الفريق أول السعيد شنقريحة يترأس أشغال الدورة ال17 للمجلس التوجيهي للمدرسة العليا الحربية    المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: خطوة نحو تعزيز السيادة الرقمية تحقيقا للاستقلال التكنولوجي    معسكر.. انطلاق المسابقة الوطنية الثانية للصيد الرياضي والترفيهي بالقصبة بسد الشرفة    الجزائر العاصمة.. انفجار للغاز بمسكن بحي المالحة يخلف 22 جريحا    اجتماع لتقييم السنة الأولى من الاستثمار المحلي في إنتاج العلامات العالمية في مجال الملابس الجاهزة    التزام ثقافي مع القضايا الإنسانية العادلة في دورته الرابعة : حضور نوعي لنجوم الجزائر والدول المشاركة بمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    معسكر : "الأمير عبد القادر…العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    حوادث المرور: وفاة 44 شخصا وإصابة 197 آخرين خلال الأسبوع الأخير    السيد مراد يشرف على افتتاح فعاليات مهرجان الجزائر للرياضات    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    جامعة بجاية، نموذج للنجاح    بحث فرص التعاون بين سونلغاز والوكالة الفرنسية للتنمية    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    محروقات : سوناطراك توقع مذكرة تعاون مع الشركة العمانية أوكيو للاستكشاف والانتاج    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    بطولة وطنية لنصف الماراطون    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف السّبيل لإعادة ثقة النّاخبين في نوّابهم؟
نشر في صوت الأحرار يوم 08 - 02 - 2010

عادت من جديد إلى الواجهة، وبكلّ حدّة، فضيحة التلاعب بالمصاريف والتّعويضات من طرف نوّاب أعضا ء مجلس العموم البريطانيّ مع توجيه المدّعي العام تهما إلى ثلاثة أعضاء من مجلس العموم وعضو من مجلس اللّوردات وفق أحكام قانون الإختلاس الصادر سنة 1968. وفي الوقت الذي يسعى فيه المتّهمون للإستفادة من مبدإ الحصانة البرلمانيّة فضّلت الزعامات السيّاسية التوجّه نحو إصلاح البرلمان وتغيير النظام الإنتخابيّ.
بدأت فصول الفضيحة في شهر ماي الماضي عندما كشفت الصّحف البريطانيّة عن تفاصيل التصريحات المبالغ فيها التي تقدّم بها النواب للحصول على التعويضات والإقتطاعات القانونيّة التي يتقاضوها، بل والتلاعب بالقواعد القانونيّة التي تحكمها. وكانت صحيفة الدايلي تلغراف قد حصلت على قرص مدمج يتضمّن كل ملفات تلك النّفقات، شدّت بها أنفاس الرأي العام والنوّاب لمدّة أسابيع كانت تنشر خلالها كلّ يوم جزءا من تلك الحقائق، في وقت انشغلت فيه السلطات الإداريّة في البرلمان في "تنقيتها" بِنِيّة الحفاظ على سريّة أجزاء كبيرة منها.
وفي صبيحة الجمعة الماضي، صرّح كير ستارمر مدير مكتب الإدّعاء العام بأنّ التحقيقات في أربع حالات قد تمخّضت عن التوصّل إلى ما يكفي من أدلّة لتوجيه تهم جنائيّة إلى أربعة نواب، وفق الفصل السابع من قانون الإختلاس والمتعلّق بتزوير الحسابات، مؤكّدا أنّه: "ثبت لدينا انّ المصلحة العامّة تقتضي تو جيه التّهم إلى هؤلاء الإشخاص."
وهؤلاء النوّاب الأربعة هم إليوت مورلي، وهو وزير سابق متّهم بطلب تعويضات لقرض عقّاريّ يصل إلى 30 ألف جنيه، وديفيد تشايتر بتهمة طلب تعويضات بمبلغ 20 ألف جنيه، وجيم ديفاين بتهمة طلب تعويضات بحوالي 8 آلاف جنيه، وثلاثتهم نواب عن حزب العمّال الحاكم.
أمّا الرّبع فهو هانينجفيلد، عضو في مجلس اللوردات عن حزب المحافظين، والذي شغل منصب رئيس بلدية إيسّاكس حتى تاريخ استقالته من تلك المهّام يوم الجمعة المنصرم، إثر إعلان اتهامه بالإختلاس، وإن أعلن استمرار قيامه بمهامّه كمنتخب. وهو متّهم بطلب تعويضات عن تكاليف إقامة لقاء ليالٍ قضاها في بيته. كما استقال من منصبه كناطق باسم حزب المحافظين للشؤون التجاريّة لدى مجلس اللّوردات. وصرّح: "بأن كل ماقمت به كان مبنيا على أساس حسن نيّة. وأنّ كلّ ما طلبت تعويضه قد صرفته أثناء أداء مهامّي النيابيّة."
وقد صدرت هذه الإتهامات تتويجا لتحقيقات دامت تسعة أشهر قامت بها مصالح الشرطة التي تواصل تحرّياتها في عدّة قضايا أخرى لم يتمّ الكشف عن المتّهمين فيها لعدم كفاية الأدلّة.
وتبعا لتلك التّهم، أصدر قضاء حاضرة واستمنستر استدعاءات للمعنيين للمثول أمام العدالة يوم الحادي عشر من الشهر القادم، حيث تنتظرهم عقوبة تصل مدّتها القصوى إلى سبع سنوات سجن، نصفها على الأقل- نافذة.
وتعقيبا من أعضاء مجلس العموم الثلاثة على لائحة الإتّهام، أصدروا بيانا مشتركا عبّروا فيه عن رفضهم للتّهم الموجّهة ضدّهم وأكّدوا أنّهم: "سوف يدافعون بحزم عن مواقفهم." وألحّوا على أنّ من حقّهم أن تتمّ متابعتهم ضمن أطر هياكل البرلمان وليس أمام محكمة الجنايات.
وتذهب بعض التقارير إلى أنّ النواب قد استندوا في ادّعاء براءتهم إلى حقّهم في الحصانة البرلمانيّة. وكان ستارمر قد أشار لدى تصريحه بالتّهم بأنّ حجّة النوّاب تبقى مطروحة أمام الجهات القضائيّة للفصل فيها.
ولكّن رجال القانون لا يرون أيّ مبرّر يضع النواب فوق القانون، وذلك على ضوء تلويحهم بمبدإ الحصانة البرلمانيّة.
ومن رأي الخبراء أنّ النواب ليس لهم أيّ شكل من الحماية أمام القواعد البسيطة لقانون العقوبات. ويرى الخبير هيو تومسن الذي هزم النواب في مجلس العموم أمام القضاء، سنة 2008، وحرمهم من الحيلولة دون نشر تفاصيل مصاريفهم، بفضل دفاعه المبني على مقتضيات قانون حريّة نشر المعلومات.
ويرى الخبراء أنّ العدالة تميل أكثر فأكثر إلى إخضاع النواب للمحاسبة، على الرّغم من أنّ لائحة الإدانة ضدّهم ستتيح الفرصة لخوض أشدّ المحاولات جرأة لاختبار مبدأ الحصانة البرلمانيّة. وهو المبدأ الذي يعود إلى قانون الحرّيات الصادر سنة 1689 والذي يحمي النواب من التعرّض لعقوبة: "بسبب تصريحاتهم أو أعمال قاموا بها أثناء، أو بهدف، تأدية نشاطهم النيّابي."
ولكنّ الغموض ما يزال قائما حول مدلول "النشاط النيابي." وفي هذا الإطار، دعت اللجنة المشتركة للإمتيازات البرلمانيّة سنة 1999 إلى: "توضيح حدود النشاط النيابيّ" التي يشملها مبدأ الحصانة، خاصّة في علاقتها بالجرائم مثل الرّشوة والفساد.
وتُعّد الحاحالات التي تعرّض فيها نواب البرلمان البريطانيّ إلى المحاكمة قليلة العدد. وكان آخرها تعرّض النائب جون ستون هاوس، منذ ثلاثين سنة خلت، إلى الحكم بالسجن سبع سنوات إثر اكتشاف ثرائه الفاحش السريع.
ويعتقد المحامي أوشيه لدى شركة آل جي أنّه: "من المستبعد أن يحمي النائب نفسه، وفق مبدإ الحصانة، من تهمة تزوير الحسابات، حتّى ولو ادّعى أنّه مخوّل بذلك وأنّ تصرّفاته كانت ضمن حدود القانون."
إلا أنّ رجال قانون آخرين يرون أنّ هناك صعوبة في قيام العدالة بالتّحقيق في شأن يتعلّق بالتسيير والإجراءات الداخليّة للبرلمان. وهو نفس الوضع الذي وجدت فيه مصالح الشرطة نفسها أمامه فرفضت مباشرة التحقيق في اتهام أربعة أعضاء من اللوردات بالمساعدة على تعديلات قانونيّة مقابل مناصب بأجور سخيّة لدى دوائرهم الإنتخابيّة. وقالت سكوتلاند يارد أنّ الإمتيازات البرلمانيّة: "تخلق مصاعب مستعصية" تحول دون التوصّل إلى أدلّة إثبات.
ونذكر أنّ توجيه تلك التّهم بالإختلاس للنّواب جاءت بعد يوم واحد من قيام لجنة مستقلّة، ترأّسها السير توماس ليغ، بنشر نتائج التّحقيقات التي تولّتها حول نفقات أعضاء مجلس العموم على مدى السنوات ما بين 2004 و 2008.
وأقرّ السير ليغ وجود ما سمّاه: "ثقافة تكريم" سائدة لدى موظفي البرلمان تجعلهم يخنعون لتسديد كلّ التعويضات التي يتقدّم بها النوّاب بغض النظر عن توفّر المستندات الثبوتيّة.
وكشف هذا التّقرير أن قرابة نصف أعضاء البرلمان قد تمّت دعوتهم لتعويض أكثر من مليون جنيه استرلينيّ لكون أنّ طلبات التعويض التي تقدّموا بها غير قانونيّة. وكان ليغ قد أمر 390 نائب بدفع ما قيمته مليون و300 ألف جنيه.
وذكر ليغ أنّ زعماء الأحزاب الثلاثة الأولى من حيث عدد النواب في البرلمان قد أعادوا مبالغ للمصالح المالية، بلغت 13,723.04 جنيها دفعها غوردن براون و965.45 جنيها دفعها دافيد كامرون، و989.50 جنيهه دفعها نيك كلاغ.
ومع أنّ توماس ليغ لم يُفوِّ ت الفرصة لنقد تطبيق نظام التعويضات ووصفه بكونه: " منخورا بالعيوب" واعتبر أن قرارات مصلحة المالية لدى البرلمان: "تفتقد الشّرعيّة"، وأن العديد من قراراتها تجنّبت الصحّة، إلا أنّه، عند إعلانه عن نتائج تحقيقات لجنته، تبيّن أنّه طبّق قواعد جديدة بأثر رجعي. وهذا ما أثار حفيظة عدد واسع من من النواب، وغيرهم.
كما احتجّ النّواب بكون أنّ المسؤولين الإدارييين في المجلس كانوا قد وافقوا على بياناتهم وقبلوا بها. وانتقد بعض منهم السير توماس لكونه قد تجاوز التفويض الممنوح للجنته بتطّبيقه معايير جديدة على نفقاتهم، وضعها من عنده.
وفي نفس اليوم، نشر السير بول كينيدي أيضا تقريره. وهو قاض سابق تمّ تكليفه للنّظر في استئنافات النّواب ضدّ قرارات مصالح البرلمان المتعلّقة بالمبالغ التي طالبت باسترجاعها من التعويضات التي استلمها النواب.
وذكر كينيدي أنّ 44 نائبا، من بين 77 تقدّموا بالإستئناف، قد كسبوا استئنافهم أو استردّوا جزءا من المبلغ الذي طُلب منهم استرجاعه لمصالح البرلمان. كما انخفض المبلغ الذي طلب ليغ من النواب تعويضة بقيمة 185 ألف جنيه كاملة. ومازال هناك 11 نائبا آخر سمح لهم كينيدي بتقديم التماسات جديدة.
وقد تعارضت أيضا خلاصة تقرير كينيدي مع أحكام ليغ، حيث اعتبر أنّ تطبيق هذا الأخير لمبدإ رجعيّة قراراته على نظام التعويضات قد كان: "مضرّا، وغير منصف وخاطيء."
ومعلوم أنّه، فور نشر البيانات على صفحات الدايلي تلغراف في ماي الماضي، تمّ تكليف السير كريستوفر كيلي بإعادة النظر في نظام المصاريف ووضع نظام جديد. كما عرضت الحكومة وقتها، بموافقة كلّ الإحزاب، قانونا لتأسيس "الهيئة البرلمانيّة المستقلّة للمعايير"، تحت رئاسة السير أيان كينيدي، تتولّى مراجعة نظام التعويضات الجديد وسدادها استنادا على مقترحات السير كيلي.
وقد تعارضت أيضا مقاربة كل من أيان كينيدي وكيلي، حيث اتّهم هذا الأخير بصراحة، أمام اللجنة البرلمانيّة للإدارة العموميّة، اتّهم النواب بالعجز عن تصحيح نظام التعويضات.
وفي خضمّ ذينك اليومين الزاخرين بالتقارير المتضاربة حول فضيحة النواب، سارع ممثّل عن حزب العمّال ليذكّر بأن الحزب قد قام منذ مدّة بفصل أولئك النواب الثلاثة موضوع الإتّهام من قائمة المترشّحين في الإنتخابات البرلمانيّة القادمة، المقرّرة في السادس من ماي القادم.
وفي نفس اليوم، نشر البرلمان على شبكة الأنتارنات مصاريف النواب ما بين أفريل 2008 و 2009 في إطار إضفاء الشفافية على نظام التعويضات.
كما وعدت هاريات هارمن، رئيسة كتلة العمّال الحاكم، بأنّها ستعرض على مجلس العموم، قريبا، قانونا يتمّ بمقتضاه خصم المبالغ المستحقّة من تعويضات النواب إذا لم يسدّدوها قبل 22 فيفري الحالي. وقالت: "أنّ ذلك يُعدّ مرحلة هامّة في طريق إرساء اطمئنان المواطنين واستعادة ثقتهم."
وفي نفس اليوم صرّح غوردن براون رئيس الوزراء بأنّه "شديد الغضب" بسبب هذه التهم المتعلّقة بالتجاوزات في التعويضات المطلوبة من النواب. وقال: "أنّه علينا أن نتخلّص إلى الأبد من الممارسات القديمة والتي لم تعد جزءا من النظام الجديد.
ولهذا أراني أقترح ليس فقط إصلاحات خاصّة بنظام التعويضات بل وأيضا طريقة سير البرلمان وعلاقته بالمواطنين."
أمّا زعيم حزب المحافظين فتمنّى أن يكون هذا التاريخ موعدا لوضع خطّ نهائي على صفحة التعويضات.
ومع ما أثارته تلك الفضيحة من موجات عارمة من الغضب والإستياء ضدّ سلوك النّواب وتصرّف المؤسّسة النّيابيّة، إلا أنّ الكاتبة والروائيّة جان سميث ترى أنّ الإدانة الواسعة لنوّاب البرلمان، دون تمييز بين الصالح والطالح، مع التفريط في اصدار حكم متوازن، قد يدفع الكثيرين من أصحاب النوايا الحسنة للإنسحاب من الحياة البرلمانيّة لأنّ ثمن عضويّتهم أصبح باهضا بحكم أنّهم سيكونون، مجّانا، عرضة للنّقد غير المبرّر ويسقطون، بدون مبرّر، ضحيةّ اتّهامات ليسوا طرفا فيها. فضلا عن أنّهم سيكونون محلّ إشارة العامّ والخاصّ بالبنان، دون أن ينال حظوة الإعتراف بالأعمال والتضحيات التي قد يقوموا بها لصالح منتخِبيهم.
وبالإضافة إلى أنّ رُبع عدد النواب من العهدة الحالية قد قرّروا الإنسحاب من الترشّح في الدّورة القادمة، فإنّ الناخبين سيميلون إلى معاقبة بقيّة النواب الحاليين ممّا يعني أنّ اختيارهم سيكون انتقاميا ضدّ الطبقة السياسيّة الحالية وسينتهي بانتخاب أشخاص من بين المستقلّين أو من الأحزاب الصغيرة على حساب الأحزاب الكبرى. وذلك من شأنه تعقيد إمكانيّة تشكيل أغلبيّة برلمانيّة، والتبشير بغلبة عدد النواب ممّن قد تنعدم لديهم خبرة إدارة شؤون الدّولة.
ولهذا، ترى سميث أنّ المبالغة في نقد النّواب وتعميم الحكم عليهم جميعا هو تهديد للديمقراطيّة. وهو العمل الذي تشارك فيه بالدرجة الأولى وسائل الإعلام الصّفراء والجماهير المنفعلة واليمين المتطرّف.
وتعتقد أن ذلك كلّه قد يفتح باب التّمثيل النيابيّ على مصراعيه لفائدة الرّاغبين في بعض من الشّهرة والطامعين في مناصب التشريف والمدفوعين بطموحهم العنصريّ.
وفي نفس السياق كانت صحيفة الأوبسرفر قد حذّرت في 24 ماي الماضي في افتتاحيتها من مغبّة التسرّع في التجاوب مع الأزمة، على حدّتها، بكثرة الوعود. واقترحت لذلك مسارين: الأوّل يُعنى بتحديد عتاة المخالفين للقانون في فضيحة المبالغة في المطالبة بالمصاريف ووضع حدّ لوجودهم ضمن صفوف النواب. والثانيّ هو النظر في ميكانيزمات لدفع الناخبين إلى المشاركة أكثر في مسار العمليّة السياسيّة، أيّ كسب ثقة المواطنين بأن تمثيلهم في البرلمان سيكون فعليّا وحقيقيّا.
وفعلا، اتتّفقت كلّ القوى السيّاسيّة على إحداث تغيرات واسعة على النظام البرلمانيّ تنطلق من إصلاح النظام الإنتخابي. وهذا ما سيكون محلّ تصويت يطرحه الحزب الحاكم على مجلس العموم غدا غرضه القيام باستفتاء شعبيّ على إقامة نظام انتخابي جديد، تلتزم به كل الإحزاب بعد سنة من الإنتخابات القادمة. كما سيتمّ التصويت على قانون، خلال الأسبوعين القادمين، سيمكّن البرلمان من استعادة سلطات عديدة انتزعتها منه الحكومات المتعاقبة.
وضمن مشاريع الإصلاح كان رئيس حزب المحافظين قد بادر في سبتمبر الماضي إلى الإعلان عن عزمه تقليص أجور الوزراء والمخصّصات التي يتقاضاها النّواب. وهذا ما اعتبره أعضاء حزب العمّال تهديدا للتّمثيل الواسع وحصر الترشّح بين الفئات الغنيّة القادرة على تحمّل تكاليف العمل النيّابي الباهضة.
ويقترح الكاتب دافيد ميتشال أن يتمّ إلغاء نظام التعويضات واستبداله بأجر يتناسب مع ما يتطلّب عمل النّواب من جهد ووقت، وعلى ضوء تعرّضهم للنقد القادح من طرف المواطنين.
وبذلك يتمّ رفع الأجر السنويّ الحالي الذي يقلّ عن أجر الكثير من الموظّفين بالوزارات أو لدى مصالح البلديّة، ويقلّ عن أجر أربعة أيام يتلقاها لاعب كرة القدم واين روني.
ويُجمع المحلّلون والمواطنون على أنّ ما يزيد حنقهم هو أنّ نواب الشّعب، الموكول لهم صياغة القوانين، يصرّون على تحدّيهم ورفضهم إقرار أخطائهم ممّا يعني أنّهم عاجزون عن التّمييز بين الصّحيح والخطأ وعدم تقديرهم لمشاعر الغضب والإستياء العام التي شهدتها بريطانيا طوال الأشهر الماضية.
ويرى الكاتب دافيد ميتشال أنّ فضيحة التلاعب بالمصاريف يعكس ثلاثة حقائق. الأولى أنّ الساسة في بريطانيا هم أيضا عرضة لممارسة الغشّ، وإن كان ذلك بصورة طفيليّة. ثانيا، أنّهم قد يكونوا في منتهى الغباء، سواء لإصرارهم بعدم الإعتراف بوجود مخالفات قانونيّة أو استسلامهم لكلّ انتقاد يتعرّضون له. ثالثا، أنّهم لا يتلقّون أجرا كافيا لمنعهم من اقتناص الغنائم أو تجنّب المرض الطفوليّ الذي أصابهم.
وفي مقال لشندرشخار كيرشمان، وهو أحد الموظفين السامين والمدير التنفيذي بمنظمة: "الشفافية عبر العالم"، يستخلص العبر من هذه الفضيحة فيذكر أن في مقدّمة ذلك كون المملكة المتّحدة التي كانت لمدى طويل بعيدة عن تهمة الفساد التي: "درجنا على اعتبارها سلوكا يمارسه الآخرون فقط. أمّا اليوم، فإنّ الجرائد تكتب يوميّا عن نواب من البرلمان البريطانيّ متّهمون بسرقة عشرات الآلاف من الجنيهات من الخزينة العامّة."
ودعى إلى الإلتفات إلى أصناف أخرى من الممارسات في البرلمان قد يطالها وباء الفساد مثل تضارب المصالح، ودور اللوبيات، وتمويل الأحزاب، وتوظيف النّواب في مجالات يسمح فيها اطلاعهم على الملفات الحكوميّة تفضيلا لهم على غيرهم ولفائدة مستخدميهم.
وأضاف كيرشمان أنّ الدروس الأخرى هي، أولا، أنّ الشفافيّة هي أقوى سلاح لمحاربة الفساد، مذكّرا بأنّ فضيحة مصاريف النّواب تمّ الإعتراف بها بعد أن كشفتها الصّحافة. ثانيا، أنّ الفساد لم يعد يعني تسليم عمولة في أظرف رماديّة فقط. وثالثا، أنّ المملكة المتّحدة، هي الأخرى، لم تعد اليوم في منأى عن الفساد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.