جامعة بجاية، نموذج للنجاح    بحث فرص التعاون بين سونلغاز والوكالة الفرنسية للتنمية    ملابس جاهزة: اجتماع لتقييم السنة الأولى من الاستثمار المحلي في إنتاج العلامات العالمية    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    السيد مراد يشرف على افتتاح فعاليات مهرجان الجزائر للرياضات    قسنطينة: افتتاح الطبعة الخامسة للمهرجان الوطني "سيرتا شو"    الطبعة الرابعة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي : انطلاق منافسة الفيلم القصير    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: حضور لافت في العرض الشرفي الأول للجمهور لفيلم "بن مهيدي"    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    وسط اهتمام جماهيري بالتظاهرة: افتتاح مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    بطولة وطنية لنصف الماراطون    سوناطراك توقع بروتوكول تفاهم مع أبراج    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    الجزائر تحيي اليوم العربي للشمول المالي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ خالد بن تونس للشروق: الخطر على الإسلام أن يتحول إلى شكل بدون روح
نشر في الشروق اليومي يوم 13 - 03 - 2007


حوار: أنيس رحماني:[email protected]
يعتبر الشيخ خالد بن تونس أننا كمسلمين أسأنا تقديم الإسلام للغير، في الوقت الذي يزداد فيه الإقبال على الإسلام خارج نطاق العالم العربي الإسلامي وهذا انطلاقا من تجربته الواسعة في حقل الدعوة إلى الإسلام. وتحدث الشيخ بن تونس في هذه المقابلة عن قناعته فيما يعتقد وهو الرئيس الشرفي للزاوية العلوية بمستغانم أن التهديد الأكبر الذي يواجه الأديان ليس فقط الإسلام هو أن يتحول الدين إلى مجرد شكل دون روح أو محتوى، ذلك لان الأديان تلعب دورها في تزويد الإنسان بالحياة الروحية‮ وقال‮ أن‮ الروائح‮ الكريهة
‮ المنبعثة‮ من‮ مراحيض‮ المساجد‮ في‮ العالم‮ الإسلامي‮ دليل‮ على‮ وجود‮ خلل‮ في‮ تدين‮ المسلمين‮ كما‮ أن‮ انتشار‮ الرشوة‮ والفساد‮ أدلة‮ أخرى‮ على‮ هذا‮ الانحراف‮.‬ من‮ هو‮ العلامة‮ الشيخ‮ خالد‮ بن‮ تونس
هو الشيخ خالد عدلان بن تونس بن محمد المهدي ولد بمستغانم سنة 1949 و بها نشأ، ينتسب إلى عائلة عريقة في النسب من أكبر العائلات المستغانمية، ضمت علماء و صلحاء و فقهاء من أبرزهم جده الأقرب الشيخ عدة بن تونس و جده الأكبر مؤسس الطريقة العلاوية الشيخ أحمد بن مصطفى‮ العلاوي‮.‬ ترعرع الشيخ عدلان بين أحضان الزاوية العلاوية الكبرى بمستغانم حيث تلقى دروسه الإبتدائية و القرآن الكريم وعلوم الدين من فقه و حديث و تصوف، هذا الأخير الذي تلقاه على يد شيخه و أبيه الشيخ محمد المهدي، و كانت دروسه بالزاوية موازاة مع دروسه في المدارس العمومية. في شبابه المبكر توجه إلى أوربا بإشارة من أبيه، فانتقل إلى فرنسا و منها إلى انكلترا لينخرط في كلية الحقوق بجامعة أكسفورد، و لما لم يتأقلم مع الجو هناك عاد أدراجه إلى فرنسا، ليدخل ميدان التجارة فكانت هذه الممارسة سببا في احتكاكه بعالم أوربا المادي والذي كان على‮ النقيض‮ مما‮ تعلمه‮ من‮ القيم‮ الروحية‮ في‮ رحاب‮ الزاوية‮ العلاوية،‮ تلك‮ القيم‮ التي‮ كانت‮ سندا‮ له‮ في‮ اجتياز‮ ذلك‮ الاختبار‮ الصعب،‮ وصقلت‮ تجربته‮ في‮ عالم‮ الدنيا‮ المليء‮ بالمتناقضات‮.‬ في سنة 1975 انتقل والده الشيخ محمد المهدي إلى جوار ربه بعد أن تعرض إلى المضايقات والتنكيل من طرف أجهزة الأمن في تلك الفترة، فعاد إلى مستغانم ليحضر مراسيم الدفن لكن عناية الله شاءت أن يُجْمِع مجلس الحكماء و كافة المريدين بمستغانم على مبايعته خلفا لوالده، و ألزموه‮ بذلك‮ لما‮ كان‮ يظهر‮ عليه‮ من‮ الأهلية،‮ و‮ من‮ حينها‮ أصبح‮ الخليفة‮ الرابع‮ على‮ رأس‮ الطريقة‮ العلاوية‮. شرع بعد تصدره للمشيخة في تجديد هياكل الطريقة العلاوية عبر مختلف الدول، ابتداءً من الزاوية الأم بمستغانم، فشيد الزوايا بداخل الجزائر و خارجها، و أضاف إليها عددا من أقسام الدراسة و مكتبات المطالعة و أحيى العمل الجمعوي، فأسس عددا من الجمعيات كجمعية أحباب الإسلام‮ بباريس‮ و‮ بروكسل،‮ و‮ جمعية‮ الشيخ‮ العلاوي‮ للتربية‮ والثقافة‮ الصوفية‮ بالجزائر،‮ والكشافة‮ الإسلامية‮ بفرنسا،‮ و‮ أخيرا‮ جمعية‮ أراضي‮ أوربا‮ بباريس‮.‬ إضافة‮ إلى‮ ذلك،‮ أسس‮ معهد‮ ألف‮ للإعلام‮ الآلي‮ كان‮ الغرض‮ منه‮ إدخال‮ تراث‮ الحضارة‮ الإسلامية‮ في‮ الحاسوب‮ الآلي‮ (‬علوم‮ القرآن،‮ علوم‮ الحديث،‮ تاريخ‮ الأعلام،‮ و‮ الفقه‮ الإسلامي‮.‬ و في الحقل الصحفي أصدر مجلة أحباب الإسلام، و منشور " لقاء "، و أًلِف إعلام (ALIF INFO) هذا ويشارك الشيخ خالد عدلان بن تونس و ينظم العديد من الملتقيات و المحاضرات و الندوات عبر العالم، الغرض منها خلق حوار بناء بين مختلف الأديان و الثقافات، و ابراز أهمية الدور الروحي و التربوي في حياة الإنسان المعاصر، نذكر منها على سبيل المثال ملتقى التربية الروحية في الإسلام الذي يعقده مرة كل سنة بالجزائر، ومؤتمر حول إسلام السلام الذي انعقد بمقر اليونيسكو بباريس سنة 2000، وغيرها من المؤتمرات. للشيخ خالد بن تونس عددا من الأعمال الفكرية من مقالات و محاضرات و لقاءات، إلى جانب كتابه "التصوف قلب الإسلام"، و كتاب "الإنسان الباطني على ضوء القرآن"، و تحقيقه لكتابي "عيسى روح الله"، و "هكذا حدثني الشيخ عدة بن تونس" صدرا تحت عنوان "نغمة الأنبياء".
‮ لعل‮ أول‮ سؤال‮ يتبادر‮ إلى‮ الذهن‮ الآن‮ هو‮ علاقة‮ الإسلام‮ بالغرب،‮ كيف‮ تشكّلت‮ هذه‮ العلاقة؟
لا بدّ من العودة إلى التاريخ، فالغرب لم يقبل أبدا الإسلام في أوربا، والحروب الصليبية وفتوحات المسلمين في أندونيسيا والأندلس ووصولهم إلى فرنسا في معركة "بواتييه"، وبناء على هذه الأحداث ترسّب في أذهان الغرب فكرة مفادها أن الإسلام جاء ليغزوهم، وقد قامت الكنيسة بترسيخ هذه الفكرة في أذهان الأوربيين في العصور الوسطى، لكن رغم ذلك لا بدّ من القول إن هناك أوربيين كانوا لا ينظرون إلى الإسلام نظرة الغازي، وكان منهم من تحالف مع المسلمين، ونذكر هنا الإمبراطور "فريديريك" إمبراطور النورمنديين، الذي كانت ثقافته عربية وكان يتحّدث العربية، وكان ديوانه عربيا، كما أن الكثيرين من علماء ومفكري عصر النهضة في أوربا أخذوا كثيرا عن العلماء المسلمين، مثل ابن سينا وابن رشد والفارابي وأخذوا العلوم الفلسفية والفقهية والحساب والهندسة... ولكن بعد أن بدأ الإسلام يتراجع، بدأ الأوربيون يكيدون‮ له،‮ وأُخرِج‮ المسلمون‮ من‮ الأندلس‮ وتعرّضت‮ أراضيهم‮ للغزو،‮ فاحتُلّ‮ المغرب‮ العربي،‮ وبقي‮ العالم‮ الإسلامي‮ يتعرّض‮ للهجمات‮.‬ وقد انغلق العالم الإسلامي على نفسه و لم يعُد قادرا على مسايرة ما يجري حوله، وهنا لا بُد من الرجوع إلى القرن التاسع عشر، وفترة الاستعمار الأوربي لشمال إفريقيا. فالتاريخ يقول إن أهل النهضة حاولوا تحليل هذه الوضعية وتحسينها والبحث في الأسباب التي قادت العرب والمسلمين إلى الضعف، وكيف السبيل للفرد المسلم أو العربي حتى يعكس هذه الأوضاع، وحاول بعض المفكرين العرب أمثال محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وشكيب أرسلان، وحتى الأمير عبد القادر الجزائري الذي فتح بيته في المنفى بسوريا آنذاك لاحتواء المفكرين العرب للنقاش والحوار‮ في‮ محاولة‮ لتطوير‮ العالم‮ العربي‮ الإسلامي‮ وحتى‮ مسلمي‮ الهند‮ حينها‮.‬ كما لعب المفكران المسلمان "محمد عبده "الذي كان مفتيا بمصر و"جمال الدين الأفغاني" الذي كان وزيرا في أفغانستان، دورا رئيسيا في تكوين حركة النهضة الإسلامية وفكرة الرجوع إلى السلف والاقتداء بهم. وقد حاولا وضع إجراءات تقدمية في السياسة التربوية لبلديهما بإدخال الحداثة، وهذا ما لم تتقبله السلطة الحاكمة آنذاك، ففر الأفغاني إلى تركيا نهاية القرن التاسع عشر، وواصل محاولاته الإصلاحية ليلقى معارضة شديدة من طرف الخليفة العثماني عبد الحميد وهدد هناك بالعزل والسجن، فشد رحاله نحو فرنسا أين التقى هناك بمحمد عبده الذي لقي نفس المعارضة في الأزهر بمصر، فانتقل بعدها للعمل كأستاذ بسوريا، وبعدها إلى باريس سنة 1883، حاولا جاهدين العمل على كيفية صنع كرامة العالم العربي الإسلامي من خلال دراسة المجتمع الأوروبي وأخذ مثال عن التطور الذي يعيشونه على الأصعدة التكنولوجية، الإدارة والتعليم،‮ وربطوا‮ ما‮ خلصوا‮ إليه‮ بما‮ كان‮ عليه‮ المسلمون‮ الأولون،‮ ومن‮ هنا‮ ظهرت‮ فكرة‮ "‬السلفية‮" بمفهومها‮ الأول‮ حول‮ الانفتاح‮ والنهضة‮ والتغيير‮ في‮ الأوضاع‮ السياسية‮ والاقتصادية‮ والعلمية‮ في‮ العالم‮ الإسلامي‮.‬
‬‮ لكنها‮ تحولت‮ إلى‮ مقارنة‮ مناقضة‮ ومناهضة‮ لمنهج‮ مؤسسي‮ التيار‮ السلفي؟‮
جاءت هذه من بعد، حيث أنشأ الثنائي "العروة الوثقى" وجريدة "المنار" التي كانت تحت إدارة "رشيد رضا" أحد تلاميذ محمد عبده، وكانت الجريدة التي بدأت في الصدور قد لقيت صدى كبيرا عند المثقفين العرب والمسلمين في الشرق والغرب، وبدأت معها فكرة الإصلاح، بعد وفاة محمد عبده حمل اللواء "رشيد رضا" الذي لعب دورا مهما في تغيير فكرة الاقتداء بالسلف الصالح إلى فكرة الانغلاق والتشدد، بعده عقد مؤتمر للدول الإسلامية في مكة في سنة 1925 حيث ترأس المؤتمر الملك سعود، وبدأ التطرف بتدخل الحركة الوهابية، وقرر الاثنان إعانة بعضيهما، وكان لزاما على الحركة الوهابية الدخول عبر مذهب من المذاهب المعروفة "الحنبلي" حتى يُقبلوا في أهل السنة والجماعة، لا ننسى التاريخ يشهد أنهم قاموا بتهديم جميع أضرحة الصحابة الكرام، وحتى منزل الرسول الكريم ودخلوا المدينة المنورة، وهموا بتهديم ضريحه لولا انتفاضة المسلمين ضد ذلك، ولولا التفطّن لحدثت الكارثة. وهنا لا بدّ من الإشادة إلى الدور الذي لعبه مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبد العزيز آل سعود، الذي كان ذكيا وعرف كيف يستقطب هذه الحركة. نحن الآن في سنة 1925، كل العالم الإسلامي تقريبا مُستعمر، وخاصة الدول العربية. لقد جاء السلفيون بأفكار تدعو إلى الدفاع عن الدين والوطن والنفس وعن الهوية العربية الإسلامية، وتزامنت تلك الأفكار مع بروز الحركات الوطنية في الجزائر والمغرب الأقصى بزعامة كل من مصالي‮ الحاج‮ وعلال‮ الفاسي‮ وغيرهما،‮ وكانت‮ الفرصة‮ مواتية‮ لأن‮ يستعين‮ الوطنيون‮ ببعض‮ أفكار‮ السلفيين‮ التي‮ كانت‮ تصب‮ في‮ سياق‮ التحرير‮ والاستقلال،‮ وسارت‮ الأمور‮ في‮ نفس‮ الاتجاه‮ حتى‮ الاستقلال‮. الحاصل أن الحركة السلفية "تطعّمت" بتوابل من الحركة الوهابية التي أنكرت الدور الريادي للزوايا حيث كان الحديث ساريا في المجتمع عن الإسلام مرتبطا بتقاليد عميقة بالزوايا التي كانت تدرّس القرآن والتي كان لها دور كبير في بناء المجتمع. وأعتقد أنه لا يوجد جزائري واحد‮ ليس‮ له‮ جدّ‮ أو‮ أجداد‮ متصوّفون‮ ومن‮ خريجي‮ الزوايا‮.‬ إن الإسلام ليس دين عنف أو إكراه، إنّه دين السنة والجماعة، والاختلاف فيه رحمة، ولدينا مذاهب إسلامية عديدة، لا يجب على الإنسان أن يُنكر غيره أو أن يكرهه لأنه لا يتفق معه في المذهب، فالإسلام متفتّح على المجتمع كما هو، وعلى كل الاختلافات الموجودة فيه، ففي الجزائر‮ مثلا‮ لدينا‮ الإباضية،‮ وهم‮ يعيشون‮ وسط‮ مجتمع‮ سني‮ ولم‮ يكن‮ هناك‮ تناقض‮ بين‮ الطرفين،‮ هذا‮ واقع‮ لابد‮ أن‮ نقول‮ به،‮ أما‮ الغلوّ‮ الذي‮ نراه‮ الآن‮ في‮ الحركات‮ الإسلامية‮ فلم‮ يكن‮ موجودا‮ من‮ قبل‮ أبدا‮.
‬‮ ما‮ هي‮ الأسباب‮ التي‮ جعلت‮ الغلوّ‮ يأخذ‮ بعدا‮ وأن‮ يصبح‮ عنصرا‮ أساسيا‮ في‮ تحديد‮ علاقة‮ الإسلام‮ بالغرب؟
الحركة الوطنية لعبت دورا كبيرا في هذا الأمر، فبعد أن حصلنا على الاستقلال، لم نُعط أهمّيّة لنشر ثقافة الهوية الإسلامية في المغرب العربي، لقد كانت مسألتا الثقافة والتربية قضيّتين ثانويّتين إذاك، على الرغم من أهميتهما، ربّما كانت هناك أولويات من قبيل بناء المدارس والمستشفيات وتكوين الأطبّاء والمهندسين وتوفير الشغل، لكن وللأسف انصبّ التكوين على الناحية التقنية، وأهملت النواحي الفكرية المتعلّقة بأصالة المجتمع وتاريخه، وهو الدور الذي كانت تقوم به مؤسسة الزاوية، بل لقد كانت هناك مجالات لا تتدخّل فيها السلطة بينما‮ تتدخل‮ فيها‮ الزوايا،‮ كإصلاح‮ ذات‮ البين‮ مثلا،‮ وتبادل‮ الأفكار‮ بين‮ أفراد‮ المجتمع‮.‬ فتخيّلوا أنه من بين المراسيم الأولى التي صدرت عن وزارة الشؤون الدينية سنة 1964 في فترة حكم بن بلة وبإيعاز من المصلحين الذين تبنوا أفكار السلفية الجديدة هي تأميم الزوايا، هذه بداية البداية فقط.. لقد كانت الزوايا همزة وصل بين السلطة الحكمة والأمة، والكثير من الزوايا لعبت دورا رائدا في تحرير البلاد، لكن ما حدث بعد ذلك فتنة عظمى، حيث أن "المصلحين" الذي كان منهم أعضاء في الحكومة أحيوا الخلاف الذي كان سائدا بين جمعية العلماء المحسوبة على المصلحين وجمعية علماء السنة المحسوبة على رجال الزوايا فانتقموا منهم بإغلاق زواياهم، وهذا أمر غير مقبول، كيف يمكن لطائفة أو جماعة أن تستغل نفوذها في الحكومة للانتقام من جماعة أخرى تخالفها الرأي بمثل هذا العمل؟
‬‮ تشيرون‮ هنا،‮ ضمنا،‮ إلى‮ أن‮ بعض‮ المؤيدين‮ والمتعاطفين‮ مع‮ جمعية‮ العلماء‮ استغلوا‮ بن‮ بلة‮ لتكسير‮ الزوايا؟
نعم في فترة بن بلة، وفي فترة بومدين أيضا، هذه حقيقة لا يجب أن ننكرها. لقد أصبحت الزوايا في هاتين الفترتين ممنوعة من التعليم، اللهم إلا الزوايا الموجودة في الصحراء والتي كانت بعيدة عما يجري في الشمال، كزاوية سيدي محمد بلكبير وزاوية كونته وفي تيميمون أيضا‮.‬
‬‮ هل‮ كان‮ الهدف‮ من‮ وراء‮ "‬ضرب‮ الزوايا‮" الانتقام‮ فقط،‮ أم‮ أنّ‮ الأمر‮ كان‮ يتعلّق‮ بمشروع؟
كان الأمر في البداية انتقاما، ولكنّه تحوّل فيما بعد إلى مشروع. مشروع يُفرز زوايا متخلّفة تُلصَق بها معاني الشعوذة والدّجل لإبعاد الناس عنها، في حين كانوا يُحدّثوننا عن شخصيّة جزائرية عصرية تعيش الحداثة وتساير الزمن، وكانت كل تلك المعاني مأخوذة من الغرب.. نحن لم نرفض أن يعيش الإنسان في عصره، ولكن أن يعيش بشخصيّة متينة لها علاقة بتاريخها، انظر ماذا يُدرسون أبناءنا في المدارس، يقولون لهم بأن تاريخ الجزائر بدأ منذ سنة 1830، فهل معقول أن تاريخنا بدأ من احتلال فرنسا لبلادنا؟. لا، إن تاريخ هذه البلاد يعود إلى العصر الحجري، والآثار الموجودة في الصحراء وفي الطاسيلي حجة ودليل على أن إنسان هذه البلاد قديم جدا. كما عاش هنا البيزنطيون والرومان والوندال، والبرابرة هم أصل الجزائر.. كل هذا فرّطنا فيه وكأن هذا الإنسان الجزائري لا يستطيع أن‮ يتحمّل‮ المسؤولية‮ التاريخية‮ ويفتخر‮ بأصله‮ ونسبه‮.‬ نعم، لقد كان من البرابرة يهود في الجزائر، ولدينا مقابر من أقدم مقابر اليهود في بلادنا، وهي مقبرة تين ميمون، وميمون هذا كان رجلا يهوديا أسلم وأسلمت معه قبيلته. كما كان هنا مسيحيون نذكر منهم مؤسس كنيسة عنابة "القديس أوغسطين" الذي كان جزائريا.. لقد أقبل البرابرة في الجزائر على الإسلام حين دخل عليهم، واحتضنوه وحافظوا عليه، ثمّ كنا فاطميين وخوارج وشيعة أيضا، لقد مررنا بكل التجارب ولا يجب أن ننكر هذا الأمر، بل لا بدّ من الاطلاع على التاريخ، حتّى نعرف الوضع الذي نحن عليه الآن. لقد أصابنا الفقر الفكري لأننا لم ندرس ميراثنا الإسلامي والتاريخي كلّه، فوقعنا في الفخّ.. أصابنا الفقر حتّى أصبحنا ننكر وجود تراث إسلامي حقيقي في بلادنا، وصرنا نبحث عن هذا التراث بعيدا عن الجزائر، وكأن الجزائر ليست مسلمة بما يكفي، فكان أن ذهبنا إلى السعودية‮.‬ وعندما ذهبنا إلى السعودية في 1984 و1986 كان من بيننا بعض الإخوة في وزارة الداخلية وكنا نقول لهم، بناء على ما رأينا في السعودية وفي جامعاتها، إن هذا الشباب الجزائري والمغربي... الذي كان هناك قد يكون خطرا علينا يوما ما. وكانوا يقولون للكثير من الشباب من المغرب الأقصى وتونس والجزائر وحتى إفريقيا كونوا مسلمين وجاهدوا في سبيل الله، جاهدوا الإلحاد الشيوعي كما كان الحال في الاتحاد السوفياتي الذي كان ملحدا. وعندما انتهت القضية السوفياتية وخرج الروس من أفغانستان، قالوا لهم اذهبوا الآن إلى بلدانكم التي ابتعدت عن الإسلام لتبعثوا الإسلام فيها من جديد. وأصبح الشاب منهم يذهب إلى أبيه أو أخيه ويقول لهم الإسلام الحقيقي كذا وكذا، وينكر الإسلام المعتدل الذي له قرون من الوجود في أوطاننا. وهذه هي النقطة الحساسة.
‬‮ بالنسبة‮ للتغيير،‮ لما‮ عادوا‮ ليغيروا‮ الأوضاع‮ في‮ الجزائر‮ برزت‮ تنظيمات‮ وأسماء‮ وبرز‮ ما‮ يعرف‮ الآن‮ بالسلفية‮ الجهادية‮. فما‮ معناها‮ بالضبط‮ ؟‮ هل‮ تعني‮ حقيقة‮ أن‮ يغير‮ الناس‮ كل‮ شيء‮ بالقوة‮ والعنف؟‮.‬
‮ الإسلام‮ كان‮ دائما‮ يدعو‮ إلى‮ الوسطية‮ ومحاربة‮ الغلو،‮ حتى‮ أن‮ أجدادنا،‮ وإن‮ عاشوا‮ الظلم‮ والاستعمار،‮ لم‮ يكونوا‮ أبدا‮ من‮ أهل‮ الغلو‮ بل‮ من‮ دعاة‮ الوسطية‮.‬ فكرة الجهادية انطلقت من أن أمتنا غير إسلامية؛ أي تكفيرية. كيف يُعقل أنّ من يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" دمه ورزقه وعرضه حلال؟!. والأمة الجزائرية دفعت الكثير كما تدفعه الآن الأمة العراقية. مَن وراء هذه الحركة التي بدأت في أفغانستان؟ إنهم المحافظون الجدد‮ في‮ أمريكا،‮ وهذا‮ شيء‮ معروف‮ لدى‮ الجميع‮.‬
‬ما‮ هو‮ هدفها؟
العالم الإسلامي يملك طاقات وثروات يستغلها العالم بأسره كالغاز والبترول والمعادن. كما يملك ثلث الطاقة الموجودة في العالم، من موريتانيا التي اكتشفت فيها أخيرا معادن وبترول إلى الجزائر والعراق والسعودية... كلها تنتمي إلى العالم الإسلامي. لقد أشعلوا فتنة داخلية وصراعا داخليا، حتى لا يفكر العالم الإسلامي في التطور والاتحاد والنجاح. فنحن في المغرب العربي جيران، إلا أن الحدود لا تزال مغلقة فكيف نحقق الاتحاد؟! وكيف يمكن للناجح أن يقوم بالتعامل والتبادل من ناحية الفكر والعلوم والاقتصاد التي بها يكون الازدهار. أما هذه الجماعات فهي بمثابة "حجرة في السباط" حتى لا تستطيع الدول المشي والنهوض. وهذا الغلو لا يمثل استراتيجية لحكم ولا لدولة. على أي أساس تقوم الدولة إذا غذاها العنف؟! وهل الإنسان إذا تدين خوفا من الحاكم وليس من الله هو حقا متدين؟! يقول القرآن‮ "‬لا‮ إكراه‮ في‮ الدين‮"‬،‮ "‬وقل‮ جاء‮ الحق‮ من‮ ربك‮ فمن‮ شاء‮ فليؤمن‮ ومن‮ شاء‮ فليكفر‮".‬
‬‮ العنف‮ المسلح‮ عاد‮ يهدد‮ الآن‮ أوربا،‮ فهل‮ هو‮ تهديد‮ حقيقي‮ أم‮ مصطنع؟
الاثنان معا. وقد رأينا في الكشافة الإسلامية في فرنسا مثلا شبابا ينضمون إليها، بأفكار عجيبة، كأن لا يصافحوا غير المسلم ويبصقوا على كنيسة إذا مروا بها، ولكنهم ابتعدوا عن هذه التصرفات بعد فهمهم الحقيقي للإسلام. الحرية‮ منعدمة،‮ هناك‮ تقليد‮ وتبعية‮ فقط،‮ وبنيان‮ الشخصية‮ الإنسانية‮ لا‮ يكون‮ حيث‮ يكون‮ هناك‮ ناس‮ ترعاهم‮ مثلما‮ ترعى‮ الغنم‮. لقد تجوّلت أخيرا في الجزائر ولاحظت أن في يوم الجمعة مثلا المساجد -والحمد لله- عامرة بالمصلين، لكن -يا للأسف- عندما تدخل إلى أماكن الوضوء تلاحظ انتشار الروائح الكريهة.. كيف لنا إذن أن نتبنى الإسلام بهذا الشكل!.. أين هو وعي الإنسان المصلي الذي بمجرد خروجه من‮ المسجد‮ يمارس‮ المنكرات،‮ كالرشوة،‮ ويسلب‮ حقوق‮ الناس،‮ ونفس‮ الشيء‮ بالنسبة‮ لمن‮ يحج‮!. وهذا‮ إسلام‮ شكلي‮.‬ أين الوعي.. أين الإسلام الذي يبني الضمير؟ وأين هو الإسلام الحقيقي؟ الإسلام الذي يقول "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا". لقد تحوّل هذا الأمر إلى محاسبة الإدارة أو الحكومة، ونسينا محاسبة أنفسنا. هذه هي المسائل التي تخصنا ويجب أن نعطي لها الأولوية، ثم بعد هذا يأتي الغرب ثم الغزو الفكري؛ أي أننا لما نحاسب أنفسنا نحن العرب حينها نحوّل اهتمامنا للعولمة المبنية على الإنسان المادي والثقافة المادية والاقتصاد، حيث أن الإنسان ليس لديه أية قيمة، كل شيء مبني على المال والربح. الإنسان اليوم في خطر، نحن كمسلمين دورنا في الإنسانية‮ مبني‮ على‮ التوحيد‮.‬ التوحيد‮ في‮ رأيي‮ عبارة‮ عن‮ دائرة‮: دائرة‮ الفضائل‮ والوجود،‮ وليس‮ دائرة‮ السوء‮ والاستغلال؛‮ أي‮ استغلال‮ الإنسان‮ للإنسان‮.‬ عندما‮ ننظر‮ إلى‮ التوحيد‮ بهذه‮ الكيفية‮ نجد‮ أن‮ كل‮ موجود‮ في‮ الدائرة‮ هو‮ عبارة‮ عن‮ نقطة،‮ وهو‮ أول‮ وأخير‮. ولذلك‮ فالناس‮ سواسية،‮ ولا‮ فضل‮ لأحد‮ على آخر‮ إلا‮ بالأخلاق‮ الفاضلة‮.
‬‮ برزت‮ في‮ مطلع‮ التسعينات‮ ظاهرة‮ الإسلام‮ المسلح‮ وعنف‮ الجماعات‮. كيف‮ تنظر‮ إلى‮ حمل‮ السلاح‮ في‮ الجزائر،‮ وقتل‮ الجزائري‮ أخيه؟‮.‬
إن من يقوم بهذا العمل يتخلى عن وطنيته ولا يرى في عمله إثما أو معصية، إن هذه الإديولوجية "الجهادية" تنزع من معتنقيها الإسلام والوطنية الجزائرية، وهذا نتيجة الأفكار الهدّامة التي تحملها مع أن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: "حبّ الوطن من الإيمان".
‬‮ هل‮ يستطيع‮ أن‮ يكون‮ جهاديا‮ ولا‮ يكون‮ جزائريا؟
الإنسانية معاملة مبنية على أساس: اصبر علي أصبر عليك، أما إذا كسر الإنسان هذه الحدود وطغى عليها، فهذا الإنسان يعاني من خلل نفسي، هناك أناس سئلوا بعد المصائب كيف كانوا يرون الأمور والآن كيف يرونها، قالوا إنهم كانوا على يقين لما ذبحوا إنسانا ويرون أنهم قاموا‮ بخصلة‮ "‬ما‮ شاء‮ الله‮"‬،‮ وأنهم‮ مأمورون‮ من‮ عند‮ الله،‮ وأن‮ ما‮ قاموا‮ به‮ عمل‮ رباني‮ .‬ ويقولون‮ "‬قال‮ الله‮ وقال‮ الرسول‮" في‮ كل‮ عمل‮ يقومون‮ به،‮ وما‮ دام‮ ليس‮ لديهم‮ مقياس‮ فيقولون‮ قال‮ الله،‮ هذا‮ كله‮ لأن‮ لديهم‮ تفكيرا‮ خاطئا‮.‬ يقول تعالى "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب..." يجب أن يكون لهم تفكير عن نحو ما جاءت به الآية الكريمة، أما أن يتبنوا أفكارا مثلما تبناها قبلهم، تحت غطاء الإديولوجية، بعض الماركسيين والشيوعيين الذين أباحوا قتل الأبرياء والاعتداء‮ على‮ حقوق‮ الإنسان‮ بصفة‮ عامة‮.. فهذا‮ أمر‮ خطير‮.‬
‮ هل‮ هناك‮ أساس‮ ديني‮ لهؤلاء‮ الغلاة؟
حاشا للّّه؟ القرآن والحديث وجميع الميراث الإسلامي لم يدعُ إلى هذا، إنما ترك الناس أحرارا في معتقداتهم، بل أن المسلمين حافظوا على اليهود واحتضنوهم ولم ينصبوا لهم المحرقة، ولولا تعاليم الإسلام لقضت النصرانية على اليهود. انظر مثلا إلى ابن ميمون، هذا اليهودي الذي‮ درس‮ في‮ القرويين‮ بفاس‮ وكان‮ الطبيب‮ الخاص‮ لصلاح‮ الدين‮ الأيوبي،‮ يعتبر‮ (‬ابن‮ ميمون‮) إلى الآن‮ من‮ أكبر‮ فلاسفة‮ اليهود‮.‬ وعندما أتى المسيحيون من أهل نجران إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عقد معهم حلفا، ثم طلبوا منه مكانا لأداء مناسكهم فقال لهم إن أحسن مكان لذلك هو المسجد الذي هو بيت الله، ولم يقل إن هؤلاء نجسن لا يدخلون المسجد بالرغم من أنه أول بيت لعبادة الله في الإسلام. وهذه‮ القصة‮ عندما‮ سمعها‮ مني‮ الرئيس‮ شيراك‮ سأل‮ الحاضرين‮ من‮ أعضاء‮ المجلس‮ الفرنسي‮ للديانة‮ الإسلامية‮ (‬CFCM‮) هل‮ ما‮ يقوله‮ الشيخ‮ بن‮ تونس‮ صحيح؟‮ فأجابوه‮ نعم،‮ فقال‮: هذا‮ الإسلام‮ الذي‮ أتمنّاه‮ لفرنسا‮.‬
بالنسبة للمقاربة التنويرية للإسلام أو المقاربة الإيجابية للإسلام، هل التقيت مع ناس، مع مسؤولين أجانب اعترضوا في لحظة من اللحظات على تقبُّل نظرة الإسلام؟ يعني هل أحسست أن هناك إمكانية لتقبُّل الإسلام في الغرب؟
** منذ 11 سبتمبر 2001 والعالم يفتش عن الإسلام وما يحمله من أفكار، وأنا في لقاء مستمر مع المثقفين الأوربيين وغيرهم، فمثلا في 17 مارس سألتقي بمجموعة منهم في ملتقى تحت عنوان "الروحيات في الإسلام"، وملتقى آخر يوم 24 مارس في برشلونة حول الروحيات والتنمية المستدامة‮ المنظم‮ من‮ طرف‮ اليونيسكو‮ وجامعة‮ برشلونة،‮ إنهم‮ يتطلعون‮ إلى‮ المستقبل،‮ وما إذا‮ كانت‮ الروحيات‮ تلعب‮ دورا‮ في‮ تقدمهم‮ وفي‮ بناء‮ مستقبل‮ الإنسان‮.‬ إننا وإذا أحسنّا المعاملة مع بعضنا فإننا نعطي صورة حسنة لقبول الغرب للإسلام، لقد كنت في شهر رمضان الماضي في أندونيسيا التي هي أكبر بلد إسلامي به أكثر من 225 مليون نسمة عندما يحين وقت أذان المغرب تجد المئات من العائلات التي تتوافد إلى الإفطار في المسجد الذي‮ يسع‮ 120‮ ألف‮ مصلٍ،‮ وفي‮ نفس‮ الوقت‮ تسمع‮ ناقوس‮ الكنيسة،‮ ولا‮ أحد‮ يعلّق‮. هذا‮ الجو‮ من‮ التسامح‮ هو‮ الذي‮ ندعو‮ إليه‮ حتى‮ يستطيع‮ رجل‮ الغرب‮ أن‮ يقبل‮ الإسلام‮.‬
‬‮ الآن‮ هناك‮ مشكلة‮ في‮ منطقة‮ القبائل‮ بعودة‮ التبشير.‬‮ كيف‮ تنظر‮ إلى‮ هذه‮ الظاهرة؟
هناك التبشير البروتستانتي من طرف جمعيات للمتطرفين الأمريكيين حُدّدت لها ميزانية 86 مليون دولار للتبشير في جميع بلاد شمال إفريقيا، فلا توجد باخرة تحمل جزائريين أو مغاربة أو تونسيين متوجهة بهم إلى ديارهم في العطل الصيفية إلا وتُوزّع عليهم كتب وأشرطة باللغة العربية‮ والأمازيغية‮ والفرنسية‮ حول‮ المسيحية‮.‬
‬‮ هل‮ يشكل‮ ذلك‮ خطرا؟‮
لا، أنا أقول ما يقوله المثل الشعبي "اللي في كرشو التبن يخاف من الكبريت". من المؤسف أن نرى مسلمين يشككون في ديننا، بينما في أوربا يدخل الناس بالمئات والألوف في الإسلام، على عكس أبنائنا الذين أصبحوا لا يرون مستقبلهم إلا في الفيزا وما وراء البحر. في إحدى المناسبات ألقيت محاضرة في كنيسة أرثودوكسية، جاءتني إحدى الفتيات تقول إنها جزائرية وأرادت أن تدخل الكنيسة الأرثودوكسية إلا أن الكنيسة وجهتها إليّ، وفضّلت أن لا يكون دخولها إلا بعد أن تكلمني، حيث قال لها أصحاب الكنيسة إننا نثق به وعليك أن تراجعيه قبل‮ لن‮ تأخذي‮ أية‮ خطوة،‮ وهذا‮ دليل‮ على‮ الصراحة‮ والشفافية،‮ وبعدما‮ اقتنعت‮ البنت‮ أن‮ ما‮ تبحث‮ عنه‮ موجود‮ في‮ الإسلام،‮ أقلعت‮ عن‮ الفكرة‮.
‬‮ هل‮ هناك‮ مشروع‮ للإسلام‮ الصحيح‮ السليم‮ في‮ الجزائر،‮ وهل‮ يبقى‮ الأمر‮ مجرّد‮ تقديم‮ عرض‮ أم‮ أن‮ هناك‮ مسعى؟
** من الأعمال التي نقوم بها أيضا التأسيس للعديد من رياض الأطفال في مستغانم، غليزان، البرج، الشراڤة... وكذا ملتقيات ومعارض ومسرحيات ونشاطات لحماية البيئة والتنمية المستدامة، نحاول من خلالها المساهمة في إصلاح المجتمع الذي نعيش فيه. ومن الأعمال أيضا ما نقوم به من إقامة معرض للأمير عبد القادر في أكثر من 30 بلدا في أوربا واليابان، وأغتنم هذه الفرصة للحديث عن تسامح هذا الرجل الذي عندما أخرج من السجن في باريس سأل مرافقيه عن وجود مكان أو بيت من بيوت الله فدلوه على كنيسة فدخلها وحمد الله وشكره‮ على إطلاق‮ سراحه‮.‬
‬‮ هل‮ كانت‮ هذه‮ إشارة‮ للتسامح،‮ وما‮ الغرض‮ منها؟
ذلك ليبين أن الإسلام واسع في عطفه ونظرته إلى الإنسانية.. لقد أمرنا الله سبحانه أن من شروط الإيمان، الإيمان بالله والرسل والكتب، لأن رسالتنا هي الرسالة الإبراهيمية ورسالة التوحيد "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". هذه الرسالة المحمدية جاءت بالرحمة.. "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.. الراحمون يرحمهم الرحمان".. إذا كنت نائبا في البرلمان فضع قوانين تراعي فيها الأمة.. وإذا كنت فلاحا فاخدم فلاحتك بالرحمة.. لا تفسدها بالأدوية والمواد الكيماوية.. إذا كنت طبيبا فداوِ‮ المرضى‮ بالرحمة‮.. إذا‮ استطعت‮ أن‮ تداوي‮ مرضاك‮ بدون‮ أن‮ تجري‮ لهم‮ عملية‮ فافعل‮.‬ هذه‮ البلاد‮ كانت‮ مستعمرة،‮ وبعد‮ الاستقلال‮ مرت‮ بامتحان‮ وما‮ زالت‮ تعيش‮.. هناك‮ دائما‮ آفاق‮ ولا‮ يجب‮ أن‮ نقول‮ إن‮ الآخرين‮ هم‮ سبب‮ مأساتنا‮..‬
‬‮ ألا‮ ترى‮ أن‮ الإنجيلية‮ الجديدة‮ هي‮ الأخطر‮ -‬ليس‮ على‮ الإسلام‮ فقط‮- وإنما‮ على‮ كل‮ الأديان‮ السماوية؟
اليوم لم تعد الأديان تلعب دورها في تزويد الإنسان بالحياة الروحية.. الأديان لم تخرج اليوم من الشكليات.. تذهب إلى المسيحيين كل شيء مقيد، تذهب إلى اليهود نفس الشيء.. الشجرة لم تعد تعطي ثمارها، وثمار الدين هي تكوين الإنسان روحيا كي تمنحه الاطمئنان واليقين.. هذه الحداثة خلخلت الكنائس والمعابد.. الشرائع موجودة، التدين الظاهري موجود، لقد دخلنا في مرحلة أصبحت الحداثة خطرا على الأديان.. وما ينقص الأديان اليوم هو فتح حوار سلمي، اليوم على كل واحد أن يدخل كإنسان يبحث عن الحقيقة ومعالجة أمراض الإنسانية.. لقد طغت العولمة‮ على‮ المخلوقات‮ وضاع‮ الإنسان‮ وضيع‮ الأخلاق‮ والكثير‮ من‮ القيم‮ مقابل‮ كسب‮ التكنولوجيا،‮ مما‮ أفقده‮ السعادة‮ وبقي‮ في‮ فتنة‮ ودوامة‮ وفراغ‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.