنبياء. ///// ///// بين العرب والشاوية أ.محمد بن ناجي زروقي أنا شاوي الأصل ابن جلال دوار عالي الناس ببلدية ششار ولاية خنشلة أشهد الله تعالى أنني لم أكن أعلم بمصطلح الأمازيغية ولا الأمازيغ قبل التسعينيات حتى ولو افترض وجوده فلم أكن أعلم به إلا في العقود الأخيرة. وأن ما كان متداولا في الساحة منذ عرفت القراءة والكتابة إنما هي ثلاث مصطلحات فقط هي: الشاوية والقبائل إلى جانب العرب. وخلال فترة طفولتي كان عرب خنقة سيدي ناجي وزريبة الوادي والليانة وبادس وكلهم عرب وهم جيراننا في جنوب الأوراس وكانوا يقضون فترة الصيف عندنا نحن الشاوية بحكم أن منطقتنا جبلية مرتفعة شديدة البرودة شتاء معتدلة الجو صيفا. ولم يكن هناك أي خلاف أو نزاع يقع بيننا نحن الشاوية وبين إخواننا العرب بل كان الاحترام المتبادل بيننا هو سيد الموقف. وأذكر أن من عبارات الممازحة التي تجري بيننا وبين العرب ومن كثرة تواجد عرب خنقة سيدي ناجي خاصة عندنا صيفا أننا كنا نقول : لوح حجرة تجي في راس خنقي . وكان الشيخ أحمد زروق بلمكي من مشايخ الخنقة ومن خريجي الزيتونة أو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كان يدرّس في المسجد العتيق بجلال إلى جانب مشايخ القرية في تفاهم تام وتعاون بينهم بكل احترام وتقدير وأعتقد أن هذا ما كان سائدا في جميع قرى ومدن الأوراس. فلم تطرح أبدا فكرة التمايز أو التعالي أو التفاخر القَبَلي بين الشاوي والعربي بل العكس تماما هو ما كان سائدا. لقد كنا نحن الشاوية مطلع الستينيات بعد الاستقلال نتسابق على من يتكلم بعدد أكثر من الكلمات بالعربية وكان الشيخ الذي يحسن الكتابة بالعربية نقول له: (سي فلان) تقديرا واحتراما له إذ لم نكن نعلم أن للشاوية حروفا تكتب بها. وأذكر أنني زرت أول مرة خنقة سيدي ناجي وعمري ثلاث عشرة سنة فأقمت عند عائلة عربية ثلاثة أيام في فصل جني التمور فلم أكن أحسن الحديث بالعربية وكان صديق لي هو الذي كان يترجم بيننا. وحينما كنا ندرس في بسكرة في منتصف الستينيات كان هناك نوع من المناوشات تقع أحيانا بين أبناء الشاوية وأبناء العرب تغذيها أطراف مجهولة آنذاك ثم سرعان ما تلاشت بفضل الوعي الذي أخذ ينتشر في أوساط الطلبة والمجتمع. وقبل ذلك وخلال فترة الاستدمار أواخر الخمسينيات كنا ندرس في كتاب التاريخ الفرنسي موضوع تحت عنوان: البربر والفينيقيون . Les Berbères et les Phéniciens ولم يكن مصطلح الأمازيغ أو الأمازيغية معروفا ولا متداولا حتى في العهد الفرنسي ومن أراد التأكد من الأمر فليرجع إلى المراجع الفرنسية آنذاك وإلى كتاب التاريخ المدرسي الذي كنا ندرس فيه مع أنه من وضع الأكاديمية الفرنسية. هذه إذن شهادتي للتاريخ أدليها للشباب الجزائري لعل الله تعالى ينفع بها الأجيال حتى يأخذوا العبرة ولا ينساقوا وراء دعوات مشبوهة تغذي النعرات الجاهلية التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم حينما كادت الحرب أن تشتعل بين الأوس والخزرج في المدينة فقال: دعوها فإنها منتنة وإنني أرى أن الجزائر بخير ما تمسك الشعب بدينه وترفع عن هذه السفاسف التي تغذيها أطراف لا تحب الخير للبلاد في وقت أحوج ما نكون فيه إلى جمع الكلمة ورص الصفوف حتى لا نترك للشيطان منفذا إلى العقول فيفسد حياتنا وينغص ما أنعم الله علينا من الأمن والاستقرار. وليعلم الجميع أننا سواء كنا عربا أو عجما فكلنا من آدم وآم من تراب ولا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى والعمل الصالح. ومن أراد الخير للبلاد والعباد وفقه الله ويسدد خطاه ومن أراد سوءا نسأل الله له الهداية أو يكفي البلاد والعباد شره. إن أريد بهذا إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. والله على ما أقول شهيد. ///// أريد موتا رحيما! أ.زليخة زلاقي - الجزائر على ضفاف الحياة اتخذتُ ركنا قصيا وعلى عتبات الزمن وقفت مليا رأَيتُني أتهاوى وقد دَأبت أهاتُ أحبتي تَقتاتُ من تجلدي واصطباري وقد عاثَت نَدَباتُ أحزانهم في نِياط خافقي تهشيما. بَصُرْتُني وقد دَكدَكني العجزُ وهدّني الضعفُ وما بقي مني إلا طللٌ بال جذبت أرضهُ وغَدَت بيدا قاحلةً. وإني في ركنيَ أسمعُ و أرى: أسمع صدى أنفاسكم المتقطعة وأنتم تبوؤون بالفشل المرة تلوَ الأخرى أمام حصوني العاتية وإني أرى خطاكم المتثاقلة وأتحسس وطْءَ أقدامكم المهترئةِ وأنتم تلوذون بالانصراف حين اليأسِ من فتح أبوابي الموصدةِ ونوافذي المغلّقةِ وقد شَهدَت على خيباتكم آثارُكم التي علَّمَت في السبيل ذهابا و إيابا.. ولربما صَمَّت مسامعَكم زفراتُ زئيري وحشرجاتُ أنَّاتي المتصاعدة وعكَّرَ شذا أنفاسي المخضبة بالأسى المضمخة بطعم العلقم شذى عبقكم. بَيْدَ أنكم لا تملُّون!. ها أنتم لا تزالون تقبعون ساعات على أرصفة أسواري ترتجون انعطافي فلا أنا جَنَحْتُ ولا أنتم رَكَنْتُم. فما أقساني وما أتعسكم!. ولم تفتؤوا تقفون على قارعةِ طريقي تأملون في أن تصيرَ كآباتي مَسَرَّات وآمالا.. ويُحالَ ظلامي الدامسُ نورا فلا أنتم يئستم ولا أنا انقدتُ فَيا لِحُنُوِّكم ويالِجبروتي!. لكني على تمنُّعي: وَدَدْتُ لو أنّ آذانكم استرقت تلكمُ التغاريدُ التي شَدَوناها معا لَكَم تمايَلَت على عزفها جدائِلُ النخيل وتراقص على لحنها السحابُ في عُبابِ السماءِ. فكيف تماهتْ بين الجَلَباتِ وأضحت صمتا أكثرَ دوِيا من صخبي!. آه لو رمقَت أَلْحاظُكم طائرَ الحسّونِ الذي تعَهدناهُ معا وهو يحومُ فوق أرجائي وعلى أسواري ما بَرِحَ يتعهدني يتفقدني غير آبه لصدِّي. ما بالُ اللحنِ كيف اندثرْ؟!. وما خطبُ الحسونِ يأبى الانعناقَ وهو حر؟! أَ تُراهُ أدركَ وجهلتم؟!. جهلتم فدَبَّ الفشلُ في نفوسكم وآثرتم لطمَ الوجوهِ السَّاهمةِ وضربَ الكفوف الواهمةِ أمام باب قُدًَ من سراب لو مُدّت له يدٌ لفُتِحَ طواعية وقد أدركَ فظل مرابطا! . أدرك أن: نفسي لم تَعُدْ مثقلةً بثمارها فَتقطفونَ تأكلون و تشبعون! لقد نَخَرَ جذعيَ الكَمَدُ فَقَطَعْتُني بيد من كبرياء مهزوز. علِم أن أوصالي جفَّت وصار دمُها أُجاجا امْتَشَقَ الظمأُ زُلالَهُ فَرَأَبْتُ مواردَها بساعد مبتور. خارَت قِوايَ وما عادَ فيها استقواءُ ضَعفكم شُلَّت عُرايَ وما باتَ يُرْجى منها اسنتهاض هِمَمِكم عشَّشَ الحزن في كياني وصار عَثَّا متراميا سَدَّ مساماتِ انبثاقِ الضحكات وَيْكأنه جاثومٌ آسرٌ. طَمَرَ النَّصَبُ مواطنَ البذلِ فَغَدَت أكواما من رمال متناثرة تطايرت شظاياها هنا وهناك. فكيف تُراني سأحيا والموتُ ينشُبُ مخالبَهُ في مكامني كلما عَلا صوتُ استجدائكم وأنا مرتهنة بين غياهب الأسى سجينة في براثن الوهن. كيف تلتقط أنفاسي زفيرا مُدَخَّنا برضابِ غصَّاتكم إنَّكم إذ تَزْفَرونَْ تشهقونٕ أنفاسي الخائرة وإنَّها لَأَنفاسٌ أخيرة فامكُثوا أَلا تَعالَوا: ولْتَكْتَحِلْ عينايَ بكم ولْتكونوا آخر مرآي. ألا فاشهدوا انعتاقَ جسدي الواهي من عالم الفناء والانكسار وكونوا على يقين أنَّه إذا ما سُجِيَّ تحت الثرى انسابَ بين ذرَّاتِ التراب وتماهى مع حبات الأديم متى رَوَيْتُموهُ بمدامع الحنين أَيْنَعَ أَزاهرا فُلاَّ وأقحوانا. ألا فارتقبوا: انبثاق روحي التي ستظل حائمة طائفةً بينكم تُسْمِعكم هدهدة السلام إذ ما انتهيتم إلى مضاجعكم ترسمُ على محيّاكم تقاسيمَ السعادة إذا ما انتابكم شيء من كَدَر ألا فارتَموا إلى أحضاني ولتَشُدُّوا على أَوْداجي ولْتُسْلِموني ولا تستسلموا ولتدركوا أن موتي ميلادُ نَزَقِكم وانطلاقَتكِم ألا فارعَوا الحسون فإنه شَطْرٌ من روحي.