سوريا: اجتماع لمجلس الأمن حول الوضع في سوريا    عطاف يستقبل رئيس مجلس العموم الكندي    الرئيس يستقبل أربعة سفراء جدد    شرفة يلتقي نظيره التونسي    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    عرقاب: نسعى إلى استغلال الأملاح..    القضاء على إرهابي وتوقيف 66 تاجر مخدرات    هذه حصيلة 200 يوم من محرقة غزّة    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و305 شهيدا    المولودية في النهائي    بطولة وطنية لنصف الماراطون    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    مهرجان الجزائر الأوّل للرياضات يبدأ اليوم    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي "علامة مرموقة في المشهد الثقافي"    جهود مميزة للجزائر لوضع القضية الفلسطينية في مكانها الصحيح    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    مسرحية "المتّهم"..أحسن عرض متكامل    إتلاف 186 كلغ من اللحوم البيضاء الفاسدة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    قسنطينة: تدشين مصنع لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات    تفعيل التعاون الجزائري الموريتاني في مجال العمل والعلاقات المهنية    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    شبيبة سكيكدة تستعد لكتابة التاريخ أمام الزمالك المصري    الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي بالناحية العسكرية الثالثة    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الجزائر-تونس-ليبيا : التوقيع على اتفاقية إنشاء آلية تشاور لإدارة المياه الجوفية المشتركة    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    29 جريا خلال 24 ساعة الأخيرة نتيجة للسرعة والتهور    عنابة: مفتشون من وزارة الري يتابعون وضع بالقطاع    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    "عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي تعكس الإرادة الجزائرية لبعث وتطوير السينما"    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    فتح صناديق كتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الموقوفة على جامع الجزائر    إهمال الأولياء يفشل 90 بالمائة من الأبناء    نصف نهائي كأس الجمهورية: اتحاد الجزائر – شباب بلوزداد ( اليوم سا 21.00 )    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    مباراة اتحاد الجزائر- نهضة بركان : قرار الكاف منتظر غدا الاربعاء كأقصى تقدير    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشروق تفطر مع سجناء لامبيز بباتنة: أطباق طائرة بين الزنزانات
نشر في الشروق اليومي يوم 06 - 10 - 2007

عندما دخلت سجن "لامبيز" لم أكد أعرفه مقارنة بزيارات سابقة ولم أحس أن هذا الحبس ذا الطراز المعماري الأنيق الذي بناه سجناء فرنسيون استقدموا من أوروبا قبل 1852 يحوي بين عنابره وقاعاته العشرين وزنازنه الانفرادية أكثر من 2200 سجين، سوى خطوات الحرس وصوت مفاتيح السجانين.
‮"‬ ولا ترى سوى ندرة في السجناء أصحاب البدل الصفراء العسلية، ولا غرابة في ذلك فالجو جو رمضان والوقت مساء ساعات قبل الإفطار، في هذه اللحظات يقول أحد أطباء السجن »السجين لا يفكر سوى في أذان الإفطار وفي صافرة الإفطار التي يطلقها الحرس، لذلك فهم الآن يحضرون‮ وينظمون‮ طعام‮ الإفطار‮ أو‮ »‬التقسويلة‮« أو‮ »‬التقزويلة‮« بعبارة‮ »‬النزلاء‮«.‬
حالات‮ بكاء‮ وكآبة‮.. والسجناء‮ أكثر‮ استعدادا‮ للمعالجة‮ النفسية‮ في‮ رمضان؟
لا يختلف شهر رمضان بطقوسه الفريدة داخل "لامبيز" عن خارجه، فاليوميات تبدأ من الثامنة والنصف إلى منتصف النهار صباحا، ومن الواحدة والنصف إلى الرابعة والنصف مساء، وحتى مصلحة التكوين والتعليم التي صنعت شهرة السجن كمكان علمي متفوق راعت الحسابات المدنية في تسيير الشؤون السجنية، خاصة وأن الدخول المدرسي صادف هذه السنة في 15 أكتوبر سيدنا رمضان حيث بلغ عدد المتمدرسين، في مرحلة ليست نهائية وتظل مفتوحة، 587 سجين بينهم 77 مترشحا لشهادة البكالوريا و68 مترشحا لشهادة التعليم المتوسط.
وبما أن الزمن هو زمن الشهر الفضيل حيث تتقلص مدة الدراسة مثل المدارس المدنية فإن الضابط (د. سعيد) أحد المكلفين بمصلحة التعليم يؤكد »الملاحظة البادية للعيان خلال هذا الشهر هي بالتأكيد أن أغلب السجناء يفضلون الدراسة خلال الفترة الصباحية بحكم أن القوة البدنية والعقلية والنفسية وحضور البديهة تبقى حيوية في الساعات الأولى، وتبدأ في التناقص مع مرور الساعات، حيث نلاحظ أن الدارسين مساء تنعدم لديهم تلك الرغبة بحكم العياء ونقص السكريات والطاقة الحيوية بفعل الإمساك عن الطعام والشراب«، أما الضابط »ب. محمد« المكلف بالعيادة فيقول »بخلاف الشهور الأخرى التي يتهافت فيها النزلاء على أسرة العيادة بسبب أو دون سبب طمعا في تغيير الأجواء وكسر روتين الزنازن وطمعا في الراحة، فإن هذه الظاهرة تكاد تنعدم في شهر رمضان حيث يصوم السجناء ويصومون عن العيادة تجنبا للإفطار الطبي بالأدوية والحقن المفطرة«.
ومع ذلك فإن جولة إلى العيادة كشفت تواجد زهاء 70 مريضا من الحالات المرضية الجدية التي تتلقى العناية المستمرة من ثمانية أطباء، وبين هؤلاء المرضى 30 مصابا بداء السكري الذي لا يساعد كثيرا في حالاته القصوى على الصيام، ومع أن المراقبة التلقائية للسجناء يومية مثلما يحرص على تطبيقها مدير السجن (ب. عبد الحق) تنفيذا للتعليمات الصارمة، وبالموازاة مع عزوف السجناء عن تناول الدواء العادي لغير الضرورة القصوى حرصا على صحة صيامهم، ثمة ملحوظة عجيبة أكدها لنا أحد الأطباء »في شهر رمضان يكون السجناء في حالة روحية ومعنوية عالية وفي حالة صفاء تام يوفره الصيام، لذلك يكون الوقت مناسبا للأطباء النفسانيين الذين يجدون أمامهم سجناء مستعدين للحوار والتواصل وطرح الهواجس والخواطر، ذلك أنه في هذا الشهر تحديدا تكتشف حالات كثيرة لسجناء مصابين بالكآبة وأهم ميزاتها العزلة والانطواء والبكاء بسبب فقدان الأجواء الأسرية والعائلية.
فالسجين لا يكتشف تاريخه السابق في كنف الأهل والأصدقاء والأحباب إلا في هذ الشهر، وقد يدفعه الشعور بالغربة و»الوحشة« إلى الفضفضة بالدموع والبكاء«، خاصة مع اقتراب أيام عيد الفطر«.
البوتشينة‮.. وتبادل‮ الطعام‮ بطريقة‮ سلكية؟‮!‬
تكفلا بهذه النقطة بالذات، راعت إدارة السجن عوامل الغربة الضاغطة، عندما سمحت بقفة إضافية كل أربعاء يحضرها الأهالي لتتوفر على كل المأكولات التقليدية اللازمة لشهر الصيام والتي تفوح منها رائحة »الأمهات« والحياة الأسرية، على غرار »الجاري بالفريك« و»كسرة المطلوع« والكسرة الجافة »الرخساس أو الرخسيس« وحتى »البقلاوة وقلب اللوز« وتوفر هذه الأكلات البسيطة أجواء حميمية تساهم في كسر تلك الغربة، يقول أحد السجناء »سمحت قفة الأسرة لنا باسترجاع ذكرياتنا في عائلاتنا، أشعر أنني أفطر مع أمي وإخواني وأخواتي كلما أمسكت قطعة رخسيس مصنوع بالشعير أو السميد، إنها نعمة كبيرة، الحمد لله فإن الأجواء عائلية بيننا وبين الحراس والموظفين، نلقى أحسن معاملة من طرف الإدارة والمدير الذي يتفقد أحوالنا شخصيا كامل الأوقات وفي هذا الشهر ويراقب الوجبات، لذلك فإن كلش كاين في "لامبيز" إلا باباك وأمك«.‮.‬
علاوة على الأجواء الأخوية والأسرية السائدة، هنالك تضامن بين السجناء أنفسهم بحكم شقاوة الغربة وملح العشرة، يقول أحدهم »لا يحس السجناء بالتوحد سوى في هذا الشهر، الصيام يجعلنا أمة واحدة في الزنازن، لذلك تقوى الروابط وتزدهر الألفة والرحمة والتضامن، ففي ساعات »التقسويل« أي تدبير الأكل، نتبادل فيما بيننا بعض الأطعمة، مثل الحار والفواكه والرخسيس و الحلويات.
هناك نوع من المقايضة تنشأ عن طيب خاطر« وليست هذه مجرد كلمات، فقد لمحت وأنا أعبر رواق بعض العنابر إلى المطعم ظاهرة غريبة وطريفة عندما شاهدت أحد القاطنين بزنزانة في طابق علوي يرمي بخيط طويل من نافذته تثبت أسفله علبة مكورة من لفاف الجرائد بعدما ثبت فوقها إناء صغير من البلاستيك، أخرج يده وألقى به مثل الضارة ليتلقه سجين آخر من نافذة زنزانة أخرى تقع على بعد عشرة أمتار، وشرح لي أحد المرافقين هذه التقنية بقوله »عندما يكون لسجين طعام ما ليس لزميله، فإنه يدخله في إناء من بلاستيك (البوتشينة) ثم يربطه بخيط متين بمركز ثقل هو الجسم المكور المصنوع من ورق الجرائد يثبت فوقه الإناء ثم يخرج يده ويقذف به اتجاه زميله الذي يخرج بدوره ذراعه في الهواء عندما يصطدم الخيط بذراعه فإنه يلتف بفعل‮ لقطة‮ الثقل‮ على الذراع‮ ويلتصق‮ به‮ الخيط‮ ليسحب‮ يده‮ ثم‮ يفرغ‮ الإناء‮ ويعيد‮ الخيط‮ لصاحبه،‮ وأحيانا‮ يرسل‮ له‮ طعاما‮ ليس‮ بحوزته‮ بنفس‮ طريقة‮ »‬البوتشينة‮«.‬
الجاري‮ ب‮ »‬الحمام‮« و‮»‬الفْلان‮« على ما‮ يرام
تفقدنا مخبزة السجن فوجدنا بعض النزلاء منهمكين في صنع الخبز، في الأوقات العادية تنتج المخبزة 5500 خبزة، ومع أن الإنتاج ينقص قليلا بفعل الصيام فإن لكل سجين حصته الكافية من الخبز (خبز "لامبيز") الذي ينافس عندم خبز وبريوش بن عمارة ومڤلاتي وبوهيدل، أما داخل المطبخ المجهز بأحدث الوسائل فكان جمع من السجناء يحضر الشربة والطبق (الثاني) والسلطة والفواكه من العنب ومرات الإجاص والتفاح، بل كان بعضهم ينشر الكسكسي فوق طاولات عملاقة لتحضير المسفوف كأنك في مرملة عملاقة، بينما كان آخرون يقطعون اللحم إلى قطع ومكعبات منظمة تسيل‮ اللعاب،‮ ليتدخل‮ المدير‮ »‬الوجبات‮ مدروسة‮ وكاملة‮ من‮ السلطة‮ إلى اللحم‮ والفواكه،‮ كما‮ يمكن‮ إضافة‮ وجبات‮ لبعض‮ السجناءالذين‮ لا‮ تكفيهم‮ بتنسيق‮ مع‮ الأطباء‮ حسب‮ الحالة‮ البدنية‮ للنزيل‮«...
»شاف المطبخ« هو (ع.ح) شرطي الوظيفة قبل دخوله السجن بيوم واحد فقط بعد زواجه، دخل على زوجته نهار الجمعة (2004) ليدخل السجن نهار السبت قادما من البويرة، أورد المعلومة ضاحكا قبل أن يسترسل في شؤون الطبيخ بأرقام طريفة بعدما سألته عما يلزم من كيلوغرامات وليترات لإطعام سجناء يبلغ عددهم 2200 سجين، ما يعادل سكان بعض البلديات الصغيرة فقال »يلزمنا قنطار وعشرون كيلوغرام من اللحم و45 كلغ من الطماطم المصبرة و90 كلغ من الخضر والطماطم لصنع الجاري إضافة إلى 30 لترا من الزيت« وعندما سألته عن الزيت قال »السلطة وحدها تستهلك 10 لترات« وعندها لفت ناظري وجود فرقة متخصصة في صناعة الزلابية المعسلة بتأطير من زلابجي محترف على ما يبدو قال »الزلابية تستهلك 30 لترا من الزيت« وهي زلابية كما قال أحد المعاونين ومع أنها عادية وليست بالجوز والكاوكاو والشعير فإنها بطلة مائدة إفطار النزلاء، وهي عندهم‮ مثل‮ زلابية‮ الشعير‮ للباتنيين‮ وزلابية‮ بوفاريك‮ عند‮ العاصميين‮.‬
ومع أن الوجبة محترمة باعتراف السجناء الذين يزودون بالقهوة والحليب أيضا (55 كلغ قهوة و45 كليو غبرة الحليب يوميا) وباعتراف طبيب موظف أكد لنا بلغة المزح الجاد: »أحيانا أتطفل عليهم للفوز بقطعة مما تجود به موائدهم« ومع أن ذلك حقيقة ثابتة، فإن رمضان يلعب أيضا بأعصاب السجناء قبيل الإفطار حيث تكثر المناوشات بسبب حشيشة رمضان (القهوة والدخان) لكنها مناوشات طفيفة باستثناء حالة واحدة اعتدى فيها سجين على زميله مسببا له خدشا تحت الرقبة، ومثلهم مثل المدنيين يتفنن السجناء في تمضية الوقت بقراءة القرآن ومشاهدة التلفزيون الجزائري أو عبر قناة السجن التي تبث لهم أفلام الحركة المنتقاة والمباريات.
لكن هناك ظاهرتان مميزتان حينما علمت أن هواية بعضهم هي تربية (الزاوش) أو (المقين) فقد تحول 15 سجينا إلى مروضي طيور محترفين، يأمرون طيورهم بتصفيرة فيجيئونهم مسخرين ويأمرونهم بتصفيرة فيغادرون، يفعلون ما يؤمرون مثل هدهد سيدنا سليمان، بل إن بعضهم يأكل طعامه من أفواه المسجونين، ولله في خلقه شؤون، عندما تعلم أن نزلاء الطابق الرابع يحضرون الشربة بالحمام، السكان في السقف يصنعون من خيوط ما يعرف ب »الشركة« -الشرك- حيث يلفون الخيط في شكل حلقات متجاورة مثل بيت العنكبوت ويلقون بها ناحية مربض الحمام بالسقف، ثم يتبعونها بقطع خبز فيقبل عليها الحمام المغرر به وحينما يحس السجين بوضع الحمام ساقه في الشرك يجذب برأس الخيط فتلتف الحلقات حول ساق الحمام ويتحول بعدها إلى لحم طري، يتبع بتحلية »الفلان« المحضر بالحليب‮ والمرشوش‮ بالكاوكاو‮ والجوز‮ والفستق،‮ والذي‮ يترك‮ عند‮ النوافذ‮ مستفيدا‮ من‮ نسمات‮ باردة‮ خفيفة‮ قادمة‮ من‮ جبل‮ ؟؟‮ ويتجمد‮ بصورة‮ طبيعية‮ وكأنه‮ في‮ براد‮ اصطناعي‮!‬
الشربة‮ الساخنة‮ للمحكوم‮ عليهم‮ بالإعدام‮ فقط؟‮!‬
في رمضان يبدأ توزيع الطعام داخل القاعات حوالي الثالة والنصف، وتحظى الشربة والأطباق الثانية بعناية خاصة، حيث توضع داخل أواني كبيرة حافظة للحرارة (نورفيجيان) ويسمح هذا الوقت المتوفر لسجناء القاعات بتحضير المائدة حيث يتم فرش البطانيات ويتحلق الصائمون في شكل حلقات من أربع إلى خمسة أفراد، ويسمح هذا الوقت للسجناء بتحضير أكلات إضافية خاصة ب (التقسويلة) كما يشتركون في إعداد (سلطة الفواكه) عن طريق تويزة جماعية، موزة من هنا وتفاحة من هناك وإجاصة من سجين آخر وهكذا دواليك، أما أصحاب العقوبات الطويلة، وعددهم 520 فرد بينهم 80 عنصرا محكوم عليه بالإعدام و25 شخصا من أصحاب القضايا الخاصة (الإرهاب) فيفطرون داخل زنازنهم الانفرادية، حيث يوزع عليهم الأكل مثل أصحاب القاعات الجماعية، والاستثناء الوحيد المسجل هنا كما يقول نائب رئيس الاحتباس وضابط رئيس الحيازة (ع. يزيد) فيتعلق بالمحكوم‮ عليهم‮ بالإعدام،‮ حيث‮ وبالنظر‮ إلى‮ العقوبة‮ المسلطة‮ عليهم‮ ومن‮ باب‮ تحسيسهم‮ بالعناية‮ الإنسانية‮ فهم‮ وحدهم‮ يستفيدون‮ من‮ »‬شربة‮ ساخنة‮« توزع‮ عليهم‮ ربع‮ ساعة‮ قبل‮ الإفطار‮«‬.
وحينما يحين الإفطار يترقب السجناء صوت المؤذن من النوافذ من صافر الإنذار، يقوم البعض بكسر الصيام وأداء صلاة المغرب جماعة وفرادى ثم العودة للمائدة، لتبدأ السهرة بمشاهدة المسلسلات الفكاهية كالكاميرا الخفية و»حال وأحوال« فيما يقبل السجناء الآخرون تتبع برامج قناة البث الموحد التابعة للسجن والتي تقدم لهم أفلام الحركة حتى ما بعد منتصف الليل، ليستمر سمر النزلاء مع القناة الوحيدة للتلفزيون الأرضي، أما المصلون فيقومون بأداء العشاء ثم التراويح بإمامة سجين متفقه في الدين، ففي القاعة رقم 20 يتولى الشاب (م.س) 27 سنة المسجون في قضية قتل شقيقه الذي حاول الاعتداء على والدته من فرط المهلوسات مهمة أداء الصلاة قراءة من المصحف بحكم أنه ذو ثقافة دينية وحب التفقه في الدين منذ نعومة أظافره وبحكم أنه حافظ لأجزاء متفرقة متيسرة من القرآن الكريم، يقول الشاب الخلوق والهادئ الذي أمضى 5 سنوات من أصل عشرة أعوام، إن عدد مصلي التراويح داخل كل قاعة يبلغ أحيانا عشرين، أي أن حوالى 400 سجين يؤدون التراويح بنفس طريقة المسجد العتيق أو جامع أول نوفمبر ليس ثمة فرق، كما أنه لا فرق أيضا في أن بعض السجناء يصلون في رمضان فقط، كما قال سجين آخر مبتسما!.
عَرْضة‮ من‮ الزنزانة‮ الانفرادية‮ إلى‮ القاعة‮ الجماعية‮!‬
بخلاف أصحاب العقوبات الخفيفة الذين يتمتعون بحياة جماعية، فإن أصحاب العقوبات الطويلة يقضون يوميات رمضان بشكل انفرادي بحكم إقامتهم في زنازن انفرادية، السجين (أ. أ) محكوم عليه بالمؤبد بعد تخفيض عقوبته من الإعدام نتيجة جريمة قتل ارتكبها حينما كان مقاوما سنة 1995 في حق شخصين بعد اغتيال خمسة أشخاص من أصدقائه وأقاربه، هو واحد من نزلاء الحبس الانفرادي، ورغم أن هذا الشاب المحبوب والمرح الذي لعب لفريق اتحاد الشاوية رفقة خياط وبغو موسم الصعود، لم يكن يتوقع أن يخطفه السجن من كرة القدم التي يعشقها، فعوض ذلك بلقب أحسن لاعب في السجن، فإنه جد منسجم مع محيطه بعدما أكد أن السجن أصبح حياته وعالمه الخاص بعيدا عن أهله، لذلك لا يشعر بأدنى فرق بين الشهور الأخرى ورمضان، يبدأ يومه بالصلاة ثم مطالعة الجرائد اليومية الرياضية خاصة و»الشروق اليومي« بشكل أخص، ويقرأ القرآن يوميا بمعدل حزب واحد كل يوم طيلة رمضان، أما السهرة فيقتل وقتها بسماع برامج القناة الإذاعية الأولى، حيث لا وجود لتلفزيون لأصحاب الزنزانة الانفرادية.
قد مكنتهم الإدارة من سماع الإذاعة بواسطة أجهزة سماع (باف) مثبتة في كافة الغرف الانفرادية، وجدناه في حالة غبطة عندما تحدثنا إليه بعدما علمنا أنه مدعو (معروض) هذه الليلة إفطارا وسهرا، عند سجناء احدى القاعات الجماعية، وهو إجراء يتم بالتناوب للمسجونين للتنفيس عليهم وإخراجهم من العزلة، وبسبب غبطة (أ. أ) أن دوره جاء في رمضان، حيث سيفطر جماعيا مع رفاقه وسيشاهد التلفزيون وما أدراك ما‮ التلفزيون‮ في‮ رمضان‮ تحديدا‮ لسجين‮ تشتغل‮ أذنه‮ أكثر‮ من‮ شفاهه‮ وعينه؟‮ كل‮ ذلك‮ وسط‮ جمع‮ ونكات‮ وضحكات‮ حول‮ إناء‮ وفناجين‮ قهوة‮ وسجائر‮ تزداد‮ نكهتها‮ مع‮ رفاق‮ العنابر‮!‬.
ومع أنه لا شيء ينقص داخل السجن، بدليل تلقائية السجناء الذين تمنى بعضهم مقاسمتهم الإفطار الذي لا يختلف عن أية مائدة جزائرية في جو من الود بين النزلاء والموظفين والاحترام المتبادل مع الإدارة حتى أنك تظن نفسك في مخيم صيفي، فإن رغبة بعض السجناء هي التنافس للحصول على إجازة من عشرة أيام التي تمنحها لجنة تجتمع كل شهر لبعض السجناء المتوفرين على شروط محددة قانونا، يقضونها مع أسرهم ثم العودة مجددا مثل الأسلاك العسكرية، حيث يؤكد (د. ع) 38 سنة لحام من عين التوتة المعاقب ب 18 سنة قضى منها 12 عاما، أن حلمه قبول طلبه للاستفادة من الإجازة لقضاء الأيام الأخيرة من رمضان وأيام العيد وسط عائلته، لأنه »توحش« مائدة وقهوة العائلة، وهي الأحاسيس التي فجرها فيه بعض المستفيدين من الإفراج المشروط الذين أكدوا له أن رمضان مع »الدار« له لون ورائحة مختلفة جدا.
ليؤكد مدير المؤسسة العقابية الذي يحظى بتقدير النزلاء ونحن نغادرهم بعد تلقينا هدية هي عبارة عن (خبزة صنعت في لامبيز) »إن شاء الله أتمنى أن يفطر كل سجين العام المقبل بين أمه وأبيه وإخوانه وأخواته، فإن بعد العسر يسرا ولا يتسع الأمر إلا إذا ضاق وكل كرب له فرج يتلوه.. وصح فطوركم«. .
طاهر‮ حليسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.