عرض الفيلم الوثائقي "الساورة, كنز طبيعي وثقافي" بالجزائر العاصمة    رئيس الجمهورية ينهي زيارته إلى بشار: مشاريع استراتيجية تعكس إرادة الدولة في تحقيق تنمية متكاملة بالجنوب    المغرب : استقالات جماعية وسط عمال ميناء طنجة رفضا لنقل معدات حربية للكيان الصهيوني    وزير الاتصال يشرف السبت المقبل بورقلة على اللقاء الجهوي الثالث للصحفيين والإعلاميين    كأس الجزائر لكرة السلة 2025: نادي سطاوالي يفوز على شباب الدار البيضاء (83-60) ويبلغ ربع النهائي    الرابطة الاولى موبيليس: الكشف عن مواعيد الجولات الثلاث المقبلة وكذلك اللقاءات المتأخرة    المغرب: حقوقيون يعربون عن قلقهم البالغ إزاء تدهور الأوضاع في البلاد    رئيس الجمهورية يلتقي بممثلي المجتمع المدني لولاية بشار    اليوم العالمي للملكية الفكرية: التأكيد على مواصلة تطوير المنظومة التشريعية والتنظيمية لتشجيع الابداع والابتكار    معسكر : إبراز أهمية الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في الحفاظ على التراث الثقافي وتثمينه    غزّة تغرق في الدماء    صندوق النقد يخفض توقعاته    شايب يترأس الوفد الجزائري    250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    الصناعة العسكرية.. آفاق واعدة    عُنف الكرة على طاولة الحكومة    توقيف 38 تاجر مخدرات خلال أسبوع    ندوة تاريخية مخلدة للذكرى ال70 لمشاركة وفد جبهة التحرير الوطني في مؤتمر "باندونغ"    وزير الثقافة يُعزّي أسرة بادي لالة    بلمهدي يحثّ على التجنّد    معالجة النفايات: توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للنفايات و شركة "سيال"    البليدة: تنظيم الطبعة الرابعة لجولة الأطلس البليدي الراجلة الخميس القادم    تيميمون : لقاء تفاعلي بين الفائزين في برنامج ''جيل سياحة''    السيد عطاف يستقبل بهلسنكي من قبل الرئيس الفنلندي    تصفيات كأس العالم لإناث أقل من 17 سنة: المنتخب الوطني يواصل التحضير لمباراة نيجيريا غدا الجمعة    معرض أوساكا 2025 : تخصيص مسار بالجناح الوطني لإبراز التراث المادي واللامادي للجزائر    الجزائر تجدد التزامها الثابت بدعم حقوق الشعب الفلسطيني    وفاة المجاهد عضو جيش التحرير الوطني خماياس أمة    أمطار رعدية ورياح على العديد من ولايات الوطن    المسيلة : حجز أزيد من 17 ألف قرص من المؤثرات العقلية    اختتام الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية    تعليمات لإنجاح العملية وضمان المراقبة الصحية    3آلاف مليار لتهيئة وادي الرغاية    مناقشة تشغيل مصنع إنتاج السيارات    23 قتيلا في قصف لقوات "الدعم السريع" بالفاشر    جهود مستعجلة لإنقاذ خط "ترامواي" قسنطينة    145 مؤسسة فندقية تدخل الخدمة في 2025    إشراك المرأة أكثر في الدفاع عن المواقف المبدئية للجزائر    محرز يواصل التألق مع الأهلي ويؤكد جاهزيته لودية السويد    بن زية قد يبقى مع كاراباخ الأذربيجاني لهذا السبب    بيتكوفيتش فاجأني وأريد إثبات نفسي في المنتخب    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    "شباب موسكو" يحتفلون بموسيقاهم في عرض مبهر بأوبرا الجزائر    الكسكسي الجزائري.. ثراء أبهر لجان التحكيم    تجارب محترفة في خدمة المواهب الشابة    حياة النشطاء مهدّدة والاحتلال المغربي يصعّد من القمع    تقاطع المسارات الفكرية بجامعة "جيلالي اليابس"    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    عصاد: الكتابة والنشر ركيزتان أساسيتان في ترقية اللغة الأمازيغية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شفاء‮ ‬النفوس‮ ‬من‮ ‬شبهات‮ ‬الفركوس/الحلقة‮ ‬الثانية
نشر في الشروق اليومي يوم 18 - 02 - 2013

هذه‮ ‬السلسلة‮ ‬هي‮ ‬رد‮ ‬كتبه‮ ‬الشيخ‮ ‬أبو‮ ‬المنذر‮ ‬الشنقيطي‮ ‬على‮ ‬فتوى‮ ‬الشيخ‮ ‬محمد‮ ‬علي‮ ‬فركوس‮ ‬و‮ ‬المنشورة‮ ‬على‮ ‬موقعه‮ ‬الرسمي‮ ‬تحت‮ ‬عنوان‮ "‬التلازم‮ ‬الحقيقي‮ ‬بين‮ ‬الطائفة‮ ‬المنصورة‮ ‬وعملها‮ ‬الجهادي‮"‬
3 عن أبي بن كعب قال: (كان رجلٌ لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه وكان لا تخطئه صلاة فقيل له أو قلت له لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء قال ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي فقال رسول الله‮ ‬صلى‮ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮: ‬قد‮ ‬جمع‮ ‬الله‮ ‬لك‮ ‬ذلك‮ ‬كله‮) ‬متفق‮ ‬عليه‮.‬
‮4 ‬عن‮ ‬أبي‮ ‬هريرة‮ ‬قال‮ ‬قال‮ ‬رسول‮ ‬الله‮ ‬صلى‮ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮: (‬أثقل‮ ‬صلاة‮ ‬على‮ ‬المنافقين‮ ‬صلاة‮ ‬العشاء‮ ‬وصلاة‮ ‬الفجر‮ ‬لو‮ ‬يعلمون‮ ‬ما‮ ‬فيهما‮ ‬لأتوهما‮ ‬ولو‮ ‬حبواً‮) ‬متفق‮ ‬عليه‮.‬
قال‮ ‬ابن‮ ‬دقيق‮:‬
(وأما الصبح فلأنها في وقت لذة النوم فإن كانت في زمن البرد ففي وقت شدته لبعد العهد بالشمس لطول الليل وإن كانت في زمن الحر: فهو وقت البرد والراحة من أثر حر الشمس لبعد العهد بها فلما قوي الصارف عن الفعل ثقلت على المنافقين وأما المؤمن الكامل الإيمان: فهو عالم بزيادة‮ ‬الأجر‮ ‬لزيادة‮ ‬المشقة‮). ‬إحكام‮ ‬الأحكام‮ ‬شرح‮ ‬عمدة‮ ‬الأحكام‮ - (1 / 611)‬
‮5 ‬عن‮ ‬عائشة،‮ ‬قالت‮: ‬يا‮ ‬رسول‮ ‬الله‮ ‬يصدر‮ ‬الناس‮ ‬بنُسُكَيٌن‮ ‬وأصدر‮ ‬بنُسُكٍ‮ ‬واحد؟‮ ‬قال‮: (‬انتظري‮ ‬فإذا‮ ‬طهرت‮ ‬فاخرجي‮ ‬إلى‮ ‬التنعيم‮ ‬فأهلي‮ ‬منه‮ ‬ثم‮ ‬ائتنا‮ ‬بمكان‮ ‬كذا‮ ‬ولكنها‮ ‬على‮ ‬قدر‮ ‬نفقتك‮ ‬أو‮ ‬نصبك‮) ‬رواه‮ ‬البخاري‮.‬
قال‮ ‬ابن‮ ‬بطال‮ ‬في‮ ‬شرح‮ ‬هذا‮ ‬الحديث‮: ‬
(أفعال البر كلها الأجر فيها على قدر المشقة والنفقة، ولهذا استحب مالك وغيره الحج راكبا، ومصداق هذا فى كتاب الله قوله: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون ) ''التوبة: 02 '' وفى هذا فضل الغنى وإنفاق المال فى الطاعات، ولما فى قمع النفس عن شهواتها من المشقة على النفس) شرح صحيح البخارى لابن بطال - (4 / 544). وقال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي: (القاعدة الثالثة والخمسون: من قواعد القرآن: أنه يبين أن الأجر والثواب على قدر المشقة في طريق العبادة، ويبين‮ ‬مع‮ ‬ذلك‮ ‬أن‮ ‬تسهيله‮ ‬لطريق‮ ‬العبادة‮ ‬من‮ ‬منته‮ ‬وإحسانه،‮ ‬وأنها‮ ‬لا‮ ‬تنقص‮ ‬من‮ ‬الأجر‮ ‬شيئاً‮) ‬القواعد‮ ‬الحسان‮ ‬في‮ ‬تفسير‮ ‬القرآن‮.‬
السبب‮ ‬الثالث‮: ‬الواجب‮ ‬المضيق‮
ومن المهم التنبه إلى أن هناك فرقا حساسا بين الجهاد بالسيف والجهاد بالكلمة، وهذا الفرق له دلالة عميقة: الجهاد بالسيف باب من أبواب الفقه المعروفة.. له أحكامه المعروفة، ونعلم من خلال هذه الأحكام: متى يكون واجبا وأين يكون واجبا وعلى من يكون واجبا، ومتى يكون فرض عين ومتى يكون فرض كفاية، أي أنه عبادة محددة ومقدرة كما هو الشأن في عبادة الصلاة وعبادة الصوم وعبادة الزكاة، أما جهاد الكلمة والدعوة والتعليم والموعظة فهو عبادة غير مقدرة فالشرع لم يجعل له نصابا محددا وجوبا أو سقوطا، ولم يخصص له وقتا ولم يعين له مكانا.
فهو عبادة مطلقة من جميع الزوايا والاتجاهات، وهذا الإطلاق يستفاد منه أنه عبادة موسعة الوقت بخلاف الجهاد بالسيف فهو مضيق الوقت. ومعلوم أن العبادة المضيق وقتها مقدمة على العبادة الموسع وقتها، لأن الواجب المضيق وجوبه على الفورية منذ وقت وجوبه ، والواجب الموسع وجوبه على التراخي. كما أن الواجب المضيق يعاقب على تركه بمجرد حضور وقته، أما الواجب الموسع فلا يعاقب عليه إلا بالنسبة للترك في العمر كله (ما لم يتعين)، أقول: وهذه الأمور كلها تدل على أن تفضيل جهاد الكلمة على الجهاد بالسيف بإطلاق فيه قدر من عدم الدقة.

المسألة‮ ‬الثانية‮: ‬
قوله: (وهذا كلُّه مِنَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ تعالى لقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: ''جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ''... ومِنْ دلالةِ الحديثِ يظهر أنّ الجهادَ أعمُّ مِنَ القتالِ،)
صحيح أن الجهاد ''المجازي'' - المقصود به كل ما فيه مشقة في سبيل الله- أعم من القتال. أما الجهاد حقيقة فلا يطلق إلا على القتال بالسيف. أما قوله صلى الله عليه وسلم:''جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ'' فقد ورد في سياق التحريض على جهاد الكفار. وذلك أن جهاد الكفار يكون بحمل السلاح مباشرة وبإعانة المجاهدين بالأموال وتجهيز الغزاة وبتحريض المسلمين على القتال ورفع هممهم وتثبيط الكافرين وتخذيلهم فهذه الأمور الثلاثة داخلة في جهاد الكفار وهي المقصودة في الحديث فلا علاقة للحديث بجهاد الحجة والبيان بل هو وارد في قتال الكفار. قال الصنعاني في سبل السلام: (الحديث دليل على وجوب الجهاد بالنفس وهو بالخروج والمباشرة للكفار وبالمال وهو بذله لما يقوم به من النفقة في الجهاد والسلاح ونحوه وهذا هو المفاد من عدة آيات في القرآن (وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) والجهاد باللسان بإقامة الحجة عليهم ودعائهم إلى الله تعالى وبالأصوات عند اللقاء والزجر ونحوه من كل ما فيه نكاية للعدو {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ) وقال صلى الله عليه وسلم لحسان:إن هجو‮ ‬الكفار‮ ‬أشد‮ ‬عليهم‮ ‬من‮ ‬وقع‮ ‬النبل‮).‬
وقال السيوطي في الكلام على هذا الحديث: ( قال المنذري يحتمل أن يريد بقوله وألسنتكم الهجاء ويؤيده قوله : "فلهو أسرع فيهم من نضح النبل'' ويحتمل أن يريد به حض الناس على الجهاد وترغيبهم فيه وبيان فضائله لهم).شرح السيوطي لسنن النسائي - (6 / 7) والحديث أورده أبو داود في باب كراهية ترك الغزو، وأورده ابن الخراط في الأحكام الكبرى تحت عنوان: (بَاب هجاء الْمُشْركين). وقد ورد في السنة الحث على الإنفاق على الغزو واعتبار فاعله مشاركا للمجاهدين في جهادهم وأن ذلك من الجهاد بالمال.
ومما ورد في ذلك: حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ''من جهَّز غازيا في سبيل الله فقد غزَا، ومن خَلَّف غازيا في أهله بخير فقد غزا'' أخرجه الجماعة إلا ''الموطأ''. وحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسولَ‮ ‬الله‮ -‬صلى‮ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮- ‬قال‮: ''‬للغَازي‮ ‬أجرُه،‮ ‬وللجاعِلِ‮ ‬أجرُه‮ ‬وأجرُ‮ ‬الغازي‮'' ‬أخرجه‮ ‬أبو‮ ‬داود‮.‬
وهكذا‮ ‬التحريض‮ ‬‮ ‬وهو‮ ‬من‮ ‬الجهاد‮ ‬باللسان‮ ‬‮ ‬أمر‮ ‬به‮ ‬الله‮ ‬سبحانه‮ ‬وتعالى‮ ‬مع‮ ‬الأمر‮ ‬بالقتال‮ ‬فقال‮: (‬فَقَاتِلْ‮ ‬فِي‮ ‬سَبِيلِ‮ ‬اللَّهِ‮ ‬لَا‮ ‬تُكَلَّفُ‮ ‬إِلَّا‮ ‬نَفْسَكَ‮ ‬وَحَرِّضِ‮ ‬الْمُؤْمِنِينَ‮) ‬النساء‮: 48.‬
فالإنفاق على الغزو والتحريض على الجهاد كلها من متعلقات الجهاد بالسيف وهي المعنية في الحديث وقد قدمنا أن الجهاد حيث أطلق فالمقصود به الجهاد بالسيف حملا له على الحقيقة. فلا علاقة - إذن- لهذا الحديث بجهاد الحجة والكلمة.

المسألة‮ ‬الثالثة‮: ‬
قوله: (فالجهادُ من حيث أدواتُه يكون بالنّفسِ والمالِ واللّسانِ، ومن حيث محلُّه -كما دلّتْ عليه النّصوصُ الشّرعيّةُ الأخرى- يكون للكفّارِ والمنافقين وأهلِ البدعِ والأهواءِ في الظّاهرِ، وللنّفسِ والشّيطانِ في الباطنِ، فيتنوّع الجهادُ إلى أربعِ مراتبَ: جهادِ النّفسِ، والشّيطانِ والكفّارِ، والمنافقين، وأمّا القتالُ فيكونُ في الأصلِ بخصوصِ النّفسِ من جهةِ أدواتِه، وخصوصِ الكفّارِ من جهةِ محلِّه، قال ابنُ القيّمِ -رحمه الله-: ''وجهادُ الكفّارِ أخصُّ باليدِ، وجهادُ المنافقين أخصُّ باللّسانِ''(5- ''زاد المعاد'' لابن‮ ‬القيّم‮: (3/11).). ‬
هذا‮ ‬الخلط‮ ‬بين‮ ‬مفهوم‮ ‬الجهاد‮ ‬بالسيف‮ ‬وغيره‮ ‬من‮ ‬أنواع‮ ‬الجهاد‮ ‬الأخرى‮ ‬لا‮ ‬طائل‮ ‬من‮ ‬ورائه‮ ‬ولن‮ ‬يجني‮ ‬منه‮ ‬المخلطون‮ ‬كبير‮ ‬فائدة‮.‬
وذاك‮ ‬لأن‮ ‬الجهاد‮ ‬بالسيف‮ ‬لا‮ ‬يلتبس‮ ‬من‮ ‬حيث‮ ‬التناول‮ ‬الفقهي‮ ‬مع‮ ‬غيره‮ ‬فلكل‮ ‬أحكامه‮ ‬التي‮ ‬تميزه‮ ‬عن‮ ‬الآخر‮.‬
وقد تحدث الفقهاء عن الجهاد بالسيف وبينوا واجباته وشروطه وممنوعاته وسائر الأحكام المتعلقة به وبالرجوع إلى مصنفاتهم يمكن أن نميز بين الجهاد الواجب والجهاد المندوب والجهاد الممنوع والجهاد المشروع دون الحاجة إلى وضع الأصبع على هذه التعريفات التي إن صحت فهي من الحق‮ ‬الذي‮ ‬أريد‮ ‬به‮ ‬الباطل‮!‬
لأن‮ ‬الفكرة‮ ‬التي‮ ‬يدندن‮ ‬حولها‮ ‬هؤلاء‮ ‬هي‮ ‬أن‮ ‬الجهاد‮ ‬ليس‮ ‬محصورا‮ ‬في‮ ‬القتال‮ ‬بالسيف؛‮ ‬بل‮ ‬هناك‮ ‬جهادات‮ ‬أخرى‮ ‬أقل‮ ‬تكلفة‮ ‬وأكثر‮ ‬جدوائية‮ ‬يمكن‮ ‬الاستعاضة‮ ‬بها‮ ‬عن‮ ‬الجهاد‮ ‬بالسيف‮ !!‬
لكن‮ ‬بمجرد‮ ‬أن‮ ‬نسقط‮ ‬على‮ ‬واقعنا‮ ‬أحكام‮ ‬الجهاد‮ ‬المقررة‮ ‬في‮ ‬الفقه‮ ‬فسوف‮ ‬يتبخر‮ ‬هذا‮ ‬الكلام‮ ‬ويبطل‮ ‬مفعوله‮.‬

المسألة‮ ‬الرابعة‮: ‬
قوله: (ولا يفوتني أن أذكرَ أنّ حالَ حدوثِ تقطُّعٍ بين قتالٍ وقتالٍ -في الظّاهرِ- لا يُخْرِجُه عن صفةِ الاستمرارِ لأنّ طوْرَ البناءِ والإعدادِ التي تتطلّبها مرحلةُ التّقطُّعِ هي في حقيقةِ الأمرِ تواصلٌ واستمرارٌ، مع بقاءِ جهادِ الكفّارِ -عمومًا- بالحجّةِ والبرهانِ -في تلك المرحلةِ- كجهادٍ معنويٍّ حفاظًا على بيضةِ المسلمين من أعداءِ الإسلامِ والدّينِ). هذا الكلام ما هو إلا قلب للحقائق الماثلة أمام الأعين! فهو يريد إقناعنا بأن هؤلاء المخذلين والقاعدين عن جهاد أعداء الدين هم المجاهدون الحقيقيون! وأن ما يمارسونه‮ ‬من‮ ‬قعود‮ ‬وتخذيل‮ ‬عن‮ ‬الجهاد‮ ‬ما‮ ‬هو‮ ‬إلا‮ ‬نوع‮ ‬من‮ ‬الإعداد‮. ‬أعتقد‮ ‬أن‮ ‬هذه‮ ‬هي‮ ‬آخر‮ ‬نظرية‮ ‬تفتقت‮ ‬عنها‮ ‬ذهنية‮ ‬المخذلين‮: ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬القعود‮ ‬عن‮ ‬الجهاد‮ ‬نوعا‮ ‬من‮ ‬الإعداد،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فإنه‮ ‬جهاد‮!!‬
ومن الواجب عليك حسب هذه النظرية أن تكسر المسلمات العقلية وتجمع بين الضدين فتؤمن بأن ترك الجهاد يساوي القيام بالجهاد! وأن فترة انقطاع الجهاد هي نفسها فترة استمرار الجهاد! أنا لا ألوم من يقول هذا الكلام.. لكني ألوم من يصدقه!
إن الله تعالى لم يشرع الإعداد لكي يكون ذريعة للتخذيل والاستمرار في القعود. الإعداد عملية استعداد وجمع للطاقات يقوم بها الطرف المهاجِم قبل بدء المعركة أما الطرف المهاجَم فلا وقت لديه للإعداد بل ضرورة المعركة تفرض عليه أن يبادر بصد العدوان بالموجود وألا يشغله‮ ‬عن‮ ‬البدار‮ ‬طلبُ‮ ‬المفقود‮. ‬هذا‮ ‬النوع‮ ‬من‮ ‬الإعداد‮ ‬ينسحب‮ ‬عليه‮ ‬المثل‮ ‬الحساني‮ ‬الذي‮ ‬يقول‮: ''‬أُفات‮ ‬الدّيٌكة‮ ‬وهو‮ ‬يتحَزّم‮'' ‬أي‮: (‬انتهت‮ ‬المعركة‮ ‬وهو‮ ‬يستعد‮)!‬
إن‮ ‬العدو‮ ‬قد‮ ‬حل‮ ‬بالديار‮ ‬وعاث‮ ‬في‮ ‬الأمصار‮.. ‬وسفك‮ ‬الدماء‮..‬و‮ ‬انتهك‮ ‬الأعراض‮..‬ودنس‮ ‬المقدسات‮..‬ونهب‮ ‬الثروات‮.. ‬فإلى‮ ‬متى‮ ‬الإعداد؟‮ ‬
الملايين قتلوا ونحن في مرحلة الإعداد، والملايين شردوا ونحن في مرحلة الإعداد، والملايين في السجون ونحن في مرحلة الإعداد، والملايين يعيشون الخوف والفزع ونحن في مرحلة الإعداد، والملايين تحت القهر والذل والبطش ونحن في مرحلة الإعداد، والأجيال تتوارث القعود بحجة‮ ‬الإعداد،‮ ‬وتموت‮ ‬على‮ ‬الفراش‮ ‬بحجة‮ ‬الإعداد،‮ ‬فإلى‮ ‬متى‮ ‬الإعداد؟
ليس‮ ‬هذا‮ ‬هو‮ ‬الإعداد‮ ‬الذي‮ ‬أمر‮ ‬الله‮ ‬به‮..‬
الإعداد‮ ‬لا‮ ‬يعني‮ ‬أن‮ ‬ندخل‮ ‬في‮ ‬سرداب‮ ‬عميق‮ ‬لا‮ ‬نهاية‮ ‬له‮ ‬ثم‮ ‬ننظر‮ ‬من‮ ‬بعيد‮ ‬إلى‮ ‬ضحايا‮ ‬المسلمين‮ ‬ونلوح‮ ‬لهم‮ ‬بإشارة‮ ‬النصر‮ ‬ونقول‮: ‬نحن‮ ‬قادمون‮ ‬!‬
الإعداد يعني أن ننتفض كالطير ونثِبَ كالأسود ونستغل كل الإمكانيات ونجمع كل الطاقات وننطلق في أسرع اللحظات لدفع العدوان وصد الهجمات. ولهذا أمر الله تعالى بالمستطاع منه فقال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ).. وإنك لتلمح في قوله تعالى: (ما استطعتم) إشارة إلى الإسراع‮ ‬والمبادرة‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬تسمح‮ ‬بالتراخي‮ ‬فتدرك‮ ‬أن‮ ‬الآية‮ ‬سيقت‮ ‬في‮ ‬معرض‮ ‬التحفيز‮ ‬والاستنفار‮ ‬لكن‮ ‬أصحاب‮ ‬الإعداد‮ ‬السرمدي‮ ‬جعلوها‮ ‬ذريعة‮ ‬لنوم‮ ‬عميق‮!‬
يا أصحاب جهاد الإعداد: إن الإعداد شرع ليكون زيادة في قوة المسلمين لا وسيلة للتخذيل والتقاعس عن نصرة المستضعفين. لكن النظرية الأخرى الأشد غرابة هي ما عبر عنها بقوله: (مع بقاءِ جهادِ الكفّارِ -عمومًا- بالحجّةِ والبرهانِ -في تلك المرحلةِ- كجهادٍ معنويٍّ حفاظًا على بيضةِ المسلمين من أعداءِ الإسلامِ والدّينِ). ومعني هذا أن الجهاد بالحجة والبرهان يحمي بيضة المسلمين من أعداء الدين! وإذا كان الأمر كذلك..ففيم إعداد العدة؟ وفيم الجهاد بالسيف ولدينا الجهاد بالحجة؟ وهو أقل كلفة وأسهل محجة !
إنها فكرة مصادمة لقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) ''الحج: 04''. وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإعداد المأمور به بقوله: (ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي). إن حماية بيضة المسلمين لا تكون إلا بالسيف، والقوة لا يصدها إلا القوة.. وإنما شرعت مجادلة الكفار بالحجة والبرهان من أجل دعوتهم إلى الإسلام لا لحماية المسلمين منهم فهذا ميدان وذلك ميدان. وإذا كان الجهاد بالحجة والبرهان يحمي‮ ‬بيضة‮ ‬المسلمين‮ ‬كما‮ ‬تزعمون‮ ‬يا‮ ‬أصحاب‮ ‬جهاد‮ ‬الكلمة‮ ‬فدونكم‮ ‬بيضة‮ ‬المسلمين‮ ‬فإنها‮ ‬مستباحة‮ ‬إلى‮ ‬أقصى‮ ‬الحدود‮..‬فلم‮ ‬لا‮ ‬تحمونها؟
ألأنه‮ ‬لا‮ ‬حجة‮ ‬لكم‮ ‬ولا‮ ‬برهان‮ ‬؟‮ ‬
‮....‬يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.