تحديد هوية الإرهابيين المقضي عليهما    تجربة الجزائر في تمكين الشباب والمرأة امتداد لمسار تاريخي    رئيس الجمهورية يرسم السيد غريب وزيرا أول ويكلفه بتشكيل الحكومة    التزام ثابت ومقاربات فعّالة لخدمة القارّة    إفريقيا لم تعد تقبل بالأمر الواقع    شركات جزائرية تشيد بالفرص المتاحة    معرض الجزائر سيسهم في سد فجوات تنموية    غزّة في أسوأ وضع إنساني    غالي يدعو إلى الضغط على المغرب    خطة صهيونية لتهجير فلسطينيي غزّة    برنامج دعم وتمويل المشاريع الجمعوية الشبابية لسنة 2025: تأهل 81 مشروعا    المنيعة: تخصيص أكثر من 50 نقطة لبيع الكتاب المدرسي    القضية الفلسطينية : بوغالي يرحب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة "إعلان نيويورك" حول حل الدولتين    أمطار رعدية مرتقبة بعدد من ولايات جنوب الوطن الاحد والاثنين    حيداوي يزور المخيم التكويني للوسيط الشبابي للوقاية من المخدرات بمخيم الشباب بالجزائر العاصمة    سوق أهراس تستقبل الموروث الثقافي لولاية إيليزي    هزة أرضية بشدة 6ر3 بولاية البليدة    البطولة الإفريقية للأمم لكرة اليد لأقل من 19 سنة إناث: المستوى الفني كان "جد مقبول"    توقيع عقود شراكة خلال أيام المعرض فاقت 48 مليار دولار    ضبط أزيد من 2 كلغ من الكيف المعالج    خنشلة : توقيف 03 أشخاص و حجز 1000 قرص إكستازي    توقيف شخص و حجز 10ألاف مؤثر عقلي    الأولوية الآن بالنسبة للفلسطينيين هي حشد الاعتراف"    الرابطة الأولى "موبيليس" (الجولة الرابعة): النتائج الكاملة والترتيب    لا دعوى قضائية من مالي ضد الجزائر    ماكرون في عين إعصار غضب "الخريف الفرنسي"    قسنطينة: مشاركة مرتقبة ل10 بلدان في الطبعة ال13 للمهرجان الثقافي الدولي للمالوف من 20 إلى 24 سبتمبر    "مدار" توقّع مذكرة لتصدير السكر إلى ليبيا    تسريع وتيرة إنجاز صوامع تخزين الحبوب عبر الولايات    إصابة آيت نوري تتعقد وغيابه عن "الخضر" مرة أخرى وارد    آدم وناس يسعى لبعث مشواره من السيلية القطري    عوار يسجل مع الاتحاد ويرد على منتقديه في السعودية    متابعة لمعارض المستلزمات المدرسية وتموين السوق    قتيلان و10 جرحى في انقلاب حافلة    وفاة سائق دراجة نارية    التحضير النفسي للأبناء ضرورة    معرض التجارة البينية الإفريقية: نتائج طبعة الجزائر تؤكد استعادة إفريقيا لزمام المبادرة الاقتصادية    إشادة ب"ظلّ البدو" في مهرجان تورونتو    حفر في الذاكرة الشعبية واستثمار النصوص المُغيَّبة    "سفينة المالوف" تتوج الدورة ال13 للمهرجان الدولي بقسنطينة    المهرجان الدولي للرقص المعاصر يعزف "نشيد السلام"    مشاريع سينمائية متوسطية تتنافس في عنابة    «نوبل للسلام» يقين وليست وساماً    مؤسّسة جزائرية تحصد الذهب بلندن    بقرار يتوهّج    آيت نوري ضمن تشكيلة أفضل النجوم الأفارقة    الديوان الوطني للحج والعمرة يحذر من صفحات مضللة على مواقع التواصل    البرلمان بغرفتيه يفتتح دورته العادية الإثنين المقبل    الفنان التشكيلي فريد إزمور يعرض بالجزائر العاصمة "آثار وحوار: التسلسل الزمني"    الديوان الوطني للحج و العمرة : تحذير من صفحات إلكترونية تروج لأخبار مضللة و خدمات وهمية    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    حج 2026: برايك يشرف على افتتاح أشغال لجنة مراجعة دفاتر الشروط لموسم الحج المقبل    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    فتاوى : زكاة المال المحجوز لدى البنك    عثمان بن عفان .. ذو النورين    شراكة جزائرية- نيجيرية في مجال الأدوية ب100 مليون دولار    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في وداع الوحدة العربية
نشر في الفجر يوم 28 - 12 - 2013

إلى الحالمين بعودة الخلافة وتوحيد المسلمين في دولة واحدة.. دعني أروِ قصة أو بالأحرى مأساة وحدة أخرى أقل حجما وأصغر طموحا حلمت بها الأجيال العربية طوال القرن العشرين، وأعني ”الوحدة العربية”.
في مطلع القرن العشرين كانت أمنية النخب في المشرق العربي تتبلور حول الاستقلال عن السلطنة العثمانية وإقامة دولة قومية عربية. وتحت هذا الشعار قامت ”الثورة العربية الأولى” عام 1916 التي انتهت، لا بقيام دولة عربية كبرى، بل بتقسيم المشرق العربي إلى خمس دول.
لم يقضِ هذا التقسيم على حلم الوحدة العربية، ولكن النضال من أجل الاستقلال والتخلص من الانتدابات والاحتلال الأجنبي تقدم عليه. وكانت أولى الخطوات العملية نحو تحقيقه قيام جامعة الدول العربية التي انتعشت لقيامها قلوب العرب. إلا أن نكبة فلسطين أتت لتدفع بالفكر السياسي العربي مجددا نحو صيغة جديدة للوحدة انطلاقا من مقولة إن ”التغلب على إسرائيل يتطلب توحيد هذه الكيانات الوطنية العربية في كيان قومي واحد ودولة موحدة للطاقات البشرية والعسكرية والاقتصادية”. وراحت الحركات والأحزاب القومية (كالبعث والقوميين العرب) تجتذب النخب العربية في المشرق والمغرب. ثم كانت الحقبة ”الناصرية” التي تحققت خلالها الوحدة بين مصر وسوريا وكاد العراق ينضم إليها. إلا أن هذه الوحدة الواعدة لم تدم أكثر من سنتين وانتهت لا بانفصال البلدين العربيين فحسب بل بنشوب نزاعات القوى والأحزاب التي ترفع شعار الوحدة كالناصريين والبعثين العراقي والسوري والقوميين العرب. وانتهت هذه المرحلة بهزيمة 1967 وانفكاك الوحدة المصرية - السورية، لتبدأ صفحات جديدة من النزاعات بين الدول العربية وليتضاعف عدد الكيانات العربية المستقلة والحريصة على سيادتها، والتي لا تتذكر انتماءها القومي العربي إلا في اجتماعات جامعة الدول العربية والقمة العربية الدورية، التي تنتهي عادة ببيانات مخيبة لآمال الشعوب العربية وكاشفة عن حقائق مرة، يمكن تلخيصها بأن ما يفرق بين الدول العربية هو أكثر وأعمق مما يجمعها، حاضرا ومستقبلا.
وتماشيا مع منطق تحميل الآخرين مسؤولية النكبات والفشل (نظرية المؤامرة) تحول الفكر الوحدوي من القومية إلى الاشتراكية ونظرية المقاومة الفلسطينية المسلحة التي انتهت إلى ما انتهت إليه في الأردن (أيلول الأسود) وفي لبنان (الحرب الأهلية والاحتلال السوري للبنان). ولم نجد في السنوات الأخيرة سوى الدين والجهاد والشريعة سبيلا - أو ذريعة - لتوحيد الشعوب العربية والإسلامية وتحريرها وإنقاذ الأمة، وصولا إلى ما سمي بالربيع العربي الذي لم يعرف، بعد ثلاث سنوات على إهلاله، من هو - أو هم - المنتصرون فيه: الإسلاميون أم الليبراليون الديمقراطيون أم العسكر؟ هذا إذا كان هناك انتصار ومنتصرون؟!
أمام هذا الأفق المجهول أو النفق المسدود الذي وصل إليه مصير العرب، وبدلا من أن يحاسب كل مجتمع بل وإنسان عربي نفسه ويشرع عقله وعلمه ليكتشف سر النكبات والفشل والعجز، نشهد حروبا وانقسامات جديدة داخل معظم الدول العربية: في اليمن ولبنان والعراق وليبيا والسودان وسوريا، وإلى حد ما في مصر، تحمل عناوين جديدة كالدين والطائفية والمذهبية والعرقية والإقليمية والعشائرية، تنذر بمضاعفة عدد الدول العربية والإسلامية، لا بتوحيدها أو اتحادها أو حتى تحسين علاقاتها ببعضها. هكذا بدلا من أن يؤدي التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي في معظم أرجاء العالم العربي إلى توضيح وإنارة معالم طريق الإصلاح والتقدم والحضارة أمام الإنسان العربي، نراه اليوم غارقا في نزاعات تمزق الأمة العربية وسالكا دروب المقاومة والجهاد والإرهاب والمعاداة للعالم، مما جعل الغرب والشرق والمجتمع الدولي في حالة تخوف وعداء مجاني للعرب والمسلمين.
كلا.. إن خلاص أو تحرير أو نهوض الإنسان العربي لن يكون على يد الآخرين، ولن يكون بالهرب إلى الأمام وبتبديل عناوين وشعارات المعارك المصيرية التي يخوضها كل عشر سنوات، ولا بالارتماء في أحضان آيديولوجيات سياسية دينية أو مادية، مؤملا أن تحمل إليه خلاصه.. بل بمراجعة الذات ومحاسبتها ونقدها بكل ما توفره الحضارة الحديثة من وسائل، للمعرفة والتحليل، للعثور على مكمن العلل وحقيقة المشاكل التي تعاني منها المجتمعات العربية، وليكتشف الطريق الواقعي والعملي لمعالجتها وحلها، ومن ثم الإقدام على خطوات جريئة تحطم القيود والعقد والأوهام والأحلام التي تكبل العقول والنفوس العربية، ولا سيما تلك الأخيرة التي تعيده إلى نزاعات عمرها ألف وأربعمائة سنة إلى الوراء.. في زمن بات الإنسان فيه يمتلك الكومبيوتر والهاتف الجوال والفضائيات التلفزيونية ويتجول بين القمر والمريخ. إن الوحدة العربية تبدو اليوم أمنية ضائعة بل ومستحيلة التحقيق، ولكن تفتت الأمة العربية إلى دول متخاصمة، ومن ثم إلى كيانات وطنية متفككة أو على أهبة التفكك أو على شفير حرب أهلية، ليس دليل عافية ولا مؤشرا على مستقبل واعد. والسبيل الأضمن لبناء إنسان عربي جديد ومجتمعات عربية حية وفاعلة ومساهمة في بناء حضارة القرن الحادي والعشرين، هي ما ترسمه الشعوب لأنفسها عبر النقاش السياسي الحر والديمقراطية، حتى ولو طالت حقبة إرساء قواعدها السليمة.
فلنطوِ الأحلام الوحدوية السعيدة ومعها الآيديولوجيات على أنواعها، ولنمارس الحرية والنقد الذاتي والإصلاح الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، كل دولة في نطاقها الوطني، لكي تتمكن الشعوب من اختيار مصيرها بوعي ومسؤولية. نحن بحاجة إلى إنسان عربي جديد، لا لأحلام وحدات في عالم تساقطت فيه الحدود بين الدول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.