اهتمامات القارة تتصدر أولاويات الدبلوماسية الجزائرية    الوزيرالأول بالنيابة، سيفي غريب، يترأس اجتماعا للحكومة    الحدث الإقتصادي الإفريقي بالجزائر تخطى كل الأهداف    صندوق تمويل المؤسسات الناشئة والشباب المبتكر إفريقيا    المخزن يقمع الصحافة ويمنع المراقبين الدوليين    معرض التجارة البينية الإفريقية 2025: طبعة حطمت كل الأرقام القياسية    المدية: وزير التربية الوطنية يدشن عدة هياكل تربوية    العدوان على قطر: المجتمع الدولي مطالب بردع الكيان الصهيوني وكبح تصعيده الطائش    الرابطة الأولى "موبيليس": فريق مستقبل الرويسات يعود بنقطة ثمينة من مستغانم    البرلمان الأوروبي يوافق على اعتماد قرار يدعو إلى الاعتراف بدولة فلسطين    الجيش الصحراوي يستهدف قواعد الاحتلال المغربي بقطاعي الحوزة و الكلتة    مسابقة لندن الدولية للعسل 2025: مؤسسة جزائرية تحصد ميداليتين ذهبيتين    اختتام أشغال الورشة التكوينية الدولية بالتعاون مع الصندوق الإفريقي للتراث العالمي بالجزائر العاصمة    معرض التجارة البينية الإفريقية : وفد افريقي يزور حديقة التجارب بالجزائرالعاصمة    :المهرجان الثقافي الدولي للسينما امدغاسن: ورشات تكوينية لفائدة 50 شابا من هواة الفن السابع    بيئة: السيدة جيلالي تؤكد على تنفيذ برامج لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من الحرائق    وفد صيني في زيارة لعدة مصالح تابعة للحماية المدنية على مستوى ولاية الجزائر    ملكية فكرية: الويبو تطلق برنامج تدريبي عن بعد مفتوح للجزائريين    مجلس الأمة: افتتاح الدورة البرلمانية العادية الاثنين المقبل    حج 2026: برايك يشرف على افتتاح أشغال لجنة مراجعة دفاتر الشروط لموسم الحج المقبل    سوناطراك: حشيشي يبحث بميلانو تعزيز الشراكات مع كبريات شركات الطاقة العالمية    هالاند يسجّل خماسية    رسالة أبو تريكة إلى أمّة محمّد    هذا جديد جامعة ورقلة    بللو يزور أوقروت    ثعالبي يلتقي ماتسوزو    شيري الجزائر تراهن على التصدير    وفد برلماني يشارك في ذكرى تأسيس كوريا الشعبية الديمقراطية    تعاون جزائري-صيني في البحوث الزراعية    "صنع في الجزائر" يبهر الأفارقة جودة وسعرا    "الحلاقة الشعبية".. خبيرة نفسانية بدون شهادة    استلام دار الصناعة التقليدية بقسنطينة قريبا    حملة لتنظيف المؤسّسات التربوية السبت المقبل    "الجزائر قطب اقتصادي فعّال داخل الاتحاد الإفريقي    "لنغلق كل شيء".. فرنسا على صفيح ساخن    جريمة الاحتلال الصهيوني في الدوحة تؤكد أنه عصابات إرهابية    الجزائر ترفع السقف عليا وتكسب كل الرهانات    الأمين العام الجديد للمحكمة الدستورية يؤدي اليمين القانونية    عزوز عقيل يواصل إشعال الشموع    تكريم مرتقب للفنّانة الرّاحلة حسنة البشارية    القضاء على إرهابيين اثنين وآخر يسلّم نفسه بأدرار    "أغانٍ خالدة" لشويتن ضمن الأنطولوجيا الإفريقية    تهديدات بالقتل بسبب الكسكس!    كرة اليد (البطولة الأفريقية لأقل من 17 سنة إناث) : الكشف عن البرنامج الكامل للمباريات    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    فتاوى : زكاة المال المحجوز لدى البنك    عثمان بن عفان .. ذو النورين    حملة تنظيف واسعة للمؤسسات التربوية بالعاصمة السبت المقبل استعدادا للدخول المدرسي    شراكة جزائرية- نيجيرية في مجال الأدوية ب100 مليون دولار    التأهّل إلى المونديال يتأجّل    درّاج جزائري يتألق في تونس    التأهل إلى المونديال يتأجل وبيتكوفيتش يثير الحيرة    قطاع الصيدلة سيشهد توقيع عقود بقيمة 400 مليون دولار    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    "الخضر" على بعد خطوة من مونديال 2026    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    شراكة بين "صيدال" وشركة "أب في" الأمريكية    الإسلام منح المرأة حقوقا وكرامة لم يمنحها أي قانونعبر التاريخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الأرشيف: سياسة الأمر الواقع
نشر في صوت الأحرار يوم 18 - 07 - 2014

كان المشكل الحقيقي بين مصر والجزائر هو اتخاذ القيادة في القاهرة أحيانا مواقف مصيرية تهم الأمة العربية كلها بصفة مباغتة أو بشكل فردي لا تسبقه أي مشاورات مع الأشقاء الذين يعنيهم أمر التحرك المرتبط بذلك الموقف أو المترتب عليه، ولعل هذا هو على وجه التحديد ما قام به نظام الرئيس المشير السيسي بإعلانه ما سمي مبادرة زلإيقاف الاعتداء المتبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبدا الأمر وكأنه محاولة من الرئيس
الجديد إثبات أنه رجل الموقف في الشرق الأوسط، وهذا من حقه كما أن من حقنا أن نرفضه، حيث بدا
وكأنه استنساخ لمبادرة الرئيس عبد الناصر بالدعوة لعقد قمة عربية، تضمنها خطابه في مدينة بور سعيد
يوم 23 ديسمبر 1964 بمناسبة عيد النصر، حيث طالب بضرورة عقد اجتماع للرؤساء والملوك العرب لبحث التهديدات الإسرائيلية بتحويل مجرى مياه نهر الأردن، وهي مبادرة سارعت إلى تبنيها جامعة الدول العربية
التي كان يرأسها وزير خارجية مصر السابق عبد الخالق حسونة، وكان ذلك بداية الادعاء بأن الجامعة تتصرف كذيل للنظام المصري. وعرف المؤتمر الذي عقد في يناير 1965 أول إشارة ذكية من الرئيس أحمد بن بله للتصرف المصري، تعمدت بعض العناصر الجزائرية تشويه معناها.
كان عبد الناصر قد قال في خطاب القمة، والتي كانت أيضا في شهر رمضان، بأن : حركة الجيش تحتاج لمال، وموارد البلاد المُطلة على إسرائيل محدودة ولكن لا تنقصها القوة والأفراد، وما تحتاجه هو دعم مادي يمدّ الجيش بطاقته الحيوية، وهي السلاح والعتاد والأجهزة المتطورة وتدريب أفراد قادرين وبناء حصون.
ويواصل ناصر قائلا: بما أن الدول التي أنعم الله عليها بنعمة البترول عدد سكانها قليل أو بعيدة عن جبهة القتال فهي تستطيع أن تساهم بمبالغ مادية لدعم الصمود ولمواجهة هذا العدو الذي تدعمه أمريكا والدول الغربية، وتساهم ولو بقليل من ميزانيتها السنوية لدعم المعركة الكبرى التي تخصنا جميعاً، وحدد عبد الناصر ثلاث دول هي السعودية والكويت وليبيا.
واندفع القادة يعلنون حجم مساهماتهم دعما للمعركة، وكان الأول الملك سعود الذي أعلن عن تقديم 40 مليون دولار، وتلاه الشيخ عبد الله الصباح، الذي أصر على أخذ الكلمة قبل أذان المغرب، ليعلن تقديم 15 مليون دولار، وفي اليوم التالي أعلن الحسن الرضا تقديم ليبيا مبلغ 55 مليون دولار.
ولم يكن من الممكن أن يسكت بن بله أمام هذه المساهمات، لكنه شعر بالحرج لأن وضعه كرئيس للجمهورية كان يحتم عليه استشارة الحكومة أو إخطار أعضائها على أقل تقدير (وكان البرلمان الجزائري مجمدا نتيجة للغزو في أكتوبر 1963
وقال بن بله عن الدعم الجزائري بأن من سوف يحدد حجمه هو الرئيس جمال، وكان هدفه مزدوجا، فهو من ناحية يسجّل أن القمة كانت مبادرة مصرية، ومن جهة أخرى أراد أن يكسب وقتا لإخطار زملائه في القيادة الجزائرية، ولعلي أضيف إلى ذلك أنه كان على يقين من أن عبد الناصر سوف يأخذ بعين الاعتبار المصاعب المالية التي تواجه الجمهورية الفتية في الجزائر.
وكان المؤسف أن خصوم بن بله راحوا يعايرونه بأنه تصرف كتابع للرئيس المصري، وكان عليه أن يتخذ القرار بنفسه، وأنا أقول، برغم أنني كنت في الجانب المتناقض معه، بأنه أحسن صنعا، وكان موقفه مشرفا ومفيدا من كل الوجوه.
ويُعزل بن بله ويتولى القيادة الراحل هواري بو مدين، وتصفو المياه بين الجزائر والقاهرة تدريجيا بعد أن تكدرت لشهور، كما سبق أن ذكرت.
ويحدث عدوان ,1967 وتقف الجزائر وقفة رجولة مع مصر، امتزج فيها ما هو سياسي بما هو عسكري واقتصادي بل ووجداني، ولم يكن عبد الناصر يخفي اعتزازه بالموقف الذي صحح من علاقة مصر بالجزائر، خصوصا وأن الجزائر لم تحاول المتاجرة بمواقفها أو اجترارها بمناسبة وبغير مناسبة، ولم تشر صحفنا حتى إلى عدد الشهداء الجزائريين على جبهة الصراع مع إسرائيل، ناهيك عن أي صورة من صور الدعم التي كانت ترى فيه ردّا لخير مصر على الوطن العربي كله، والجزائر في المقدمة، وكانت هناك صور رمزية تستحق التنويه.
فعندما اتصل سفيرنا في مصر الأخضر الإبراهيمي بالرئاسة في الجزائر ليبلغها بأن مصر قررت قطع علاقاتها مع الولايات المتحدة احتجاجا على دعمها المطلق للعدوان، أصدر بو مدين تعليمات بأن يستدعى السفير الأمريكي في الجزائر لوزارة الخارجية ليبلَّغ بقطع العلاقات الجزائرية مع واشنطن في نفس اليوم والدقيقة التي يُبلّغ فيها السفير الأمريكي في القاهرة بالأمر.
وأعترف أن الأستاذ هيكل كان هدفا دائما لكتاباتي آنذاك، حيث سفهت مقولاته من أن وضعية الأرض في مصر لا تسمح بالحرب الشعبية، وأتذكر أنني كتبت آنذاك، وقبل أن ينتهي العام، أقول بأنه : زكان من الممكن أن يتغير الوضع في سيناء لو أقيمت فيها مستعمرات ذاتية الاكتفاء على غرار زالكيبوتزاتز، التي استطاعت إسرائيل بفضلها أن تخترق الخطوط الخلفية للجيش المصري في .1948
لكن هناك من نظر إلى هذا المنطق بتعالٍ عجيب، وظل التعامل عسكريا وأمنيا مع الأرض المقدسة الرئيسية في التراب المصري، والتي قال عنها المولى عز وجل لرسوله موسى، وللمرة الأولى والوحيدة: اخلع نعليك إنك بالوادِ المقدس طُوى.
وطرحتُ يومها في مجلة الجيش لشهر فبراير 1968 الفكرة التي تقول بأن ز القضية هي فلسطينية أولا وعربية ثانيا، وكل محاولة لعكس هذا الترتيب سيُنظر لها كمحاولة لسلب الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وكإرادة لفرض الوصاية عليهس، وأطلقت آنذاك فكرة زإقامة دولة فلسطينية تجمع المسلمين والمسيحيين واليهود، الأصليين بالطبع، أي السابرا وحتى السفارديم، ولكن دون الأشكيناز المستوردين من أوربا الشرقية، ويلتقي الجميع داخل الأرض المقدسة في إطار المحبة والإخاء، لتكون واحة للسلام في العالم كله، وكانت هذه هي الفكرة التي سطا عليها العقيد القذافي فيما بعد باقتراحه إقامة دولة زإسراطينس .
وأذكّر من جديد بأن كلّ كتاباتي كانت، وما زالت، بدافع شخصي وبدون أي توجيهات من أي مستوى كان، لكنني كنت أدرك أن مجرد عدم إيقافها، وهي تصدر في مجلة الجيش التي يتابعها الرئيس بو مدين باهتمام كبير، هو ما يطمئنني بأنني كنت على الطريق الصحيح، وهو ما أكده لي الرئيس بعد سنوات عندما استدعاني للعمل إلى جواره.
وتعرف العلاقات المصرية الجزائرية توترا جديدا في السبعينيات، ودائما نتيجة لمبادرة اتخذها الرئيس عبد الناصر بدون التشاور مع أحد، وذلك عندما فاجأ الرئيس المصري أشقاءه بقبول ما سُمّيت مبادرة روجرز، والغريب أن رد الفعل الجزائري كان هو نفسه رد فعل أنور السادات في القاهرة، الذي سارع برفضها في خطاب جماهيري، لأن ذلك كان منطق الأمور الظاهري.
فلم نكن نعرف يومها، لغياب التنسيق، أن قبول مشروع زروجرزس كان مناورة رائعة من الرئيس عبد الناصر، الذي كان يستثمرها لإقامة الصواريخ غرب قناة السويس، والتي ضمنت انتصار العبور يوم زالكيبورس، ولولا حائط الصواريخ لما أمكن أن يتم العبور بتلك السرعة والفعالية وبأقل حجم من الشهداء والخسائر.
وتلاشى ما نتج عن موقف عبد الناصر المفاجئ بعد أن عٌرفت الخلفيات، وخصوصا عندما تأكد أن قصورا عربية احتضنت مؤتمرات القمة كانت مليئة بأجهزة التنصت الإسرائيلية، وهو ما يعني أن شاغل ناصر الرئيسي كان الهمّ العربي العام والحفاظ على عنصر المفاجأة لدى الأعداء والخصوم.
لكن، وموضوع اليوم هو غزة المجاهدة، هناك أمر لا يمكن تاريخيا أن ننساه أو أن نتجاوزه، وهو أن غزة كانت أمانة في يد مصر.
وغزة، أو غزة هاشم كما تسمى لأن هاشم بن عبد مناف جدّ الرسول عليه الصلاة والسلام مدفون بها، هي مدينة عريقة على البحر الأبيض المتوسط تعود إلى نحو ثلاثين قرنا قبل الميلاد، وتعطى اسمها لقطاع مساحته نحو 378 كم مربع، وكانت مدينة مهمة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد حيث جعلها الملك المصري ثيتموزي الثّالث قاعدة لجيشه في الحرب ضد الشمال.
ولقد كانت غزة مسؤولية مصرية كاملة منذ أجهضت فكرة إقامة دولة فلسطينية بعد هزيمة ,1948 وأقيمت يومها حكومة أحمد حلمي باشا التي لم تكن تملك أو تحكم، وكان الآمر الناهي هو الحاكم العسكري الذي عينته مصر، وكنت تناولت قصة زيارة العقيد الشاذلي بن جديد للقطاع، وظلت غزة مجرد ملحق إداري لمصر.
وضاعت غزة للمرة الأولى في عدوان ,1956 ولم يكن الجيش المصري بقادر على حمايتها، لأن الانسحاب من شرق القناة كان هو السبيل الوحيد لإنقاذ القوات المسلحة المصرية نفسها، وكان قرار القيادة المصرية قرارا شجاعا وحكيما بالرغم من مرارته.
لكن درس 1956 لم تتم الاستفادة منه عسكريا وبشريا بعد جلاء القوات الغازية وعودة غزة إلى الوضعية المحررة، وكان المفروض آنذاك أن تعلن فيها دولة مستقلة ينتزع الاعتراف بها من العالم أجمع، بغض النظر عن الوضعية المرحلية للضفة الغربية، التي كانت قد ضمت للملكة الأردنية.
ولم تكن المساحة المحدودة عائقا ضد إقامة الدولة في غزة لأن دولة جيبوتي أصغر منها (23.كم مربع) بدون الحديث عن موناكو والفاتيكان وغيرها من الدول المجهرية.
وهكذا ضاعت غزة مرة ثانية في .1967
والباقي كله معروف، بما في ذلك النتائج التي تمخضت عن الانتخابات التشريعية التي فازت بها حماس، والتي أزعجت من الأعراب أضعاف أضعاف من أزعجتهم من الإسرائيليين.
ولست أدري من الذين يتحتم عليه اليوم أن يشعر بالخجل أمام أبطال غزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.