تلك هي العبارة الدقيقة التي أرادها الروائي حنا مينة وهو يقدّم لمجموعة ''في الليل تأتي العيون'' للروائية والقاصة الكويتية ليلى العثمان، التي وعدت قارئ الأثر ''التوقّف السندويتشي'' عندها، على خلفية تلك القيم الذّوقية والجمالية والأخلاقية التي تنشرها ''المطالعة المنزلية'' في صاحبها، ولأن الإنسان هو محور هذه المجموعة القصصية، من حيث تراه الكاتبة ليلى العثمان أنّه ما سوف يكون وليس ما هو كائن، ''الإنسان الذي نرفعه إلى أعلى أو نهبط به إلى أسفل''، بما يتكوّن فينا من مبادئ عليا، نلخّصها في ''أنمذجة الإنسان الآتي'' في مواجهة رعونة الموروثات والتقاليد التي حمّلناها الهالات القدسية، إلى أن تحوّل الحاضر إلى بقايا أشياء على أنقاض الماضي· هذا الإنسان الذي يبقى المادة الأساسية للحياة القادمة في مجتمعاتنا، هل نريده أعور الذّاكرة أم مبصرا، موسوم المعاني والأشكال الأرجوانية والظّليلة، في مناخات حرّة المسبح والفضاء، أم المتكلّس بالردوم والفجوات السحيقة، ذلك المتحرّر من غرغرة الدهاليز في دورة الصّراع بين الماضي والقادم، المنطلق بتفوّقه في الثقافة وقيم العمل، لا ذلك الإنسان الذي يكابد فينا خوار الإرث وتعقيد الحلم، المتعطّش للتلذّذ بالعطش المعرفي وجلد الذّات بالكمّمات، إلى أن أصبح نوع هذا الانسان، كما تقول ليلى العثمان: ''ليس ملاكا ولا إنسانا'' في الآن· إنّ الخلاص الفردي يصبح معادلا موضوعيا للمعيش المفقود، لا يحترز من لدغ الأفاعي في استلابها داخل ''عبث المدينة'' وهي تتأشكل بصدامات عنيفة، تطرح أسئلة مضادة، توصل بالضرورة إلى ''تحدّيات الفن'' باعتباره القادر الوحيد على تشكيل الوعي بالحياة الجديدة والحلم الجديد والمتخيّل الجديد، دون إغفال لوعة التّشبّث بالصدق والإدانة، في وجه ظلام الليل العاري من الإضاءة والألوان والسّكينة، حتى لا تنجرف الحياة مرّة أخرى في وقائع الواقع المتسلّط بالجبريّة والأحجار والمتاريس و''نقاط التّفتيش المغشوشة''· ما أجمل إذن ما تحمله القراءة في المتون العصيّة على الاجتثاث، وسط رياح العواصف والظّواهر الطبيعية الجديدة، من خلال ما نفقده باستمرار، في تلك الصناديق الحافظة الصّغيرة، تلك الطفولة التي ستكون هي ''الإنسان القادم'' في عوالم الكتابة والحلم والحياة، عوالم تخلو من العثرات والطرق المسدودة والرؤوس اليابسة، للإنسان الذي هو ''ليس ملاكا ولا إنسانا''· هذه القراءة في الحياة، هي قراءة في كتاب أو مطالعته، بما يضمن استمرار الوجود النّقي والجارح و الأدب النّقي والجارح، حيث هجاء القهر العائلي والجهر بمحنة المرأة العربية المحكومة بالخوف، كما قال الناقد عبد اللّطيف الأرناؤوط وهو ينتقي ألماس الإبداع في كتابات هذه الأديبة الكويتية ''ليلى العثمان'' المتّهمة ب: (خدش الحياء العام) !!؟·