ثورتنا عظيمة عظم رجالها الذين خططوا لها وقادوها بكل شجاعة ضد أعتى قوة استعمارية في العالم، والدليل على ذلك بيان أول نوفمبر 1954، الذي وجه للشعب الجزائري بكافة أطيافه دون تمييز فأعطى بذلك الخطوط العريضة لإعادة بناء الدولة الجزائرية التي كانت في الأصل موجودة، قبل أن يضع الاحتلال أقدامه على أرضنا. لكن هل طبق الشق الثاني من بيان أول نوفمبر المتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية؟ وفي هذا الصدد، أوضح محمد كشود وزير سابق للعلاقات مع البرلمان ومختص في تاريخ الثورة الجزائرية، لدى نزوله ضيفا لجريدة «الشعب» أن بيان الفاتح نوفمبر 1954 لم يطبق لأسباب موضوعية وأن كل شئ نسبي، وحسبه علينا أن نكون موضوعيين وعقلانيين وأنه في بعض الأحيان هناك بعض الضروريات التي تفرض على الإنسان فيقوم بعمل غير راض عليه. وفي هذا السياق، أعطى كشود تصحيح لبعض المفاهيم التاريخية التي نتداولها مثل مفهوم»الثورة» والأصح هو حرب التحرير، كون المفهوم الأول يعني حدوث تغيير اجتماعي واقتصادي وسياسي بين مجتمع ينتمي لبعضه البعض من حيث المقومات، إن نجحت سميت ثورة وإن أخفقت سميت تمردا، على حد تعبيره، مستشهدا في ذلك بالبيت الشعري لقصيدة الشاعر الكبير مفدي زكرياء «وقمنا لحرب الخلاص شتات...فسلكنا المنهج المستبين»، كما تحدث عن الخطأ في ترجمة العبارة الأولى للبيان من الفرنسية إلى العربية، حيث أدرجت عبارة «بناء الدولة الجزائرية» بدل «إعادة بناء الدولة الجزائرية»، مشيرا إلى أن اسم المجاهد أطلقه الشعب الجزائري على مناضلي جيش التحرير الوطني. وفي رده عن سؤالنا حول التركيز على كتابة تاريخ الجزائر خلال الفترة 1954-1962 دون الحديث عن الفترة التي سبقتها المتميزة بالمقاومات الشعبية، أجاب ضيف»الشعب» أن التاريخ عبارة عن سلسلة حلقات مرتبطة وكل حلقة تمثل حقبة من التاريخ ولها أمجادها وبطولاتها وتضحياتها، كما أن فترة 1954- 1962 تعتبر إحدى الحقب التي لها مميزات، مضيفا أن التركيز على هذه الفترة مرده مصادرة الإدارة الفرنسية لأرشيفينا وثانيا ضياعه وإتلافه بسبب الطبيعة، وكذا إحراق جزء منه من طرف بعض المناضلين. وحسب المجاهد أنه ينبغي التركيز على هذه الحقبة، كي لا يقع لنا ما وقع عند ضياع أرشيفنيا المتعلق بالحقبة ما قبل 1954، وأصبحنا نطلع عليه من خلال كتابات المؤرخين الفرنسيين الذين يكتبونه بخلفية مملوءة بالمغالطات بنسبة 99 بالمائة كتابات فرنسية، مثل ما كتبه المؤرخ والصحافي المعروف»إيف كوريال» الذي تمكن من الوصول إلى الأرشيف، وافتك تصريحات من عند الضباط الجزائريين، لكن كتاباته كانت ما بين السطور سموما، يجب قراءتها بحذر، بما في ذلك الكتب التي تحدثت عن إبادة الشعب الجزائري كما حصل في قبيلة العوفية، بإعطاء أسباب واهية وفق منظروهم. قائلا:»بقيت لنا شهادة من عايشوا الأحداث فقط وجلهم كبار السن ومرضى ومنهم من مات لهذا يجب التركيز على هذه الفترة»، داعيا إلى عدم الاقتصار فقط على شهادة المجاهدين بل أن بعض العامة يمكن أن نجد عندهم شهادة تفيدنا في كتابة تاريخ الذاكرة الوطنية، مشيرا إلى أننا بصدد تسجيل التاريخ حتى يكون مرجعيات لجيل المستقبل كي يكتب التاريخ وليس بصدد كتابته. المرحلة الانتقالية غداة الاستقلال فوتت علينا كتابة التاريخ وأضاف كشود أن أغلبية المجاهدين آنذاك كانوا أميين، ولهذا لم يكتبوا تاريخهم أو لم يكن لهم الوقت للكتابة، لأنهم نتيجة ظروف معينة كانوا يسعون بالأولوية للحصول على لقمة العيش لعائلته ولا يمكنهم التفكير في كتابة التاريخ، كما أن المرحلة الانتقالية التي مرت بها الجزائر من 19 مارس 1962 إلى 28 سبتمبر 1962 حيث تشكلت الحكومة الأولى في ظل الجزائر المستقلة، شهدت عدة مشاكل، منها كيفية تأمين التدريس والمدرسين لمليون طفل خلال الموسم الدراسي الأول بعد الاستقلال، منوها في هذا الإطار بالمساعدة الكبيرة التي قدمتها دولة مصر الشقيقة تحت قيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في إرسال أساتذة إلى الجزائر لتعليم أبناءنا، في حين فرنسا وعدت بإرسال مجموعة من الأساتذة لكنها لم تفعل ذلك. وعن دور الأنشودة الثورية في بث الحماس الوطني لدى الناشئة، أوضح كشود أن الطفل عندما يتربى يمر بثلاث مراحل أولا الخلية العائلية وهي الأساس ثم المرحلة الدراسية التي تمثل الأستاذ ثم المحيط الاجتماعي، فإذا غرست فيه الروح الوطنية بالمنزل ثم وجد أمور مكملة بالمدرسة فبذلك تنجح وتغرس لديه الروح الوطنية، وإذا لم تفعل ذلك فيحدث عكس ذلك، وحسبه أن الأنشودة الوطنية يجب تفسيرها عند التلقين ليدرك الطفل معناها الحقيقي. مثل البيت الشعري لمفدي زكرياء القائل:»لولا التحام الصفوف وقانا ...لكنا سماسرة مجرمين» الذي ينبغي تفسيره بشكل جيد كي يفهمه الطفل.