وزير الشؤون الخارجية يستقبل رئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    الشمول المالي: الجزائر حققت "نتائج مشجعة" في مجال الخدمات المالية والتغطية البنكية    سكك حديدية : برنامج شامل لعصرنة وتطوير الشبكات    أشغال عمومية : تكليف المفتشية العامة للقطاع بمراقبة كل مشاريع الطرقات    "الأمير عبد القادر...العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    كمال الأجسام واللياقة البدنية والحمل بالقوة (البطولة الوطنية): مدينة قسنطينة تحتضن المنافسة    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رابطة قسنطينة: «لوناب» و «الصاص» بنفس الريتم    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    وسط اهتمام جماهيري بالتظاهرة: افتتاح مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    قراءة حداثية للقرآن وتكييف زماني للتفاسير: هكذا وظفت جمعية العلماء التعليم المسجدي لتهذيب المجتمع    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    سوريا: اجتماع لمجلس الأمن حول الوضع في سوريا    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    معالجة 40 ألف شكوى من طرف هيئة وسيط الجمهورية    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و305 شهيدا    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    بطولة وطنية لنصف الماراطون    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    تفعيل التعاون الجزائري الموريتاني في مجال العمل والعلاقات المهنية    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حجّار يروي خبايا التعريب بالجزائر
ضمن أقوى معارك الهوية
نشر في الشروق اليومي يوم 26 - 12 - 2018

احتفاء بيوم اللغة العربية 18 ديسمبر 2018 نظمت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وإيمانا منها بجدوى الحوار مع الدبلوماسيين لنقل تجارب بلدانهم في العديد من الملفات إلى التونسيين، دعت المؤسسة الأستاذ عبد القادر حجار سفير الجزائر بتونس إلى منبرها ليعرض لنا تجربة الجزائر الرائدة والعسيرة في سياسة التعريب كقضية مصيرية بعد الاستقلال، ولم يكن اختيار الجزائر ولا اختيار السفير عبد القادر حجار اعتباطيا بالنسبة إلى الدكتور عبد الجليل التميمي، فقد كان التعريب من أعسر الرهانات في الجزائر بعد كل محاولات فرنسا للقضاء على اللغة العربية أثناء قرن ونيف (1830-1962) وفرنسة الشعب الجزائري بعد إصدار قوانين 1834 التي تعتبر أن الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا، كما أن اختيار الأستاذ عبد القادر حجار فيه أكثر من دلالة. إنه قامة من قامات النضال السياسي والفكري في الجزائر. إنه شاهد عيان بل قل هو الفاعل الرئيسي باعتباره قد تحمل مسؤولية دقيقة في هذا الملف وهو عارف، ملم بأدق تفاصيل آليات وعراقيل مسارات التعريب في الجزائر. إنه رائد هذه المعركة طيلة أربعة عقود متتالية.
ورغم أن الأستاذ عبد القادر حجار هو شخصية استثنائية فاعلة على الصعيد الوطني الجزائري والعربي والدولي إلا أننا سنكتفي بتقديمه في علاقته بملف التعريب.
إن مسألة التعريب هي مسألة وجود بالنسبة إلى مناضل دفع شبابه ثمن تحرير بلاده من عتق الاستعمار الغاشم الذي عمل على أن يعصف بكل مكونات الهوية الوطنية، فقد اعتقلت القوات الاستعمارية الفرنسية المجاهد عبد القادر حجار وزجت به في السجن، وحكمت عليه المحكمة العسكرية بالأشغال الشاقة ولم يخرج من السجن إلا مع الاستقلال ولكنه كان يدرّس اللغة العربية وآدابها في معتقله تحت كل الضغوط وشتى أنواع التعذيب الوحشي.
1972… بداية المعركة لأجل تكريس الهويّة والاستقلال الوطني
عيّن عبد القادر حجار رئيس اللجنة الوطنية للتعريب بمثابة وزير وقد تكونت هذه اللجنة بقرار من الرئيس هواري بومدين في مارس من سنة 1972 وتحت إشراف حزب جبهة التحرير، وهو كذلك رئيس لجنة التعليم العالي في اللجنة المركزية سنة 1980، وهو عضو دائم بلجنة التربية والثقافة والتكوين من سنة 1979 إلى سنة 1986 فضلا عن ذلك فهو المقرر العام للمجلس الأعلى للغة العربية برئاسة رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد من 1980 إلى 1983 في إطار المجلس الأعلى للغة العربية.
وقد عرض عبد القادر حجار على منبر المؤسسة وبحضور العديد من المثقفين والسفراء والإعلاميين ورجال التربية والسياسيين، كل المشاكل والعقبات والصعوبات التي واجهتها مسيرة التعريب ومراحلها في الجزائر، وقال إن معركة التعريب قد مثلت الثورة الثانية في الجزائر، إنها امتداد لكفاح شعب تشبث بلغته ودينه أثناء الاحتلال الفرنسي بإقامته للكتاتيب والزوايا لتعليم اللغة العربية والفقه المالكي والتاريخ والحساب، وإن معركة التعريب بعد الاستقلال وخروج الفرنسيين هي رهان عسير لأن الدولة الجزائرية الفتية وجدت نفسها أمام أولويات متزاحمة، فالعائدون من الجبال والمسرّحون من السجون ليست لهم الدراية الكافية لتسيير الإدارة وقد تم الاعتماد على الموظفين الجزائريين الذين كانوا يعملون في الإدارة الفرنسية، فالإدارة بالفرنسية والتعليم والإعلام وكل مظاهر الحياة العامة حتى المدن وشوارعها وأسماء المحلات التجارية والطرقات كلها كانت بالفرنسية.
البعثات العربيّة لتغطية التعليم المعرّب في المدارس الجزائرية
من جهة ثانية، تبنت الجزائر في أول دستور لها 1963 اعتماد اللغة العربية لغة وطنية ورسمية للدولة الجزائرية، وقد قررت قيادة الثورة قبل تكوين الحكومة إدخال العربية كمادة تدريس وبعد الاستقلال يوم 5 جويلية كان أمام القيادة تحضيرا للدخول المدرسي في سبتمبر 1962 وكان عدد المدرسين الذين يتقنون العربية لا يتجاوز في مختلف المستويات 3452 مدرس من الجزائريين فتمت الاستعانة ببعثات عربية من المعلمين والأساتذة خاصة من مصر وسوريا وبعض المتطوعين من التونسيين والفلسطينيين.
وأخذ التعريب يشق طريقه في عهد الدكتور طالب الإبراهيمي وزير التربية وجاء بعده المرحوم عبد الكريم بن محمود وزير التعليم الابتدائي والثانوي وعبد الحميد مهري بصفته أمينا عاما للوزارة ورئيسا للجنة التعريب الفرعية عندما وقعت مناقشة إصلاح التعليم سنة 1968.
وذكر الأستاذ عبد القادر حجار بأن أول ما قامت به اللجنة الوطنية للتعريب التي كان له شرف ترؤسها بقرار من الرئيس بومدين سنة 1972 هو القيام بمسح شامل لوضع اللغة العربية في الجزائر وتقديم استراتيجية كاملة للتعريب والتركيز على تعريب التعليم أساسا وإيصاله إلى نقطة اللارجوع.
وقد تكونت اللجنة الوطنية للتعريب التي بلغ عددها 120 عضو من النخبة الفكرية (أساتذة، قضاة، محامين، إعلاميين…) وممثلين عن الوزارات والمنظمات الجماهيرية والشركات الوطنية الكبرى. وتفرعت اللجنة الوطنية إلى لجان أربع (- لجنة قطاعات السيادة– لجنة القطاع الاقتصادي- لجنة القطاع الثقافي والتربوي والاجتماعي- لجنة فرعية لتعريب المحيط).
أمريّة بومدين لفرض العربيّة.. ومؤامرة "الثورة المضادّة"
وبعد الانتهاء من عمل اللجان الأربع، وقع إنشاء مجلس استشاري للجنة الوطنية للتعريب من الوزراء المساندين لمسار التعريب تعرض على المجلس أعمال اللجان الفرعية ثم ما تقوم به اللجنة الوطنية أيضا مستقبلا. وتكون المجلس من الدكتور طالب الإبراهيمي وزير الثقافة والإعلام، الدكتور بوعلام بن حمودة، وزير العدل، الأستاذ عبد الله فاضل، وزير الشباب والرياضة، الأستاذ السعيد آيت مسعودان، الأستاذ وزير البريد والمواصلات، الأستاذ مولود قاسم، وزير الشؤون الدينية، الأستاذ عبد الحميد مهري، الأمين العام لوزارة التربية وانضم إليهم الدكتور محمد أمير، الأمين العام لرئاسة الجمهورية، في الأخير التحق بالمجلس العقيد محمد بن أحمد عبد الغني وهو عضو مجلس الثورة عندما عين وزيرا للداخلية. ثم أنشأت اللجنة الوطنية لجانا ولائية في كافة الوطن من مختلف النخب في كل ولاية وخاصة رجال التعليم والقضاء لأن وزارة العدل قامت بتعريب المرافعات والتقاضي ابتداء من 1971 بقيادة الدكتور بوعلام بن حمودة الذي كان يومها وزيرا للعدل وتعتبر أول وزارة عربت في الجزائر.
أما عن معركة التعريب في التربية والتعليم العالي، فقد ذكر الأستاذ عبد القادر حجار أن الجزائر قد قامت بإنشاء فروع في اللغة العربية بجانب الفروع الفرنسية في الجامعة فأنشئ قسم التاريخ في جامعة الجزائر في 1965 وقسم الفلسفة في 1966 وفرع للحقوق في 1967.
كما أصدر المرحوم بومدين أمرية رئاسية في أفريل 1968 تفرض على كل الموظفين الجزائريين تعلم العربية متبوعة بامتحانات يشرف عليها مفتشو وزارة التربية ولكن هذه التجربة لم تنجح لأن الإدارة تحايلت لإفشالها وبقيت الفرنسية طاغية في الإدارة.
الرئيس الراحل هواري بومدين
بومدين يفتتح الندوة الوطنية للتعريب بخطاب قوي!
قامت وزارة التربية باتخاذ قرار كان فيصلا في معركة تعريب التعليم إذ فرضت على كل مدارس الوطن تعريبا للقسم الثالث في كل مدرسة تعريبا كاملا وأبقت على الفرنسية كلغة أجنبية وفرضت على الأقسام الفرنسية تعلم المواد الاجتماعية باللغة العربية وبعدها قررت تعريب قسم البكالوريا آداب وأقدمت على تعريب الفلسفة حيث قسمت البرنامج في البداية إلى مواد بالفرنسية وأخرى بالعربية ونجحت هذه التجربة فتم التعريب الشامل بعدها للفلسفة في الباكلوريا. كما اتخذت قرارا آخر بإيقاف التكوين باللغة الفرنسية في المعاهد التربوية واقتصر على إعداد المعلمين باللغة العربية.
وطرحت فكرة المدرسة الأساسية بتسع سنوات إلزامية وذكر الأستاذ حجار بأنه كان واحدا من أعضاء هذه اللجنة بالإضافة إلى رئاسته للجنة الوطنية للتعريب ولما أنهت اللجنة الأعمال أصدر الرئيس بومدين أمرية سنة 1976 للانطلاق في المدرسة الأساسية، لكن وقع تعديل حكومي في 1977 وجاء وزير جديد على رأس وزارة التربية وإذا به يناهض ما قام به عبد الكريم بن محمود وزير التعليم الابتدائي والثانوي وبدأ يتراجع عن خطوات التعريب ويعوضها بإجراءات جديدة لصالح الفرنسية، ووقعت معركة بينه وبين المدافعين عن العربية سواء في وسائل الإعلام أم الولايات، وقال الأستاذ حجار بأنه قد تحول بنفسه إلى الولايات للقيام بحملة مضادة ضد سياسات الوزير الجديد، فأوقف زحفه ومحاولته لإعادة الاعتبار للفرنسية. وقد دعت اللجنة الوطنية للتعريب بعد انتهاء الدراسات الشاملة لمختلف دواليب الدولة إلى ندوة وطنية للتعريب. وذكر حجار أن الرئيس بومدين كان من خلال أمينه العام على اطلاع بعمل اللجنة أولا بأول، وأنهم كانوا كلجنة يتلقون كل التشجيع منه، وقبيل الندوة بأيام استقبل قيادة اللجنة الوطنية المكونة من 15 شخصا من رجال المجال الثقافي والقانوني وحدد تاريخ الندوة 14 ماي 1975 فجاء الرئيس لافتتاحها بخطاب قوي دعا فيه إطارات الأمة إلى تبني توصيات الندوة وحضرت الحكومة وأعضاء مجلس الثورة ومجالس التنسيق الولائية وحضر ممثلون عن الوزارات والشركات الكبرى وحتى الجالية الجزائرية في الخارج وعشرة مندوبين عن كل ولاية فتجاوز عدد الحاضرين ألف مشارك، ودامت أربعة أيام متصلة وقعت فيها مناقشة جوانب الخطة المعتمدة على مبادئ التزامن والتكامل والتدرج.
توصية بالبدء الفوري في تعريب المحيط.. واختيار رمزية أول نوفمبر
وذكر حجار أنه من بين توصيات الندوة البدء الفوري في تعريب المحيط فتكونت زيادة على اللجان الولائية لجان على مستوى الدوائر والبلديات وانطلقت اللجنة في شهر نوفمبر 1975. وحدد تاريخ 31 أكتوبر 1976 على الساعة 0 تاريخ نهاية العملية لتكون عملية في رمزيتها مرتبطة بأول نوفمبر، وشملت العملية مختلف الوزارات والولايات والإدارات والشركات والبلديات حيث استبدل الحرف اللاتيني بالحرف العربي والأسماء الفرنسية بأسماء جزائرية لشهداء وشخصيات تاريخية وأسماء عربية وإسلامية ولم يفلت من هذا المسح إلا شارع باستور باعتبار أن هذا العالم قدم خدمة للإنسانية باكتشافه البينيسلين.
كما فرض على أصحاب المحلات التجارية تعريب أسماء المحلات والكتابة بالعربية وحدها وتمت العملية بنجاح وزخم كبير وهبّة قوية لمناضلي حزب جبهة التحرير فأشرفوا بقوة وحنكة رغم الخصوم الأقوياء في الجزائر وبعضهم من ذوي المناصب النافذة في السلطة والذين عملوا على إفشال عملية التعريب، وذكر حجار أن الصراع كان عنيفا بين المدافعين عن العربية وبين المتشبثين بالفرنسية، وكانت الغلبة لصالح دعاة التعريب في معركة تعريب المحيط، لأن الرئيس بومدين كان يساندهم.
وتعرض حجار ولجنته لصعوبات جمة ومقاومة عنيفة من خصوم عملية التعريب وجاءت حكومة 1977 وعين الرئيس مجموعة من المحسوبين على الفرنسية، والمتأثرين بها، فلم يسيروا على النهج الذي وضعته ندوة التعريب. ووقع تغيير على رأس حزب جبهة التحرير بمجيء محمد الصالح يحياوي، فكرس جهده لبناء الحزب بالشكل الذي يراه وصدر عنه كتاب بذلك، وتراخت عملية التعريب عن هجومها، وتأثر المرحوم بومدين بمعارضة الخصوم الذين كانوا معه في الأجهزة النافذة، فلم يتم تنفيذ توصيات الندوة الوطنية للتعريب على الوجه المطلوب، لكن محمد صالح يحياوي وجه مؤتمرات المنظمات الجماهيرية للهجوم على سياسة الوزير المعارض للتعريب في قطاع التربية ثم قام هو شخصيا بمداخلة ضده في اجتماع مجلس الثورة دفاعا عن العربية.
فرنسا تحرّك المسألة البربريّة بعد قرارات المدرسة الأساسيّة
ذكر حجار أنه بعد رحيل بومدين في ديسمبر 1978، وبعد المؤتمر الرابع للحزب وانتخاب الأمين العام الذي هو رئيس الجمهورية أي بعد انتخاب الرئيس الشاذلي بن جديد قرر حزب جبهة التحرير في الدورة الثالثة للجنة المركزية إنشاء مجلس أعلى للغة العربية برئاسة رئيس الجمهورية ونائبه عبد الحميد مهري والمقرر العام عبد القادر حجار بدلا عن اللجنة الوطنية للتعريب.
وانتقل الأستاذ حجار إلى الحديث عن التيار الفرنكفوني ومحاولات فرنسا تحريك المسألة البربرية، فبعد القرارات التي اتخذت في ديسمبر 1979 من تعريب المدرسة الأساسية والعلوم الإنسانية بالجامعات، انفجر الربيع الأمازيغي في ولاية تيزي وزو، وذكر بأنه كان آنذاك في لجنة التربية والثقافة، وقد أعدت اللجنة مشروعا لتعريب الإدارة في جميع القطاعات وحددت جميع المراحل والوسائل والكيفيات لتعريبها، وخرج أعضاء اللجنة لجميع الولايات وكان النص جاهزا قبل أحداث تيزي وزو فتأثر النظام ولم يصدر عن الدورة الثالثة أي شيء من مشروع تعريب الإدارة، وبقي مجمدا إلى غاية قانون 1991 الذي صدر عن المجلس الشعبي الوطني الذي كان يرأسه الأخ عبد العزيز بلخادم، العضو السابق في اللجنة الوطنية للتعريب بالإضافة إلى الأخ المناضل عثمان سعدي الذي كان سفيرا للجزائر بالخارج وهو من عتاة المدافعين عن العربية، وقال بأنه في أشغال المؤتمر الرابع للحزب، تكونت لجنة اللوائح برئاسة محمد الشريف مساعدية وتفرعت إلى ست لجان فاتفق أعضاء اللجنة الوطنية للتعريب كل وفق اللجنة المعين فيها وكان الأستاذ عبد القادر حجار عضو اللجنة السياسية فتمكن من تمرير قرار يقضي بالمطالبة بتطبيق توصيات ندوة التعريب وجعل قراراتها من ضمن أولويات التنمية.
بوعلام بن حمودة
تحرّكات حجّار و"بن حمودة" لإعداد لوائح التعريب
بعد المؤتمر تكونت لجان الحزب الهيكلية ومنها لجنة الثقافة، التربية والتكوين برئاسة الدكتور بوعلام بن حمودة وكان حجار رئيسا للجنة الفرعية للتعليم العالي بهذه اللجنة. فطلب منه بن حمودة إعداد مشروع لائحة للدورة الثانية حول المنظومة التربوية فقام بإعداد المشروع واعتمد لوائح الندوة الوطنية للتعريب. وقدم حجار في المشروع لائحة لتعريب المدرسة الأساسية بتسع سنوات تعريبا كاملا والإبقاء على الفرنسية لغة أجنبية ابتداء من السنة الرابعة.
وقدم أيضا اقتراحا بتوحيد تعليم العلوم الإنسانية في مختلف الجامعات ما دامت بكالوريا آداب قد أصبحت معربة بالكامل، ووقع تحديد فروع العلوم الإنسانية بأسمائها، علم الاجتماع، تاريخ، فلسفة، جغرافيا، حقوق، اقتصاد، علوم سياسية أي كل مشمولات العلوم الإنسانية، واقتصر تدريسها على اللغة العربية وحدها ابتداء من الموسم الجامعي 1980-1981، وهو ما كان وتم بالفعل بصدور قرار اللجنة المركزية بتعريب العلوم الإنسانية في الجامعات وتعريب المدرسة الأساسية تعريبا شاملا.
كما تم اقتراح تعريب الثانوي كليا بما فيه العلوم والرياضيات وأصبح كما أشرت أعلاه معربا تعريبا شاملا. وفي 1991 صدر عن المجلس الشعبي الوطني قانون تعميم استعمال اللغة العربية وكان جامعا مانعا معتمدا على أغلب توصيات الندوة الوطنية للتعريب وحدد التاريخ النهائي للتطبيق في 05 جويلية 1992. وذكر حجار بكل أسف أن أحداث أكتوبر لم تسمح بإنجاز ذلك بصفة كلية باعتبارها جاءت قبل هذا التاريخ وتبعتها تأثيرات على نظام الحكم الذي تحول من الحزب الواحد إلى التعددية الفوضوية في تكوين الأحزاب ومن إعلام موجه إلى إعلام مستقل فظهرت الجرائد المستقلة بالعربية وبالفرنسية كالفقاقيع وبطريقة فوضوية وكذلك وقع المرور من الاشتراكية إلى الليبرالية دون مرحلة انتقالية.
هكذا تعطّل قانون اللغة العربية في صائفة 1992
كان المرحوم الشاذلي بن جديد قد التزم في ندوة صحفية بقبول نتائج الانتخابات، ولما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ جاءه المطالبون بإلغاء الدور الثاني فرفض وقدم استقالته فجاؤوا بالمرحوم بوضياف الذي كان معارضا ومستقرا بالمغرب وكونوا مجلسا أعلى للدولة.
وبعد إلغاء الدور الثاني تحرك أعضاء الجبهة ثم التحقوا بالجبال ودخلت الجزائر في عشرية حمراء من الدماء. وكوّن المرحوم بوضياف مجلسا استشاريا من 60 شخصا بديلا للمجلس الشعبي الوطني. وكان وقتها الأخ أحمد غزالي رئيسا للحكومة ويعرف أن 05 جويلية 1992 القادم ستفرض العربية في كل الإدارات بنص قانون صادر عن مجلس النواب المنتخب وكان المرحوم بوضياف لا يعرف تفاصيل الوضع الداخلي فنبهته الحكومة إلى خطورة القانون متعللة بأنه سيشل البلاد ويبعد الإطارات واقترحوا عليه تجميد قانون تعميم العربية.
وفعلا قدمت الحكومة مشروع قانون للمجلس الاستشاري وأشار حجار إلى مهاجمته لهذا القانون في العديد من المقالات وأنه قد أطلق عليه اسم المجلس الإنكشاري.
– واجتمع المجلس يوم 29 جوان 1992، وبدأ النقاش في كيفية تجميده من الساعة العاشرة وفي الوقت 11 و29 دقيقة أطلق الضابط بومعرافي أحد رجال الأمن الرئاسي النار على الرئيس بوضياف فقتله رحمه الله، ومع ذلك واصل المجلس نقاشه وأقر تجميد استعمال العربية، وتم تجمده بالفعل ودخلت الجزائر مرحلة سوداء من تاريخها، وأصبحت قضية التعريب قضية ثانوية.
أحمد أويحيى
هذا ما دار بين أويحي وحجار حول تفعيل قانون التعريب
في سنة 1996، ذكر حجار أنه قد ناقش من جديد مع رئيس الحكومة أحمد أويحيى آنذاك موضوع رفع التجميد عن قانون تعميم اللغة العربية، وأنه قد قدم له كل المبررات حول القضايا الثلاث الحساسة وهي الإسلام والعروبة والأمازيغية، فالإسلاميون حملوا السلاح وهم يقاتلون ويقتلون دفاعا عن قضيتهم، وأصحاب الأمازيغية قاموا بمظاهرات عنيفة في تيزي وزو وبجاية طالبين الاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية، فانصاع النظام أمام مطالبهم، وتكونت المحافظة السامية للأمازيغية تابعة لرئاسة الجمهورية، وأما دعاة العربية فنظرا إلى خطورة الظروف فإنهم لم يطرحوا قضيتهم في الشارع كما فعلوا في مظاهرة 18 ديسمبر 1970 قبل أن يتظاهر الإسلاميون والأمازيغيون، وهم قادرون على طرحها في الشارع من جديد، طالبا منهم رفع التجميد عن قانون اللغة العربية وعودة المجلس الأعلى للغة العربية المجمد بدوره.
وتم طرح الموضوع على الرئيس اليمين زروال فأعطى تعليمات لرئيس حكومته بإعداد مشروع المادتين برفع التجميد عن قانون تعميم اللغة العربية وأخرى لعودة المجلس الأعلى للغة العربية.
وقدمت الحكومة هذين التعديلين إلى المجلس الوطني الانتقالي آنذاك، ورغم معارضة بعض الأعضاء والحملة الإعلامية المسعورة في الجرائد المفرنسة، صوّت المجلس بالأغلبية على رفع التجميد وإنشاء المجلس الأعلى للغة العربية الذي مازال مستمرا حتى الآن، كما سبقه إنشاء المجلس الجزائري للغة العربية على غرار المجامع العربية في القاهرة ودمشق وبغداد، وصدر بقانون وكان على رأسه المرحوم الحاج عبد الرحمان صالح الذي توفي منذ سنتين.
وبالعودة إلى الفقرة الخاصة بصلاحيات المجلس الأعلى للغة العربية، ذكر حجار أنه كان قد كتبها بيده وأنه سلمها لبعض أعضاء المجلس الانتقالي، الذي حدد آخر تاريخ لتعريب الإدارة ب 05 جويلية 1998 وفعلا بدأت الإدارة تشتغل بالعربية تدريجيا إلى غاية وصول الرئيس بوتفليقة في 1999 إلى سدة الحكم، فكان برنامجه مرتكزا على المصالحة الوطنية والإنعاش الاقتصادي وعودة الجزائر لمكانتها الدولية، واهتم كثيرا بهذه المواضيع فاستغلت الإدارة عدم اهتمام الرئيس، لكونه كان يظن أنها تشتغل بالعربية، فتراجعت اللغة العربية وعادت الفرنسية خصوصا على مستوى الإدارات المركزية بالوزارات في أغلبها، أما الولايات والبلديات فالأعمال تسير فيها بالعربية بشكل عام.
الفرنسيّة تبرز في الشارع.. لكن العربية حسمت المعركة في المدرسة
وذكر حجار أن الفرنسية عادت اليوم نوعا ما إلى المحيط، فأصبحت المحلات عموما وخاصة التابعة للقطاع الخاص لا تكتب إلا بالفرنسية وحدها.
وقد وقعت فرنسة المحيط من جديد بعدما تم تعريبه بالكامل سنة 1976 كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا. وأكد حجار أن عملية فرنسة المحيط لا تفيد شيئا لأصحابها لأن الجزائر ركزت على تعريب أبنائها وجعلت التعليم بالعربية وحدها في الابتدائي والثانوي وفي العلوم الإنسانية في التعليم العالي فأصبح الملايين من أبناء الجزائر يتقنون العربية والكثير منهم يعملون بها وأصبح التعليم في هذه القطاعات يتم باللغة العربية وحدها من السنة الأولى ابتدائي إلى الدكتوراه، فلم تعد للفرنسية أهمية تذكر ولم تعد إلا في بعض الإدارات المركزية لكن النتيجة حتى الذين يعملون باللغة الفرنسية في هذه الإدارات فهم يتقنون اللغة العربية وسيأتي يوم يصدر فيه قرار بتعميم العربية في هذه الإدارات فيتحول العاملون بها إلى العمل بالعربية بكل سهولة ويسر.
– وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن هذا المقال لم يشتمل على ما جاء في محاضرة حجار من تفاصيل حول معركة التعريب في الجزائر وحول سلاح الخصوم ضدها بأغاليطهم الأربع وهي قولهم بصعوبة العربية وسهولة الفرنسية وأن اللغة الفرنسية هي لغة العلم والعربية لغة الأدب والشعر وأن الفرنسية لغة عالمية وأن العربية لغة إقليمية أو جهوية وأن الفرنسية لغة تقدمية والعربية لغة رجعية. وكان الرد عليها مفحما حيث قدمت اللجنة الوطنية للتعريب دراسة كاملة للرد على الأغاليط الأربع فأسقطت حججهم كاملة بالأدلة والبراهين.
– ما كان مسترعيا للانتباه كذلك في هذه المحاضرة عن معركة التعريب هو تحفظ الأستاذ عبد القادر حجار فلقد أحجم عن ذكر الأسلحة التي استعملها خصوم التعريب ضده وضد كامل أعضاء اللجنة، فلقد تمنّع عن ذكر الأسماء واكتفى بالإشارة إلى أنهم من النافذين في السلطة وأنهم قد استعملوا الأجهزة الموضوعة تحت أيديهم لوقف زحف عملية التعريب بكل الأساليب المتاحة لهم، وهذا مختلف عن ما عرفناه وعهدناه في كتاباته من قبل في الجزائر، فقد كان لا يتحرج من ذكر الأسماء وكان يهاجم أصحابها على أعمدة الصحف وأحيانا على شاشات التلفزة غير مبال ولا مهادن ولا ملاين وقد خاض وطيس معركة التعريب برئاسته ضد خصومها بكل ضراوة، لاشك في أن هذا التحفظ اللافت للأنظار يعود إلى كونه مازال سفيرا ملتزما بالتحفظ وأنه يلقي محاضرة خارج الجزائر فلم يبح بكل ما لديه من معلومات حول معركة التعريب في الجزائر وكل استتباعاتها ورهاناتها.
– بقلم الأستاذة: حذامي محجوب
أستاذة الفلسفة في الجامعة بتونس
.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.