أبهر شاطئ فلاح رشيد بعنابة، الوفود الإفريقية والضيوف الرسميين، حين تحوّل إلى مسرح مفتوح لمنافسات التجديف المدرسي، ضمن الألعاب الإفريقية المدرسية 2025، مؤكّدًا جدارته كوجهة رياضية بحرية من الطراز الأول. انطلقت فعاليات التجديف، أول أمس، الاثنين، وسط أجواء تنظيمية محكمة، أشرفت عليها اللجان المختصة بالتنسيق مع السلطات المحلية والأمنية، وقد سجّل والي ولاية عنابة، السيد عبد القادر جلاوي، حضوره الميداني منذ الساعات الأولى، حيث عاين منطقة التنافس، واطّلع على ظروف سير السباقات، واستمع لتقارير ميدانية حول الجاهزية اللوجستية والتأطير التقني، وقد أثنى على هذه الديناميكية المدرب الفرنسي (فانسون تاسوغي)، الخبير والمدرب السابق للمنتخب الوطني الجزائري للتجديف، بتصريح مهم قال فيه: "الطقس جيد، حتى مع وجود الرياح يمكننا التكيّف، شاطئ عنابة من أفضل الأماكن لممارسة التجديف الشاطئي في الجزائر. لقد أُعجبت بالتنظيم، وبحماس المشاركين". هذا التصريح أكّد ما لمسه العديد من المتابعين والمشاركين، الذين أشادوا بجمالية الموقع وتناسق الإجراءات التنظيمية مع خصوصية هذا النوع من الرياضات، وقد مثل شاطئ فلاح رشيد اختبارًا حقيقيًا لقدرات عنابة على تنظيم منافسات مفتوحة، في بيئة طبيعية لا تخلو من التحديات التقنية والمناخية. وفي موازاة التنافس الرياضي، تحوّل الموقع إلى نقطة جذب سياحي مصغرة، حيث استمتع الجمهور بمنظر البحر والمنافسة في آن معا، ما جعل التجديف هذه السنة أكثر من مجرد رياضة، فقد كان عرضًا فنيًا ومغامرة في قلب الطبيعة الجزائرية. وأكد أحد أعضاء اللجنة الفنية أن اختيار شاطئ فلاح رشيد لم يكن اعتباطيًا، بل استند إلى معاينات ميدانية دقيقة، أظهرت أن الشاطئ يجمع بين العمق المناسب، والتيارات الهادئة، وسهولة تأمين خط سير المشاركين. وبهذا الأداء التنظيمي والتفاعل الرياضي، يكون شاطئ فلاح رشيد قد وقّع حضوره القاري بقوة، وفتح الباب لاحتضان منافسات بحرية مستقبلية أخرى، تكرّس مكانة عنابة كقطب رياضي وسياحي متكامل. جلاوي وبراف يرسمان تكتيك التنظيم رؤية محلية تدعم الحلم القاري برز والي عنابة عبد القادر جلاوي، ورئيس جمعية اللجان الوطنية الأولمبية الإفريقية مصطفى براف، كعنصرين محوريين في ضبط إيقاع التنظيم العام للألعاب الإفريقية المدرسية 2025، التي تحتضنها عنابة بروح إفريقية وعين جزائرية ثاقبة. فمنذ اليوم الأول، بدا واضحًا أنّ الرجلين لا يكتفيان بالمراقبة من بعيد، بل ينزلان إلى الميدان، يُعدّلان، يُشرفان، ويتابعان التفاصيل الدقيقة، بدءًا من جاهزية المرافق، إلى الاستقبال البروتوكولي للوفود الإفريقية، مرورًا بتسيير تنقلات الرياضيين، وصولًا إلى تأمين ظروف التنافس النزيه. جلاوي.. رجل الميدان والقرار لم يكن الوالي، مجرّد ممثل إداري للسلطة المحلية، بل لعب دور المنسّق العام على الأرض، خرج من مكتبه ليتابع المنافسات بنفسه، ويتحدّث إلى الشباب المتطوّعين، ويستمع لانشغالات المنظّمين، بل ويأمر فورًا بحلول آنية لأيّ طارئ، حتى في ساعات متأخّرة من الليل، شوهد يتنقل بين القاعات والمرافق، يطمئن على الترتيبات وكأنّ النجاح مسألة شخصية بالنسبة له. براف: الحضور البارع في صمت وفعالية أما مصطفى براف، رئيس جمعية اللجان الوطنية الأولمبية الإفريقية، فحضر بخبرته الطويلة في إدارة الأحداث الرياضية الكبرى، وظلّ يراقب بعين خبير يعرف متى يتدخل، وحيث يوجّه النصح، دون أن يفرض نفسه، دعمه الصامت أضفى بعدًا دوليًا على التظاهرة، كما أنّ تواصله مع الاتحادات الإفريقية واللجان الأولمبية المختلفة زاد من زخم التغطية الإعلامية وصدى الحدث في الخارج. تكتيك جزائري بخبرة قارية النجاح لم يكن وليد الصدفة، تكتيك التنظيم الجزائري، اعتمد على فهم متقدّم لرهانات هذه الدورة، خاصة وأنها تسبق ألعاب غانا 2027، ما جعلها بمثابة اختبار للقدرة الجزائرية على احتضان تظاهرات كبرى مستقبلًا، التنسيق بين الجهوي والمركزي، بين الرياضي والمؤسّساتي، صنع الفارق، وخلق نموذجًا قد يُحتذى به. .. حين تتحول مدينة إلى ملعب قاري تحوّلت عنابة بفضل هذا التكتيك إلى ملعب قاري مفتوح، تتقاطع فيه الضيافة بالاحتراف، ويذوب فيه الرسمي بالشعبي، طلاب، متطوعون، عناصر الأمن، أطر الصحة، والرياضيون أنفسهم... كلّهم لعبوا ضمن خطة تكتيكية أوسع، كان عنوانها "الجزائر تعود بثقة، إفريقيا تثق بالجزائر". في ضيافة المتوسط... الرياضيون يكتشفون وجه عنابة العتيق سطّرت مديرية الثقافة لولاية عنابة، مسارًا سياحيًا ثقافيًا مرافقًا للألعاب الإفريقية المدرسية، يجمع بين روح التنافس الرياضي، وعبق الحضارات المتجذّرة في المدينة. انطلاقًا من إدراكها لأهمية استضافة أوّل نسخة من هذه الألعاب، أعدّت المديرية، برنامجًا متكاملاً يُعرّف الوفود الإفريقية على أبرز معالم عنابة، لتكون الرياضة جسرًا للتلاقي بين الأجساد المتنافسة والذاكرة المشتركة. المسار يشمل أربع محطات تراثية موزّعة بين الساحل والجبال، موقع ومتحف هيبون الأثري، حيث تقف بقايا الحضارة الرومانية شاهدًا على امتداد الذاكرة، كنيسة القديس أوغسطين، التي تحمل رمزية دينية وفكرية عميقة في قلب المتوسط الإفريقي، المنارة البحرية، التي ترمز إلى الأفق المفتوح ومفهوم العبور من الميناء إلى العالم، أعالي سرايدي، حيث فندق سرايدي وجبال إيدوغ، في صورة تجمع بين صفاء الطبيعة الجزائرية وهيبة المكان. هذا البرنامج الثقافي الموازي للألعاب، يُجسّد رؤية متكاملة تعزّز قيمة الاستضافة، وتمنح الحدث بعدًا يتجاوز التنافس البدني إلى الانفتاح الحضاري والاحتفاء بالهوية. وقد عبّرت مديرية الثقافة من خلال اختيارها لهذا المسار السياحي، عن رغبتها في أن تساهم عنابة، كمدينة متعدّدة الوجوه، في بناء ذاكرة قارية تُخلّد اللحظة الرياضية ضمن فضاء ثقافي إنساني جامع. وعليه في عنابة، لا تُختزل البطولة في الذهب والميداليات... بل تُكتب أيضًا في رحلة من حجرٍ وزيتونٍ وهواء جبلي، تقود الرياضيين إلى جذورهم. تحويل دورة التنس من عنابة إلى العاصمة الشارع العنابي يتحسّر حُوّلت دورة التنس، المدرجة ضمن برنامج الألعاب الإفريقية المدرسية 2025، من مدينة عنابة إلى منطقة باش جراح في الجزائر العاصمة، وذلك رغم المجهودات المبذولة من طرف الجهات المعنية على المستوى المحلي، لتجهيز مرفق "الطاباكوب" واستقباله لهذه التظاهرة القارية. وكان الشارع الرياضي في عنابة يُمني النفس، باحتضان هذه الدورة التي كانت ستُنعش المشهد الرياضي، وتُعيد الحياة إلى هذا الفضاء العريق، المعروف بتاريخ طويل في احتضان المنافسات الكبرى، إلاّ أنّ التحويل جاء ليغيّب المدينة عن واحدة، من أبرز محطات الألعاب. وقد تفاعل عدد من المهتمين بالشأن الرياضي مع القرار، بتعليقات تراوحت بين التحسر على هذه الفرصة، والإشادة بالمجهودات التي بُذلت، مؤكّدين ضرورة استثمار ما تحقق لمواصلة تأهيل المرافق الرياضية وتهيئتها لتكون جاهزة للاستحقاقات القادمة. وتبقى آمال العنّابيين معلّقة على مشاريع أخرى مستقبلية، تعيد للمدينة مكانتها في خارطة التظاهرات الوطنية والدولية، وتعزز حضورها في المشهد الرياضي القاري. بريق الميداليات يسطع من ساحات الدراجات وسلال السلة بعنابة سطّر الرياضيون المدرسيون من مختلف الدول الإفريقية، يومًا رياضيًا حافلًا بالتحدي والإنجازات، في ثالث أيام الألعاب الإفريقية المدرسية بعنابة، حيث توالت المنافسات في رياضات جماعية وفردية، وارتفعت أعلام بلدانهم على منصات التتويج، وسط تصفيق الجماهير واعتزاز الوفود. ففي قاعة المدينة الجديدة "بن مصطفى بن عودة"، واصل المنتخب الوطني الجزائري لكرة السلة 3×3 (ذكور)، سلسلة نتائجه الإيجابية، بعد فوزه المُستحق على نظيره الرواندي بنتيجة 8 مقابل 6، في مباراة مشحونة بالحماس والإصرار، برهن خلالها اللاعبون الجزائريون، جاهزيتهم البدنية وذكاءهم التكتيكي، مؤكّدين عزم الجزائر على ترسيخ مكانتها كقوّة مدرسية، صاعدة في الكرة البرتقالية. بالتوازي، دوّت صافرة الانطلاق لمنافسة سباق ضدّ الساعة، في رياضة الدراجات الهوائية (فردي ذكور وإناث)، على مسافة 7.2 كيلومتر، حيث تنافست الوفود الإفريقية بشغف كبير في مضمار مفتوح، تخللته منعرجات تقنية واختبارات قوة بدنية عالية. لدى الإناث، تألقت المصرية جودي محمد السيد فتحي محرزة الميدالية الذهبية، متبوعة بالناميبية تيال روزيمري جنات، التي حصدت الفضية، ثم الكينية إيراغاي مرسي صاحبة البرونزية، أما في فئة الذكور، فقد ذهب الذهب للتونسي يوسف شعيبي، تلاه المصري محمد أوبي مجدي أحمد بالفضية، بينما توّج الجزائري علال عبد الله بالبرونزية، في تتويج نال إعجاب الحضور، ورفع المعنويات في معسكر الجزائر. من الحلبة إلى التاريخ... تألّق المصارعون الجزائريون فوق البساط الإفريقي، فحوّلوا نزالهم إلى ملحمة انتصار، وخطّوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجل الألعاب الإفريقية المدرسية 2025، التي تحتضنها مدينة عنابة. وجاءت نتائج اليوم الثالث من منافسات المصارعة لتكرّس موقع الجزائر في طليعة الترتيب العام، بفضل حصاد ثمين من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية، إذ برز المصارع حذيفة بركات بأدائه القوي وهدوئه فوق الحلبة، ليخطف الذهبية عن جدارة، كما توّج عبد الواحد بوشامي، في قاعة " عز الدين شحلف"، حيث صرّح قائلاً "لقد كانت لحظة لن أنساها، أهدي هذا الفوز لمدربي، لوهران، ولكلّ من ساندني". ولم تتأخر المصارعة النسوية عن التألّق، حيث رفعت مريم صفية غريب (وزن 43 كلغ)، ومليسا بوسعيدي (61 كلغ)، ويلدة أوتيس (65 كلغ) راية الجزائر عالية، في حين عبّر البطل سامي عبد الواحد عن سعادته قائلاً "تحقيقي للميدالية الذهبية جاء بتوفيق من الله، ثم بمجهود جماعي من المدربين ودعم عائلتي". أما الميداليات الفضية، فقد كانت من نصيب جيهان إسراء حارث (46 كلغ)، هناء بدار (49 كلغ)، بينما أهدت حنان بن مراح الجزائر برونزية مستحقة في وزن 73 كلغ، تأكيدًا على حضور وازن في مختلف الأوزان والفئات، وأكّد أحد المدربين الوطنيين السابقين، في تصريح يعكس الاعتزاز بالمستوى الفني العالي، أنّ "ما رأيته في هؤلاء الشبان يذكّرني بأيام المنتخب في المحافل القارية، وهنا في عنابة، حيث التقى الشغف بروعة التنظيم. من جهتها، أشادت مدربة مصرية بمستوى التنظيم والمنافسة، معتبرة أنّ المصارعة الجزائرية تثبت مرة أخرى أنها مدرسة لصناعة المجد الرياضي. بهذه الإنجازات المتوالية، تؤكّد الجزائر أنّ رياضتها المدرسية ليست فقط خزّانًا للمواهب، بل حاضنة لأبطال يملكون مفاتيح المستقبل، وأنّ المصارعة، بما أظهرته من عزيمة وإصرار، تظلّ أحد أعمدة الرياضة الوطنية.