قال رئيس وزراء باكستان في فرنسا: "إن المجتمع الدولي الآن في طريقه إلى أن يخسر الحرب مع طالبان"! جاء هذا التصريح الصريح من رئيس وزراء باكستان بعد تسريب موقع "الويكي" لمعلومات ووثائق عددها بالآلاف تتحدث عن مساعدات تكون قد قدمتها باكستان للطالبان في حربها ضد القوات المتحالفة! بطبيعة الحال كلام رئيس وزراء باكستان لا يمكن أن يرقى إليه الشك.. فالرجل لا يشك في ولائه للغرب.. وقد جيء به لخلافة مشرف الذي قيل إنه استهلك ولم يعد باستطاعته مساعدة الغرب في مواجهة الطالبان في بلاد الأفغان. نعم ما يقوله زرداني حقيقة اعترف بها الأمريكان قبله وإن كان هذا الاعتراف جاء على استحياء وعبر الدعوة إلى فتح حوار مع طالبان المعتدل! طالبان صناعة باكستانية أمريكية قبل وصولها إلى السلطة في بلاد الأفغان! ولهذا فإن باكستان وأمريكا هما الدولتان الأكثر دراية بهذه الحركة في بلاد الأفغان وفي بلاد باكستان أيضا! لكن يجب أن نعترف بأن السلطة في باكستان قد تصرفت بحكمة لا مثيل لها في تعاملها مع الحرب الأفغانية الأمريكية.. فطالبان كانت هي الحاضنة الأساسية للجماعة التي ضربت أمريكا في 11 سبتمبر ضربة موجعة لم تتعرض لها الولاياتالمتحدة في تاريخها ولهذا لم يكن باستطاعة باكستان أن تعارض أمريكا في غزو أفغانستان وتصفية طالبان.. وفي هذه لعب مشرف الدور الثاني في تسيير الأزمة والحرب في بلاد الأفغان.. فمن جهة ساعد أمريكا في الوصول إلى احتلال بلاد الأفغان.. ولكنه لم يتخل عن الطالبان التي تمثل عمقا استراتيجيا لباكستان لا يمكن التفريط فيه. وكان مشرف قد نصح الولاياتالمتحدةالأمريكية بعدم التورط في بلاد الأفغان وترك الأمر لباكستان تعالجه بالطريقة التي تراها مناسبة.. ولكن أمريكا لم تنتصح لأن الثور الهائج كان لا بد أن يجد جسما يفرغ فيه هيجانه بعد 11 سبتمبر. هزيمة أمريكا والمجتمع الدولي في بلاد الأفغان هو في الحقيقة قوة مضافة لباكستان ولدورها في المنطقة.. خاصة في مواجهة الهند، وخاصة بعد أن لوحت الدول الغربية في المدة الأخيرة بإمكانية ضم الهند إلى مجلس الأمن على حساب باكستان، وهزيمة المجتمع الدولي أمام طالبان يعني أن أمر بلاد الأفغان لا يمكن أن يستقر إلا بالمرور عبر إسلام آباد..! وهذه معطيات جديدة تدخل في ترتيبات العالم الأمنية. لهذا فإن نصر طالبان على أمريكا في كابول هو نصر لباكستان على الهند الذي يراد لها أن تلعب الدور الرئيسي في أمن المنطقة! قد تكون التسريبات الأمنية الأخيرة حول علاقة باكستان بطالبان الهدف منها تبرير هزيمة الحلف الأطلسي في أفغانستان.. بنسبة هذا النصر إلى دولة نووية مثل باكستان.. وقد يكون التسريب أيضا اعترافا دوليا بالدور المحوري الذي تلعبه باكستان في أمن المنطقة. الأكيد أن باكستان تعاملت مع الحرب في أفغانستان بما يخدم المصلحة الوطنية لباكستان كدولة محورية في المنطقة.. عكس ما تصرفت به دولة مثل مصر في موضوع المقاومة الفلسطينية حيث عمدت مصر إلى تصفية أو المساعدة على تصفية أي شكل من أشكال المقاومة العربية سواء في فلسطين أو في العراق.. وهو ما جعل مصر تفقد دورها في المنطقة تماما! فماذا لو تصرفت مصر مع المقاومة سواء في فلسطين أو في العراق أو حتى في لبنان بنفس الطريقة التي تصرفت بها باكستان مع طالبان؟! ألا يكون وضع العرب في التفاوض مع إسرائيل أفضل ألف مرة مما هو عليه الآن؟! إن الذي يلقي سلاحه ويتفاوض من موقع الاستسلام يكون فقط مؤهلا لاستقبال شروط الاستسلام وليس التفاوض وهو الوضع الذي أوصلت إليه مصر الحالة العربية أمام إسرائيل الآن بتشجيعها عملية تصفية المقاومة قبل التفاوض! ها هو زرداني يقول بافتخار: إن المجتمع الدولي في طريقه إلى خسارة الحرب أمام طالبان! ولا يخاف من أمريكا ومن المجتمع الدولي.. وها هي إيران تقول: إن الاستقرار في العراق يمر عبر طهران وليس واشنطن أو أية عاصمة أخرى! وها هو لبنان الصغير بحجمه والكبير بإرادته يجبر إسرائيل على المبادرة بأن تشتكي لبنان إلى مجلس الأمن! وهي حالة لم تفعلها إسرائيل طوال تاريخها مع أية دولة عربية! وها هي مصر التي تنازلت عن فلسطين مقابل أخذ سيناء منزوعة السلاح وبلا سيادة عليها تعجز حتى عن مراقبة أمن سيناء.. وتعجز عن تحديد موقع إطلاق الصواريخ نحو الأردن من أراضيها في سيناء ودون أن تعلم بذلك!؟ وعندما تصبح سيناء منطقة خطر على المنتجعات السياحية المصرية والأخرى الأردنية والإسرائيلية فذلك يعني أن مصر لم تعد تتحكم في أي شيء في المنطقة.. وأن ما يتخوف منه الإسرائيليون من إمكانية تعرض المنطقة إلى فلتان أمني يصبح حقيقة! إن هزيمة المجتمع الدولي في بلاد الأفغان يعطي قوة لباكستان لأن تتحول إلى قوة إقليمية مطلة على بحر العرب وقريبة من الخليج يمكن أن يعول عليها في ترتيبات أمنية جديدة تخص المنطقة.. وهزيمة أمريكا في العراق ورحيلها منه يعطي قوة لإيران لأن تتحدث مع المجتمع الدولي باسم إيران والعراق معا.. ودخول تركيا بمواقفها الجديدة في بلاد الشام يمكن أن يعطيها قوة لأن تتحدث كقوة رائدة في المنطقة! فأين العرب من كل هذا؟! إنهم لا شيء.. فالترتيبات الجديدة في المنطقة صنعتها وتصنعها الحرب.. والعرب الذين آمنوا بالسلام المبني على الاستسلام لا مكان لهم في الحرب ولا حتى في السلام.. لأن من يخاف الحرب لا يتمتع بالسلام أبدا!