الفريق أول شنقريحة يترأس أشغال الاجتماع السنوي لإطارات المنشآت العسكرية    رئيس الجمهورية يقرر منح بعض القضاة المتقاعدين لقب "القاضي الشرفي"    عطاف يستقبل رئيس مفوضية مجموعة "إيكواس"    تقرير لكتابة الدولة الامريكية يقدم صورة قاتمة حول حقوق الانسان في المغرب و في الأراضي الصحراوية المحتلة    وزير النقل : 10 مليار دينار لتعزيز السلامة والأمن وتحسين الخدمات بالمطارات    وزير الداخلية: الحركة الجزئية الأخيرة في سلك الولاة تهدف إلى توفير الظروف الملائمة لإضفاء ديناميكية جديدة    العدوان الصهيوني على غزة: سبعة شهداء جراء قصف الاحتلال لشمال شرق رفح    الرابطة الأولى: مولودية وهران أمام منعرج حاسم لضمان البقاء    الدوري البلجيكي : محمد الأمين عمورة في مرمى الانتقادات    بن ناصر يخسر مكانه الأساسي في ميلان وبيولي يكشف الأسباب    عين ولمان في سطيف: تفكيك شبكة ترويج المخدرات الصلبة "الكوكايين"    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    بوغالي يؤكد من القاهرة على أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى عبر مختلف مناطق الوطن    أهمية مركزية لمسار عصرنة قطاع البنوك وتفعيل دور البورصة في الاقتصاد الوطني    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    فايد: نسبة النمو الإقتصادي بالجزائر بلغت 4,1 بالمائة في 2023    أفلو في الأغواط: حجز 19.5 قنطار من اللحوم البيضاء غير صالحة للاستهلاك    حوادث المرور: وفاة 16 شخصا وإصابة 527 آخرين بجروح خلال 48 ساعة الأخيرة    برج بوعريريج : فتح أكثر من 500 كلم المسالك الغابية عبر مختلف البلديات    جسدت التلاحم بين الجزائريين وحب الوطن: إحياء الذكرى 66 لمعركة سوق أهراس الكبرى    ألعاب القوى/ الدوري الماسي-2024 : الجزائري سليمان مولة يتوج بسباق 800 م في شوزو    ندوة وطنية في الأيام المقبلة لضبط العمليات المرتبطة بامتحاني التعليم المتوسط والبكالوريا    الدورة الدولية للتنس بتلمسان : تتويج الجزائرية "ماريا باداش" و الاسباني "قونزالس قالينو فالنتين" بلقب البطولة    غزة: احتجاجات في جامعات أوروبية تنديدا بالعدوان الصهيوني    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    النشاطات الطلابية.. خبرة.. مهارة.. اتصال وتعاون    استعان بخمسة محامين للطعن في قرار الكاف: رئيس الفاف حلّ بلوزان وأودع شكوى لدى "التاس"    بطولة الرابطة الثانية: كوكبة المهدّدين بالسقوط على صفيح ساخن    الجزائر كندا.. 60 عاماً من العلاقات المميّزة    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    بهدف تخفيف حدة الطلب على السكن: مشروع قانون جديد لتنظيم وترقية سوق الإيجار    42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    توقيف 3 أشخاص بصدد إضرام النيران    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم اللقاء الوطني الأول لصناع المحتوى الكشفي    تفاعل كبير مع ضيوف مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة : بن مهيدي يصنع الحدث و غزة حاضرة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    شهد إقبالا واسعا من مختلف الفئات العمرية: فلسطين ضيفة شرف المهرجان الوطني للفلك الجماهيري بقسنطينة    رئيس لجنة "ذاكرة العالم" في منظمة اليونسكو أحمد بن زليخة: رقمنة التراث ضرورية لمواجهة هيمنة الغرب التكنولوجية    مدرب مولودية الجزائر يعتنق الإسلام    بلمهدي يلتقي ممثلي المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن مرافقة الدولة لفئة كبار السن    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    اللقاء الثلاثي المغاربي كان ناجحا    على السوريين تجاوز خلافاتهم والشروع في مسار سياسي بنّاء    استغلال المرجان الأحمر بداية من السداسي الثاني    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    "توقفوا عن قتل الأطفال في غزة"    ضرورة وضع مخطط لإخلاء التحف أمام الكوارث الطبيعية    قصص إنسانية ملهمة    هذا آخر أجل لاستصدار تأشيرات الحج    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تحقّق الاستقلال؟ وماذا تحقّق بعده؟
نشر في أخبار اليوم يوم 03 - 07 - 2012

بمجرّد أن وطأت الجيوش الفرنسية أرض الجزائر هبّ الشعب الجزائري الرّافض للسيطرة الأجنبية للدفاع عن أرضه، قائما إلى جهاد نادت إليه الحكومة المركزية وطبقة العلماء والأعيان، وحاولت المقاومة الجزائرية في البداية وقف عمليات الاحتلال وضمان بقاء الدولة، لكن معظم هذه المحاولات باءت بالفشل نظرا لعدم توازن القوى، وتشتّت الثورات جغرافيا أمام الجيوش الفرنسية المنظّمة التي ظلّت إمداداتها تتزايد وتتضاعف. لكن صمود الجزائريين استمرّ طوال فترة الغزو متمثّلا في مقاومات شعبية تواصلت طيلة القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين، تبعها نوع من الهدوء مع انطلاق ما يسمّى بالمقاومة السياسية التي ظهرت ابتداء من سنة 1912 ببروز جيل مثقّف تخرّج من جوامع الزيتونة والأزهر والقرويين حضّر فيما بعد للثورة التحريرية. حين نحتفل هذه الأيّام بمرور خمسين سنة على الاستقلال، فإننا نجد أنفسنا مطالبين باستذكار أهمّ محطّات التاريخ الحديث لبلادنا. المقاومات الشعبية إمكانيات بسيطة تهزّ فرنسا انطلقت المقاومات الشعبية منذ السنوات الأولى للغزو الاستعماري واستطاعت أن تلحق خسائر كبيرة بجيش الاحتلال رغم عدم توازن القوى وضعف إمكانيات الثوّار في غالب الأحيان، لكن رغم قوّة المقاومات الشعبية إلاّ أنها باءت بالفشل بسبب عدم تزامنها وقتيا وتشتّتها جغرافيا، الأمر الذي ساعد في القضاء عليها. لعلّ من أبرز هذه المقاومات مقاومة الأمير عبد القادر (1832 - 1837) التي شكّلت مرحلة هامّة من مراحل الكفاح المسلّح ضد الاحتلال الفرنسي في طوره الأوّل، فبعد مبايعة الأمير عبد القادر في 27 نوفمبر 1832، وهو في عزّ شبابه، شرع في وضع مشروع بناء دولة حديثة فكانت حياته مليئة بالإنجازات العسكرية والسياسية والحضارية. حيث عمل الأمير على توحيد صفّ مختلف القبائل حول مسألة الجهاد وبسط نفوذه على أغلب الغرب الجزائري واتّخذ من مدينة معسكر عاصمة له وشرع في تنظيم المقاومة وتنظيم الجيش الذي درّبه على حرب العصابات، فشكّل بذلك ضغطا على المستعمر وخاض ضده عدّة معارك أشهرها معركة المقطع. لكن مقاومة الأمير عبد القادر عرفت مع مرور الزمن تقهقرا وانتهت بسجن الأمير لمدّة خمس سنوات اختار بعدها الهجرة رفقة عائلته ليمضي بقّية حياته في دمشق حتى أدركته المنية في شهر ماي 1883. كما نجد من أبرز المقاومات الشعبية أيضا مقاومة سكان واحة الزعاطشة التي تعدّ من المقاومات الرّائدة رغم قصر مدّتها، حيث دامت المواجهة أزيد من أربعة أشهر أي من 16 جويلية إلى 26 نوفمبر 1849 مارست فيها قوّات الاحتلال الفرنسي أبشع أنواع التعذيب والإجرام التي يندى لها جبين الإنسانية، بقطع رؤوس البشر وتعليقها على الأبواب أو على خناجر البنادق نكاية في الثوّار. أمّا في صفوف المقاومين فتذكّر المصادر الفرنسية العثور على 800 جثّة وعدد آخر غير محدّد تحت الأنقاض، زيادة عن قطع أشجار النّخيل عن آخرها . وإلى جانب ثورة الزعاطشة استطاع الشيخ بوعمامة تنظيم مقاومة شكّلت ضغطا كبيرا على الإدارة الاستعمارية حتى شبّهت بمقاومة الأمير عبد القادر، حيث قام بتأسيس زاوية له في منطقة المقرار التحتاني، ممّا زاد في شعبيته وكثر بذلك أتباعه ومؤيّدوه في العديد من المناطق الصحراوية. وقد دامت مقاومة الشيخ بوعمامة أكثر من ثلاثة وعشرين عاما حتى أطلق عليه لقب الأمير عبد القادر الثاني، حيث اشتهر بقدرته الفائقة على مواجهة قوّات الاحتلال التي لم تنجح في القضاء عليه رغم محاولاتها سياسيا وعسكريا إلى أن وافته المنية في 17 أكتوبر 1908 بمنطقة وجدة المغربية. وتواصلت المقاومات الشعبية حتى بداية القرن العشرين، حيث بدأت حدّتها تنخفض وتتلاشى وظهرت خلال مرحلة المقاومات الشعبية العديد من الثورات كمقاومة لالّة فاطمة نسومر بمنطقة القبائل ومقاومة أحمد باي بقسنطينة وثورة المقراني إلى غير ذلك. الحركة الوطنية من الجهاد المسلّح إلى النّضال السياسي مع بداية القرن العشرين بلغت السيطرة الاستعمارية في الجزائر ذروتها رغم المقاومة الشعبية التي شملت كامل أنحاء الوطن، وبدأ دوي المعارك يخفّ في الأرياف ليفتح المجال أمام أسلوب جديد من المقاومة التي انطلقت من المدن مع ظهور جيل من الشباب المثقّف الذي حمل على عاتقه مسؤولية قيادة النّضال السياسي. وتميّز أسلوب هذه النّخبة المثقفة بميزتين رئيسيتين هما الأصالة والحداثة، ممّا أدّى إلى بزوغ اتجاهين في صفوفها، أحدهما محافظ والثاني مجدّد. حيث نادى المحافظون بالاحتفاظ بقوانين المجتمع الجزائري والشريعة الإسلامية وطالب الإصلاحيون بحقّ الشعب في الانتخابات البلدية والبرلمانية لتحسين ظروفه. وقد اعتمد كلّ من الاتجاهين أساليب جديدة في المقاومة تمثّلت في الجمعيات والنّوادي والصحف. ومن جهة أخرى، نشطت الحركة الوطنية على الصعيد السياسي فاتحة المجال أمام تكوين منظّمات سياسية تمثّلت في ظهور تيارات وطنية شعبية وتأسيس أحزاب سياسية، من أهمها حركة الأمير خالد وحزب نجم شمال إفريقيا (1926) وحزب الشعب الجزائري (1937) وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين (1931). ومن أبرز الأحداث التي عرفتها مرحلة المقاومة السياسية التي امتدّت من سنة 1912 إلى 1954 أحداث 8 ماي 1945، فغداة انتهاء الحرب العالمية الثانية بسقوط النّظامين النّازي والفاشي خرجت الجماهير عبر كافّة دول العالم تحتفل بانتصار الحلفاء. وكان الشعب الجزائري من بين الشعوب التي جنّدت أثناء المعارك التي دارت في أوروبا، وقد دفع العديد من الأرواح ثمنا للحرّية التي وعد بها لكن فرنسا نقضت عهدها مع الجزائريين بمنحهم الاستقلال مقابل مساهمتهم في تحرّرها من الاحتلال النّازي. فخرج الجزائريون في مسيرات تظاهرية سلمية لمطالبة فرنسا بالوفاء بالوعد الذي قطعته، وكان ردّ هذه الأخيرة بالسلاح والاضطهاد الوحشي ضد شعب أعزل، فكانت مجزرة رهيبة شملت مدن سطيف وفالمة وخرّاطة وغيرها من المدن الجزائرية سقط خلالها حوالي 45.000 شهيد، فأدرك الشعب الجزائري أنه لا حرّية له ولا استقلال إلاّ عن طريق النّضال والكفاح المسلّح فكانت ثورة أوّل نوفمبر المجيدة. أوّل نوفمبر 1954 ليلة غيّرت مجرى التاريخ في 23 مارس 1954 تأسّست اللّجنة الثورية لوحدة العمل بمبادرة قدماء المنظّمة السرّية وبعض أعضاء اللّجنة المركزية لحزب انتصار الحريات الديمقراطية، وقد جاءت كردّ فعل على النّقاش العقيم الذي كان يدور حول الشروع في الكفاح المسلّح وانتظار ظروف أكثر ملائمة، وباشر مؤسسوها العمل فورا فعيّنوا لجنة مكوّنة من 22 عضوا حضّرت للكفاح المسلّح وانبثقت منها لجنة قيادية تضمّ 6 زعماء حدّدوا تاريخ أوّل نوفمبر 1954 موعدا لانطلاق الثورة التحريرية وأصدروا بيانا يوضّح أسبابها وأهدافها وأساليبها. في ليلة الفاتح من نوفمبر من سنة 1954 شنّ ما يقارب 3000 مجاهد ثلاثين هجوما في معظم أنحاء الوطن على المراكز الحسّاسة للسلطات الاستعمارية. وقد توزّعت العمليات على معظم أنحاء التراب الوطني حتى لا يتمكّن الجيش الفرنسي من قمعها كما حدث لثورات القرن التاسع عشر بسبب تركّزها في جهات محدودة. وعشية اندلاع الثورة أعلن عن ميلاد (حزب جبهة الحرير الوطني) وتمّ إصدار بيان يشرح طبيعة تلك الأحداث ويحدّد هدف الثورة، وهو استعادة الاستقلال وإعادة بناء الدولة الجزائرية. أحداث لا تنسى في ثورة الأبطال شهدت فترة الثورة التحريرية منذ اندلاعها سنة 1954 العديد من الأحداث التي أبرزت صمود الشعب الجزائري رغم بساطة إمكانياته وبشاعة جرائم الاستعمار التي ما يزال الكثير من المجاهدين يذكرونها، ولعلّ من أبرز هذه الأحداث هجوم 20 أوت 1955 الذي اعتبر بمثابة نفس جديد للثورة لأنه أبرز طابعها الشعبي ونفى الادّعاءات المغرضة للاستعمار الفرنسي ودفع بالأحزاب إلى الخروج من تحفّظها والانضمام إلى جبهة التحرير الوطني. إذ عمّت الثورة العارمة جميع أجزاء التراب الوطني، واستجاب الشعب تلقائيا بشنّ عمليات هجومية باسلة استمرّت ثلاثة أيّام كاملة كلّفت تضحيات جسيمة في الأرواح، لكنها برهنت للاستعمار والرّأي العالمي بأن جيش التحرير قادر على المبادرة وأعطت الدليل على مدى تلاحم الشعب بالثوّار. ومواصلة للجهود التنظيمية للهيئات السياسية التي تقود الثورة تمّ يوم 19 سبتمبر 1958 الإعلان عن تأسيس الحكومة المؤقّتة للجمهورية الجزائرية كإحياء للدولة واستعاده للسيادة، ليصبح للشعب الجزائري بعد الإعلان عن هذه الحكومة ممثّل شرعي ووحيد. ومن بين الأحداث التي كشفت بشاعة الاستعمار وجرائمه مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي صعّد فيها الشعب الجزائري مواقفه لتصبح علنية استجابة لنداءات جبهة التحرير الوطني منذ أوّل نوفمبر 1954 فقام بإضرابات ومظاهرات للتعبير عن رأيه والتأكيد على وحدته ونضجه السياسي، وقد بدا ذلك جليا خلال مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي شملت كافّة التراب الوطني وانطلقت يوم 10 ديسمبر من حي بلكور الشعبي بالجزائر العاصمة، حيث خرج المتظاهرون يحملون الأعلام الوطنية ويهتفون باستقلال الجزائر، فحاصرتهم القوّات الاستعمارية محاولة عزل الحي عن الإحياء الأوروبية. وفي اليوم التالي تدخّلت قوّات المظلّيين وأطلقت النّار على الجماهير، ممّا أدّى إلى سقوط العديد من الشهداء، لكن ذلك لم يمنع المظاهرات من الانتشار إلى بقّية أحياء العاصمة وبعدها إلى معظم المدن الجزائرية، حيث برهن الجزائريون خلالها على وقوفهم صفّا واحدا وراء جبهة التحرير الوطني. ولم تكن جرائم الاستعمار في 17 أكتوبر 1961 أقلّ بشاعة، حين خرج مئات الجزائريين بالمهجر في تظاهرات سلمية تلبية لنداء فيدرالية حزب جبهة التحرير الوطني بفرنسا ليواجهوا بقمع شديد من طرف السلطات الفرنسية التي قتلت العديد منهم. واستمرّ ضغط الشعب الجزائري وجهود جبهة التحرير الوطني إلى أن تمّ أخيرا إرغام السلطة الفرنسية على التفاوض من أجل وقف إطلاق النّار، حيث أبدت فرنسا رفضها التامّ لمبدأ التفاوض في البداية لكنها سرعان ما أخذت تتراجع جرّاء تزايد عنفوان الثورة وتلاحم الشعب مع الجبهة، فجاء تصريح الجنرال ديغول بتاريخ 16 ديسمبر 1959 كمرحلة جديدة في موقف الاستعمار الفرنسي حين اعترف بحقّ الشعب الجزائري في تقرير مصيره. استمرّت المفاوضات لعدّة أشهر بين أخذ وردّ أكّدت خلالها الحكومة موقفها الثابت، إلى أن جاء الاستفتاء حول الاستقلال وتوّجت المفاوضات أخيرا بالتوقيع على اتّفاقية إيفيان ودخل وفق إطلاق النّار حيّز التنفيذ يوم 19 مارس 1962 على الساعة 12 ظهرا. بقي الشعب الجزائري صامدا طيلة سنوات الحرب يقاوم شتى أنواع البطش من اعتقالات تعسّفية وترحيل وغيرها، مبرهنا بذلك على إيمانه بحتمية النّصر. وفي الفاتح من جويلية 1962 تجلّى عزم الشعب الجزائري على نيل الاستقلال في نتائج الاستفتاء التي كانت نسبتها 99.7 بالمائة لصالح الاستقلال، وتمّ الإعلان عن استقلال الجزائر يوم 3 جويلية 1962 واختير يوم 5جويلية عيدا للاستقلال. وبعد تحقيق الاستقلال شرعت جبهة التحرير الوطني في بناء ركائز البلاد، لكن الدولة الفتية وجدت صعوبة بالغة في إعادة تأهيل البنى التحتية وإعادة الرّوح إلى القطاع الزراعي والاقتصادي بالرغم من أن عدد الشعب الجزائري لم يتجاوز آنذاك 12 مليون نسمة، وتناوب على رئاسة الجزائر منذ استقلالها سبعة رؤساء بدءا من أحمد بن بلة ووصولا إلى عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي. أحمد بن بلّة ثلاث سنوات في إعادة البناء هو أوّل رئيس للجزائر بعد الاستقلال عرف بهوسه بالفكر الاشتراكي اليساري وتحمسه لبعض التجارب التي كانت سائدة في البلاد الاشتراكية، لكنه رغم ذلك لم يحقّق الكثير نظرا لصعوبة المرحلة، لا سيّما وأن الدولة كانت في طور إعادة البناء. ولم يمرّ على حكم بن بلّة سوى ثلاث سنوات حتى انقلب عليه وزير دفاعه هواري بومدين فيما عرف بحركة التصحيح الثوري، متّهما إيّاه بالديكتاتورية والشوفينية والخروج عن خطّ الثورة. هواري بومدين المرحلة الذهبية في مسيرة البناء بعد الاطاحة بحكم الرئيس أحمد بن بلّة في 19 جوان 1965 تولّى هواري بومدين رئاسة الدولة الجزائرية وعرف عهده العديد من الإنجازات التي كادت تخرج الجزائر من حيّز دول العالم الثالث، حيث كان يؤكّد في خطاباته على أنه يهدف إلى بناء دولة لا تزول بزوال الرجال، ومن بين المشاريع التي ساهمت في تقوية الاقتصاد
الجزائري آنذاك تأميم النّفط والمحروقات واسترجاع الثروات الطبيعية والباطنية وتعميم نظام الثورة الزراعية وانتهاج الاقتصاد الموجّه وإشراف الدولة على كلّ القطاعات الإنتاجية. وفي بداية السبعينيات توهّجت صورة الجزائر إقليميا ودوليا وباتت تساند بقوّة القضية الفلسيطينية وبقّية حركات التحرّر في العالم، ولعبت الجزائر في ذلك الوقت أدوارا كبيرة من خلال منظّمة الوحدة الإفريقية ومنظّمة دول عدم الانحياز. ورغم التطوّر الذي حقّقته الجزائر خلال عهد هواري بومدين إلاّ أنه اتّهم بالديكتاتورية، ودام حكم بومدين 13 سنة إلى أن توفي سنة 1978 وتضاربت الرّوايات حول أسباب وفاته في غياب الرواية الرّسمية. الشاذلي بن جديد من الأحادية إلى الانفتاح تولّى الشاذلي بن جديد رئاسة الجزائر عقب وفاة هواري بومدين وتميّزت المرحلة بالتحوّل إلى الانفتاح وكانت بمثابة الميل إلى اللّيبرالية، مع بقاء حكم الحزب الواحد. ولعل أبرز حدثين شهدهما عهد الشاذلي هو الانخفاض المفاجئ لأسعار النّفط، والذي بدأت معه الأزمة الاقتصادية الخانقة، وثورة 1988 أو ما عرف بخريف الغضب الجزائري في 5 أكتوبر 1988 الذي كان انطلاقة نحو مرحلة جديدة قادها الشاذلي بن جديد الذي تمكنّ من تهدئة الوضع العام بعد أن وعد بإصلاحات سياسية جذرية، حيث قام بتعديل الدستور الذي وضعه هواري بومدين سنة 1976 وأقرّ الدستور الجديد مبدأ التعددية السياسية والإعلامية. وكانت المفاجأة الكبرى عندما قدمّ الرئيس الجزائري استقالته تاركا الجزائر تغرق في أتون فتنة أودت بحياة 150 ألف جزائري وخسائر قدّرت بملايير الدولارات. المجلس الأعلى للدولة قيادة البلاد في النّفق المظلم من المعروف أن كلاّ من محمد بوضياف وعلي كافي لم يكونا رئيسين منتخبين وإنما عيّنا استثنائيا على رأس ما عرف بالمجلس الأعلى للدولة، ولم يساهم تولّي محمد بوضياف لمدّة 166 يوما رئاسة المجلس الأعلى للدولة ولو بقسط قليل في حلّ الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي كانت تفتك بالجزائر. فالوضع الأمني ازداد تدهورا وتحوّلت الفوهة الأمنية إلى براكين حقيقية أيقظت مضجع الجزائر، وبات القتل والقتل المضادّ هو السمة الغالبة ولم يستطع رصيد بوضياف التاريخي أن يطفئ لهب الفتنة الذي امتدّ إلى محمد بوضياف نفسه ليجهز عليه بطريقة لا نراها إلاّ في الأفلام الأمريكية المحكمة الإخراج. أمّا بالنّسبة لعلي كافي فقد رأى كثيرون أن وجوده على رأس السلطة في الجزائر كان من أجل التأكيد على أن الدولة مازالت مستمرّة، وأن الجمهورية مازالت قائمة ولم يشفع له تمرسّه الدبلوماسي في إعادة جسور التواصل بين الجزائر والدول الأخرى، فازدادت الجزائر عزلة وانطواء. اليمين زروال استمرار التدهور والعودة إلى الشرعية لم يختلف عهد الرئيس السابق اليمين زروال الذي تسلّم الرئاسة سنة 1994 عن العهد الذي قبله، حيث استمرّ الانهيار الاقتصادي والتدهور الأمني إلى أن تولّى عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي للحكم وقدّم مشروعه الذي عرف بالمصالحة الوطنية التي أنهت العشرية الحمراء. لكن انتخاب زروال في الحقيقة كان نوعا من العودة إلى الشرعية بالرّجوع مرّة أخرى إلى الانتخابات بعدما عيّن كلّ من محمد بوضياف وعلى كافي على رأس مجلس الأعلى للدولة ولم يحصل كلاهما على صفة رئيس الجمهورية. عبد العزيز بوتفليقة استرجاع السلم وانطلاق الإصلاحات بمجيء الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة سنة 1994 استعاد الوضع الأمني استقراره إلى حدّ بعيد مقارنة بما عرفته الجزائر خلال السنوات التي سبقت انتخابه على رأس الدولة، وكان رهان بوتفليقة عقب انتخابه هو استرجاع أمن واستقرار البلاد بإطلاق مشروعه الذي عرف بالوئام المدني ثمّ المصالحة الوطنية. وانطلق الرئيس الحالي بعد ذلك في سلسلة من الإصلاحات التي شملت عدّة قطاعات ولا تزال مستمرّة. هذا. وقد انتخب عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للبلاد لعهدتين متتاليتين تمّ بعدها إجراء تعديل بسيط على الدستور بعد استفتاء الشعب فانتخب لعهدة ثالثة. وإجمالا يمكن القول إنه ربما كان بالإمكان أفضل ممّا كان، ويبدو أن كثرة المطبّات في تاريخ الجزائر قد عرقلت مسيرتها، ويأمل الجزائريون أن يكون غدهم أفضل من ماضيهم، وهو أمل مشروع في ظلّ الثروات الضخمة التي تكتنزها بلادنا وتؤهّلها لتكون في مصاف كبار العالم.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.