الجزائر تشارك في القمة الثالثة لتمويل تنمية البنية التحتية في إفريقيا بلواندا    رئيسة المحكمة الدستورية تشارك في المؤتمر العالمي للعدالة الدستورية بمدريد    رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات يدعو المواطنين إلى التسجيل عبر المنصة الرقمية لتجديد القوائم الانتخابية    إصابة 31 تلميذا في حادث مرور بوسط مدينة القطار شرق غليزان    "إيتوزا" تعلن عن رحلات خاصة لنقل زوار المعرض الدولي للكتاب    الدكتور مصطفى بورزامة: الإعلام الجزائري منبر وطني حرّ وامتداد لمسار النضال    تنصيب المجلس العلمي الوطني للأمن الغذائي    اتفاقية تنظم عملية تبادل البيانات    الفلاحة رهان الجزائر نحو السيادة الغذائية    سياسة الجزائر نموذج يحتذى به    الإعلام الوطني مُطالبٌ بأداء دوره    حملاوي تدعو إلى تفعيل لجان الأحياء والقرى    وزارة السكن تتحرّك لمعالجة الأضرار    مئات الاعتداءات على شبكة الكهرباء بالبليدة    من نظرية علمية إلى رفيق فعّال في مكافحة السرطان    هذا موعد انطلاق مسابقة بريد الجزائر    التلقيح ضروري لتفادي المضاعفات الخطيرة    المولودية تتأهّل    سيلا يفتح أبوابه لجيل جديد    تحويل 9 ولاة وترقية ولاة منتدبين وأمناء عامين    بطولة الرابطة الثانية:اتحاد بسكرة يواصل التشبث بالريادة    كأس افريقيا 2026 /تصفيات الدور الثاني والأخير : المنتخب الوطني النسوي من أجل العودة بتأشيرة التأهل من دوالا    رقم أعمال سوق التأمين يقارب 100 مليار دينار    تكثيف الوساطة لاستحداث مناصب عمل للشباب    ناصري يشارك في قمّة تمويل المنشآت في إفريقيا بلواندا    إبراز اهتمام الجزائر بالدبلوماسية الوقائية لإرساء السلام في العالم    سطيف..إعادة دفن رفات 11 شهيدا ببلدية عين عباسة في أجواء مهيبة    منع وفد من قيادة فتح من السفر لمصر..93 شهيداً و337 إصابة منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار    مراجعة دفتر شروط خدمات النّقل بالحافلات    المهرجان الثقافي للموسيقى والأغنية التارقية : الطبعة التاسعة تنطلق اليوم بولاية إيليزي    الطبعة ال 28 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب: المحافظة السامية للأمازيغية تشارك ب 13 إصدارا جديدا    المنافسات الإفريقية : آخرهم مولودية الجزائر .. العلامة الكاملة للأندية الجزائرية    مباشرة حملات تلقيح موسعة ضد الدفتيريا بالمدارس    حملات مكثّفة لضبط المخالفين وحماية المواطنين    10 فرق في التجمع الجهوي    الفاشر.. صراع دام بعيد عن أعين الإعلام    ضرورة إدماج مفهوم المرونة الزلزالية    الرياضي الصغير.. بذرة النخبة الوطنية    إصابة محرز وبلغالي قد تخلّط أوراق بيتكوفيتش    حوارات في الذاكرة والهوية وفلسفة الكتابة    نسمات المهجر وطلة الصحراء ووقفات أخرى    دُور نشر تغازل القارئ كمّاً ونوعاً    ميزانُ الحقِّ لا يُرجَّحُ    العلامة الكاملة للأندية الجزائرية    جامعة "بوقرة" ترافع من أجل أسلوب حياة صحيّ وسليم    دعوة إلى ضرورة التلقيح لتفادي المضاعفات الخطيرة : توفير مليوني جرعة من اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية    الشبيبة تتأهل    فلسطين : المساعدات الإنسانية ورقة ضغط ضد الفلسطينيين    إكينور" النرويجي يبدي اهتمامه بمجالات البحث, والاستكشاف    الإطلاع على وضعية القطاع والمنشآت القاعدية بالولاية    الشباب المغربي قادر على كسر حلقة الاستبداد المخزني    شروط صارمة لانتقاء فنادق ومؤسّسات إعاشة ونقل الحجاج    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    ما أهمية الدعاء؟    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    معيار الصلاة المقبولة    تحسين الصحة الجوارية من أولويات القطاع    تصفيات الطبعة ال21 لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصّة رجل الشمس•• أسطورة طاغية وحكايات أخرى لعائد من جانت
أسرار رمليّة لم تكتشف من قبل!
نشر في الفجر يوم 29 - 12 - 2009

تقول المطويات التي يوزعها ديوان الحظيرة الوطنية للتاسيلي بجانت، إنّ منطقة جانت تقع في الجنوب الشرقي الجزائري، وهي عبارة عن واحة صغيرة في إقليم تاسيلي نأزجر، وتقع بين خطي عرض 21 و29 شمالا، وخطي طول 6 و12 شرقا، وبذلك يحدها من الشمال دائرة إليزي ومن الشرق يحدها••• !!!
ما الذي أفعله؟ كأنه درس في الجغرافيا••! جانت، تستحق أفضل من هذا السرد الجغرافي المُمل•• وتستحق أكثر من قلم صحفي نزل إليها بشمسيّة الهارب من فوضى المدينة، قبل ليلة رأس السنة الميلادية، وفي رأسه ''الخبيث'' نيّة استرخاء وفضول الإقتراب من لمّة الأجانب السيّاح، قبل أن يعيده لقاؤه الأول مع صالح أمقران مدير ديوان الحظيرة بجانت إلى جادّة المهنة الصحفيّة••
الخطوة الأولى على الرمل لصحفي من الشمال
أوّل سؤال ''غبي'' بادرت به أمقران، وهو يصطحبني من منطقة الإقامة بإيفري، إلى قلب مدينة جانت، هو ''هل حضر السيّاح الأجانب بكثرة هذه السنة؟؟'' فردّ أمقران بابتسامة خيبة أمل ''السيّاح يأتون من أجل رؤية جانت، والصحافيون يأتون من أجل رؤية السيّاح••'' أحسست هنا أنني ''خسّرِتها''، فحاولت أن أظهر مظهر المهتم بتراث المنطقة، وأن أكسر الصورة الخاطئة التي شكلّها أمقران عنّي، مع أول لقاء معه، فسألته: ''هذه إذن، الطبعة الأولى المرسّمة من مهرجان سبيبا، ماذا تعني كلمة سبيبا؟''•• ابتسامة أمقران هذه المرة اختلفت عن الإبتسامة الأولى، فقد بدا لي راضيا عن تحوّل مجرى الحديث، بعد أن أوصل لي رسالة بأنه هنا من أجل التكلّم عن ثقافة المنطقة وليس من أجل التكلم عن السيّاح•• وأنه يريد أن يقول شيئا، يتمنى أن يسمعه أناس الشمال، لذلك ضربت له موعد حوار مسائي، أكفّر به عن سؤال الصدمة الأولى• وقبل كتابة الحوار دعوني أولا أضع الخطوة الأولى في جانت وأقصّ عليكم قصّة جبرين وأسطورة غاون••
•• أن تكتشف سرا بطعم شاي عين أبربر!
بعقلية السائح الذي تطأ أقدامه أرضا لأول مرّة، فكّرت أن أول باب يمكن طرقه في جانت، هو باب متحف المنطقة، حيث يمكنني أن أتحصل على معلومات تكون بمثابة خارطة سير شفهية للتجول في جانت•• كانت الإبتسامة الصحراوية لإدريس، وهو شاب في مقتبل العمر، كفيلة بمساعدتي على تقمّص دور السائح، خصوصا وأنا أتجول معه داخل أروقة المتحف الصغير الذي - بصراحة - لا يرضي الفضول بقدر ما يشعرك بأنك بين أناس شفهيين أكثر منهم توثيقيين، وهذه حقيقة وقفت عليها أكثر بعد أن أطلعني إدريس على صورة بالأبيض والأسود لشخص اسمه مشّار جبرين أق محمد، وهو الشخصية الأسطورة، التي يعرف عنها الجاناتيّون كل شيء، لكنهم لا يعرفون عنها شيئا••!! يقول إدريس، إن جبرين هو المكتشف الحقيقي لأغلب رسومات ونقوش التاسيلي نازجر، ولد هنا في جانت سنة 1890 وتوفي بها سنة 1981 وفقط!
لا أعرف كم مرّة ذكر إدريس هذه الجملة لزوّار المتحف من قبل، ولا أدري إن كان هذا التعريف قد استفز خيال الزوار أم لا•• كل ما أجزم به هو أن تعريف إدريس المقتضب، لشخص اكتشف سرّ التاسيلي، ولم نسمع به من قبل، هو الذي حملني على جناح التويوتا مساء اليوم ذاته، إلى منطقة عين أبربر (8 كلم عن مدينة جانت)، أين استوطنت عائلة مشّار، وأحفاد جبرين•• في عين أبربر، الكل يعرف الكلّ، وكلّ ما تحتاجه للوصول إلى عائلة مشّار، هو سؤال أي طفل يمر من أمامك، عن بيتهم أو بالأحرى بيوتهم، وهو ما حصل معي بالفعل؛ حيث قادني شاب من المنطقة بكرم، إلى بيت عيسى مشّار، أحد أحفاد جبرين، عرفت بعد لقائه وأخذ رشفات من فنجان القهوة الحاضرة في بيته، أنه نائب رئيس بلدية جانت، كما عرفت أيضا أنها المرة الأولى التي يطأ فيها قلم الصحافة بيته، بل هي المرّة الأولى التي سُئل فيها من طرف زائر عن الجدّ جبرين، مكتشف إرث التاسيلي••

هذا كل ما وثّقوه عن جانت
6000 سنة قبل الميلاد في مهبّ المشافهة
أكبر مشكل يواجه أي متطفل على منطقة جانت، هو غياب المراجع و المستندات التاريخية التي من وسعها تشكيل صورة معرفية في أذهان زوار المنطقة، وكل ما عثرت عليه ''الفجر'' في زيارتها إلى جانت لا يخرج عن إطار ما يلي:
تتكون جانت من ثلاثة أحياء قديمة وهي (أجاهيل، الميهان، زلواز) لم يحسم بعد في تاريخ نشأتها• وتتشابه هذه الأحياء من ناحية البناء السكني، الذي يتميز بالنمط التقليدي، فهي مبنية بحجارة الفرانيت وجذوع النخيل التي نجدها في السقف، وتتوزع هذه القصور على ضفتي واد ''أجرو'' (أجرو بمعنى البحر) وعلى الضفة الشمالية يوجد ''قصر زلواز''، والى الجنوب منها يوجد ''قصر الميهان''، بينما يوجد ''قصر أجاهيل'' على الضفة اليمنى منه؛ إلا أنه ونظراً للتطور الذي عرفته المنطقة أدى إلى ظهور أحياء جديدة وهي (تين خاتمة، إن ابربر، أغوم ، إفري )
يعود تاريخ استيطان منطقة جانت إلى حوالي ستة آلاف سنة قبل الميلاد (6000 ق م) بالاستناد إلى تاريخ النقوش والرسومات الصخرية ؛ أي العصر الحجري الحديث ''النيولتيك''• إلا أن هناك من يجزم بأن المنطقة أقدم من ذلك بكثير، حيث أنها وجدت في فترة العصر الحجري القديم الأوسط باعتبارها مركزا للانتشار الحضاري• فجميع الدراسات التي تناولت موضوع تلك النقوش والرسومات الحجرية تجمع على أن منطقة التاسيلي كانت منذ القدم ملتقى الحضارات الإنسانية القديمة، وبالإضافة إلى هذه الاستشارات عن آثار ما قبل التاريخ توجد معالم أثرية أخرى تدل على استمرارية حضارية بالمنطقة وتتمثل في الحفريات التي وجدت في أماكن مختلفة (غير جبلية)، وهي آثار بناءات أقدم من الأحياء القديمة الثلاثة الموجودة الآن، والتي تم العثور من خلالها على بعض القبور المترسبة فوق بعضها على ثلاثة أو أربعة طبقات• أما تاريخ بناء المدينة فهو قديم نسبيا ولكن لا أحد يعرف وقته بالتحديد•
أصل سكان منطقة جانت، جمع أعراقا متعددة وثقافات متنوعة، فهم ''مزيج من تبَو التَبستي وزنوج إفريقيا المدارية الفرنسية''، وعلاوة على هذه النواة البدائية، انضم السود عبيد الغزوات من إفريقيا الغربية من جهة، وذلك عن طريق قبيلة ''اهضانارن'' الحرة، وتوارق الآجر، امغاد المتمثلين في ''ازجاجاتن'' من جهة أخرى•• ويبقى الإشكال الموجود في أصل السكان صعب الحسم، حيث أن البقايا القصورية ''السكان الذين وجدوا قبلا''، لا يمكن تحديد هويتهم، ولا يمكن إعطاؤهم تسمية قبلية محددة، غير تلك التي تنعتهم بالقصورية، هذا من جهة•
كذلك لا يعرف ما إذا وجدوا في مراكز استقرار قبل القصور أو مع نشأتها من جهة أخرى• والأكثر من هذا أن المعلومات التي استند إليها هؤلاء الفرنسيون في تحديد هوية سكان جانت كانت مأخوذة على لسان شيوخ قبيلة الأهضانارن الوافدة من الآير إلى الواحة•
هذا الموقف أصابني بغرور المستكشف؛ فلبست للحظات قبعة الأركيولوجيين، لكن حميمية الجلسة وسلطة الشاي الصحراوي، أعادتني إلى وضعي الطبيعي، أنا هنا مجرّد سائل فضولي يبحث عن معلومات أكثر عن شخص توجد صورته في متحف هذه المدينة بين نماذج من رسومات ونقوش وكتابات قديمة وآثار تعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد•• شخص كان عين التوثيق الأولى لتراث مادي، شكّل متحفا مفتوحا على الطبيعة تحت سماء مساحتها أكثر من 138 ألف كلمتر مربع، تعادل أكثر من 13 ضعف مساحة دولة لبنان أو حوالي 10 أضعاف مساحة دولة تونس مثلا••
''جبرين''•• رجل الشمس الذي قتله الظل
''نعم؛ والدنا جبرين هو مكتشف رسومات ونقوش التاسيلي''، يقول عيسى، من دون أن أسأله، ويضيف:''كان جبرين أول مرشد سياحي حقيقي في صحراء الجزائر، وهو الدليل الحقيقي لكل ما وثّقه باحث الآثار الفرنسي هنري لوط، في منتصف القرن الماضي؛ حيث دخل لوط صحراء الجزائر ضمن البعثة العسكرية الاستكشافية لجيولوجيا المنطقة، وانبهر بدقة معلومات جبرين وقدرته الكبيرة على التوغّل في قلب الصحراء، وهو ما دفع بالسلطات الفرنسية إلى اعتماده باسم مرشد الصحراء الأول في جامعة الجزائر، كما اعتمد عليه لوط إلى غاية سنوات ما بعد الاستقلال في استكشاف الشريط الصحراوي الممتد من منطقة إليزي (كلم عن جانت) إلى غاية صحراء غات الليبية (200 كلم عن جانت)، نزولا إلى حدود النيجر، في رحلات كرّس لها جبرين سنوات كثيرة من حياته قبل أن يتقاعد عن العمل الميداني في سبعينيات القرن الماضي بعد أن كان أول دليل لتوثيق ما يقارب 15000 رسم ونقش صخري بالمنطقة، حصرت رسميا في 27 جويلية ,1972 واعتبرتها اليونيسكو في سنة 1982 تراثا عالميا•
حديث عيسى مشار، عن التعاون الثنائي بين جبرين الجزائري ولوط الفرنسي في فترة حساسة من تاريخ الجزائر، علق في ذاكرتي وأنا أقلب في رفوف مكتبة ديوان الحظيرة الوطنية للتاسيلي بمدينة جانت، على تواضعها، عن كتابات توثّق لتلك المرحلة، خصوصا ما كتبه هنري لوط•
والغريب في الأمر أن أغلب ما وقعت عليه عيني من صفحات كتبها هنري لوط، تخلو من أي ذكر لاسم ''جبرين أق محمد''؛ حيث يتحدث لوط في مؤلفاته ( رسومات ونقوش الطاسيلي، أو••••) عن الإنجازات التوثيقية التي قادها في عمق الصحراء الجزائريّة، وعن البحوث التي كرس لها شبابه وكهولته، تحت شمس التاسيلي الملتهبة، دون أن يلمح إلى مجهود جبرين الذي رسم لهنري لوط خارطة طريق الاستكشاف، فلم يحظ بأكثر من صورة بالأبيض والأسود في خزانة داخل متحف صغير بجانت• أما نحن فلم نحظ بغير معلومات شحيحة عن الرجل مدعومة ببعض الصور النادرة التي يظهر من خلالها جبرين أق محمد، لأول مرة في الصحافة الجزائرية ( شاهد صور 3 و4 ) • تركت بيت مشّار وعين أبربر لربّ يحمي أسرارهم، وعدت آفلا إلى جانت، عبر طريق معبّد، عن يساري جبل ''تيمبر'' الشامخ كسنان جمل، وعن يميني سلسلة جبال ''تيهرميوين'' وهي تستقبل شمسا حمراء على أهبة الغروب•• هناك أين يرقد رجل الأسرار ''غاون'' وحصانه في قبرين قريبين في مكان قتلا فيه يسمّى اليوم ''وان غاون''•• وأدركني الصباح فسكتت عن الكلام المباح••
''غاون''•• حكاية أسطورة أو أسطورة حكاية
حدّثني بعض أهل جانت قالوا، إن ذاك السور الطيني الأبيض المتواجد بأعلى جبل في قلب قصور عين أجاهيل، بجانت، هو سور يحيط بقصر كان لطاغية اسمه ''غاون''، قيل إنه قدم من إسطنبول في حدود القرن السابع عشر، مبعوثا من طرف الباب العالي العثماني لتمثيل السلطة العثمانية بالمنطقة، وأنه قدم رفقة حاشيته وأقام له ذلك القصر المطل على ''عين أجاهيل'' والماسح لأفق منطقة قصور ''عين الميهان'' شرقا ومنطقة ''إيفري'' جنوبا، وبذلك يتسنى له فرض رؤيته على محيط إقامته• وفي سياق الحكايات الشعبية الشفهيّة التي جمعنا بعض شتاتها في جانت، قيل لنا أيضا إن ''غاون'' هذا، رجل قدم من قبيلة التبستي في التشاد، أو من قبيلة أخرى في النيجر، بعد أن قتل أخاه لسبب ما، واستطاع بجبروته أن يؤسس لنفسه مكانة في جانت، بعد أن تزوج امرأة من قصر الميهان، وأحاط قصره في أجاهيل، بمجموعة من الأتباع، فصار يفرض على أهل المنطقة قانونا ديكتاتوريا وصل إلى حدّ تعذيب وقتل كل من يخالف له أمرا، إلى درجة أنه كان يعذّب حتى القتل، كل من يحمل له طعاما ساخنا جدا أو باردا جدا•• واستمر طغيان ''غاون'' في المنطقة إلى أن حضر فارس من النيجر يدعى ''أق أن تكرباس'' وتحالف مع أعيان قصور الميهان وأجاهيل، وطاردوا ''غاون'' إلى الجهة الغربية من جانت، قبل أن يوقع به رمح فارس اسمه ''تاغدي'' من قبيلة ''إزداجن'' الترفية، فأرداه قتيلا هو وحصانه في منطقة ''تيهرميوين'' غرب ''عين أبربر''••
حكايات أسطورية ومثيرة، سمعتها عن ''غاون''، جعلتني أنزع قبعة الأيكولوجي هذه المرة وألبس قبعة الباحث عن الكنز الأسطوري على طريقة إنديانا جونس، قبل أن ينقذني الأستاذ داده من طيش خيالي، بتفسيراته العلمية والموضوعية، عندما التقيته في إحدى قصور عين الميهان••
يقول الأستاذ بادي داده، الباحث الأنثروبولوجي في مجتمعات الطوارق، والذي يحضّر دكتوراه في هذا الموضوع بجامعة ألمانيا، إن كل الحكايات المحيطة بغاون، على سحرها، قد تسقط بمجرد أن نعرف بأن الأحجار التي بني بها قصر ''غاون'' والسور المحيط به قد تعود إلى عدة قرون قبل الميلاد، مما يسقط الفرضية الأولى التي تنسب عهد غاون إلى الفترة العثمانية، مما يرجح إلى حد ما فرضية قدوم ''غاون'' من النيجر أو التشاد، رغم أن الأستاذ داده، يتحفظ أيضا على صدقية هذه الفرضيات•• وسواء جاء ''غاون'' من النيجر أو من تشاد أو من تركيا، يبقى أن نقول إن أسطورته حدثت في جانت، هذه الجنة التي تركها الله في الأرض، فلم يفله آدم البحث الجزائري في اختراقها بعد••
محافظ مهرجان السبيبا ومدير الحظيرة الوطنية للتاسيلي أمقران صالح••
لسنا فرجة للسيّاح، والسبيبا مهرجان تراثي وليس فلكلورا
نسعى لتصنيف السبيبا ضمن التراث العالمي غير المادي
نشهد هذه الأيام الطبعة - المرسمة - الأولى من مهرجان السبيبا•• لماذا هذا التأخر في ترسيم مهرجان عمره مئات السنين ويعتبر أهم طقس شعبي في منطقة جانت؟
كما تعلم، المهرجانات المرسمة هي فكرة حديثة العهد في الجزائر، بدأت منذ أربع أو خمس سنوات فقط، حيث قررت وزارة الثقافة تقديم الوسائل المادية من أجل استمرار هذه العادات الثقافية التي تزخر بها الجزائر والتي تمثل في النهاية هوية الأمة• وعندما نقول الجزائر بلد كبير بحجم قارة، لسنا نقصد بذلك المساحة فقط أو التضاريس وإنما التراث أيضاً•• ولهذا تتنوع التظاهرات الثقافية في الجزائر حسب المناطق، غير أن الجميع يصب في رافد واحد هو التراث الجزائري•
أما عن الترسيم فلسنا متأخرين•• مهرجان السبيبا ترسم في سنة 2009 كمهرجان ثقافي محلي، والهدف من هذا الترسيم وعلى خلاف المهرجانات الثقافية الأخرى هو التأكيد على خاصية التراث، وليس المنحنى الفلكلوري الذي لصق بالسبيبا، عموماً السبيبا عادة متأصلة هنا لدى جموع قبائل جانت وطقس شعبي عريق - كما ذكرت - وهناك فرق محلية وجمعيات تحافظ على التراث منها فرقة السبيبا نفسها، ولكن للأسف دخلت في نطاق فلكلوري بحت•
إذن؛ أنت ترفض أن تؤول الأمور الثقافية والتراثية إلى مجرد عروض فلكلورية تستضاف في مناسبات للرقص والغناء فقط؟
نعم؛ الترسيم هو إعادة الاعتبار لهذا التقليد الشعبي وضمان الاستمرارية للتظاهرات ومساعدة حاملي التراث في الاحتفاظ بالخاصية التراثية التي تخصهم دون غيرهم•• حيث؛ يجب أن نقر أن تطور وسائل الإعلام والاتصال في العالم قد لا يكون في صالحه والعكس صحيح، لذا من المهم الالتفات إلى الخصوصية الثقافية التي تحملها هذه المناطق العميقة من الجزائر•

هل تطمحون إلى ترسيم السبيبا مهرجانا دوليا في الطبعات القادمة؟
حسنا؛ سأذهب مباشرة إلى الهدف الرئيس من ترسيم المهرجان، نعم نطمح إلى تصنيف السبيبا ضمن التراث غير المادي العالمي، علماً أن تراث الأهليل هو الوحيد المصنف عالميا، ووجود فرق الأهليل بيننا اليوم في احتفاليات السبيبا لم يكن اعتباطاً•
أهل المنطقة، الذين تسميهم بحاملي التراث، والذين قلت إنهم بحاجة إلى مساعدة وزارة الثقافة من أجل ضمان تظاهرة واحدة في السنة•• هل يفكرون في بعث المهرجان إلى العالمية كما تفكّر إدارة الحظيرة الوطنية بجانت؟؟
حتى وإن لم يفكروا•• سيضيف لهم هذا التصنيف الكثير•• حظيرة التاسيلي مصنفة منذ سنة 1972 ضمن التراث المادي الطبيعي، وهذا مكسب سوف لن يؤكد عليه شيء عدا التراث غير المادي الذي هو روح الشيء وقلبه النابض، وربما التراث غير المادي هو الشاهد الوحيد الذي لا يزال حياً ونابضا بالحياة••
نعود للحظيرة الوطنية للتاسيلي التي تتربع على مساحة تفوق 135 كلم مربع• هل هذه الشساعة تعيق عملية التسيير؟؟
تتربع حظيرة التاسيلي على مساحة 5,138 كلم مربع بالضبط، وهي متواجدة في المنطقة الجنوبية لولاية إليزي ويشرف على تسييرها ديوان الحظيرة، وتقوم هيكلة الديوان على إدارة مركزية بجانيت وثلاث نيابات موزعة بين جانيت واليزي وبرج الحواس• بدورها هذه النيابات تضم مراكز للمراقبة والحراسة، كما أننا نستعمل طرق تكنولوجية متقدمة من أجل الحفاظ الجغرافي للحظيرة، كما أننا ضاعفنا عدد مراكز المراقبة والحراسة على مستوى إقليم الحظيرة••
هذا يعني أن الحظيرة تكلف الوزارة الوصية ميزانية ضخمة؟
ميزانية الحظيرة مقسمة بين ميزانية التسيير وميزانية التجهيز، وقد استفادت سنة 2005 من دعم خاص ووسائل تقنية للمراقبة• وهناك عمليات مسجلة فيما يخص ميزانية التجهيز ذهبت إلى وسائل النقل الخاصة بالعمل وبناء المراكز المراقبة والحراسة•
(أمازحه في النهاية) هل حضر السيّاح بقوة هذه السنة؟؟
(يضحك أمقران ولا يعلّق••)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.