الإطار التنسيقي يُنهي الاعتصام في بغداد بعد أن كاد العراق ينزلق إلى مواجهة دموية تعيد فتح جراح العراقيين الذين عاشوا سنوات طويلة من الحروب والأزمات الدموية، بادر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أمس، إلى نزع فتيل الفتنة التي تسبّب قرار اعتزاله السياسي بإشعالها، وأمر بانسحاب أنصاره من البرلمان، خلال ساعة واحدة، مهدداً بالتبرؤ منهم إن لم يفعلوا، فيما أعلنت السلطات على الفور رفع حظر التجوال الشامل وإنهاء الطوارئ من جميع المحافظات. قال الصدر، في مؤتمر صحفي مقتضب عقده في الحنانة بمحافظة النجف، «أحزنني كثيراً ما يحدث في العراق وأتعبني كثيراً، لكن بغض النظر عمن بدأ الفتنة بالأمس أنا أقول أمشي مطأطئ الرأس وأنا أعتذر للشعب العراقي». وأضاف، «القاتل والمقتول في النار سواء كان البادئ الطرف الأول أو الطرف الثاني أو الطرف الثالث، هذا لا يفرق عندي. المهم أن تكون هناك احتجاجات سلمية». وأضاف الصدر، أن «العراقي هو المتضرر الوحيد مما يحدث»، مشيراً إلى أن «الوطن الآن أسير للفساد والعنف». وتابع، «كنا نأمل أن تكون هناك احتجاجات سلمية لا بالسلاح»، لافتاً إلى أن «الثورة التي شابها العنف فهي ليست ثورة». وأردف «أنا الآن أنتقد ثورة التيار الصدري، كما انتقدت ثورة أكتوبر2019 عندما شابها العنف»، مستدركاً «بدلوا عقولكم وانسحبوا بشكل كامل حتى من الاعتصام». مردفاً «لن أتدخل بأي سياسة من الآن فصاعداً وأرجو عدم توجيه أي سؤال سياسي لي». وقال «كنا نأمل أن تكون هناك احتجاجات سلمية لا بالسلاح، والثورة التي شابها العنف فهي ليست ثورة، وأنا الآن أنتقد ثورة التيار الصدري». وتابع: «أشكر القوات الأمنية والحشد الشعبي على التزام الحياد وأشكر القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي»، لافتاً إلى أن: «الدم العراقي حرام واعتزالي هو شرعي لا سياسي، واعتزالي من السياسة نهائي. وعلى الفور بدأ أنصار التيار الصدري بالانسحاب من المنطقة الخضراء بشكل سريع جداً، وقاموا برفع خيم المعتصمين من المنطقة الخضراء. وبعد أن دعا الصدر مؤيديه إلى الانسحاب من الشوارع، قررت قيادة العمليات المشتركة رفع حظر التجوال المفروض في أنحاء البلاد . وكانت قيادة العمليات المشتركة في العراق، أعلنت الاثنين، فرض حظر التجوال في كل أرجاء البلاد فيما دعت الأسرة الدولية الأطراف السياسية العراقية إلى ضبط النفس والحوار. الكاظمي يشيد.. أعلى مستويات الوطنية وقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إن كلمة مقتدى الصدر تحمّل الجميع مسؤولية أخلاقية ووطنية بحماية مقدرات العراق. وأضاف عبر تويتر، أن «دعوة الصدر إلى وقف العنف تمثل أعلى مستويات الوطنية والحرص على حفظ الدم العراقي». كما أكد أن «كلمة الصدر دعت إلى التوقف عن لغة التصعيد السياسي والأمني والشروع في الحوار السريع المثمر لحل الأزمات».. وكانت المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية، شهدت مواجهات أوقعت 33 قتيلا وعشرات المصابين، وفق مصدر طبي. وبدأت المواجهات التي استخدمت فيها الأسلحة الآلية والقذائف الصاروخية بعد نزول أنصار الصدر إلى الشوارع غاضبين، إثر إعلانه اعتزاله السياسة «نهائيا». وتلت ذلك فوضى عارمة. واقتحم الآلاف قصر الحكومة، مقر مجلس الوزراء، ودخلوا المكاتب واستحموا في حوض السباحة الخارجي. وما لبث أن تطور الوضع إلى تبادل إطلاق نار بين أنصار الصدر من جهة والقوى الأمنية وعناصر الحشد الشعبي من جهة ثانية. ويشهد العراق أزمة سياسية حادة منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021. وفشل أقطاب السياسة العراقية في الاتفاق على اسم رئيس جديد للحكومة. كذلك، فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد. دعوات للتهدئة والحوار توالت ردود الفعل الدولية إزاء توتر الأوضاع في العراق، وسط دعوات إلى ضبط النفس بعد إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، عن اعتزاله العمل السياسي، في خطوة دفعت أنصاره إلى الخروج بشكل حاشد لأجل الاحتجاج في مختلف مناطق البلاد. وتزايد القلق الدولي، بعد مقتل وإصابة العشرات في اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن بالمنطقة الخضراء، وسط العاصمة بغداد. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن ما يجري في العراق يثير القلق، كما يضع سيادة العراق في خطر، مشيرة إلى أن التظاهر حق «لكن يجب حماية الممتلكات العراقية». وذكرت الوزارة أن الولاياتالمتحدة تدين استخدام العنف وتحث على أهمية الحفاظ على الهدوء، موضحة أنه ليست ثمة اتصالات متوقعة في الوقت الحالي بين مسؤولين أمريكيين وآخرين في العراق. من جانبه، قال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، «أتابع باهتمام الموقف الراهن بالعراق وأحزنني ما آلت إليه التطورات الحالية في هذا البلد الشقيق». وحذرت الجامعة العربية، من انزلاق الوضع في العراق إلى مزيد من العنف والفوضى وإراقة الدماء. وفي المنحى نفسه، دعا البرلمان العربي، جميع الأطراف والقوى السياسية العراقية إلى ضرورة ضبط النفس ومنع التصعيد، وإعلاء المصلحة الوطنية ووقف العنف والحفاظ على المسار السلمي للعملية السياسية، وفقًا للدستور. هذا، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجهات الفاعلة إلى اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الموقف وتجنب العنف في العراق. وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام، في بيان إن غوتيريش يتابع الاحتجاجات في العراق بقلق ويدعو إلى الهدوء وضبط النفس. كما حث غوتيريش جميع الأطراف والجهات الفاعلة في العراق على «الانخراط في حوار سلمي وشامل دون مزيد من التأخير». بدوره، دعا الاتحاد الأوروبي، جميع الأطراف في العراق إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والهدوء «وتجنب أي أعمال قد تؤدي إلى مزيد من العنف». وقالت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية نبيلة مصرالي عبر حسابها على تويتر «في أعقاب اشتباكات اليوم والتصعيد، يدعو الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس والتزام الهدوء». كما أضافت «من المهم جدا لجميع الفاعلين أن يتجنبوا أي تصرفات من شأنها أن تقود إلى مزيد من العنف.. نؤكد على أنه يجب احترام جميع القوانين وحماية نزاهة المؤسسات». وأكدت المتحدثة دعم الاتحاد الأوروبي لأمن العراق واستقراره وسيادته، داعية جميع الأطراف إلى العمل من أجل نزع فتيل التوتر والانخراط في حوار سياسي «في الإطار الدستوري كوسيلة وحيدة لحل الخلاف. تشديد على السلمية في الأثناء، دعا مكتب بعثة الأممالمتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، جميع المتظاهرين إلى مغادرة المنطقة الدولية وإخلاء المباني الحكومية، وحثّ على أقصى قدر من ضبط النفس. وذكر بيان لمكتب «يونامي» أن «التطورات تصعيد بالغ الخطورة، ويجب على مؤسسات الدولة العمل دون عوائق، خدمة لشعب العراق في الظروف كافة وفي جميع الأوقات، وأن احترام النظام الدستوري أمر ضروري». وحث البيان الجميع على «الاستمرار في السلمية والتعاون مع قوات الأمن والإحجام عن الأعمال التي قد تؤدي إلى سلسلة أحداث لا يمكن إيقافها». كما دعا البيان جميع الأطراف السياسية للعمل نحو تهدئة التوترات، واللجوء إلى الحوار باعتباره الوسيلة الوحيدة لحل الخلافات ولا يمكن أن يكون العراقيون رهائن لوضع لا يمكن توقعه ولا يمكن تحمله». هذا وفي خطوة تدفع نحو التهدئة، قررت اللجنة المنظمة لاعتصام أنصار الإطار التنسيقي إنهاء الاعتصام في بغداد. وقال الإطار التنسيقي للمعتصمين: عودوا إلى منازلكم سالمين وكونوا دوما على أتم الجهوزية لتلبية نداء الوطن. المحكمة الاتحادية تؤجل النظر في دعوى حل البرلمان قال مجلس القضاء الأعلى في العراق إن المحكمة الاتحادية لم تنظر في الدعاوى المعروضة، أمس الثلاثاء، بسبب حظر التجوال الذي فرض عقب الاشتباكات الحاصلة في المنطقة الخضراء ببغداد. في حين ذكرت وسائل إعلام عراقية أن المحكمة الاتحادية أجلت النظر في دعوى حل البرلمان التي كانت مقررة، أمس، حتى إشعار آخر. واستفاقت العاصمة العراقيةبغداد، أمس، على أصوات اشتباكات متقطعة وانفجارات، بعد يوم دام عقب إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي. وشهد العراق في الاثنين تطورات أمنية وسياسية متلاحقة، إذ أخرجت القوات الأمنية بالقوة أنصار الصدر من داخل القصر الحكومي والساحات المحيطة به، وفرضت حظرا للتجول في جميع المحافظات. وكان أنصار مقتدى الصدر اقتحموا مبنى البرلمان واعتصموا به، منذ تاريخ 30 جويلية، وذلك لمنع الإطار التنسيقي من تشكيل أي حكومة. ووسّع أنصار الصدر اعتصامهم بتاريخ 23 أوت الجاري، ليشمل مبنى مجلس القضاء، للمطالبة بحل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية مبكرة.