طبي يؤكد على دور المحامين في تحقيق الأمن القانوني والقضائي جذبا للاستثمار    رئيس الجمهورية يستقبل وزير خارجية سلطنة عمان    إصدار ثلاث طوابع بريدية بمناسبة الذكرى 58 لتأميم المناجم    الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت اليوم الجمعة على مشروع قرار يطالب بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية    الاتحاد الأوروبي يدين اعتداء مستوطنين صهاينة على مقرات "الأونروا" في القدس المحتلة ويدعو لمحاسبة الجناة    اختتام ورشة العمل بين الفيفا والفاف حول استخدام تقنية ال"فار" في الجزائر    جنوب أفريقيا تستضيف مؤتمرا عالميا لمناهضة "الفصل العنصري للكيان الصهيوني" في فلسطين المحتلة    فلسطين: 30 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الدعوة إلى مواكبة هيئة الدفاع للتطورات الرقمية    الطارف … تفكيك شبكة إجرامية مختصة في سرقة المركبات بإقليم الولاية    غرداية: الفلاحون مدعوون إلى توحيد الجهود لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    مشاركة 37 ولاية في اليوم الوطني للفوفينام فيات فوداو    إطلاق القافلة الوطنية "شاب فكرة" في طبعتها الثالثة    وزارة المالية تطلق قريبا دعوة للترشح لتعيين أعضاء مستقلين في مجالس الإدارة    طاقم طبي مختص تابع لمنظمة أطباء العالم في مهمة تضامنية في مخيمات اللاجئين الصحراويين    الديوان الوطني للإحصائيات: فايد يؤكد على ضرورة تحسين جودة البيانات    مجلس الأمة يشارك في مؤتمر القيادات النسائية لدعم المرأة والطفل الفلسطيني يوم السبت المقبل بالدوحة    "تيك توك" ستضع علامة على المحتويات المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي    دورات تكوينية لفائدة وسائل الإعلام حول تغطية الانتخابات الرئاسية بالشراكة مع المحكمة الدستورية    مولوجي تفتتح الطبعة التاسعة للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة بالجزائر العاصمة    العاب القوى/ البطولة العربية لأقل من 20 سنة:تسع ميداليات للجزائر، منها ذهبيتان    التوقيع على ثلاث اتفاقيات وعقود لمشاريع منجمية وتعدينية بين شركات وطنية وشركاء أجانب    مشروع جمع البيانات اللغوية لأطلس اللغات لليونسكو في طور الانتهاء    تلمسان … الإطاحة بشبكة منظمة يقودها مغربيان وحجز أزيد من قنطار كيف    الوزير الأول يستقبل السفير الإيطالي بقصر الحكومة    الجالية الوطنية بالخارج: الحركة الديناميكية للجزائريين في فرنسا تنوه بالإجراءات التي اقرها رئيس الجمهورية    صورية مولوجي تفتتح الطبعة التاسعة للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة بالجزائر العاصمة    التزام السلطات العمومية بترقية الخدمات الصحية بالجنوب    خنشلة.. انطلاق الحفريات العلمية بالموقع الأثري قصر بغاي بداية من يوم 15 مايو    أولاد جلال: انطلاق الأيام الوطنية الأولى لمسرح الطفل    البطولة المحترفة الأولى "موبيليس": نقل مباراتي إ.الجزائر/م. البيض و ش.بلوزداد/ ن. بن عكنون إلى ملعب 5 جويلية    المعرض الوطني للصناعات الصيدلانية بسطيف: افتتاح الطبعة الثانية بمشاركة 61 عارضا    الحملة الوطنية التحسيسية تتواصل    قالمة.. وفد عن المجلس الشعبي الوطني يزور عددا من الهياكل الثقافية والسياحية والمواقع الأثرية بالولاية    توقيف 289 حراقاً من جنسيات مختلفة    انطلاق لقافلة شبّانية من العاصمة..    توقرت: أبواب مفتوحة حول مدرسة ضباط الصف للإشارة    مسيرة حاشدة في ذكرى مجازر 8 ماي    دربال: قطاع الري سطر سلم أولويات لتنفيذ برنامج استعمال المياه المصفاة في الفلاحة والصناعة وسيتم احترامه    اختتام ورشة العمل بين الفيفا والفاف حول استخدام تقنية ال"فار" في الجزائر    رئيس الجمهورية يستقبل وزير خارجية سلطنة عمان    شبكة الموزعات الآلية لبريد الجزائر ستتدعم ب 1000 جهاز جديد    الزيادات التي أقرها رئيس الجمهورية في منح المتقاعدين لم تعرفها منظومة الضمان الاجتماعي منذ تأسيسها    البروفسور بلحاج: القوانين الأساسية ستتكفل بحقوق وواجبات مستخدمي قطاع الصحة    ساهمت في تقليل نسب ضياع المياه: تجديد شبكات التوزيع بأحياء مدينة البُرج    المسجلين مع الديوان الوطني للحج والعمرة: انطلاق عملية الحجز الإلكتروني للغرف للحجاج    أولمبيك مرسيليا يبدي اهتمامه بضم عمورة    زحافي يؤكد أن حظوظ التأهل إلى الألعاب قائمة    نساء سيرتا يتوشحن "الملايا" و"الحايك"    تراث حي ينتظر الحماية والمشاركة في مسار التنمية    ليفركوزن يبحث عن بطاقة نهائي البطولة الأوروبية    لا تشتر الدواء بعشوائية عليكَ بزيارة الطبيب أوّلا    "كود بوس" يحصد السنبلة الذهبية    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائية الليبية وفاء البوعيسى ل ''الأثر'': نصوصي تعكس ليبيا التي غرقت في موجة من الردة منذ وصول القذافي

يتصفح ''الأثر'' أوراق الكاتبة الليبية وفاء البوعيسى، لتعيد قراءة بعضا من روايتها ''للجوع وجوه أخرى''، وتنظر في الدوافع الكامنة التي تجعل من قلم امرأة عربية يتحول إلى معول يكسر الحواجز التي تحول دون تحرر الأفكار، وتمنع عنها فتح نوافذ الهواء النقي، الحامل لروائح بعيدة عن الأحكام المسبقة التي يقيمها الرجل، بكل مؤسساتها التي أورثها إياه المجتمع· تقول وفاء أنه لم يكن هناك دافع معين لكتابة رواية الجوع، أو رواياتها الأخرى، بقدر ما كان النص لسانها الحقيقي، مرآتها العاكسة لواقع ليبي مآله الانهيار· نصوص البوعيسى ثورة ضد ثقافة الوأد، كما تقول· حصدت وفاء منذ صدور روايتها، حكما بالتكفير، ودعوات بالإقصاء والمنع، ومن منابر المساجد العالية، أشهر المصلون الرجال عداءهم لها، دون أن يقرأوا حرفا واحدا من العمل، الذي لم يطبع منه سوى 800 نسخة، وزع منها 160 فقط، وهي التي أثارت كل تلك الموجة الساخطة، التي لم تزد الكاتبة، سوى إصرارا على قول الحقيقة، غير مبالية بجدية المواجهة والرفض·
دعيني أبدأ من روايتك ''للجوع وجوه أخرى'' وما خلفته من ردود فعل كلفتك التكفير، أريد أولا أن أعرف دوافع كتابتك لهذا النص؟
لم يكن ثمة من دوافع لكتابة روايتي الأولى ''للجوع وجوه أخرى''، وما تلاها من روايات، غير أن أكتب بصوتي أنا، صوتي وحدي، إن لي صوتا، أنا هنا، ولو ادعى الجميع أنني لست كذلك، كانت الرواية مناسبة لأن أقول لليبيين انتبهوا، أنتم لستم وحدكم أيها الرجال، منظومة العادات والتقاليد وتاريخ الوأد، والنظر إليّ كعورة وفتنة آن له أن يتراجع، باختصار، دافعي لأن أكتب بصوتي، لا بصوت الرجل الشرقي ولا المجتمع الشرقي ولا الدين الذي صيروه شرقيا، ليخدم أهداف الكثيرين في التحكم بي، هذه كانت دوافعي·
هل ثمة جوانب واقعية في الحكاية، أو شكل من أشكال الإسقاطات الشخصية وجدت نفسك تكتبينها دون وعي؟
الرواية تقترب من الواقع نعم، لكنها لا تخضع له بالكلية، في ''للجوع وجوه أخرى'' تطرقت لإشكاليات أراها مهمة ويجب الخوض فيها، إشكاليات العلاقات، العلاقة بالسلطة، بالدين، بالمرأة، الرواية تطرقت للواقع الليبي، مذ وصل القذافي للحكم في، 69 وسياساته المتخبطة، وأيضا تطرقت للحديث عن سلطة الشعب المزيفة، ولم تتورع الرواية عن الحديث عن أكثر المواضيع إزعاجا بليبيا، نظرة الفكر الديني للمرأة بليبيا، ليبيا الجمود والتراجع والتخلف، ليبيا التي غرقت في موجة من الردة، لاحت مع منتصف الثمانيات تقريبا، حين بدأت النساء يرتدين الحجاب، وتوقفت المرأة عن الغناء والتمثيل، وصارت كل من تفعل ترمى بالعهر والرذيلة، وحين بدأ الرجال بليبيا يمارسون تلك العزلة على المرأة ويخضعونها لقوانينهم وحدها، قوانينهم الآتية من فجاج الصحراء والبوادي، قوانين القبيلة والعورة والعار والفتنة والوصاية والقوامة· أما سؤالك عن وجود إسقاطات شخصية لي، فسأعلن هنا أن وضوحي مع ذاتي والآخرين شيء لا يمكن حتى لي أنا أن أتجنبه، وضوحي كمرآة بمدخل بهو، شيء لا بد أن تعكس صورتك حين تسقط على سطحها، الرواية تعكسني أيضا، لم لا، رغم ظروف حياتي الرائعة بأسرة ديمقراطية ومتعلمة، ورغم أجواء الدفء والحرية التي كنت أتمتع بها، لكنني حالما كنت أغادر البيت إلى أي شارع ببنغازي، كان عليّ أن أنسى كل ذلك، وأن أخضع لاشتراطات المجتمع، الرواية ليس بها إسقاط شخصي ما بعينه، فظروف حياتي الخاصة لا تشبه أبدا ظروف بطلة الرواية، لكن ظروف معاناة البطلة مع المؤسسة الدينية، مع مؤسسة العادات والتقاليد فنعم ونعم، إنها تحمل ملامحي هنا، والدليل هو النتيجة التي تربيت عليها، إنها ثورة المؤسسة الدينية والمجتمع وحتى السلطة السياسية عليّ·
عندما كتبت الرواية هل كنت تتوقعين ردة الفعل المصاحبة· هل تعمدت الاستفزاز؟
آه يا إلهي، لم أتوقع التكفير علانية هكذا على منابر المساجد، لم أتوقع صدور فتوى من مشايخ أوقاف بنغازي، الذين تركوا كل شيء وتعلقوا برقبتي أنا، ودون حتى أن يمنحوني فرصة لأقول لهم أنني متشبثة بديني، وأنكم مجرد أوغاد، جبناء لا تستطيعون غير هذا، لم أتوقع أن يتحرش بي شباب في بنغازي بتحسس أعضائهم وخلع بناطيلهم لي، وهم يدعونني بالعاهرة والكافرة، لم أتوقع أن يبصق أحدهم على أبي المسكين وهو يمر أمامه، لم أتوقع أن توشك حياة إحدى شقيقاتي على الانهيار مع زوجها بسببي، لم أتوقع أن يقوم أحد أبناء عمي على التبرؤ مني ومن صلته بي، صدقا لم أتوقع هذه التصرفات المهينة والجارحة، والعزلة التي شعرت بها بعد التكفير، لم أتوقع ذهاب الأصدقاء وتعطل أعمال مكتبي، لا، لم أتوقع شيئا من هذا أبدا·
أما الشق الثاني من سؤالك، فنعم، أظنني بطريقة أو بأخرى تعمدت استفزاز اللبيبين، تعمدت لطمهم بتقديم نموذج لبطلة لا تساير أهواءهم تلك البطلة المطواعة، المستلبة، التي تحب الطبخ، تنتظر زوجا لتنجب له عددا من الذكور بخدود متوردة، تعمدت بصراحة ووعي، أن لا أبدو تلك البطلة التي اعتادوها في أغلب كتابات الليبيات المخلصة في ندائها للرجل والمخلصة في التربص به لتفوز به زوجا، لذا قدمته بروايتي فظا سلفيا وشديد السلبية، إذ تمثل ذلك في رفض البطلة الزواج بليبي، وتفضيل أجنبي عليه·
ذهبت بعيدا في القصة، حد التشكيك والتقليل من رموز إسلامية هي ركائز أساسية؟
ما حدث أنه جرت محاكمتي غيابيا على عمل دار في فلك رواية، وليس في فلك البحث العلمي الذي ينهض على البحث والاستقصاء والمنهجية العلمية، لم يرد بالرواية غير بطلة تنصرت، وهذا بالمناسبة ليس مُختلقا مني، بل إنني تعرفت على بعض الليبيين بمصر ومالطا فضلوا المسيحية على الإسلام لسبب ما· أعتقد أن الرواية قُرأت من اليسار لليمين، لو قُرأت بطريقة صحيحة لكانت ردة الفعل أكثر حضارية من هذا بكثير· البطلة بروايتي كانت تعلن أنه لا ينبغي فرض شيء على أحد بالقوة، ولو كان الإيمان بالله الواحد، وما يتبع ذلك بالضرورة، كانت تقول أن سؤال حرية المعتقد ينبغي أن يقابل بعقلانية واحترام أكثر، وتقول بوضوح لا، لا لفرض الوصاية، ولا لحراس الضمير والنوايا، ولا ألف لا، لإسلامي متخلف، لا يعرف عن المرأة إلا أحكام الحيض والنفاس ونقصان العقل، وحين يقرأ شيئا جديدا عنها، يقرر فورا أن يدين صاحبتها ويستحل دينها ودمها·
كان المسجد في بنغازي قارئا منتبها لروايتك· هل شعرت أنك تجاوزت حريتك بالاعتداء على حرية الآخرين؟
كل أسئلتك تدفعني للشعور بالمرارة، لكنني سأقول ما يصدمك·
لقد امتنعت دار النشر وهي مجلة المؤتمر، عن إعطائي نسخي، وعن توزيع الرواية بعد طباعتها، حتى أنني أقمت الدنيا ولم أقعدها كي يفرجوا لي عن النسخ المخصصة لكل كاتب، وهي 200 نسخ فقط، وبعد جهد وصلتني نسخي ناقصة طبعا، بسبب سطو البعض داخل مخازن مجلة المؤتمر على عدد منها، فاحتفظت بحوالي 25 نسخة لإهدائها لبعض الأصدقاء، ووزعت على المكتبات أقل من 160 نسخة، في حين لم تبع مجلة المؤتمر النسخ المتبقية وعددها ·800 لن تصدقين أن أقل من 160 نسخة فقط هي ما أثارت كل هذا اللغط، وقادت حربا شعواء ضدي بمدينة ''جاهلية'' كبنغازي عدد سكانها يقارب المليون، مدينة بدوية لم تقرأ نوادر البخلاء ولا الثورة الفرنسية ولا تعترف بعد بميثاق حقوق الإنسان، مدينة يلسعها الحر والغبار والرجال المحرورون، تجاهد حتى اللحظة في ترميم جثتها البدوية، التي يهددها انتشار الفضائيات والمسلسلات المدبلجة، ألبها عليّ أحد مشايخ ومفتيي بنغازي ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة إجدابيا، وعضو لجنة الفتوى بالهئية العامة للأوقاف في بنغازي، إذ استطاع أن يحصل على تواقيع 600 طالب بكليات الشريعة بكل من بنغازي وإجدابيا التي تبعد عن بنغازي ب180كلم إلى الغرب، وهي مدينة أخرى لا شأن لها بالأدب، 600 شخص وقّعوا ضد 160 نسخة لم تقع بيد أحدهم، بل إنه صرح شخصيا للجزيرة الثقافية بتاريخ ،13,12,2007 أنه لم يقرأ الرواية، هذا يُجيبك الآن أليس كذلك، المسجد في بنغازي، الشارع بليبيا، كليات الشريعة والدراسات الإسلامية وغيرهم، جهلة وقابلون للانقياد كقطيع أعجف، خلف رجل دين بليد لا يقرأ·
في مقابل المؤسسة الدينية (المسجد) مرت الرواية بسلام على المؤسسة الحكومية الناشرة للعمل لم يتم منعه؟
أشكرك على هذا السؤال الرائع، وها قد حانت الفرصة لقول الحقيقة كما لم يعرفها القرّاء·
روايتي عُرضت أولاً على الهيئة العامة للرقابة بطرابلس من أجل منحي الموافقة على النشر، فاستُدعيت للتحقيق بشأنها، وأخبرني الموظف المختص أن ثمة مقاطع كاملة وعبارات لا تليق بالآداب والثوابت بليبيا، كان معي صلاح عجينة الشاعر الليبي المعروف، كنت مسالمة ولم أتمسك بحقي في إبقاء الجمل والعبارات المذكورة ووافقت على حذفها بانتظار منحي إذنا بالنشر، لكن إذن النشر لم يصدر رغم إذعاني، انتظرت وانتظرت بلا طائل، أعدت كتابتها بطريقة أخرى أكثر جرأة، وقررت تحدي مفهوم الحرية بليبيا ومناكفة المؤسسات الرسمية التي تدعي ذلك، وقدمتها لمجلة المؤتمر ''الناشر الحالي''، فرفضها الكاتب الروائي خليفة حسين مصطفى برد طويل جدا صادر فيه حقي في التعبير، مقدما بذلك تقريره للناشر فامتنعت الدار عن إعطائي إذنا بنشرها، عدت فكتبتها بطريقة أخرى أكثر تماديا وفجاجة وتحديا، وتصدى الكاتب صلاح عجينة لها بتقرير رائع، انحاز فيه لحقي في التعبير والكتابة، فطلب مني الناشر مراقبة عباراتي ومقاطع معينة فيها تتعلق بالدين والسياسة، مقابل النشر فوافقت، ولما طلبوا مني النسخة المصححة والمعدلة أعطيتهم النسخة التي وصلتهم بلا تعديل، يعني خدعتهم تماما، وصلاح عجينة يعرف هذا، لقد كنا نسخر من هذا كله، من تفاهة الرقيب، ومن ادعاءات أننا الشعب الوحيد على وجه البسيطة الذي يملك حق التعبير والرفض، وهكذا وصلت للناشر النسخة التي أردت أنا ظهورها للناس، والتي تحفّظ عليها وطلب تعديلها قليلا، هذا حقيقي تماما، صلاح عجينة يعرف هذا، محمود البوسيفي مدير الدار في ذلك الوقت يعرف هذا، وإلا لما امتنع فيما بعد عن منحي نسخي، وها أنتِ تعرفين الآن·
سأختم هنا بالقول أنني رفضت تماما أن أنشر خارج مؤسسات بلدي، أنا نزقة الطباع قليلا ومجنونة، مغامرة وأكره أن يقول لي أحدهم لا، ولأن القذافي يقدمنا كأفضل بلد يتمتع بحقوقه وحرياته، ويمارس فعلا سلطته وديمقراطيته، فقد قررت تحدي هذه الأكذوبة، ومن عقر دار السلطة ومؤسساتها الرسمية، وهذا لم يحدث مرة، بل حدث مرة ثانية عندما قدمت روايتي الثانية ''نعثل'' لوزير الثقافة شخصيا نوري الحميدي، وكانت كلها من أول صفحة لآخر صفحة تدين فترة وصول القذافي للحكم، وتحمّله نتائج ما وصلت إليه ليبيا من دمار، روايتي ''نعثل'' قرأها أيضا صلاح عجينة، ويعرف فحواها ومضمونها، قابلت الوزير الحميدي بشأنها، وبدا مأخوذا بجرأتها ومصدوما، لكنه لم يقل لي شيئا بخصوص قبولها أو حتى رفضها، ثم صرت أراجع السيد محمود اللبلاب موظف بوزارة الثقافة بشأن طباعتها كثيرا بالهاتف إلى أن حدثت منعطفات حادة جدا جعلتني أقرر الهرب إلى هولندا، حدث هذا أيضا مع روايتي الثالثة ''فرسان السعال''، التي قدمتها أيضا للسيد محمد الورفلي من أجل الحصول على إذن بتسويقها داخل ليبيا بعد أن طبعتها بنفسي بتونس، وتدخل صلاح عجينة ونوري الحميدي منحازين لروايتي هذه وحقها في الدخول لليبيا بطريق مشروع، لكنه رفض، كنت أتصل به من هاتفي بهولندا وبريطانيا، كان يرد علي، ويعدني خيرا، ثم صار يتلكأ، ثم توقف عن التحدث معي، رواياتي الثلاث قدمتها متحدية لمؤسسات الدولة بليبيا، رغبة مني في إبطال الدعوى، أننا ببلد يمارس فيه الشعب حكم نفسه بنفسه، مباشرة وحتى بلا فكرة أحزاب وبرلمان، ولم أخشى الرفض، لم أخشى المساءلة حتى استجدّت بعض الأشياء التي جعلتني أقرر ترك الساحة كلها·
طيب، وفاء ما علاقتك بالإسلام والمسيحية كأديان؟
سأجيبك بما اعتدت قوله دائما: الاسلام بالنسبة لي علاقة ذاتية تربط بين الفرد وخالقه، علاقة تقع داخل الاإسان لا خارجه، وفي علاقة كتلك، ينتفي الحق في السؤال عن إعلان موقفي منه، وأنا كمسلمة لا يشغلني ولا يعنيني في شيء إعلان موقفي لفرد لا يمكنه ولا يستطيع أن يصل إلى حدود إيماني بالله تعالى، أما المسيحية فكتابها جميل، الأناجيل مكتوبة بلغة رائقة تعجبني كروائية، أحترم كثيرا ما ورد فيها، وأحترم من يدين بها، لكنها الأناجيل موجودة على رفوف مكتبتي، لا أتذكرها إلا حين يسألني أحدهم عن علاقتي بها·
مثل هذه الرواية يختلط فيها الحكم عليها أدبيا وفكريا، ما الذي يهمك في روايتك هذه وفاء ومنه في كل رواياتك؟
أنا لست مُصلحة، ولا أسعى لجعل إحداهن تقلدني أو تتخذني مثلا لها، عزيزتي أنا أكتب لأنني أشعر بالأسى، ولأنني لست راضية عن واقعي ومحيطي، ولأنني منزعجة من سلبياته، أكتب بجنون يعصف به العقل، أكتب لأدين، لأتفلسف، لأمارس نزقي وتمردي وإعلان وجهي للعالم، وجهي الذي يريدون لفه بخرق سوداء، ووضعه في إطار محدد لمرأة تقف خلف موقد للطهو، وتحمل بيدها طفلا، أريد أن أحشر أنفي في السياسة والدين والجنس، وأعلن أنني يجب أن أكون جزءا من هذا كله وإلا فلن تتقدموا ولن أجعلكم تتقدمون بدوني، أكتب لأتربص بالرجال، بالنساء، بالساسة، برجال الدين السفلة، وحتى بالتافهين، ولن أنتظر أن يقبلوا ذلك، بل إنني أنتظر أن يعارضوه حتى أمسك بتلابيبهم، أنا هكذا، امرأة حشرية، سليطة، لا تجامل، وتحب الزهور في الحدائق فقط·
هل تتعمدين الاختلاف ككاتبة ليبية في ليبيا الكتاب الأخضر· أو بمعنى آخر هل التميز في المواضيع طريقة للانسلاخ من الوضع العام المفروض عليكم كمبدعين؟
سأجيبك بنعم، والدليل أنني لم أكن يوما عضوة بلجنة ثورية تسوّق لفكر القذافي، بل إن أشخاصا مسؤولين بليبيا مثل الحميدي، والبوسيفي المذكورين يعرفان أنني لم أكن يوما جزءا في هذه المنظومة، منظومة كُتاب القذافي، ويعرف نوري الحميدي وزير الثقافة الليبي، والسيد عبد الرحمن شلقم، وعبد الله منصور رجل الأمن والإعلام العتيد والقذافي شخصيا مقدار التشويه والمضايقة التي تعرضت لها لكوني لم أكن من كتاب ليبيا الكتاب الأخضر، يعرفون أنني خرجت هاربة ولاجئة إلى هولندا لأنني رفضت أن أسير في جوقة كتاب ليبيا الكتاب الأخضر، لكن تشويها بليغا لحق بي·
إسمعي، أنا لا أزايد على قومي، بل أشعر أنني مقصرة إذ أصابني الإعياء بهولندا، ولزمت الصمت لأسباب كثيرة، لكنني أدفع عن نفسي بقوة تهمة الكتابة لليبيا الكتاب الأخضر، من هنا جاء مروقي واختلافي الذي أعلنتهما للسلطة الرسمية ومؤسساتها بليبيا، وشهودي لا زالوا أحياء جميعا·
إعلان الاختلاف، هل هو نوع من الاستغاثة وإعلان عن فقدان شيء بداخل المبدع؟
أنا فقط أنصتُ إلى نفسي، أتبع قوانيني الداخلية، أصدق وأؤمن بأن الله قد خلق إرادتي حرة أول مرة، وأنني أؤكد في كل مرة أكتب فيها شيئا على أنني إنسانة حرة، وأن قرون التبخيس والوأد وفرض العزلة والوصاية لم تحفر في أصابعي، لم تأكل عزيمتي، هذا فقط ما يكون بداخلي حين أكتب شيئا·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.