حاول الكثير من المتربصين والمتصيدين الخوض في المياه العكرة من خلال تصوير النتائج التي تحصل عليها الأفلان في المحليات الأخيرة على أنها انتكاسة سياسية للحزب العتيد، مع أن أي قارئ محايد ودارس للأرقام والنتائج التي تحصل عليها حزب جبهة التحرير الوطني في استحقاق 29 نوفمبر تحيله إلى نتيجة واضحة وثابتة وهي أن الأفلان لم يحقق اكتساحا فقط في الانتخابات الأخيرة، بل عزز موقعه كأكبر قوة سياسية في الجزائر وبفارق واضح عن أقرب ملاحقيه ، والأهم من ذلك القراءة السياسية لفوز الأفلان في المحليات وبالنظر للمنافسة الشرسة التي عرفها هذا الاستحقاق حسمت وبشكل قاطع الموقع الريادي الذي ثبته الحزب العتيد في السنوات الأخيرة. توضح القراءة التحليلية المقارنة لإحصائيات نتائج الانتخابات المحلية لموعدين متتاليين وهما استحقاقات 2007 و2012 ما يمكن أن نصطلح على تسميته استقرار في الخارطة السياسية في الجزائر خلال السنوات الخمس الأخيرة سواء من حيث نسبة المشاركة في المواعيد الانتخابية المتعاقبة أو في ترتيب القوى السياسية، فمن حيث نسبة المشاركة تكاد تكون مستقرة في حدود ال40 بالمائة منذ محليات 2007 مرورا بتشريعيات ماي الفارط وصولا إلى محليات 29 نوفمبر، وكان الاستثناء الوحيد في رئاسيات 2009 التي قفزت فيها نسبة المشاركة إلى أكثر من 70 بالمائة لاعتبارات لها علاقة بنوعية الاستحقاق الانتخابي والرهانات المتعلقة به، بينما المقارنة بين محليات 2007 و2012 من حيث نسبة المشاركة يقود إلى القول إنها تكاد تكون نفسها في الموعدين فقد كانت في حدود 43.96 في المجالس البلدية سنة 2007 و44,26 سنة 2012 أي بارتفاع طفيف مقابل تراجع بسيط بالنسبة لانتخابات المجالس الولائية التي تراجعت من 43,26 سنة 2007 إلى 42,92 سنة 2012 وفي العموم هي نسبة تندرج في المعدل العالمي الذي يتراوح ما بين 40 بالمائة إلى 60 بالمائة. المعطى الثاني الذي يحيل إلى الاستقرار النسبي في الخارطة السياسية في السنوات الأخيرة هو ترتيب القوى السياسية من حيث النتائج التي أحرزها كل حزب في الاستحقاقات الأخيرة فقد حافظ الحزب العتيد على الريادة في الساحة السياسية الوطنية في المواعيد المتعاقبة وبفارق ملحوظ عن ملاحقه المباشر وهو التجمع الوطني الديمقراطي الذي احتفظ هو الآخر بالترتيب الثاني في الساحة السياسية في محليات 2007 و2012، مقابل تراجع حركة مجتمع السلم التي كانت في المرتبة الثالثة في محليات 2007 مسجلة تقهقرا إلى رغم تكتلها مع حزبي النهضة والإصلاح وهو التقهقر الذي له ما يفسره من وجهة نظر المتتبعين للشأن الوطني والذي يندرج في خانة تقهقر التيار الإسلامي في الجزائر منذ تشريعيات ماي الفارط في تأثير عكسي لما سمي اصطلاحا "ربيع عربي" على هذا التيار في الجزائر، ومن المنطقي والمعقول من وجهة نظر المتتبعين أن يواصل هذا التيار تقهقره في محليات 29 نوفمبر وهو ما ينسجم مع الاستقرار الذي سبقت الإشارة إليه في الساحة السياسية لأن الطبيعي أن لا يغير الناخب توجهاته خلال 6 أشهر وأن تأتي نتيجة المحليات الأخيرة منسجمة مع نتائج تشريعيات ماي الفارط. وتحيل المقارنة بين النتائج التي تحصل عليها حزب جبهة التحرير الوطني الذي احتفظ بالريادة في الساحة السياسية في موعدين سياسيين متعاقبين وهما محليات 2007 و2012 إلى القول إنها نتائج متقاربة جدا ففضلا عن احتفاظه بالمرتبة الأولى وبفارق كبير عن ملاحقه المباشر فإن التدقيق في تفاصيل النتائج يشير إلى أنه من الناحية العددية لا توجد فوارق تذكر، نحن نتحدث عن أرقام بسيطة جدا ، بما أن عدد البلديات التي تحصل عليها سنة 2007 بالأغلبية المطلقة بلغ 161 فإن العدد يكاد يكون نفسه سنة 2012 فقد بلغ عدد البلديات التي حاز فيها الحزب العتيد على الأغلبية المطلقة في المحليات الأخيرة 159 أي بفارق بلديتين فقط، مقابل زيادة معتبرة في عدد البلديات التي تحصل فيها على الأغلبية النسبية والتي ارتفع عددها من 294 سنة 2007 إلى 332 سنة 2012، وعلى إعتبار أن عدد الأحزاب المشاركة في استحقاق 29 نوفمبر الفارط أكبر بكثير عن نظيرته في محليات 2007 تقود الأرقام آنفة الذكر إلى استنتاج في غاية الأهمية وهو الأفلان لم ينتصر فقط في المحليات الأخيرة ، بل عزز موقعه كأكبر قوة سياسية في الجزائر وبفارق كبير عن أول ملاحق له . وهناك ملاحظة تقنية يمكن الإشارة إليها في هذا السياق وهي أن حزب جبهة التحرير الوطني حل في المرتبة الأولى في حوالي 1000 بلدية في المحليات الأخيرة وهو رقم يعني أن الأفلان سياسيا وإحصائيا يعتبر القوة الأولى في الجزائر ومن دون منازع وإذا وضعنا في الاعتبار معطى أن الحزب العتيد قد فاز في أكثر من استحقاق انتخابي منذ 2007 فإن ذلك يؤشر إلى حقيقة أن قوة الأفلان ليست ظرفية وطارئة.