مصالح الأمن تقدم إحصائيات مرعبة حوادث المرور.. ثالث سبب للموت بالجزائر إحصائيات مرعبة، تكشف عنها مصالح أمن الطرقات بالجزائر في كل مرة، فالمئات من الجزائريين يلقون حتفهم يوميا على الطرقات، والظاهرة تعرف تضاعفا مستمرا، وسط تخوفات كبيرة من تنامي عدد الأيتام والمعاقين الذي يخلفه إرهاب الطرقات، فخلال الثلاثي الأول فقط من هذه السنة، سجلت مصالح الأمن وفاة 136 شخص راحوا ضحية السرعة والتهور.. تضاعف الخطر الذي بات يطارد الجزائريين سواء كانوا مشاة أو سائقين، جعل المختصين يدقون ناقوس الخطر ويبادرون إلى الاجتماع على عجل، في سبيل السعي إلى إيجاد، حل نهائي لهذه الظاهرة.. حيث قام المشاركون في الملتقى العلمي الذي احتضنه المسرح الجهوي ببجاية، بتحليل ظاهرة إرهاب الطرقات أو بالأحرى حوادث المرور، وما خلفته من حصيلة ثقيلة خلال السنوات الأخيرة، ورغم الإجراءات الردعية التي سنها قانون المرور الجديد، إلا أن ذلك لم يشفع في شيء، وبات الأمر ملحا على السلطات العمومية لإيجاد مخرج لهذه المعضلة التي باتت تهدد استقرار المجتمع. الوقاية أولا.. وتحدث المشاركون عن أهمية هذا الملتقى ومدى تزامنه مع الفعاليات المنظمة من قبل الدولة في إطار تحسيس المجتمع وغرس ثقافة الوقاية في أذهان وسلوكيات المواطن، وأكدوا بأن الوقاية تبقى الوسيلة الوحيدة، وبالأرقام تحدث ممثل الأمن الوطني عن إحصائيات السنوات الثلاث الماضية مقارنة بالثلاثي الأول لسنة 2013، أين أظهرت مدى ارتفاع هذه الحوادث والتي تجر دوما وللأسف مجموعة من القتلى والجرحى، مشيرا إلى الإجراءات الميدانية المطبقة من قبل مصالح الأمن على مستوى الطرقات، وذلك بهدف حماية البشر من هذه الآفة التي سميت بسرطان العصر، حيث أكد أن حوادث المرور تأتي في المرتبة الثالثة بين أسباب الموت في الجزائر، علما أن مرض السرطان يأتي في الصدارة، وهي معضلة باتت تشكل الهاجس الأكبر للسلطات العمومية والمجتمع، وهذا يحتاج إلى تدخل سريع وفاعل لوضع ضوابط قانونية وأخلاقية تكرس الوقاية في جميع النواحي، وأما ممثل الدرك الوطني فقد تحدث بإسهاب حول تفاقم ظاهرة إرهاب الطرقات، موضحا بالأرقام وبالإحصائيات التي أدخلت الخوف في نفوس الحاضرين، والتي أضحت مصدر قلق للجميع، كما استعان بالصورة والصوت لعرض أمثلة عن بعض الحوادث التي تم تسجيلها على مستوى بعض المناطق. ومن منطلق التفكير في كبح جماح هذه الظاهرة السلبية، يرى المتدخل بأنه من الضروري تطبيق الإجراءات القانونية الجديدة الردعية ضد المتهورين والسائقين الذين لا يقيمون وزنا لحياة الأشخاص، كما قدم للمشاركين مقاربة أمنية حول التخفيف من هذا الداء الذي يهدد كيان المجتمع، وفي نهاية تدخله أعطى توضيحات واستفسارات حول القانون الجديد الذي يخص رخصة السياقة بالتنقيط، والجانب القانوني الذي له علاقة بطبيعة المخالفات والجنح التي يرتكبها السائق أثناء قيادته للمركبة أو السيارة. في حين ركز المحامي (لونيس أقرود) على الجانب القانوني، وشرح للحضور الأسباب والدواعي التي دفعت بالمشرع الجزائري لمضاعفة العقوبات قصد إلزام السائق باحترام القانون وإخضاعه لجملة من الإجراءات الردعية والقمعية بغية حثه على الامتثال والانقياد للقانون، والهدف الأساسي هو توعية الفرد وتحسيسه بمدى الخطورة التي يتركها وراء أي تهور في السياقة أو عدم اكتراثه بحياة الآخرين.. وفي نفس الاتجاه ركز البروفيسور قارة، وهو رئيس مصلحة جراحة العظام بالمؤسسة الجامعية الاستشفائية (خليل عمران) على الأخطار التي تخلفها حوادث المرور، من الإصابات العديدة الجسمانية والعضوية التي يصاب بها الجريح بفعل حادث سير، والتي قد تعرض حياته للخطر، كما بيّن للحاضرين الخطوات الدقيقة التي يجب الامتثال بها في حالة نقل الجريح من مكان الإصابة إلى غاية مصلحة الاستعجالات بالمستشفى، وتطرق إلى موضوع هام أكد من خلاله توفير جميع التجهيزات والوسائل الحديثة على مستوى المؤسسات الاستشفائية، مبرزا دور الدولة في حماية المواطنين وإسعافهم وعلاجهم، وثمن مجهودات الدولة في هذا المجال وقال بأن الجزائر من الدول الإفريقية القليلة التي تملك أجهزة عصرية في ميدان الاستعجالات الطبية، وفي خضم الموضوع ذاته قدم الدكتور المختص في الإسعاف الطريقة المثلى للتعامل مع حالة ما لشخص قد تعرض لحادث مرور، وبين بالأفعال كيف يتم الاستجابة للفعل الخيري التضامني في إنقاذ حياة الجريح دون أن تعرض حياته للخطر، وقد ساعدته في ذلك مسعفة من الهلال الأحمر الجزائري. مستعملو الطرقات في خطر.. وفي الختام تدخل ممثل عن مديرية الأشغال العمومية الذي ركز في مداخلته على المقاييس المعمولة للوقاية من حوادث المرور، بدءا من احترام المواصفات العالمية المطبقة على شبكة الطرقات سواء الوطنية أو الولائية والبلدية وغيرها، مشيرا إلى أن السلطات العمومية تتولى بل تسهر على ذلك لحماية مستعملي هذه الطرقات والسهر على توفير وسائل الحماية كلما اقتضت الضرورة لذلك، وما تخلل هذا الملتقى من فائدة علمية، هو النقاش الصريح بين الاختصاصيين والحاضرين، الذي جرى بصورة شفافة وبطريقة ديمقراطية، وكان الهدف وهو غرس ثقافة الوقاية في أذهان الحاضرين، والتي خلقت جوا من الثقة من خلال التجاوب الآلي لمستوى النقاش المطروح، فكانت الوصاية في مستوى الحدث أن يتم إقناع الجميع بالأفكار التي تم عرضها خلال الملتقى، وفي الختام تم تكريم بعض الفاعلين في الملتقى ورجال الإعلام، الذين يسهرون على إيصال المعلومة من المصدر إلى المواطن من خلال الإعلام الجواري حسب ما أشارت إليه رئيسة الرابطة الولائية والمشرفة على فعاليات هذه المبادرة التحسيسة ذات الأفق المنظور. فلقد أجمع الخبراء والمحاضرون الذين يمثلون العديد من القطاعات على غرار مصالح الأمن، الدرك، سلك المحاماة، الصحة، طريق السلامة، وغيرها، على أن المسبب الرئيسي لهذه الحوادث هو الإنسان، حيث أن هذا الأخير هو من يسوق السيارات والشاحنات والمركبات المختلفة، أي أنه هو المسؤول على شبكة الطرقات، هو المسؤول على قطاع النقل، هو من يقتني وسائل النقل، إذا هو الأول والآخر من يتحمل تبعات هذه الظاهرة السلبية، وليس من العدالة في شيء إذا حملنا المسؤولية السائق وحده فقط جاهلين أو متجاهلين باقي المتدخلين في المعادلة، بل أن هناك عوامل أخرى مثل كالطريق والمحيط قد يتسببان في حوادث المرور، وطبيعة المركبة قد تكون لها انعكاس سلبي على الظاهرة، فكل هذه العوامل تشترك في الجوهر، وكلها مرتبطة بالعنصر البشري الذي هو الإنسان، حتى وإن أظهرت الدراسات الميدانية أن الإجراءات الردعية قد تساعد على التخفيف من حدة الحوادث، إلا أن ذلك سيكون ظرفيا فقط، حيث أشارت مصالح الدرك الوطني أنها سجلت تراجعا في عدد الحوادث خلال سنتي 2005 و2010، والسبب أنها توافق فترة تطبيق القانون الجديد للمرور المعدل مرتين في السنتين المذكورتين، لكن هذا التراجع لم يتم المحافظة عليه، وعاودت الحوادث إلى الارتفاع من جديد، فتشير الدراسة النفسية والبسيكولوجية أن الإنسان قد يخضع في البداية لأي إجراء جديد يحمل في طياته الترهيب والردع ، لكنه سيلجأ إلى التمرد مرة أخرى، عندما يحس ويلمس نوعا من التخفيف في التنفيذ والتطبيق، باعتبار أن طبيعة البشر فطريا تملك حالة التمرد التي يمكن أن تتأسس في نفسيته بصورة فطرية وآلية وفي أي ظرف كان، وفي هذه الحالة فإن الإشكال المطروح والمتعلق بمعالجة العنصر البشري كحالة خاصة تستوجب الدراسة والتوقف عندها من حيث الاستثمار في النتائج واللجوء إلى حلول تأخذ بعين الاعتبار المعالجة السريعة والدقيقة، ومن حيث إمكانية العمل بالفعل والتفعيل، فإن التعامل مع هذا العنصر ممكن جدا في حدود تتطلب التمعن والدراسة، ثم الأخذ بالأسباب الجوهرية التي تصب في بوتقة إنشاء جيل يحمل ثقافة جديدة تتموقع ضمن السلوكيات اليومية للفرد، دون اللجوء أو الاستعانة بالوسائل القمعية والردعية كما هو الشأن في الأطروحة المقدمة من خلال المواد القانونية التي جاء بها القانون الجديد للمرور. مقاربة قانونية وتهذيب نفسي فالنظرة التي يطرحها الخبراء للدراسة والتفكير بدقة متناهية، تساعد على بلورة مقاربة قانونية ترتكز على تقويم الفرد والاستعانة بوسائل التهذيب النفسي والسيكولوجي، وتكون بمثابة مادة دراسية تدرس في مختلف مراحل التعليم، وتهدف إلى تكوين جيل متشبع بقيم الحضارة وغرس فيه تصور الحفاظ على بيئة متكاملة ومنسجمة تتكامل فيها وسائل الترفيه والمواد التي تعد في نظر المفكرين أساسية لتكوين الفرد في إطار الرقي والرفاهية ، وهذا ما أدى بأحد المحاضرين الذي أعطى مثالا حيا في إحدى بلديات بريطانيا، أين لجأ سكانها إلى نزع كل إشارات وعلامات المرور، واعتبروا ذلك أمرا ينقص من شخصيتهم، كونهم لا يحتاجون إلى ذلك، فيكفيهم أن تربيتهم هي الموجه الحقيقي لسلوكهم، فلا أحد يجرأ على الإخلال بقانون المرور الذي تم تحويله من قانون مادي وعلمي إلى قانون بصبغة معنوية، فكل سكان البلدية، ينظمون أنفسهم أثناء قيادة سياراتهم وعرباتهم دون الاستعانة بالإشارات المرورية، التي هي في الأصل موجودة من قبل، لكن أصبحت حاليا مجرد خيال لا تفارق أذهان السائقين، وتعتبر هذه البلدة الوحيدة في العالم التي لجأت إلى نزع الإشارات المرورية في الطرقات، ولعل ذلك يبين أن الإنسان قادر على معالجة ظاهرة الحوادث التي يتسبب بها الإنسان أثناء قيادته للسيارة أو غيرها، كما لا شك أن هذه المقاربة بعيدة المنال بالنسبة لنا، لأن الأمر يتطلب أولا تغيير الذهنيات، وغرس ثقافة علمية قانونية تكون بمثابة أبجديات المجتمع، ومنهج سلوكي يتعامل به الفرد يوميا مع المحيط الذي يؤثر فيه ويتأثر به. كما أن المختصين ينبذون التفكير في الوسائل القمعية والردعية، ويرى أحدهم أن الردع يولد الردع على المدى البعيد، لأننا نربي أجيالا كاملة على القمع، فينشؤون عليه وينتج بعد ذلك سلوكا عدوانيا كرد فعل ينتج بصورة آلية ضمن مكونات سلوك العنصر البشري، والدراسة التي تتطلب مثل هذه المقاربة يجب أن تكون إرادية بعيد عن أي ضغط أو منارة أو قراءة معينة، حتى تستوفي شروطها، والتي يجب الاعتماد عليها لتأسيس فكر تقويمي وتهذيبي يتبنى السلوك الحضاري المبني على آلية قبول التعامل مع المحيط بصورة انقيادية آلية دون العودة أو حتى التفكير في الردع والقمع أو المعالجة الخشنة لتصويب الأمور وتعديلها بما يتوافق مع متطلبات الجيل الصاعد في المستقبل، فالخبراء يضعون نصب أعينهم أطروحة للبحث العلمي والأكاديمي، والتي تتمحور حول المعالجة الذكية للعنصر البشري الذي يقود ويتحمل مسؤولية المستقبل ضمن إطار توافقي يساير جميع العناصر الأدبية والأخلاقية التي تحدد عناصرها الإطار الزمني والمكاني، ويكون الإنسان هو الجوهر في التغير الإيجابي نحو الأفضل، بكل ما تحمله الكلمة من دلالة عصرية مستقبلية، كنهها الحقيقي هو المسك بمبادئ الاحترام المتبادل مع جميع المكونات التي تشكل الكيان الذي يحيط به من كل الجوانب، ولا ريب أن مثل هذا العمل الفكري يتطلب انصهار الثقافة الأدبية والأخلاقية والنفسية في قالب واحد، قصد تشكيل منتوج اجتماعي حضاري يعمل بتصور فكري جديد، أساسه بناء قاعدة متينة من السلوكيات التي تؤهل الفرد لأن يكون فاعلا قياديا، بطبيعة تتجذر فيها الإنسانية وتحمل كل المعاني السامية الهادفة لبلورة مجتمع متحضر، يجمع بين ثقافة المجتمع وعصامية الذات.