توزيع جوائز مشروع "البحث عن السفراء الثقافيين الشباب الجزائريين الصينيين" بالجزائر العاصمة    هو رسالة قوية مفادها أن الجزائر غلبت المصلحة العليا للوطن    وزير الأشغال العمومية ينصب لجنة مرافقة ومتابعة تمويل المشاريع الهيكلية للقطاع    مؤشرات اقتصادية إيجابية ومشاريع الرقمنة ستعزز مسار الإصلاحات    إبراز ضرورة حماية المنتجات التقليدية وطرق تسويقها وطنيا ودوليا    إصابة 32 شخص بجروح متفاوتة الخطورة ببجاية    خنشلة : توقيف فتاة نشرت فيديو مخل بالحياء    تفتك جائزة "لجدار الكبرى " للمهرجان الثقافي الوطني للأغنية الملتزمة    الجزائر ستظل شريكا فاعلا في الجهود الدولية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    قويدري يبحث فرص التعاون الثنائي مع السفير الأوغندي    رؤساء المجموعات البرلمانية يشيدون بالرؤية الوطنية المتكاملة للنص    عاما من النضال من أجل تقرير المصير والاستقلال    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 69182 شهيدا و170694 مصابا    الأوضاع الإنسانية بغزة ما زالت مروعة    بحث سبل تعزيز التعاون الجزائري-الأردني    في بيان لها حول انتشار "الجرب" في بعض المدارس    دستور 2020 يؤسس لمرحلة بناء دولة الحكم الراشد    توحيد مواضيع الاختبارات وفترات إجرائها    متابعة تجسيد البرامج التكميلية للتنمية    تصدير فائض الطاقة يفتح آفاقا لتوسيع الاستثمارات    "سلام تصدير +" لدعم الصادرات الوطنية    الشركات الروسية مهتمة بالاستثمار في السوق الجزائرية    12 مصابا في اصطدام بين حافلة وشاحنة    786 حالة سرقة للكهرباء    مدرب منتخب ألمانيا يردّ على تصريحات مازة    تحديد منتصف جانفي المقبل لعودة غويري للمنافسة    ندوة دولية كبرى حول الشاعر سي محند أومحند    نحو تجسيد شعار: "القراءة.. وعي يصنع التغيير"    مساحة للإبداع المشترك    اختبار تجريبي قبل ودية أقوى مع السعودية    مقلّد الأوراق المالية في شباك الشرطة    الإصابات تضرب بيت الخضر    إبراز ضرورة حماية المنتجات التقليدية وطرق تسويقها    جلاوي يشرف على اجتماع تقييمي    الجزائر وأنغولا تجمعهما مواقف مبدئية    ناني ضمن طاقم للخضر    ناصري يرافع من باكستان لمقاربة الجزائر الشاملة    تاريخ الجزائر مصدر إلهام    بونعامة يبرز أهمية اعتماد معايير الجودة    الوزير يُجري تحليل PSA    عجّال يستقبل وفدا من جنرال إلكتريك    بلمهدي يُوقّع اتفاقية الحج للموسم المقبل    إنطلاق "الملتقى الدولي للمبدعين الشباب" بالجزائر العاصمة    جهود متميزة تبذلها الجزائر لتهيئة الظروف الملائمة للاجئين الصحراويين    المنتخب الوطني يحطّ الرّحال بجدّة    ستورا يدعو فرنسا للاعتراف بجرائمها في الجزائر    ياسر جلال يوضّح تصريحاته بالجزائر    بلمهدي في السعودية    من ينصف الأسرى الفلسطينيين أحياء وأمواتا؟    نزوح 75 ألف شخص من إقليم دارفور السوداني    وزير الشؤون الدينية بلمهدي يشارك في اللقاء نصف السنوي لرؤساء مكاتب شؤون الحجاج بالسعودية    الطبعة الرابعة لنصف مراطون "الزعاطشة" ببسكرة    عبد الرحمان بن عوف .. الغني الشاكر    غنى النفس .. تاج على رؤوس المتعففين    فتاوى : واجب من وقع في الغيبة دون انتباه وإرادة    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمويل الأحزاب، والديمقراطيّة
نشر في صوت الأحرار يوم 08 - 03 - 2010

والبلاد على مشارف انتخابات عامّة، انكشف الوضع القانونيّ لنائب رئيس حزب المحافظين، وأكبر مموّل له، حيث تبيّن أنّه مقيم غير دائم بالمملكة المتّحدة، أيّ أنّه لا يدفع الظرائب، مع أنّه عضو في مجلس اللوردات. وهكذا، بالإضافة إلى صخب الإنتخابات، أثارت الفضيحة السياسيّة نقاشات واسعة حول دور المال في نظام ديمقراطي وأهليّة فرد يتهرّب من دفع الظرائب ليكون صاحب كلمة عليا في التشريع للبلاد.
في مستهل الأسبوع المنصرم، اعترف اللورد ميكائيل أشكروفت، 63 سنة، أنّه لا يدفع الظرائب للدولة البريطانيّة عن ممتلكاته الضخمة بالخارج طوال التسع سنوات من عضويته في مجلس اللوردات، لأنّه سجّل نفسه على أساس أنّه مقيم غير دائم بالمملكة.
و اللورد أشكروفت الذي يحلو له أن يصف نفسه بأنّه: "رجل أعمال نذر نفسه للأعمال الخيريّة وامتهان السياسة"، من أكبر الأثرياء. وتُقدّر الصاندي تايمز ثروته ببليار ومئة مليار جنيه استرليني. أمّا مقرّ هذه الثروة فهو موجودة ببيليز الواقعة بوسط أمريكا.
شغل أشكروفت منصب أمين الخزانة لحزب المحافظين ما بين 1998 و 2001 قبل أن يصبح نائب رئيس الحزب منذ 2005.
وقد تبرّع لصالح حزب المحافظين، خلال السنوات القليلة الماضية، بأكثر من أربعة ملايين جنيه، أكثرها تمّ صرفها في الحملات الإنتخابيّة لانتزاع ما يسمّى بالمقاعد الإنتخابيّة المتأرجحة، وهي المقاعد التي يكون فارق الأصوات فيها بين مؤيّدي الأحزاب المتنافسة قليل جدّا، واحتمال ميل كفّة الفوز لأيّ منهم عال جدّا. وهذا على خلاف "المقاعد المضمونة" التي يكون فارق الأصوات فيها في حدود 40 في المئة، والتي يتم فيها عادة ترشيح الوزراء لضمان فوزهم.
المقيم غير الدائم هو إذن شخص يدفع مستحقات الظرائب عن ممتلكاته داخل البلاد فقط على خلاف المقيم الدائم الذي يسدّد الظرائب على ممتلكاته في الخارج أيضا. ويلجأ لهذه الصيغة مئات الآلاف من الأثرياء من مختلف دول العالم والرّاغبين في عدم دفع الظرائب على أموالهم في دول أخرى.
وعلى سبيل المثال، إذا كان اللورد أشكروفت مقيما دائما فإنّ تقديرات الصحافة تقول أنّ المبلغ الذي كان عليه أن يدفعه للخزينة العمومية البريطانيّة، خلال السنوات العشر الماضية، يصل إلى 127 مليون جنيه استرلينيّ.
وكان أشكروفت قد وعد وليام هيغ، الذي كان سنة 2000 زعيم حزب المحافظين، بأنّه سيغيّر من وضعه القانوني ليصبح مقيما دائما مقابل ترشيحه لمنصب عضو في مجلس اللوردات. وهي الشروط والإلتزامات المكتوبة التي فهم الجميع أنّ أشكروفت يكون قد نفّذها منذ ذلك التاريخ مع مصلحة الظرائب.
ويذكر وزير العدل، جاك سترو، أنّ أشكروفت قد تمّ رفض عضويته بمجلس اللوردات، في محاولة أولى سنة 1999، لأنّه ليس مقيما دائما بالمملكة المتّحدة. وهو الشرط الذي توفّر أثناء المحاولة الثانية سنة 2000 مع التزام أشكروفت بتسوية وضعيّتة، وهذا ما تضمّنته المراسلةُ المرفقة بطلب العضويّة التي وجّهها وليام هيغ، زعيم المحافظين وقتها، لتوني بلير والتي أكّد فيها أن إقامة أشكروفت الدائمة ستسمح: "بدرّ ظرائب طائلة لفائدة الخزينة العموميّة."
ولكنّ إقدام أشكروفت بداية الأسبوع الماضي على كشف حقيقة وضعيته القانونيّة، جاءت بسب تحذيره بأنّ المعلومات تلك سيتمّ التصريح بها إستجابة لطلب بالكشف عنها تمّ تقديمه للبرلمان تطبيقا لقانون الحق في الإعلام الذي يُخوّل الحقّ في الحصول على كلّ المعلومات، لكلّ من أراد أن يطلبها، والتي هي بحوزة الإدارة العموميّة والمجالس المنتخبة، ماعدا ما تعلّق منها بحماية الأمن الوطني.
وبالإضافة إلى دوره في الحياة اليوميّة للحزب باعتباره نائب الرئيس، وعلى الرّغم من أنّه ليس منتخبا فقد كان له دور سياسي واضح في الساحة الدوليّة. حيث كشف السفير البريطاني بكوبا أنّ أشكروفت قد التقى بمسؤولين مع وفد رسمي يرأسه وزير الخارجيّة في حكومة الظل، أي حزب المحافظين. في حين ليس له أيّ صفة رسميّة تخوّله لممارسة تلك الإتصالات. وكانت صحيفة الغارديان قد كشفت عن اتصالات له بمسؤولين صينيين تمّ التطرّق خلالها للحديث عن بيليز مركز ثروة أشكروفت. كما أوردت الصحف تفاصيل أخرى وافية عن اتصالات له بمسؤولين في عدّة دول مشكوك في تورّطهم في الفساد.
وقد اعتبر الكثير من النواب اواللوردات أن وضعيّة أشكروفت ليست مبرّة قانونيا وأخلاقيا وسياسيا.
وفي رأي زعيم الحزب الليبرالي نيك كلاغ فإن "من الخطإ الفادح" أن يقوم شخص لا يتمتّع بالإقامة الدائمة أن يموّل الحملات الإنتخابيّة في البلاد ويكون طرفا في الحياة السياسيّة بها دون أن يدفع حصّته من الظريبة ككلّ بريطانيّ.
ولم يفوّت حزب العمّال الفرصة ليؤكّدعن طريق كتابة مجلس الوزراء: "أنّ المسألة متعلّقة بنزاهة العمل السياسيّ... وحيث أنّ دافيد كامرون يطمح في أن يعتلي منصب الوزير الأول فعليه أن يجيب على ما يطرح عليه من أسئلة وأن يكشف عما كان على علم به مثله مثل وليام هيغ حول عدم قيام اللورد أشكروفت بدفع الظرائب واستعماله لدراهم من مصدر أجنبيّ لتمويل الحملة الإنتخابيّة لحزب المحافظين."
غير أنّ المحافظين ردّوا قائلين بأنّ حزب العمّال هو الآخر له أعضاء في نفس الوضعيّة، مشيرين للورد بول وكذا بعض المتبرّعين للحزب الليبراليّ. ويعتقد المحافظون أنّ الإصرار على انتقاد اللورد أشكروفت ليس سوى: "دعاية لأغراض سياسيّة." ضمن مسار الحملة الإنتخابيّة.
فعلا، يبقى تمويل الأحزاب باستمرار انشغالا مركزيا ودائما لكلّ الإحزاب السياسيّة، إذ أنّ التكاليف السنويّة لتسيير الحزب تحوم عادة حول 20 مليون جنيه استرليني. ويبذل الحزبان الرئيسيان في بريطانيا جهودا مضنية، قليل منها يتكلّل بالتوفيق.
وقد تعقّدت وضعيّة حزب العمّال بعد أن تمّ توقّيف تمويل النقابات المباشر له بهدف الحفاظ على استقلال قراره، في نظر زعمائه الجدد، بعيدا عن تأثير ممثّلي الطبقة العاملة، وذلك انسجاما مع اختار التيار الجديد بالحزب الذي اتّجه نحو منطق حريّة السوق وتحرير قوانين التشغيل، واللجوء لتبرّعات رجال الأعمال في تمويل الحزب، واللوبيات، الأكثر سخاء، حسب توقّعاتهم.
أمّا حزب المحافظين المشهور بكونه حزب الأغنياء، فإنّه كان على الدوام يتلقّى تمويله بصفة منتظمة من رجال الأعمال والأثرياء. ولكنّ تحديد المبلغ الأقصى للتبرّعات ابتداء من فيفري 2001، قاده لتقبّل الأموال من كلّ حدب وصوب، أي مع كثير من غض النظر عن الشبهات التي تكون لصيقة بمصادر تلك الأموال أو جنسيّة أصحابها.
وقد اعتمد أشكروفت سياسة تمويل المقاعد المتأرجحة باعتبارها الطريق الأقلّ تكلفة للحصول على العدد الكافي من المقاعد التي تمكّن المحافظين من استرجاع الأغلبيّة في البرلمان.
ولأنّ هذه المقاعد المتأرجحة هي التي عادة ما تحسم مصير التنافس بين الأحزاب، فإنها تكون الميدان الفعليّ للحملات الأحزاب الإنتخابيّة. حيث أنّ عوامل تغليب كفّة مترشّح على آخر في تلك المقاعد المتأرجحة تتراوح بين التصويت التكتيكي، وضعف التصويت، وموقف الرأي العام في فترة الإنتخابات من قضيّة الساعة، وصورة الحزب أو زعمائه، وسمعة المترشحين الشخصيّة.
وهذه هي التقنيات التي استثمر فيها أشكروفت مساعداته السخيّة. ويتذكّر دوما المحافظون أنّ حزب العمّال قد كسب تفوّقه سواء في انتخابات 1997 أو 2001، كنتيجة لتركيز حملته الإنتخابيّة على تلك المقاعد المتأرجحة.
غير أنّ فضيحة أشكروفت قد جعلت أعضاء حزب المحافظين يندمون على استعانتهم بأمواله التي أصبحت اليوم عبئا سياسيا على كاهل الحزب.
وإلى جانب ذلك، فإنّ الوعود التي كثيرا ما استند إليها حزب المحافظين بتنقية الإجواء السياسيّة، بعد فضيحة مصاريف النواب، قد أُصيبت بنكسة كبيرة. فكم كان يردّد مع أنصاره: "نعم، نحن جيل جديد مقتنع ومؤمن بالإنفتاح والشفافية والمحاسبة." ولكنّ سرعان ما يتّضح أنّه في نفس الوقت الذي يقدّم فيه الحزب وقادته تلك الوعود، كان أقرب الممّولين لحزبهم يتهرّب من دفع الظرائب.
وممّا زاد من هشاشة موقع المحافظين أنّهم، في البداية، تعاملوا بتساهل كبير مع الفضيحة، حيث اكتفوا بالقول أن المموّلين للحزب من غير المقيمين ليس ظاهرة منحصرة في صفوفهم، مشيرين إلى أسماء أخرى من المموّلين لحزب العمّال والليبراليين. غير أنّ خطورة المقارنة أنّها تجاهلت كون أشكروفت هو عضو في مجلس اللوردات وكونه مقرّرا فاعلا في سياسة الحزب باعتباره نائب الرئيس. وهكذا، من المحتمل جّدا أن يصبح تمويله للمقاعد المتأرجحة مصدرا لنقمة الناخبين، باعتبارها عمليّة مكشوفة لشراء الأصوات من طرف شخص تحوم حوله شبهات النزاهة. بل إنّ البعض اتهمه بضعف الرّوح الوطنيّة.
ودون شك، فإن عدم كشف المحافظين المبكّرة على الحقائق المتعلّقة بعضوية أشكروفت وغياب الإجابة عن كثير من التساؤلات الأخرى التي تبادر بها الصحف دون ردّ شاف وسريع، ستجعل من الفضيحة زادا متواصلا ومتفجّرا بيد الأحزاب الأخرى طوال الفترة القصيرة الفاصلة عن موعد الإنتخابات.
وأقل الإنتقادات الموجّهة لقادة الحزب هو شحّهم في الحديث عن حقيقة الوضعيّة القانونيّة لأشكروفت والتزاماته المتعلّقة بدفع الظرائب، وكذا تركه يمارس التستّر عن وضعيته هذه لمدّة قرابة عشر سنوات. والإبقاء على تلك الوضعيّة تتخمّر لتفيض خلال فترة الحملة الإنتخابيّة.
ويلخّص ماتثيو دانكورا، الصحفي بجريدة التلغراف، وضعيّة المحافظين الحالية قائلا: " أنّ كلّ مرّة تظهر قصّة جديدة لتؤكّد بقايا الخوف من الحزب باعتباره مجرّد واجهة لعصابة من الأفراد الذين يسعون للسلطة ليفعلوا ما يحلو لهم. وليس مهمّا أن يكون ذلك الخوف مبرّرا أم لا. ولكنّه حقيقة في ساحة الإنتخابات وعلى كل مناضل في الحزب أن يعيه."
وذكّر ماثيو أليوت، مدير جمعيّة "تحالف دافعي الظرائب" بذلك الشعار الذي أصبح منذ مئتي سنة خلت لصيقا بالديمقراطيّة والقائل: "لا ضريبة بدون تمثيل". وقال إنّ العاصفة التي تسبّب فيها اللورد أشكروفت تعود إلى أنّه أصاب بتصرّفه هذا صميم النظام البرلمانيّ وكذا مبدأ الإنصاف. حيث داس ذلك المبدأ السامي والقاضي بأن رجل السياسة الذي له حقّ التصويت في البرلمان ليقرّر القوانين التي تحكمنا وكذا الظرئب التي علينا تسديدها، عليه أن يلتزم قبل غيره بتلك القوانين التي يسنّها لنا جميعا.
ويقول أليوت أنّ محور القضيّة ليس في مناقشة حق الإختيار بين صيغ الإقامة التي يمنحها القانون للإستفادة من عدم دفع الظرائب، فتلك حدود رسمها القانون لفائدة الأفراد والمصلحة العامّة. أيّ أنّ خطيئة اللورد أشكروفت ليست في عدم امتثاله لقانون الظرائب وإنّما لكونه، بتلك الصفة، عضو في مجلس اللوردات.
ودعا أليوت إلى أن يكون القانون واضحا في منع وصول أي عضو للبرلمان إذا لم يكن من دافعي الظرائب. مشيرا إلى أن توني بلير قد يكون من أمثال هؤلاء في مستقبل قريب.
وأكّد أنّه يستحيل أن يتمّ استعادة الثقة في البرلمان أو الإطمئنان إلى أنّ عمليّة التشريع تكتسي صفة العدل مادام ساسة يتمتّعون في نفس الوقت بعدم دفع الظرائب ويحظون بمقعد لهم في البرلمان. ويلاحظ سيمون جينكنز، أحد أكبر المعلّقين بجريدة الغاردان: "أنّ ساستنا الذين تعوّدوا أن يتلذّذوا بالإشارة بالبنان إلى الأنظمة الفاسدة قد تمّ قبضهم متلبسين بجريمة النفاق."
ومن تداعيات هذه الفضيحة أنّها قد تطال القواعد الدستوريّة. فقد طرح الحزب الليبرالي تساؤلا عن أبعاد الإخلال بقواعد التنصيب في عضويّة البرلمان في حالة تقديم معلومات خاطئة لكلّ من رئيس الوزراء وكذا الملكة، بحكم كونهما طرفا الإقتراح والموافقة على الترشّح لمنصب في مجلس اللوردات.
ومن المنافذ التي سلكها المحافظون لصرف الأنظار عن الفضيحة، هو إعلان مساعدي دافيد كامرون أول أمس عن أنّ أشكروفت سيتقاعد، باعتباره نائبا لرئيس الحزب، بعد الإنتخابت القادمة في أفريل المقبل. ولكنّ مجلّة الصانداي التايمز شكّكت أول أمس في نوايا انسحاب أشكروفت من الحياة السياسيّة ومن تأثيره في مسارها مذكّرة بكونه يملك أغلبيّة الحصص في موقع: "بيت المحافظين" على الأنتارنات والذي يُعدّ الأداة الرئيسيّة للتواصل بين قيادة الحزب وقاعدته من النشطين.
وردّا على ذلك الإعلان، سارع نائب رئيس الحزب الليبرالي بالمطالبة بالنشر الفوري لكلّ الوثائق المتعلّقة بترشيح أشكروفت لمنصبه في اللوردات.
وكان حزب العمّال قد ألحّ في المطالبة بأن تقوم لجنة التنصيب التابعة لمجلس اللوردات بتحقيق، وهذا ما رفضته.
غير أنّ اللّجنة البرلمانيّة الإداريّة قد قرّرت أن تعقد جلسة واحدة يوم 18 مارس للتحقيق حول عضوية أشكروفت ووضعيته تجاه مصلحة الظرائب. كما طلب حزب الليبراليين من مصلحة الظرائب والجمارك أن تقوم بتحرّياتها الخاصة حول وضعيته الظريبيّة. ويبقى جوهر المشكل متعلّقا بنظام تمويل الإنتخابات وطبيعة النظام الإنتخابي. أمّا فيما يتعلّق بالتمويل، فقد تمّ منذ السبعينات تشكيل ثمان لجان لتقييم وأعادة النظر واقتراح حلول لذلك.
وقد اقترحت جميعها حلولا لوضح سقف للبترعات لفائدة الأحزاب ومبلغ أقصى للمصاريف على الإنتخابات، وبعضعا فصل في مساهمة الدولة في تمويل الإحزاب. ولكنّ قبول الأحزاب يتوقّف عادة عند المقترحات الثانويّة، حيث يتحمّسون للقبول بالتمويل ولكنّهم يتردّدون تجاه أشكال الرقابة والمحاسبة، كما يلاحظ سيمون جينكنز.
في نهاية المطاف، تبقى الحلول إذن مرتبطة بتحديد سقف كلّ من التبرعات ومساهمة الدولة ومصاريف الحملات الإنتخابيّة. ولكنّ المخرج الحقيقي، كما يقول سيمون جينكنز هو التوجّه نحو التمويل الشعبي استنادا للعضويّة في الإحزاب، وهو الحلّ المهمّش في الساحة البريطانيّة ممّا يجعلها متخلّفة بالمقارنة مع بلدان ديمقراطيّة أخرى.
وحسب بينتو دوشينسكي أحد خبراء العلوم السياسيّة: "فإن أهميّة دور الأحزاب في النظام الديمقراطي تتحدّد وفق حجم تمثيلها للجمهور. وبجعلها تابعة لتمويل الدّولة، فإنّها طابعها الديمقراطيّ يكون منتقصا". أمّا فيما يتعلّق بالنظام الإنتخابي، فقد دعى بول بيغنل، أول أمس في الأندابندانت الأسبوعيّة، بتأسيس عهد سياسيّ جديد بعد أن يئس الناخبون من جدوى نظام يهيمن فيه حزبان وليس فيه للمواطن سوى أن يختار بين أهون الشرّين.
ويذكر كيف أنّه في الإنتخابات العامّة لسنة 1951 كان هناك 2 فقط في المئة من المواطنين ممّن صوّتوا لغير حزبي المحافظين والعمّال. أمّا في الإنتخابات المحليّة التي جرت في السنة الماضية، فقد ارتفعت هذه النسبة إلى 40 في المئة. كما أنّه خلال الإنتخابات العامّة في الدورتين السابقتين، ولأوّل مرّة منذ الحرب العالميّة، بلغ عدد المواطنين غير المعّبرين عن أصواتهم أكثر ممّن صوّتوا لصالح الحزب الفائز. كما أنّ ثلث المقاعد في مجلس العموم لم يتغيّر الفائزون بها منذ الحرب العالميّة الثانية.
وهذا يعني أنّ غوردن براون الذي يشغل اليوم منصب الوزير الأول لم يصوّت لصالح حزبه سوى 22 في المئة ممّن هم مؤهلين للتّصويت. وفي نفس الوقت، اختار ربع المصوّتين الحزب الليبرالي، ولكنّ هذا الحزب ليس لديه سوى 10 في المئة من الأعضاء في البرلمان.
ويستخلص من ذلك أنّ نظام الحزبين القويّين قد اندثر في حين مازال النظام المؤسساتي يحمي هذا الوضع بتجاهل من الحزبيْن المستفيديْن. وفي رأيه أنّ الفضائح المتكرّرة في ساحة النخبة السياسيّة هو دليل على أنّ هذا الواقع يتواصل تجاهله. أمّا الحكمة التي يستدلّ بها فهي: "سلطة بدون محاسبة، وامتيازات بدون منافسة لا تثمر سوى المنغّصات."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.