التقارير القطاعية حول مكافحة تبييض الأموال في "غاية الأهمية"    الجزائر تسعى إلى بلوغ نظم غذائية مرنة، شاملة،صحية ومستدامة    وزير الاتصال يعزّي في وفاة الصحفي والكاتب عبد المجيد كاوة    تفعيل الشراكة الجزائرية الأمريكية في شقّيها الأمني والاقتصادي    تفعيل كل الآليات لكشف عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب    رسميا.. تقاعد مسبق لمنتسبي سلك التعليم    وكالة "عدل" تردّ على استفسارات أصحاب الملفّات المرفوضة    500 مليون دولار في المرحلة الأولى لانجاز مشروع "بلدنا"    ارتفاع حالات وفيات المجاعة وسوء التغذية في غزّة    تكثيف الجهود من أجل ضمان تعافي سوريا    مطالب في أوروبا بفضح جرائم المخزن في الصحراء الغربية    ارتفاع حصيلة وفيات المجاعة إلى 147 فلسطينيا    سندخل منافسة "الشان" بهدف التتويج باللّقب    تجربة سياحية متوازنة ب"لؤلؤة الزيبان"    المخالفات التجارية تتواصل وأعوان قمع الغش بالمرصاد    "سونلغاز" تضبط برنامجا خاصا    وفاة 3 أشخاص وإصابة 222 آخرين خلال ال24 ساعة الأخيرة    ببشار والبليدة : ضبط أزيد من قنطار من الكيف المعالج    تواصل موجة الحر عبر عدة ولايات    استراتيجية شاملة لمكافحة جرائم التقليد والقرصنة    الروائي بوجدرة: الكتاب الممجدون للاستعمار "ظاهرة ظرفية" آيلة إلى الزوال    أوبك+: لجنة المراقبة الوزارية تشيد بالتزام أغلب الدول باتفاق خفض الإنتاج    مطالب في أوروبا بكسر حالة الصمت وفضح جرائم المخزن في الصحراء الغربية    انطلاق أشغال مؤتمر تسوية قضية فلسطين وحل الدولتين في نيويورك    السيدة مولوجي تستقبل مديرة قسم المرأة والجندر والشباب بمفوضية الاتحاد الإفريقي    قندوسي مهدد بالغياب عن أمم أفريقيا    كاراتي دو/بطولة إفريقيا-2025: الجزائر تنهي المنافسة برصيد 12 ميدالية، منها ذهبيتان    مكافحة التقليد والقرصنة: توقيع اتفاقية بين المديرية العامة للأمن الوطني والديوان الوطني لحقوق المؤلف    السيد بلمهدي يستقبل الدفعة الثالثة من الأئمة الموفدين إلى أكاديمية الأزهر بمصر    اقتصاد المعرفة: السيد واضح يبرز بشنغهاي جهود الجزائر في مجال الرقمنة وتطوير الذكاء الاصطناعي    بطولة إفريقيا لكرة القدم للاعبين المحليين 2024 /المؤجلة الى 2025/: المنتخب الوطني يواصل تحضيراته بسيدي موسى    اختتام المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية : تكريم الفائزين الثلاث الأوائل    جثمان الفقيد يوارى بمقبرة القطار.. بللو: سيد علي فتار ترك ارثا إبداعيا غنيا في مجال السينما والتلفزيون    تمتد إلى غاية 30 جويلية.. تظاهرة بانوراما مسرح بومرداس .. منصة للموهوبين والمبدعين    هذا موعد صبّ المنحة المدرسية الخاصّة    يوميات القهر العادي    غوارديولا.. من صناعة النجوم إلى المدربين    وفود إفريقية تعبر عن ارتياحها لظروف الإقامة والتنظيم الجيد    إشادة بالحوار الاستراتيجي القائم بين الجزائر والولايات المتحدة    رئيس الجمهورية يعزي نظيره الروسي    الوكالة تشرع في الرد على طلبات المكتتبين    العملية "تضع أسسا للدفع بالمناولة في مجال إنتاج قطع الغيار    وهران.. استقبال الفوج الثاني من أبناء الجالية الوطنية المقيمة بالخارج    خاصة بالموسم الدراسي المقبل..الشروع في صب المنحة المدرسية    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    ثواب الاستغفار ومقدار مضاعفته    من أسماء الله الحسنى.. "الناصر، النصير"    هدفنا تكوين فريق تنافسي ومشروعنا واحد    لا يوجد خاسر..الجميع فائزون ولنصنع معا تاريخا جديدا    عنابة تفتتح العرس بروح الوحدة والانتماء    "المادة" في إقامة لوكارنو السينمائية    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار فيروس شيكونغونيا عالميا    وهران: افتتاح معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبقٌ فائحٌ من تاريخ زاوية المقسم ب"زاقز الغربي"
مؤسسها الشّيخ بيض القول لخضر
نشر في الجلفة إنفو يوم 02 - 08 - 2017

الحمد لله، و الصّلاة و السّلام على سيّدنا و إمامنا و قُدوتنا إلى الله سيّد النّبيّين و خاتم المُرسلين نبيّنا مُحمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه و سلّم)، و على آله الأخيار الطّيّبين، و أصحابه الّذين اصطفاهم الله لصُحبته، فأخلصوا في طاعته و نصحوا في نُصرته، فبهم نصر الله دينه و به انتصروا، و أوضحوا للنّاس السّبيل، و كانوا خير هاد و دليل، و رضي الله عن التّابعين لهم بإحسان، الّذين كانوا خير خلف لخير سلف، و عمّن تبعهم على هُداهم و سلك نهجهم و ترسّم خُطاهم جيلا بعد جيل. و بعد :
إنّ حركة التّعليم القُرآني و ما يتبعه من أصناف التّعليم العربي و الشّرعيّ في القُطر الجزائري، لم تنقطع عبر قُرون خلت، و إنّ دور الرُّبط و الزّوايا و المقارئ ظلّ مُستمرّا به لدُهور، يُؤدي وظيفته الرّساليّة، و مُتبوِّئا مكانته الرّياديّة في الأمّة الجزائريّة المُسلمة، و لا يزال. و لم ينفك الرّبع النّايلي عن هذه الحركة المُباركة، و بخاصّة بعد نهاية القرن العاشر الهجريّ. السّادس عشر الميلادي.
و في عزّ الاستدمار الفرنسي و لا عزّة له للجزائر و للرّبع المُومى إليه منه، و رغم الاضطهاد و القهر و التّجهيل و صُنوف الاستبداد و الطّغيان الّتي كانت فاشية في أوساط المُجتمع الجزائري، إبّان الحقبة الاستعماريّة المُظلمة، فقد تأسّست و افتتحت رباطات و زوايا و مدارس كثيرة، في كُلّ جهات الوطن(1)، و انتشرت فيه كالفطر، و برزت و اشتهرت من رحمها شخصيات علميّة و فكريّة و تربويّة ذات عدد ذي بال، ذكرتهم كُتب التّواريخ و التّراجم، و قد عُنينا بذكرهم، في بعض ما خطّته أناملنا(2).
و بذلك قاوم الشّعب الجزائري ؛ من أجل هويته و وُجوده، و تحدّاه المُستعمر، فتردّى فاغرًا فاه، و كُتبت في سجلّ تاريخنا الحافل أحداثٌ و صُورٌ بُطوليّةٌ، في الجهاد و التّضحيّة و البسالة، كان أبطالها رجالٌ و نساء قلّ مثيلهم.....
و من بين هاته الزّوايا الّتي تأسّست و لعبت دورا لا يُستهان به في وقت مضى بجهتنا الشّاسعة ؛ زاوية المقسم المُشيّدة سنة 1933 م، على تُراب ضاية الفيجل، بمقسم أولاد عثمان، بزاقز الغربي، بالجهة الظّهراويّة (الشّماليّة)، من منطقة الجلفة، بنحو 18 كلم غربا، عن مدينة حاسي بحبح. و هي مُكوّنة من ستّ عشرة قاعة، مبنيّة بالحجر و الطّوب، و سُقُفها بالخشب و القَرْمَدِ (القرميد)، و مُستقبلة القِبلة في بنائها، فيها ما هو مُخصّص للإقراء و التّعليم و التّدريس، و فيها ما هو للمبيت و الإطعام، و فيها دار الضّيافة و الاستقبال، و فيها سُكنى الشّيخ و إقامته، و بِجواره مُصلّى،... بالإضافة إلى مُستودع (إسطبل، أو كراج) للمراكب و الزّوامل. و القاعة البِكر (الأولى في البناء و التّشييد) ممّا ذكرنا، بجوارها غُرست شجرة زيتون، بطلب من الشّيخ عبد القادر طاهري، المعروف بالزّنيني (ت 1967 م)، و هو شيخ المُؤسّس (لخضر) كما لا يخفى، و هي سُنّة حسنة سنّها ؛ لأجل تعمير الأرض و فَلحها. (يا أيّها النّاس كُلوا ممّا في الأرض حلالا طيّبا و لا تتّبعوا خُطُوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مُبين). البقرة / 168.
و قد شهد بها التّعليم القُرآني و ما يتبعه عادة من عُلوم و فُنون لُغويّة و شرعيّة، استفحالا و رواجا، و بلغ عدد طلبتها، في السّنوات الأولى من انطلاقتها مئة (100) طالبا، يُدوّون فيها بالقُرآن، كدويّ النّحل، و في هذا يظهر عزّ الإسلام و العربيّة في بلادنا و جهتنا. و قد تخرّجت بها أعدادٌ ممّن تولّى بعد الاستقلال (1962 م) الإمامة و التّعليم ؛ منهم على سبيل المثال لا الحصر (التّرتيب ألفبائيّ) : بيض القول بنساعد (إمام سابق)، و بيض القول عطيّة (إمام و شيخ زاوية الفلاح بمدينة حاسي بحبح)، و شرماط الجنّة (إمام)، و عبد الحفيظي مُحمّد (مُؤذِّن)، و عبد القادر بن سالم (أحد أئمّة مساجد مدينة الجلفة في زمن مضى)، و عطيّة لبيض (المُفتي الحالي لمدينة حاسي بحبح)، و قدقاد بلقاسم (مُؤذِّن)، و لبّوخ البشير (مُؤذِّن)، و نُوّاري أحمد (مُدرِّس)، و هميل أحمد (مُؤذِّن)، و غيرهم ممّن عالجوا الوظيف الحُكومي...
و من بين أهل العلم و الفضل الّذين درّسوا بها، و كانوا من مُعاوني الشّيخ المُؤسّس (لخضر)، و ممّن يخلفونه حين غيابه في تسيير شُؤون الزّاوية، و في الإقراء و التّدريس بها أيضا ؛ الشّيخ الزّاوي فلّاح المديّي، و الشّيخ ابن هُورة بن زيّان. و كانا من الرّوافد الطّيّبة الّتي خدمت الزّاوية.
و الّذي افتتح هذه الزّاوية و بناها، و حفر بجانبها القِبْليّ بئرا للسِّقاية(3)، بعمق 18 مترا، و هي بئرٌ ماؤها عذب صاف زُلال ؛ هُو الشّيخ بيض القول (الغول) لخضر (1895 م 1975 م). و من جميل القول، و مُقتضيات السِّياق في مقالنا هذا و السِّياق من المُقيّدات كما هو مُقرّر هُو التّعريف بهذه الشّخصيّة ؛ فنقول : هو لخضر بن بنساعد (بن سعد) بن البشير بن أحمد بن عطيّة بيض القول (الغول) العُثماني القويني النّايلي الإدريسي الحسني الشّريف. ولد خلال سنة 1895 م، بالصّدارة، بزاقز الشّرقي، و نشأ و تربّى بالمقسم(4)، بزاقز الغربي. تلقّى تعليمه الأوّلي، من قراءة و كتابة و خطّ و حساب، من والده المتوفّى 1929 م، و المدفون في مقبرة البقيع، بالمدينة المنوّرة.
و عندما غدا شابّا، توجّه بإيعاز منه إلى الزّاوية الجلّاليّة، الّتي تأسّست سنة 1870 م، أين تلقّى تعليمه العربي و الشّرعيّ بها، فأتمّ حفظ القرآن مُجوّدا بإتقان، و ألحق به الآجرّوميّة و ألفيّة ابن مالك في العربيّة، و المُرشد المُعين و شيئا من الرّسالة و المختصر في الفقه، ضبطا و شرحا و أداءً، و درس الفرائض دراسة متينة، و اطّلع على باقي الفنون الشّرعيّة الّتي كانت تُدرّس في ذلك الحين بالزّاوية المذكورة، الّتي بقي مُلازما لها إلى غاية سنة 1927 م، و هي سنة تخرّجه منها، و كان من أكثر طلبتها تلماذا و إقبالا. و من أبرز شيوخه بها مسعودي عبد الهادي (الهادي) الشّقيق الأكبر للإمام المعروف عطيّة.
و بثبات و عزيمة واصل مشواره التّربويّ و العلميّ، فانتقل إلى الزّاوية الطّاهريّة بالإدريسيّة (زنينة)، حيث الشّيخ عبد القادر طاهري المتوفّى 1967 م، الّذي لازمه و تعلّم من لَحْظه و أخذ عنه وردا، و قد أجازه و أذن له(5). كرّ راجعا إلى منشئه (المقسم)، و أسّس به الزّاوية المُتحدَّث عنها في هذه القالة (المقالة). و أُسند إليه في سنة 1945 م القضاء الشّرعيّ، و أتبعه بالإفتاء في سنة 1949 م، و أدّى الوظيفتين مع الإقراء و التّدريس، على خير ما يُرجى، دُون انقطاع، إلى أن طواه الفوت (الموت)، في شهر ذي الحجّة 1395 ه، ديسمبر 1975 م، بعدما هدّه المرض و الجهد. و قد عاش صُوفيّا مُلتزما مُنكرا للشّعوذة و العربدة و لكلّ صُنوف الانحراف و الضّلال، و كانت تربطه علاقة طيّبة بالإصلاحيّ السّلفيّ المُقرئ المُحدّث الفقيه اللّغويّ الأديب المُشارك نُعيم بن أحمد النّعيمي الحركاتي النّايلي. و قد أدرجنا إسمه ضمن مُدوّنتنا " من فُضلاء منطقة الجلفة من 1861 م إلى مطلع القرن الحادي و العشرين "، في طبعتها الرّابعة (04)، الّتي سترى النُّور قريبا إن شاء الله.
و التّدريس بهذه الزّاوية انقطع تماما و هذا ممّا يُؤسف عليه حقّا لأسباب يعسر جلبها إلى الموضع، و أغلبها واقع تحت وطأة انعدام الدّعم الماديّ و المعنويّ، و ما انحدر من تقاليد المدنيّة، و البُعد عن الأصالة، و التّعلّق الشّديد بالتّعليم النّظامي، و تلاشي الرّابط التّاريخي و انفراط عقده بين الأجيال، و ما انجرّ عنه من قطيعة فظيعة مع الموروث الحضاريّ لمنطقتنا، دفعت بها و زادت من حدّتها ظواهر برّاقة خاوية الوِفاض.
و القائم عليها اليوم هو الأستاذ عبد القادر النّجل الوحيد للشّيخ المُؤسّس (لخضر)، و هو يتحسّب للنُّهوض بالزّاوية، و إعطائها دفعة قويّة من شأنها أن تجعلها تنطلق من جديد، و تغدو قادرة على أن تنهل من الماضي، و لا تُهمل الحاضر، و لا تغفل عن المُستقبل، و ذلك بإنفاق جُزء ملحوظ من ماله الخاصّ، مع قلّة ذات اليد، و من وقته الّذي تتنازع فيه المطالب الأُسريّة و الوظيفيّة و الاجتماعيّة، و حسبه ما يُبذله من سعي و خدمة.
و قد واعدني بأنّه متى هُيِّئ الأمر لذلك، فسيعلن الانطلاقة، راجيا من المولى جلّ و علا التّوفيق و السّداد.
و الّذي أودّ أن أختم به قالتي هذه ؛ هو أنّ جُزءا لا يُستهان به من الرُّبط و الزّوايا العلميّة بوطننا، على ما فيها من العلّات، و على ما اعتراها من خطل و خلل و خطأ، قد هُضم قدرها، و جُهل فضلها، و تُهجّم على تاريخها و شيوخها و موروثها، و أُهيل التّراب بقصد و بغير قصد على ما قدّمته من أعمال و أفضال ؛ خدمة للقُرآن و اللّغة العربيّة و الهويّة الإسلاميّة. و بعض هذه الزّوايا قد أخرجت لنا رُموزا كبيرة، من العُلماء و طُلّاب العلم و الفُضلاء، الّذين بذلوا النّفس و النّفيس في خدمة العلم و المعرفة، رغم المفاوز و الصّواد و الشّواغل ؛ إعظاما منهم و إجلالا و تقديرا، للشّريعة الإسلاميّة الغرّاء، و تعلّقا منهم بسيرة مُعلّم النّاس الخير سيّدنا مُحمّد عليه أفضل الصّلاة و السّلام.
و أنتوي في قابل إن شاء الله أن أجمع هذه الشّذرات و هذه الأطراف في تاريخ الجلفة الثّقافي مع ما يُمكن أن أُضيفه إليها، في ورقات بحثيّة، أو كُتيب مسرديّ ؛ حتّى تكون نبراسا مُضيئا، و شاهد صدق يُنبئ الأجيال، بما عرفته منطقتنا (الجلفة)، في ميدان المعرفة الواسع.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا و إيّاكم خير خلف لخير سلف، و أن يرزقنا و إيّاكم الإخلاص و الصّواب في الأعمال و الوظائف و الأقوال، و أن يُسبغ علينا و عليكم إنعامه و فضله، و أن يُعلي راية العلم في بلادنا هذه، و بلاد المسلمين جميعا، و أن يُعظم شأنها و شأن حامليها، و أن يصونها و يصونهم. آمين. إنّه وليّ ذلك و القادر عليه. و صلّى و سلّم و بارك على مولانا و حبيبنا و قائدنا و شفيعنا مُحمّد بن عبد الله، و على آله و صحبه أجمعين.
هوامش
1 الزّوايا الّتي عرفها القُطر الجزائري الحبيب (دفع الله عنه كُلّ الشُّرور، و جمع أهله و قاطنيه على الخير و السّلام)، سيما منه بلاد القبائل و بلاد توات، كانت على ثلاثة أنواع :
أ زوايا مُختصّة بالقُرآن و عُلومه ؛ من رسم و قراءات و تفسير (دراسات قُرآنيّة)، بالإضافة إلى عُلوم العربيّة ؛ من نحو و صرف و بلاغة و عروض. و شيءٍ من عُلوم التّوحيد و الوضع و الحساب. و هذه نمط من الزّوايا كان موجودا بكثرة ببلاد زواوة و بني ورثلان و ريغة و زمّورة. و من أشهرها على الإطلاق زاوية عبد الرّحمان اليلولي، أو الأيلولي (ت 1105 ه / 1694 م)، بجبال جرجرة، و قد كان فيها تحفيظ القُرآن ( ترتيلا و تجويدا) بقراءاته السّبع، و حتّى العشر، قائما، و ظلّ سادرا فيها إلى غاية سنة 1261 ه / 1847 م ؛ حينما طرأت على برنامج الزّاوية المُشار إليها تعديلات أدخلها القائمون عليها في ذلك الحين. و ظنّي الجازم أنّ ذلك من الأخطاء الفادحة الّتي تسبّبت في تأخير انتشار علم القراءات بوطننا، و هُو علم مُهمّ للغاية كما لا يخفى، و الأمّة في حاجة ماسّة إليه، في كُلّ عصر و مصر. و من أشهر العُلماء الفُقهاء القُرّاء الّذين تخرّجوا من هاته الزّاوية الّتي صارت بعد الاستقلال معهدًا لتكوين الأئمّة ؛ الشّيخ مُحمّد بن بلقاسم البُوجليلي (ت 1316 ه / 1898 م، أو 1314 ه / 1896 م)، صاحب كتاب " التّبصرة في قراءة العشرة ". و لفقيهنا الشّيخ المُعمِّر الطّاهر آيَتْ عَلْجَتْ (حفظه الله) سند في تلقّي طُرُقِ نافعٍ العَشْرَ.. عن شيخه السّعيد اليَجْرِيّ (ت 1371 ه / 1951 م)، عن الشّيخ الشّريف الإِفْلِيسيّ (ت 1334 ه / 1916 م)، عن الشّيخ البُوجليلي المُنوّه به آنفا، و بسنده المُتّصل يرفعه إلى الشّيخ عبد الواحد بن عاشر (ت 1040 ه / 1631 م)، ثمّ مرفوعا مُتّصلا إلى الشّيخ مُحمّد بن غازي (ت 919 ه / 1513 م). و ابن غازي سنده موصولا بالشّيخ الحافظ المُقرئ الشّهير أبي عمرو الدّاني (ت 444 ه / 1053 م)، و هذا الأخير سنده موصولا أيضا بسيّد الخلق الّذي أُنزل عليه القُرآن النّبيّ مُحمّد (صلّى الله عليه و سلّم في كُلّ وقت و حين).
ب زوايا مُختصّة بالعلوم الفقهيّة (مُقرّرات و شُروح و حواشي الفقه المالكي السّائد)، مع تحفيظ القُرآن الكريم أساسا، ثمّ تعليم شيءٍ من التّوحيد و الحديث و العربيّة و الحساب و التّوثيق، و غيرها. و هذا النّوع من الزّوايا هو الغالب.
ج زوايا لإعطاء الأوراد و البركات الصّوفيّة، و نحوها من هذا الكلام. و هذه الزّوايا قليلة الانتشار، و إن كان لها نُفوذ و سُلطان. و نحن في مشروعنا الحضاري لا نُعنى بها و لا نلتفت إليها إلّا لماما.
و لِلعلم فقد وضّحت في مقال لي سابق، العُلوم اللّغويّة و الشّرعيّة الّتي كانت تُدرّس و لا تزال بعموم زوايا القُطر الجزائري، حمل عنوان " مُقرّرات الحفظ و القراءة الّتي استقرّ عليها العمل خلال العُهود الأخيرة عند عُموم الزّوايا الجزائريّة في العُلوم الوسائل و العُلوم الأهداف "، و قد نشرته إدارة جريدة الإنفو مشكورة لذلك، بتاريخ 03 أفريل 2016 م. و الله أعلى و أعلم.
2 كتكملة وفيات ابن قُنفذ الخطيب القسنطيني، و طبقات المالكيّة الجزائريين خِلال المِئة الهِجريّة الأخيرة، و من فُضلاء منطقة الجلفة من 1861 م إلى مطلع القرن الحادي و العشرين. و الله أعلى و أعلم.
3 ظلّت الزّاوية طيلة فترة خدمتها، و بخاصّة من تاريخ إنشائها (1933 م)، إلى أيّام الاستقلال (1962 م)، قِبلة و مَحطّة أنظار للمُعوزين و المُحتاجين و الّذين انقطعت بهم السُّبل و الضُّعفاء، فضلا عن الزّائرين و الضّيوف و المُستفتين و المُسترشدين ؛ تُعطيهم الطّعام و تُسقيهم و تُؤمّن لهم المبيت و تقضي حاجاتهم و تُغنيهم عن السُّؤال. جاء في الحديث ممّا يعني جُزءا ممّا أشرنا.. (أفشوا السّلام و أطعموا الطّعام و صِلوا الأرحام و صَلّوا و النّاس نيام تدخلوا الجنّة بسلام.). أخرجه أحمد و التّرمذي و ابن ماجة و الدّارمي عن عبد الله بن سَلَام (رضي الله عنه)، و ذكره البوصيري في زوائده. و جاء برواية عن ابن عمر (رضي الله عنهما) : (أفشوا السّلام و أطعموا الطّعام و كُونوا إخوانًا كما أمركم الله عزّ و جلّ.). و برواية أخرى عن أبي هريرة (رضي الله عنه) : (أفش السّلام و أطب الكلام و صِل الأرحام و قُم باللّيل و النّاس نيام تدخل الجنّة بسلام). أمّا عن مؤونتها فكانت تأتيها من مُجمل العطايا و الصّدقات و الزّكوات و العشور (عُشر الحبوب النّعمة قمحا و شعيرا) و الحَبوس و الوقف الخيري من المتاع و العقّار و الأراضي، و أموال القُربات و النُّذور و الكفّارات، و غيرها. و الله أعلى و لأعلم.
4 منطقة المقسم بزاقز الغربي، يشترك فيها أولاد عُمران و أولاد عُثمان و أولاد شيبوط، من أولاد سي محمّد (فتحا ؛ أي بفتح الميم الأولى)، من بني سيدي نايل الأشراف. و الله أعلى و أعلم.
5 الإجازة (الإذن) مُؤرّخة بتاريخ يوم الاثنين 12 ربيع ثان 1351 ه، الّذي يُوافقه بالتّأريخ النّصراني 15 أوت 1932 م، و مُوقّعة من طرف الشّيخ عبد القادر بن مُصطفى طاهري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.