أعجبني شعار "ابدأ بنفسك.. وكن ملتزما"، تم اعتماده لتقليص حوادث المرور ووقف مجازر وإرهاب الطرقات، والحال أن هكذا شعار يستحقّ الترويج له وتعميمه على مختلف القطاعات والهيئات.. إلى الطبقة السياسية والإدارة، إلى البرلمان والحكومة، إلى الوزراء والولاة والأميار والنواب والمنتخبين، وإلى كلّ أطياف المجتمع العميق. مصيبتنا جميعا، أننا لا نبدأ بأنفسنا، ونطالب غيرنا بأن يبدأوا بأنفسهم.. فالجميع ينصح ويحلّل ويُناقش و"يُبلبل"، لكنه لا يقبل أبدا النصيحة ولا يسمع إلاّ صوته، وإذا سمع صوت غيره، فإنه ليس بهدف الإفادة والاستفادة، ولكن من أجل تشخيص نقاط الضعف ومن ثمّة الاحتقار! لو بدأت كلّ جهة شخصية ومعنوية، وبدأ كلّ فرد ومسؤول، بنفسه، لاستقامت الأمور وتصحّح الوضع وانتقلنا من الحسن إلى الأحسن، بدل الشعور الدائم بالتطور من السيّء إلى الأسوأ! ابدأ بنفسك أيها السياسي والقيادي والوزير والوالي والمير والمدير والمسؤول والصحفي والشرطي والقاضي والإمام والمحامي والأستاذ والموظف والعامل و"العسّاس" والتلميذ والسائق والتاجر والفلاح والمستورد والمستثمر وربّ الأسرة.. لنبدأ بأنفسنا جميعا قبل أن نتفلسف على غيرنا! مشكلتنا.. أو مشكلة الأغلبية، أنها تضع الطين بدل القطن في آذانها، حتى لا تسمع أيّ صوت، وإذا شعرت بالغمّة، نزعت الطين وبدأت في "الهدرة" والثرثرة، من باب صناعة الضجيج ومنع الجميع من سماع أصوات بعضهم البعض، فيصبح الضجيج الصوت الوحيد المسموع! هل بإمكاننا أن نبدأ بأنفسنا؟ هل الأمر مستحيل حتى لا يبدأ كلّ واحد بنفسه؟.. أعتقد أنه لو بدأ كلّ منّا بنفسه في بيته ووظيفته، في المسجد والسوق والشارع، مع عائلته وأبنائه وجيرانه وأصدقائه وزملائه في العمل، مع رفقائه في السفر والحياة المهنية والإنسانية.. الأكيد ستبدأ المشاكل في الحل ويجد الإعوجاج طريقه إلى التقويم! المحكوم يسمع للحاكم، الموظف يسمع للمسؤول، الابن يسمع للأب، المناضل يسمع للقائد، المدير يسمع للوزير، المصلي يسمع للإمام، التلميذ يسمع للأستاذ، المريض يسمع للطبيب، القارئ يسمع للصحفي، المتفرّج يسمع للفنان، الزبون يسمع للتاجر، وهؤلاء يسمعون لأولئك.. لكن ألا انقلبت الآية واستمع الذين يُسمع لهم للذين يجب أن يُستمع لهم؟ نعم، هي مشكلة كبيرة نواجهها: لا أحد يستمع للآخر، والأخطر من هذا، أن لا أحد يُريد أن يسمع للآخر، ولذلك عمّ حوار الطرشان، وبالتالي لا حياة لمن تنادي حتى وإن هجم الأعادي!