يتمسّك الحراك الشعبي خلال الثلاث جمعات الأخيرة، بمطالب تخص مُحاكمة الفاسدين من رجال مال وأعمال وسياسيين، خاصة بعد إلقاء القبض على علي حداد وإيداعه الحبس، وإثر تشديد نائب وزير الدفاع الوطني قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، بتحرك القضاء وإعادة فتح ملفات الفساد والتي سبق الفصل فيها على غرار ملفات الخليفة وسوناطراك. والإشكال في الموضوع، من يحرك مثل هذه الدعاوي العمومية، في ظل وجود قوانين تفرض على القضاة شروطا قبل اتخاذ المتابعات التلقائية في جرائم الفساد. دخل رجال القانون والقضاة مؤخرا في جدل كبير، إثر إصرار الحراك الشعبي على محاكمة الفاسدين، في ظل وجود معيقات من نصوص وتشريعات، لضمان محاكمات عادلة وشفافة. وفي هذا الصدد، يؤكد المحامي بمجلس قضاء الجزائر وعضو اتحاد المحامين العرب، أحمد دهيم في اتصال مع “الشروق”، بأن الأشخاص الفاسدين أو من أطلق عليهم تسمية “العصابة”… قد أعدوا العدة قبل رحيلهم، بوضع نصوص وسن تشريعات، عبر ممثلي برلمان “الكادنة” تمنع القضاة من اتحاد المتابعات القضائية التلقائية في بعض جرائم الفساد، ما لم تكن هنالك شكوى مُسبقة من مجالس الإدارة، وهو ما جعل يد النيابة العامة “مغلولة” في تحريك دعاوى عمومية في قضايا الفساد. ويقول المحامي، “فمثلا المادة 6 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، المعدل والمتمم في 23 جويلية 2014، تحدد شروطا خاصة في تحريك الدعوى العمومية”. وحسب نص المادة 6 مكرر، فإنه لا تحرك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تملك الدولة كل رأسمالها أو ذات رأس مال مختلط من أعمال التسيير، التي تؤدي إلى السرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة، إلا بناء على شكوى مسبقة من الهيئات الاجتماعية للمؤسسة المنصوص عليها في القانون التجاري، وفي التشريع الساري المفعول. وهو برأي المتحدث “ما يجعل عزاءنا ربما في الفقرة 2، والتي جاء فيها أنه يعاقب أعضاء الهيئات الاجتماعية للمؤسسات عن عدم التبليغ.. غير أن هذه الفقرة جاءت هي الأخرى لحماية المفسدين وتؤكد على معاقبة عدم التبليغ لا غير” على حدّ قوله. في وقت يفسر أستاذ القانون حمزة شبارة، هذه المادة التي ظهرت في العام 2015، فإنها جاءت لتمنع الشكاوى المجهولة المصدر، وحصرت الحق في مجلس الإدارة، والذي هو مسؤول جزائيا عن عدم الإبلاغ. على عُمال المؤسسات التبليغ عن التجاوزات النيابة العامة لا تستطيع تحريك الدعوى إلا بشكوى من مجلس الإدارة، ويبقى للنيابة الآن، يضيف الأستاذ “متابعة مجالس الإدارة لعدم التبليغ عن تلك الجرائم، كما يُطلب من عمال المؤسسات أن يبلغوا عن التجاوزات، برسائل معلومة المصدر وليس مجهولة، لمتابعة مجلس للإدارة الذي لم يُبلغ… وهذه حيل قانونية” حسب تعبيره. فيما أكد دهيم، أن خرجة القضاة وتأييدهم للحراك الشعبي، كانت “ضربة قاصمة لظهر المفسدين، ولم تكن متوقعة، بعدما أعلنوا القطيعة بينهم وبين رأس السلطة”، ويتأسف، لكون الأزمة السياسية الراهنة، أثبتت بأن العدالة “لم تكن وليست بخير”، وهو ما جعله ورجال القانون يطالبون خلال احتجاجاتهم الأخيرة، ب”الحرية للقضاء، وبعدم تحويل النزاع السياسي إلى ملفات فساد مالي لا غير”.