من أين أتى بشار الأسد بكل هذه القوة والثقة بالنفس التي بدت عليه في خرجته الإعلامية الأخيرة؟ في الوقت الذي راهن فيه الجميع على سقوط وشيك للرجل ونظامه وحتى دولته، بعد المجازر المرتكبة في حق الشعب السوري، وبعد الاتهامات بين النظام والجيش الحر كل للآخر بارتكاب المجازر المروعة في سوريا. بشار الأسد يمد يده للحوار مع المعارضة، ويرى أنه الحل الوحيد الذي بقي أمام الجيش الحر والمجلس الانتقالي الذي تسوده الفوضى والانشقاقات. فمن أين أتى الأسد بكل هذه القوة، وهذه الثقة في النفس؟ وهل حل الحوار فكرته الشخصية، أم أوحى له بها الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الأممي المكلف بحل الأزمة السورية، والذي زار مؤخرا سوريا والتقى بالأسد؟ هل أقنع الإبراهيمي الأسد بأنه لا جدوى من المجازر، وأن حل الأزمة السورية الوحيد هو الجلوس إلى طاولة الحوار. فكل النزاعات مهما كانت حدتها ودرجة الكراهية بين أطرافها، لابد أن تمر بالجلوس إلى الطاولة وبحث مخرج يحفظ ماء وجه الجميع. العارفون بتاريخ الإبراهيمي وعلاقاته الدولية، يقولون إن اختيار الإبراهيمي بالذات لهذه المهمة، دليل على أن المخطط الدولي المدعوم من قبل قطر والسعودية، والهادف إلى إسقاط نظام بشار وتفتيت سوريا الدولة قد باء بالفشل، بعد أن أظهر النظام السوري قوة وتشددا غير مسبوق، ساعده في ذلك الموقف الروسي، الإيراني والصيني، الذي ما زال يدعم نظام بشار ويحميه من أي تدخل دولي مثلما حدث في ليبيا. وجود الأخضر الإبراهيمي في حد ذاته وتكليفه بهذه المهمة دليل على أن أطراف النزاع الأخرى المعادية لبشار وخاصة السعودية، اعترفت بأنه لم يعد بإمكانها إسقاط نظام بشار، وبالتالي أرسلت الإبراهيمي ليغطي على هذا الفشل ويحاول إصلاح العلاقة بين المملكة، وبين النظام السوري، ويجد حلا آخر يعوضهم عن الخسارة ويحفظ لهم ماء الوجه، فالرجل -أي الإبراهيمي - هو رجل السعودية أكثر منه رجل الجزائر مثلما يعتقد. فلكي تصل "الثورة" إلى بشار لابد من إبادة ما لا يقل عن مليوني سوري ولن يسقط بشار وحده في هذه الحالة، بل الذي يسقط هي سوريا بكل تركيبتها الاجتماعية من أشوريين وأكراد، وشيعة وسنة وعلويين وغيرهم. وربما السبب الآخر للعودة القوية لبشار، الإعلامية على الأقل، لأن قوته على الأرض لا غبار عليها والمجازر المقترفة من قبل الجيش النظامي دليل على شدة بطشه، هو التمزق الحاصل في المجلس الانتقالي، الذي غاب كليا عن الواجهة، تاركا المكان إلى الجيش الحر، الذي دخل في دوامة عنف مضاد أنستنا مجازر الجيش النظامي.