وسط ترقب الدوري السعودي.. ميلان يضع بن ناصر على لائحة البيع    حنكة دبلوماسية..دور حكيم ثابت وقناعة راسخة للجزائر    أكنّ للجزائر وتاريخها العريق تقديرا خاصا..وكل الاحترام لجاليتها    مهرجان عنابة..عودة الفن السابع إلى مدينة الأدب والفنون    إبراز البعد الفني والتاريخي والوطني للشيخ عبد الكريم دالي    التراث الثقافي الجزائري واجهة الأمة ومستقبلها    مطالبات بتحقيقات مستقلّة في المقابر الجماعية بغزّة    تقرير دولي أسود ضد الاحتلال المغربي للصّحراء الغربية    استقالة متحدّثة باسم الخارجية الأمريكية من منصبها    تكوين 50 أستاذا وطالب دكتوراه في التّعليم المُتكامل    ثقافة مجتمعية أساسها احترام متبادل وتنافسية شريفة    العاصمة.. ديناميكية كبيرة في ترقية الفضاءات الرياضية    حريصون على تعزيز فرص الشباب وإبراز مواهبهم    وكالة الأمن الصحي..ثمرة اهتمام الرّئيس بصحّة المواطن    تحضيرات مُكثفة لإنجاح موسم الحصاد..عام خير    تسهيلات بالجملة للمستثمرين في النسيج والملابس الجاهزة    المسيلة..تسهيلات ومرافقة تامّة للفلاّحين    استفادة جميع ولايات الوطن من هياكل صحية جديدة    قال بفضل أدائها في مجال الإبداع وإنشاء المؤسسات،كمال بداري: جامعة بجاية أنشأت 200 مشروع اقتصادي وحققت 20 براءة اختراع    الشباب يبلغ نهائي الكأس    بونجاح يتوّج وبراهيمي وبن يطو يتألقان    خلافان يؤخّران إعلان انتقال مبابي    بعد إتمام إنجاز المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية وتحقيق الاستقلال التكنولوجي    سوناطراك تتعاون مع أوكيو    الأقصى في مرمى التدنيس    حكومة الاحتلال فوق القانون الدولي    غزّة ستعلّم جيلا جديدا    جراء الاحتلال الصهيوني المتواصل على قطاع غزة: ارتفاع عدد ضحايا العدوان إلى 34 ألفا و356 شهيدا    الأمير عبد القادر موضوع ملتقى وطني    باحثون يؤكدون ضرورة الإسراع في تسجيل التراث اللامادي الجزائري    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    بن طالب: تيسمسيلت أصبحت ولاية نموذجية    هذا آخر أجل لاستصدار تأشيرات الحج    المدرب أرني سلوت مرشح بقوّة لخلافة كلوب    جامعة "عباس لغرور" بخنشلة: ملتقى وطني للمخطوطات في طبعته "الثالثة"    "العميد" يواجه بارادو وعينه على الاقتراب من اللّقب    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    أمن دائرة عين الطويلة توقيف شخص متورط القذف عبر الفايسبوك    سيدي بلعباس : المصلحة الولائية للأمن العمومي إحصاء 1515 مخالفة مرورية خلال مارس    أحزاب نفتقدها حتى خارج السرب..!؟    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    حوالي 42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    هلاك 44 شخصا وإصابة 197 آخرين بجروح    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    الجزائر العاصمة.. انفجار للغاز بمسكن بحي المالحة يخلف 22 جريحا    من 15 ماي إلى 31 ديسمبر المقبل : الإعلان عن رزنامة المعارض الوطنية للكتاب    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة السابعة: بماذا يتحقق فرض الكفاية في الجهاد؟
الفصل الثالث

لقد رأينا جمهور العلماء قد اتفقوا على أن الجهاد فرض في الإسلام، وهذا ما لا ينبغي أن يُشك أو يُنازع فيه في الجملة. وأن منه ما هو فرض كفاية، ومنه ما هو فرض عين: فأما ما هو فرض عين، فلا خلاف عليه، ولا نزاع فيه، وهو (جهاد الدفع) أي جهاد المقاومة والمطاردة للغزاة، لتحرير أرض الإسلام وأهل الإسلام منهم. وسنتحدث عنه في الفصل القادم.
وإنما الخلاف والنزاع فيما هو فرض كفاية، وهو (جهاد الطلب) كما يسميه الفقهاء. فهل هذا النوع من الجهاد مُسلَّم به ومتفق عليه، أو مختلَف فيه؟ وإذا كان مُسلَّما به عند الجمهور، فما المقصود حقيقة من هذا النوع من الجهاد؟ أهو قتال العالم كله: مَن حاربنا منهم، ومَن سالمنا، حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون؟ أم هو شيء غير ذلك؟ وما هو هذا الشيء؟
فقد نقلنا قول الإمام (الجصاص) في أحكام القرآن: ما أجمع عليه المسلمون وما اختلفوا فيه من أمر هذا الجهاد.
أما ما أجمعوا عليه، فهو: إذا خاف أهل الثغور من العدو، ولم تكن فيهم مقاومة لهم، فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم، ففرض على كافة الأمة: أن ينفر إليهم مَن يَكُفُّ عاديتهم عن المسلمين. وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ...
قال: لكن موضع الخلاف بينهم: أنه متى كان بإزاء العدو مقاومون له، ولا يخافون غلبة العدو عليهم: هل يجوز للمسلمين ترك جهادهم حتى يُسلموا أو يؤدُّوا الجزية؟
فكان من قول ابن عمر وعطاء وعمرو بن دينار وابن شُبرُمة (والثوري أيضا): أنه جائز للإمام والمسلمين ألا يغزوهم ويقعدوا عنهم.
وقال آخرون: على الإمام والمسلمين أن يغزوهم أبدا، حتى يُسلموا أو يؤدُّوا الجزية، وهو مذهب أصحابنا ومَن ذكرنا من السلف (1)اه.
فإذا لم نأخذ بقول ابن عمر وغيره ممَّن ذكرهم الجصاص، فما المقصود بفرض الكفاية في الرأي الآخر؟
لقد ذكر أكثر الفقهاء: أن فرض الكفاية يسقط عن الأمة بغزو العدو مرة كل سنة. فإذا لم يغزُ أحد من الأمة الكفار - ولو مرة واحدة في السنة - فقد أثمت الأمة كلها، لتفريطها في القيام بفرض الكفاية.
وتحديد الغزو بهذه الصورة - مرة كل سنة - لم يجئ به نص من كتاب أو سنة، ولكن ذكره بعض المتقدمين، ونقله عنهم المتأخرون. وإنما قاله مَن قاله استنباطا؛ لأن الجزية تجب في السنة مرة، وهي بدل الجهاد، فكذلك مُبدَلها - وهو الجهاد - يجب أن يكون في السنة مرة.
والحقُّ أن كلام الفقهاء هنا أملاه الواقع الذي عاشوه وعاينوه، كما ذكرنا من قبل، والمتمثل في عَلاقة الدولة الإسلامية بجيرانها الذين يهدِّدونها في كل وقت، ولا سيما دولة الروم البيزنطية، القوية والمتربصة. فعلى المسلمين أن يقوموا بمناوشات على الحدود بين الحين والحين، لتأمين حدودهم، وإثبات وجودهم، وهذا ما عرَفه عصرنا، وسمَّاه الباحثون المُحدَثون: (الحرب الوقائية)، وهي عندهم مبرَّرة ومشروعة.
تفسيرٌ مهمٌّ لفرض الكفاية قاله فقهاء الشافعية:
ولكن من الفقهاء مَن فسَّر فرض الكفاية المطلوب من الأمة تفسيرا جيدا، غير التفسير التقليدي، وفَّق به بين القائلين بالجهاد الهجومي، والقائلين بالجهاد الدفاعي.
والعجيب أن الذين قدموا هذا التفسير للجهاد الكفائي بصراحة هم فقهاء الشافعية. ومن المعلوم: أن مذهب الشافعي رضي الله عنه، هو أشد المذاهب في قضية الجهاد، وأكثرها تضييقا، كما سنرى ذلك في عدة قضايا مثل: إجازته قتل الراهب والأجير والشيخ والأعمى والزَّمِن في أظهر القولين (2).
ومع هذا حقَّق المتأخرون من فقهائهم هذا الأمر فأحسنوا.
ذكر الإمام الرافعي في كتابه: (فتح العزيز بشرح الوجيز)، والذي اختصره الإمام النووي وعلَّق عليه في: (روضة الطالبين)، وذكره أيضا في: (المنهاج) وأكَّده شُرَّاحه مثل: العلامة ابن حجر الهيتمي في: (تحفة المحتاج شرح المنهاج)، وشمس الدين الرملي في: (نهاية المحتاج)، والخطيب الشربيني في: (مغني المحتاج)، وغيرهم. وخلاصة ما ذكروه: أن فرض الكفاية في الجهاد يحصل بتَشحِين الثغور - وهي محالُّ الخوف التي تلي بلاد الأعداء - بمكافئين لهم لو قصدوها، مع إحكام الحصون والخنادق، وتقليد ذلك للأمراء المؤتمنين، المشهورين بالشجاعة والنصح للمسلمين (3)
كما يحصل بأن يدخل الإمام أو نائبه دارهم بالجيوش لقتالهم.
قالوا: هذا ما صرَّح به كثيرون، ولا ينافيه كلام غيرهم: لأنه محمول عليه، وصريحه الاكتفاء بالأول وحده (أي تحصين الثغور وشحنها بالجيوش، وإن لم تدخل دار الكفر للقتال)، وعلَّل ذلك بأن الثغور إذا شُحنت كما ذُكر، كان في ذلك إخماد لشوكتهم، وإظهار لقهرهم بعجزهم عن الظفر بشيء منا. مع قوله هنا: إنه إذا احتيج إلى قتالهم وجب (4).
ومعنى هذا: أن المطلوب الذي يُؤدَّى به فرض الكفاية: أن يكون للمسلمين جيش قوي مرهوب الجانب، مسلَّح بأحدث الأسلحة، وعلى أعلى مستوى من التدريب، ينشر قوَّاته في كل الثغور البرية والبحرية، بحيث لا يدع نقطة يخشى منها، دون أن يهيئ لها أسباب الحماية والمَنَعَة، حتى يرتدع الأعداء، ولا يفكروا في الهجوم على المسلمين. وهذا أمر توافق عليه كل دول العالم اليوم. فمن مقتضيات سيادة الدول: أن تكون لها قوَّات مسلَّحة قادرة على الدفاع عن حدودها واستقلالها من أي هجوم عليها، أو اعتداء على حرماتها، أو الاستيلاء على أي شبر منها.
سبق الحنفية بما قاله الشافعية:
بل أقول: إن ما قاله المتأخرون من علماء الشافعية الذين اعتُمِدَت كتبهم ومؤلفاتهم عند أهل المذهب، قد سبقهم به علماء كبار من الحنفية أيضا، ممَّن تعتبر كتبهم مراجع مهمة في المذهب.
فقد نقلنا قَبلُ قول العلاَّمة الحنفي الكاساني - الملقَّب بملك العلماء - في كتابه الشهير (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع): (وإذا كان (الجهاد) فرضا على الكفاية، فلا ينبغي للإمام أن يخلي ثغرا من الثغور من جماعة من الغُزاة، فيهم غَناء وكفاية لقتال العدو، فإن قاموا به يسقط عن الباقين، وإن ضعف أهل ثغر عن مقاومة الكفرة، وخِيف عليهم من العدو، فعلى مَن وراءهم من المسلمين - الأقرب فالأقرب- أن ينفروا إليهم، وأن يمدوهم بالسلاح والكُراع والمال، لما ذكرنا أنه فرض على الناس كلِّهم ممَّن هو أهل الجهاد. ولكن الفرض يسقط بحصول الكفاية بالبعض، فما لم يحصل لا يسقط) (5)اه.
فهذا تفسير الإمام الكاساني رحمه الله لمعنى فرض الكفاية: ألا يخلي الإمام ثغرا من الثغور من جماعة من الغُزاة، فيهم الكفاية والقدرة على ردِّ الأعداء الكفرة لو تعرضوا للمسلمين أو هجموا عليهم. وإلا وجب على مَن يليهم أن ينضمَّ إليهم، وأن يمدُّوهم بالمال والسلاح. ولم يذكر الكاساني في معنى فرض الكفاية: أن يُغِير كل سنة - لزوما - على الكفرة الأعداء مرة على الأقل في كل عام.
وقد علَّق ابن عابدين في حاشيته على هذا الكلام بقوله: (وحاصله: أن كل موضع خيف هجوم العدو منه، فرض على الإمام - أو على أهل ذلك الموضع - حفظه، وإن لم يقدروا فرض على الأقرب إليهم إعانتهم، إلى حصول الكفاية بمقاومة العدو، ولا يخفى أن هذا غير مسألتنا وهي قتالنا لهم ابتداء، فتأمل!) (6)اه. وقد نقلنا عبارة (البدائع) والتعليق عليها قبل ذلك.
كما وجدنا في المذهب المالكي ما يؤيِّد هذا التوجه، وقد نقلنا من قبل ما نقله الإمام القرافي في (الذخيرة).
كما وجدنا عند الحنابلة: ما ذكره ابن قدامة من الموانع والأعذار المتعددة، التي تسقط فرض الكفاية، وقد علَّقنا على ما قاله بما يغني عن إعادته هنا.
فهذا هو تحقيق معنى (فرض الكفاية) في الجهاد: أن تملك الأمة قدرة عسكرية مسلَّحة بما يلزمها من كل أسلحة العصر: برية وبحرية وجوية، منافسة لأسلحة الأعداء والمتربصين، إن لم تتفوق عليهم، يقوم عليها رجال مدرَّبون على استعمالها، قد أُعِدُوا الإعداد المطلوب: بدنيا ونفسيا وثقافيا، وقبل ذلك كلِّه: إيمانيًّا.
وأن يسند ذلك كله: قدرة اقتصادية تكفي الأمة عند الحرب ما تحتاج إليه من مؤن ونفقات وخدمات ... وقدرة علمية وتكنولوجية تمدُّ الحرب الحديثة بما يلزمها من أدوات وحاجات تتطوَّر من يوم لآخر، وإنما ينتصر فيها مَن كان أكثر علما وخبرة في هذه المجالات.
والأصل في فرض الكفاية: أن الأمة جميعا مخاطَبة به، وإن كان الذي يقوم به بعض منها، إذ لا يمكن أن يكلَّف الجميع به.
فإعداد القوة الرادعة أَمَرَ اللهُ تعالى به الأمة جميعا في قوله سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60].
ولكن الذي يقوم بهذا ويعدُّ العدَّة اللازمة لإرهاب عدو الله وعدو الأمة، هم أولو الأمر الذين تولَّوا مسؤولية الولاية على الناس. فإذا قاموا بواجبهم في الإعداد على الوجه المنشود، فقد برئت الأمة كلها من الإثم والحرج. وإن لم يقوموا بما ينبغي، وبقيت الديار مكشوفة الساح، فاقدة السلاح، مهيضة الجناح، فقد أثمت الأمة كلها: حكاما ومحكومين، رعاة ورعية.
وذلك لأن فرض الكفاية تحمل الأمةُ كلُّها مسؤولية تحقيقه وتنفيذه، لأن فروض الكفاية في الواقع، إنما تعني الفروض الواجبة على الأمة بالتضامن، بخلاف فروض العين، فهي الفروض الواجبة على الأفراد بصفتهم الشخصية، وهم المسؤولون عنها أمام الله تعالى، وأمام الناس.
ومَن تأمل ما ذكره الفقهاء من فروض الكفاية (7): وجدها كلها تصبُّ في اتجاه واحد هو: كل ما يحفظ على الأمة هُويَّتها، وشخصيتها الدينية والثقافية والحضارية، ويحفظ عليها مقوماتها المادية والمعنوية. ومنها الجهاد دفاعا عن كِيانها وحُرُماتها.
الفصل الرابع
متى يكون الجهاد فرض عين؟
يصبح الجهاد فرض عين في عدَّة مواضع:
1 - عند هجوم الأعداء على بلد مسلم:
الأول: إذا هجم العدو على بلد من بلاد المسلمين، أو خِيف هجومه، وبدت بوادره وهذه الحالة تُسمَّى (النفير العام)، وهو: أن يُحتاج إلى جميع المسلمين عند دخول الكفار واحتلالهم لأرض إسلامية، أو تهديدهم لها - وتوقع خطرهم عليها - فلا يكتفى ببعض المسلمين من أهل هذا البلد عن بعض آخر. بل يهبُّون جميعا لمقاومة الغزو، بحسب الإمكان، كل بما يقدر عليه. ولا يجوز لقادر التخلُّف عن المشاركة في المقاومة. ولهذا رأينا النبي صلى الله عليه وسلم عام الخندق حين هاجم المشركون المدينة (8)، لم يأذن لأحد في ترك الجهاد، ونزل القرآن الكريم يذمُّ الذين يستأذنون النبي: {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} [الأحزاب:13].
كما ذمَّ القرآن الذين يتسللون خُفية، ويلوذون ببيوتهم، فرارا من واجب الحراسة، الذي كُلِّف به الجميع في مواجهة الخطر الزاحف. وفيهم نزل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63،62].
وهذا بخلاف الجهاد إذا كان المسلمون هم الطالبين للعدو والمهاجمين له، فقد أذن الله ورسوله لمَن قعد عن مثل هذا الجهاد، ولم يضيِّق عليه، وإن حُرِم فضل المجاهدين ومثوبتهم، كما قال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء:95].
أما هذا الجهاد فهو - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - دفع عن الدين والحُرمة والأنفس، وهو قتال اضطرار، وذلك قتال اختيار، للزيادة في الدين وإعلائه، ولإرهاب العدو، كغزوة تبوك ونحوها (9).
ومن هنا قال الفقهاء في هذا النوع من الجهاد: إن المرأة تخرج فيه، ولو بغير إذن زوجها، والابن ولو بغير إذن أبيه وأمه.
وإنما قُدِّم الجهاد - إذا كان فرض عين - على طاعة الأبوين، وطاعة الزوج، مع أن هذه الطاعة وتلك فرض عين أيضا؛ لأن مصلحة الجهاد أعمُّ وأشمل، إذ هي لحفظ الدين والدفاع عن حُرُمات المسلمين، فمصلحته عامة، وهي مقدَّمة على غيرها من المصالح الخاصة.
وإذا تعارض حقَّان: أحدهما للجماعة المسلمة، والثاني لبعض أفرادها، فحقُّ الجماعة هو المقدَّم والأولى بالرعاية، لأن الفرد لا يستطيع أن يعيش ويحقِّق ذاته بغير الجماعة، فوجود الجماعة ضروري للفرد. فإذا بقيت الجماعة: بقي الفرد، وإذا ضاعت الجماعة: ضاع الفرد. ومن ثَمَّ يأثم الزوج إن منع زوجته، والأب إن منع ابنه البالغ، من جهاد فرض العين، الذي بإقامته يحافظ على وجود الجماعة.
قال السَّرْخَسي: (وكذلك الغلمان الذين لم يبلغوا إذا أطاقوا القتال، فلا بأس بأن يخرجوا ويقاتلوا في النفير العام، وإن كره ذلك الآباء والأمهات) (10).
وإذا كان العدوان الكافر أكبر من طاقة البلد المعتدَى عليه، ففرض على جيرانه الأَدنَين وأقرب البلاد إليهم أن يشاركوهم بكل ما يقدرون عليه، فقد تعيَّن الجهاد عليهم، ثم على سائر بلاد المسلمين - الأقرب فالأقرب - أن يمدُّوهم بكل ما يحتاجون إليه من الرجال والسلاح والمال، حتى يقهروا العدو، ويطردوا الغزاة، ويُعلوا كلمة الإسلام. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]، وقال: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ص96 النَّصْرُ} [الأنفال:72]، وقال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]. ولا ريب أن دفع العدوان عن المسلمين في مقدِّمة البر والتقوى. وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا" (11)، "ترى المسلمين في توادِّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد" (12)، "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلِمه" (13)، "انصر أخاك" (14)، "المسلمون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على مَن سواهم" (15).
ومثل ذلك إذا جَبُن أهل البلد وتخاذلوا عن مقاومة عدو الله وعدوهم، ففرض على مَن وراءهم من المسلمين أن ينهضوا لصدِّ الغزو، ومقاومة العدو، لأن كل أرض إسلامية هي ملك المسلمين جميعا، لا ملك سكانها وحدهم، فإذا فرَّطوا هم في الدفاع عنها لم يسقط عمَّن وراءهم من المسلمين واجب الدفاع عن أرض الإسلام، ودار الإسلام.
ولعل من أدق العبارات وأوضحها في بيان كيفية افتراض الجهاد عينا: ما جاء في (الذخيرة) من كتب الفقه الحنفي، وتناقله المؤلفون من بعده، ونقله العلاَّمة ابن عابدين في حاشيته، قال: (إن الجهاد إذا جاء النفير إنما يصير فرض عين على مَن يقرُب من العدو، فأما مَن وراءهم ببُعد عن العدو، فهو فرض كفاية عليهم، حتى يسعهم تركه إذا لم يحتج إليهم، فإن احتيج إليهم بأن عجز مَن كان يقرب من العدو عن المقاومة مع العدو، أو لم يعجزوا عنها، ولكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا، فإنه يفترض على مَن يليهم فرض عين، كالصلاة والصوم، لا يسعهم تركه. ثم ... وثم ... (يعني الأقرب فالأقرب) إلى أن يفترض على جميع أهل الإسلام شرقا وغربا على هذا التدريج. ونظيره الصلاة على الميت؛ فإن مَن مات في ناحية من نواحي البلد، فعلى جيرانه وأهل مَحلَّته أن يقوموا بأسبابه، وليس على مَن كان ببُعد من الميت أن يقوم بذلك. وإن كان الذي ببُعد من الميت يعلم أن أهل مَحلَّته يضيِّعون حقوقه، أو يعجزون عنه، كان عليه أن يقوم بحقوقه. كذا هنا) (16) اه.
وعلَّق محقِّق الحنفية الكمال بن الهُمَام (ت861ه) على مسألة افتراض الجهاد عينا على المسلمين كافة بقوله: (وكأن معناه إذا دامت الحرب بقدر ما يصل الأبعدين ويبلغهم الخبر، وإلا فهو تكليف ما لا يطاق. بخلاف إنقاذ الأسير، وجوبه على الكل مُتَّجه، من أهل المشرق والمغرب ممَّن عَلِم) (17) اه.
ويلاحظ أن تعليقه هذا إنما هو في الهجوم السريع الذي لا يعقبه احتلال، أما إذا أعقبه احتلال، فالواجب مطاردته حتى تتحرَّر الأرض من رجسه. على أن سرعة العلم والإمداد في عصرنا أصبحت أمرا ميسَّرا، بواسطة أجهزة الإعلام ووسائل المواصلات الحديثة. حتى غدا العالم كله قرية واحدة، وخصوصا بعد ما سُمِّي (ثورة الاتصالات).
قال ابن تيمية: (فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين، فإنه يصير دفعه واجبا، على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين لإعانتهم، كما قال الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال:72]. وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم. وسواء كان الرجل من المرتزقة بالقتال أو لم يكن. وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد، بنفسه وماله، مع ص98 القِلَّة والكثرة، والمشي والركوب. كما كان المسلمون لمَّا قصدهم العدو عام الخندق، لم يأذن الله في تركه لأحد، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو، الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج - يعني الذي قال الله في شأن القاعدين والمجاهدين فيه: {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء:95] - بل ذمَّ الذين يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم: {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} [الأحزاب:13].
فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس، وهو قتال اضطرار. وذاك قتال اختيار، للزيادة في الدين وإعلائه، ولإرهاب العدو، كغزاة تبوك ونحوها) (18) اه.
ونقل عنه في (الإنصاف): (لا يخلو: إما أن يكون قتال دفع أو طلب. فالأول (قتال الدفع): بأن يكون العدو كثيرا لا يطيقهم المسلمون، ويخافون أنهم إن انصرفوا عنهم، عطفوا على مَن تخلف من المسلمين، فهنا صرح الأصحاب بوجوب بذل مُهَجهم بالدفع حتى يَسْلَموا. ومثله: لو هجم عدوٌّ على بلاد المسلمين والمقاتلة أقل من النصف، لكن إن انصرفوا، استولوا على الحريم.
والثاني: (يعني قتال الطلب والهجوم): لا يخلو: إما أن يكون بعد المصافَّة أو قبلها. فقبلها يجوز، وبعدها - حين الشروع في القتال - لا يجوز تولية الأدبار مطلقا، إلا لتحرُّف أو تحيُّز) (19) اه.
قال في الإنصاف: (يعني ولو ظنوا التلف) (20)اه.
2 - استنفار الإمام لفرد أو طائفة معينة:
والموضع الثاني: الذي يصير الجهاد فيه فرض عين: أن يستنفر الإمام فردا أو فئة معينة، فيتعيَّن عليهم الجهاد، ولا يحلُّ لهم التخلُّف إلا بعذر، لأن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، وهذا في كلِّ شأن يأمر به الإمام أو ولي الأمر، فكيف إذا كان ذلك في أمر يتعلَّق بوجود الأمة ومصيرها وسيادتها؟ ص99
وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عندما عزم على لقاء الروم في غزوة تبوك، فأعلن عن مقصده صراحة لا تورية - كما كان يفعل في سائر الغزوات - لأنه سيواجه جيش أكبر قوة عسكرية في الأرض: جيش دولة الروم البيزنطية، ولا سيما بعد انتصارها على دولة الفرس. وقد استنفر الرسول الكريم المسلمين جميعا من أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب، فلم يعُد يحلُّ التخلُّف لأحد منهم إلا مَن عذره الله ورسوله، كالذين قال الله فيهم: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:92،91].
أما الذين انتحلوا الأعذار الواهية، والتعلاَّت الكاذبة، من المنافقين وضعفاء الإيمان، فقد قبِل النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرهم، ولكن القرآن نزل يفضح أمرهم، ويكشف سترهم، بقوارع الآيات، ويعاتب النبي صلى الله عليه وسلم على إذنه لهم. قال تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43،42].
وفي هذه الغزوة والاستنفار لها نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:38-40]، ثم قال: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41].
فدلَّت هذه الآيات على وجوب النفير على كل مَن استنفرهم الإمام أو نائبه، وأن مَن تخلَّف عن النفير هنا مهدَّد بالعذاب الأليم، واستبدال غيره به. ص100
ومثل هذه الآيات ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس، أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفرتم فانفروا" (21).
يقول محقق الحنفية الكمال بن الهُمَام: (يصير الجهاد من فروض الأعيان، سواء كان المستنفِر عدلا أو فاسقا، فيجب على جميع أهل تلك البلدة النَّفرة، وكذا مَن يقرب منهم إن لم يكن بأهلها كفاية، وكذا مَن يقرب فمَن يقرب، إن لم يكن بمَن يقرب كفاية، أو تكاسلوا، أو عَصَوْا، وهكذا إلى أن يجب على أهل الإسلام شرقا وغربا) (22) اه. وإذا استنفر ولي الأمر فردا معيَّنا، ليقوم بمهمة عسكرية، وجبت طاعته، كما تجب على الجماعة، إذ العلة واحدة.
3 - حاجة الجيش المسلم إلى خبرة شخص معين:
الموضع الثالث: أن يعلم المسلم حاجة جيش المسلمين إليه خاصة، وأنه لا يسدُّ غيره مسدَّه، كأن يكون ذا خبرة خاصة لا توجد لدى الجماعة المحاربة، في التدريب أو (التكتيك)، أو الأسلحة والذخيرة، أو مقاومة الدبابات، أو الطائرات، أو صناعة المتفجرات، أو بناء التحصينات، أو غير ذلك من الشؤون الحربية، ولا يوجد عدد كافٍ يغني عنه. وكذلك إذا كان يعرف مواقع العدو وعوراته، وجغرافية أرضه، ونحو ذلك ممَّا يلزم للجيش المسلم، فيجب عليه أن يقدِّم نفسه للاستفادة من جهده وخبرته (23)، إلا إذا كان هناك مَن يقوم مقامه، ويكفي عنه. أو كانت هناك حوائل تحول دون قبوله.
وذلك: أنه مفروض عليه أن ينصر أخاه المسلم، ولا يُسلمه ولا يخذله، كما في الحديث الصحيح: "انصر أخاك" (24)، والحديث الآخر: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" (25)، ومن رأى أخاه في حاجة إليه، وهو يقدر أن يسدَّ حاجته فلم يسدَّها، فقد أسلمه وخذله، ولم يقُم بحقه. قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا" ، وقال: "المسلمون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على مَن سواهم" . ص101
4 - عند حضور المعركة بالفعل:
الموضع الرابع: أن يحضر المعركة بالفعل، فلا يجوز له أن يرجع إذا التقى الجمعان، ولو كان الجهاد فرض كفاية في الأصل. فإن رجوعه حينئذ يفتُّ في عضد سائر الجيش، ويُدخل الوَهْن في صفوف المسلمين، ويجرِّئ عليهم عدوهم. وفي هذا يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:16،15]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال:45].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات". قيل: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله تعالى، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف" . ويوم الزحف، هو: يوم المواجهة الحربية مع الأعداء.
لهذا أجمع المسلمون على أن الفرار من الزحف من كبائر الذنوب .
متى يشرع الفرار أو الانسحاب؟
وإذا كان الفرار عند المعركة من كبائر الإثم، فقد استثنى الشرع بعض صُور يجوز فيها الفرار من مواجهة العدو، ولو عند التقاء الصفين.
وشرط تحريم الفرار - عند جمهور الفقهاء - ألاَّ يكون عدد الكفار أكثر من مِثْلَي عدد المسلمين، فإن كانوا أكثر من مِثليهم كأن يكون المسلمون ألفا والأعداء أكثر من ألفين: جاز للمسلمين أن يفرُّوا بأنفسهم، إذا وجدوا في ذلك مصلحة لهم، وإنقاذا للمقاتلين المسلمين، أما إذا كان العدو مِثلَي المسلمين أو دون ذلك، فيجب الثبات ولو ظنَّ المسلمون أنهم يهلكون. ص102
وقد استدلَّ الجمهور على ذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:66،65].
روى البخاري وأبو داود وابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمَّا نزلت: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:65]، شقَّ ذلك على المسلمين، حين فُرض عليهم: ألا يفرَّ واحد من عشرة، فجاء التخفيف، فقال: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:66]، قال: فلما خفَّف الله عنهم من (العدد) نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم .
وهذا يدلُّ على أن المراد بالآية الأمر، وإن جاء في السياق بلفظ الخبر، وإنما قال ذلك العلماء لأمرين: ذكرهما الحافظ في الفتح: (أحدهما: أنه لو كان خيرا محضا، للزم وقوع خلاف المُخبَر به، وهو محال، فدلَّ على أنه أمر. والثاني: لقرينة التخفيف، فإنه لا يقع إلا بعد تكليف، والمراد بالتخفيف هنا: التكليف بالأخف، لا رفع الحكم أصلا) .
ومعنى كلام الحافظ هنا: أن التخفيف في حكم وجوب ثبات الواحد لعشرة ليس من باب النسخ، لأن الحكم لم يُرفع نهائيا، كما هو مقتضى النسخ، وقال القرطبي: (هو على هذا القول تخفيف لا نسخ، وهذا حسن) .
قال ابن رشد في بداية المجتهد: ص103
(وذهب ابن المَاجِشُون - ورواه عن مالك - أن الضعف إنما يُعتبر في القوة لا في العدد، وأنه يجوز أن يفرَّ الواحد عن واحد، إذا كان أعتق جوادا منه، وأجود سلاحا، وأشدَّ قوة) .
وذكر الإمام النووي في (المنهاج): أنه يحرم انصراف مائة بطل عن مائتين وواحد ضعفاء، في الأصحِّ. قال شارحه الدَّمِيري: لأنهم يقاومونهم لو ثبتوا، والانهزام ذلٌّ. وإنما يراعى العدد عند تقارب الأوصاف.
وهناك قول آخر: يجوز الانصراف؛ لأن اعتبار الأوصاف يعسر، فنيط الحكم بالعدد.
قال الدَّمِيري: ومأخذ الخلاف: النظر إلى مجرَّد العدد أو المعنى. ويعبَّر عنه بأنه: هل يجوزأن يستنبط من النصِّ معنًى يخصِّصه أو يقيِّده ؟ اه.
وهذا مُتَّجه مقبول في عصرنا، فإن الحرب اليوم ليست بالعدد، ولا تقوم على الكمِّ والكثرة من المقاتلين، إنما المدار على قوة الأسلحة، وخصوصا إذا كان العدو يملك أسلحة متطورة، مثل: الطائرات العملاقة (بي 52) والتنين السحري، والطائرات بغير طيار، والصواريخ الضخمة الموجَّهة بعيدة المدى، والقنابل الذكية، وغيرها، والمسلمون لا يملكونها. وكذلك إذا كان يملك ما يسمُّونه أسلحة الدمار الشامل، مثل: الأسلحة النووية والكيماوية والجرثومية وغيرها، ويهدِّد المسلمين باستخدامها. وعرَف المسلمون أنه لا يمنعهم مانع من ذلك.
وفرَّق شيخ الإسلام ابن تيمية بين قتال الدفاع وقتال الهجوم. فقال:
(لا يخلو، إما أن يكون قتال دفع أو طلب.
فالأول: أن يكون العدو كثيرا لا يطيقهم المسلمون، ويخافون أنهم إن انصرفوا عنهم عطفوا على مَن تخلف من المسلمين. فهنا صرَّح الأصحاب بوجوب بذل مُهَجهم في الدفع حتى يسلَموا. ص104
ومثله لو هجم عدو على بلاد المسلمين، والمقاتلة أقل من النصف، لكن إن انصرفوا استولَوا على الحريم.
والثاني: (يعني قتال الطلب والهجوم): لا يخلو: إما أن يكون بعد المصافَّة أو قبلها. فقبلها يجوز. وبعدها حين الشروع في القتال لا يجوز تولية الأدبار مطلقا إلا لتحرُّف أو تحيُّز) .
شروط فرضية الجهاد (القتال):
وإنما يفترض الجهاد - بمعنى (القتال) - عينا أو كفاية بجملة شروط:
1 - الاستطاعة البدنية: فالأعمى والأعرج والمريض من أصحاب العاهات الجسمية العائقة: لا يجب عليهم الخروج؛ لأنهم عاجزون معذورون، قال تعالى في سورة الفتح: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [آية:17]، فهذه الآية نزلت في أصحاب الأعذار، كما أن خروج هؤلاء لا يدفع عدوا، وإنما يكون عبئا على المدافعين. وقال بعض الفقهاء: أما مَن يقدر على الخروج دون الدفع، فينبغي أن يخرج لتكثير السواد إرهابا للعدو.
وأقول: إن الكثرة في عصرنا لم تعُد لها قيمة كبيرة، مع الأسلحة الحديثة الهائلة. والدول الحديثة في عصرنا تشترط لكلِّ مَن يجنَّد في جيشها حدًّا أدنى من السلامة البدنية، ومن سلامة الحواس، مثل السمع والبصر، حتى يستطيع أن يقوم بأعباء القتال وتوابعه.
غير أن بعض الذين لا يقدرون على القتال يستطيعون أن يقدموا خدمات نافعة للمقاتلين، كالإسعاف والتمريض والطبخ والتنظيف ونحوها. وهكذا كان يصنع النساء في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك مَن يُنتفع به في التحريض مثل: الخطباء والوعاظ، أو التدبير مثل: بعض المحاربين القدماء من الشيوخ المجرِّبين، وإن لم يقُم بالقتال.
ونودُّ أن ننبِّه هنا: أن كثيرا من الأسلحة الحديثة التي تدار إلكترونيا، قد لا تحتاج إلى لياقة بدنية كبيرة، بل تحتاج إلى قوة عقلية وعلمية، فقد ينفع هنا بعض المصابين بالعرج ونحوه وقد رأينا بعض المعُوقين يتفوَّقون في بعض الرياضات، بفضل التدريب والإرادة. ص105
كما أن الذي يعجز عن الجهاد ببدنه، يلزمه أن يجاهد بماله إن كان ذا مال، كما في الحديث الصحيح: "مَن جهَّز غازيا في سبيل الله فقد غزا" ، وأن يجاهد كذلك بخبرته العلمية والتكنولوجية والإلكترونية وغيرها، وربما أفادت هذه الجيش المسلم أكثر من القوة الجسمية.
2 - القدرة على استعمال السلاح والقتال به، فمَن لا يجد السلاح، أو وجده، ولكن لم يُدرَّب على استعماله: لا يفترض عليه الخروج، لأنه لا يدفع عن نفسه ولا عن غيره، وضرره أكثر من نفعه. ولهذا يجب أن تتاح له فترة كافية للتدريب الذي يصير في هذه الحالة فرض عين أيضا، ومثله توفير السلاح اللازم، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
3 - القدرة على الوصول إلى البلد المعتدَى عليه، بأن يملك رَكوبة توصِّله إلى البلد، أو ثمن التذكرة بالبر أو البحر أو الجو، أو وجد في المسلمين مَن يتكفَّل بإيصاله إلى ميدان القتال، وهو ما يجب على الأمة - بالتضامن - أن توفِّره لكل مقاتل.
وعلى كل حال مَن كان له عذر منعه من الجهاد بنفسه: عليه واجب نحو المجاهدين، وهو رعاية أُسَرهم وأهليهم، فهذا أيضا نوع من الجهاد، وفي الحديث: "مَن خَلَف غازيا في أهله بخير فقد غزا" .
4 - ألا يوجد مانع معتبر يحول بينه وبين النهوض للدفاع. كأن يكون مسجونا، أو لا يستغني عنه المسلمون في محل إقامته، لمثل علاج مرضاهم، أو حفظ أمنهم الداخلي، أو إمامتهم في صلواتهم وتعليمهم دينهم، أو تسيير مطاحنهم ومخابزهم، وغير ذلك ممَّا يلزم للمحافظة على كِيان الأمة، ودوام إمداد المقاتلين بالغذاء والكساء والدواء والسلاح، ويؤمِّنهم على مَن وراءهم. ويعبِّر المعاصرون عن ذلك بتأمين الجبهة الداخلية وتقويتها. ص106
ومن الموانع: قعود الناس عن القيام بواجب الدفاع، وكذلك قعود السلطات المسؤولة عنه أو منعها لمَن يقوم بذلك. فالفرد معذور عند ذلك؛ لأن الجهاد لا يقوم به إلا جماعة قادرة. واليد وحدها لا تصفق.
وممَّا يؤسف له أشد الأسف: أن كثيرا من أبناء المسلمين يتحرَّقون شوقا إلى الجهاد لتحرير المسجد الأقصى، ومساندة إخوانهم في أرض الإسراء والمعراج، ولكن (دول الطوق)، كما يسمُّونها، أو دول المواجهة (الأردن ولبنان وسورية ومصر)، كلها تمنع دخول أي مجاهد إلى أرض فلسطين، وقد تطلق قوَّاتها الرصاص إذا حاول التسلُّل للدخول، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
قال ابن الهُمَام في (الفتح): (يجب ألا يأثم مَن عزم على الخروج. وقعوده لعدم خروج الناس، وتكاسلهم، أو قعود السلطان أو منعه) اه.
ولكن يجب تقييد رفع الإثم عمَّن افترض عليه القتال وقعد؛ لما ذكرنا هنا من الأعذار بأمرين:
الأول: أن يصطحب نية الجهاد، والعزم عليه متى تهيَّأت له الفرضة الملائمة. فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" .
بل هو بنيته الصادقة يشارك المجاهدين في الأجر ومثوبة الجهاد.
روى البخاري عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة (هي غزوة تبوك) فقال: "إن أقواما بالمدينة خلفنا، ما سلكنا شعبا، ولا واديا، إلا هم معنا فيه: حبسهم العذر" .
وقد رواه مسلم من حديث جابر بلفظ: "حبسهم المرض" ، قال الحافظ: (وكأنه محمول على الأغلب) . ص107
الثاني: ألا يرضى بالواقع، ويستسلم له، ويستيئس من المستقبل، بل يجب أن يتسلَّح بالأمل، والثقة بالله، ويحرِّض المسلمين على الجهاد، محاولا إزالة العقبات، وتغيير الأوضاع الفاسدة إلى أوضاع يرضي عنها الإسلام، متعاونا في ذلك هو ومَن يشبه حاله حاله من المسلمين. و"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا" . وما يعجز عنه الفرد قد تقدر عليه الجماعة. و"يد الله مع الجماعة" .
وليس من الشروط أمن الطريق من القطَّاع واللصوص ونحوهم، بل يخرجون إلى النفير، ويقاتلون مَن يقف في طريقهم أيضا حيث أمكنهم ذلك، وإلا سقط الوجوب؛ لأن الطاعة بحسب الطاقة. ص108
1- أحكام القرآن للجصاص (3/113، 114)، وراجع ما ذكرناه في موضوع (حكم الجهاد شرعا).
2- انظر: منهاج الطالبين للنووي بتحقيق د. الحداد (3/267).
3- انظر: روضة الطالبين (10/208)، وتحفة المحتاج (4/137) شرح كتاب (السير)، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (8/42)، ومغني المحتاج (6/44).
4- انظر: المصادر السابقة.
5- البدائع للكاساني (7/98) طبعة دار الكتاب العربي الثانية. بيروت.
6- حاشية ابن عابدين (رد المحتار) (3/ 219) طبعة دار إحياء التراث العربي. بيروت.
7- ذكر العلماء هنا: الأذان والإقامة وصلاة الجماعة في المسجد، والإمامة والخطابة والتدريس والفتوى والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعداد علماء يبلُغون مرتبة الاجتهاد. كل هذا ممَّا يحفظ المقومات الدينية للأمة.
وهناك أشياء مثل العلوم والصنائع المختلفة – بتعبير عصرنا: التكنولوجيا ونحوها- مما يحفظ على الأمة مقوِّماتها المادية، ويحقِّق الاكتفاء الذاتي لها مدنيا وعسكريا.
وهناك التكافل الاجتماعي من مثل: إطعام الجائع وكسوة العاري، وكفالة اليتيم، وإيواء المشرَّد، وتعليم الجاهل، وتشغيل العاطل، وتدريب العامل، ونحوها، للمسلمين ولمَن يعيش في ظلِّ دولتهم من غيرهم. من كل ما يحفظ المقومات الاجتماعية للأمة.
وهناك: العدل والشورى، والحفاظ على حُرُمات الناس، وكل ما يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم وعرضهم ومالهم ونسلهم، وحريتهم الدينية والعقلية والسياسية والمدنية، من كل ما يحفظ على الأمة حقوقها السياسية.
ومما يتمِّم ذلك: إقامة المؤسسات العلمية والعملية التي تُعين على تحقيق هذه الفروض الكفائية، وتهيئة مراكز بحوث مؤهَّلة، وجمعيات أهلية ومدنية قادرة على أن تقوم بدورها إذا تخلَّت مؤسسات السلطة الحاكمة عن القيام بواجبها. فالأصل في المسؤولية هي: مسؤولية الأمة بأفرادها وجماعاتها.
8- حين زحفت قريش وغَطَفَان ومَن تبعهم على المدينة بجيوش قُدِّّرت بعشرة آلاف مقاتل أو تزيد، لغزو المسلمين في عقر دارهم، ومحاولة اقتلاعهم من جذورهم.
9- مجموع الفتاوى (28/359).
10- حاشية ابن عابدين (4/127).
11- متفق عليه: رواه البخاري في المظالم (2446)، ومسلم في البر والصلة (2585)، كما رواه أحمد في المسند (19624)، والترمذي في البر والصلة (1928)، والنسائي في الزكاة (2560)، عن أبي موسى.
12- متفق عليه: رواه البخاري في الأدب (6011)، ومسلم في البر والصلة (2586)، كما رواه أحمد في المسند (18373)، عن النعمان بن بشير.
13- متفق عليه: رواه البخاري في المظالم (2442)، ومسلم في البر والصلة (2580)، كما رواه أحمد في المسند (5646)، وأبو داود في الأدب (4893)، والترمذي في الحدود (1426)، عن ابن عمر.
14- رواه البخاري في الإكراه (6952)، وأحمد في المسند (11949)، والترمذي في الفتن (2255)، عن أنس، وروى البخاري في في التفسير (4905)، ومسلم في البر والصلة (2584)، وأحمد في المسند (14467)، عن جابر، اقتتل غلامان: غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار، فنادى المهاجر أو المهاجرون: يا للمهاجرين ونادى الأنصاري: يا للأنصار. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذا؟ دعوى أهل الجاهلية؟". قالوا: لا يا رسول الله، إلا أن غلامين اقتتلا فكَسَعَ أحدهما الآخر، قال: "فلا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما، إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر، وإن كان مظلوما فلينصره".
15- رواه أحمد في المسند (6692)، وقال مخرِّجوه: صحيح وهذا إسناد حسن، وأبو داود في الجهاد (2751)، والطيالسي في المسند (1/299)، وعبد الرزاق في الجهاد (5/226)، وابن أبي شيبة في الديات (28547)، وابن خزيمة في الزكاة (4/26)، والبيهقي في الكبرى كتاب قسم الفيء والغنيمة (6/335)، عن عبد الله بن عمرو، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (2390).
16- انظر: حاشية ابن عابدين (3/220).
17- شرح فتح القدير (4/381).
18- من كتاب (السياسة الشرعية) في مجموع فتاوى شيخ الإسلام (28/358، 359).
19- مطالب أولي النهى (2/514).
20- الإنصاف مع الشرح الكبير (10/47، 48) تحقيق التركي والحلو.
21- سبق تخريجه.
22- شرح فتح القدير (4/280، 284).
23- انظر: مطالب أولي النهى (2/515).
24- سبق تخريجه.
25- سبق تخريجه.
26- سبق تخريجه.
27- سبق تخريجه.
28- متفق عليه: رواه البخاري في الوصايا (2766)، ومسلم في الإيمان (89)، كما رواه أبو داود (2874)، والنسائي (3671)، كلاهما في الوصايا، عن أبي هريرة.
29- انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (1/365) طبعة دار أبي حيان القاهرة، وانظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/163) لابن حجر الهيتمي.
30- رواه البخاري في التفسير (4653)، وأبو داود في الجهاد (2646)، عن ابن عباس.
31- فتح الباري (10/244).
32- تفسير القرطبي (8/45) طبعة دار الكتب المصرية. وقد نقل عن القاضي ابن الطيب: أن الحكم إذا نُسخ بعضه، أو بعض أوصافه، أو غُيِّر عدده، فجائز أن يقال: إنه نُسخ، لأنه حينئذ ليس الأول، بل غيره، وذكر في ذلك خلافا.
33- بداية المجتهد (1/387) طبعة دار المعرفة. بيروت 1988م.
34- انظر: النجم الوهاج في شرح المنهاج للدميري (ت808ه) (9/332، 333) طبعة دار المنهاج.
وزاد الدَّمِيري هنا قوله: وطرَّدوا الوجهين في عكسه، وهو: فرار مائة من ضعفائنا عن مائتين إلا واحدًا من أبطالهم: فإن اعتبر المعنى: جاز، أو العدد فلا.
35- مطالب أولي النهى (2/514).
36- متفق عليه: رواه البخاري في الجهاد والسير (2843)، ومسلم في الإمارة (1895)، كما رواه أحمد في المسند (17039)، وأبو داود (2509)، والترمذي (1628)، والنسائي (3180)، ثلاثتهم في الجهاد، عن زيد بن خالد.
37- هو تتمة الحديث السابق.
38- انظر: شرح فتح القدير (4/281) وحاشية ابن عابدين (3/221).
39- متفق عليه: رواه البخاري في بدء الوحي (1)، ومسلم في الإمارة (1907)، كما رواه أحمد في المسند (168)، وأبو داود في الطلاق (2201)، والترمذي في الجهاد (1647)، والنسائي في الطهارة (75)، وابن ماجه في الزهد (4227) عن عمر.
40- رواه البخاري في الجهاد (2839)، وأحمد في المسند (12009)، وأبو داود (2508)، وابن ماجه (2764)، كلاهما في الجهاد، عن أنس.
41- رواه مسلم في الإمارة (1911)، وأحمد في المسند (14208)، عن جابر.
42- انظر: فتح الباري (7/415).
43- سبق تخريجه.
44- رواه الترمذي في الفتن (2166)، وقال: حديث غريب، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي (1759).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.