بعد خمسة أيام، من انفجار الأزمة الديبلوماسية بين قطر وغالبية دول الخليج العربي، لم يجد المتابعون بان المعركة متوازنة إعلاميا، أو على الأقل بنفس الحدة التي عوّدتنا عليها قنوات "الجزيرة" التي بدت هذه المرة "مسالمة" و"وديعة"، ولم ترد حتى على القصف العنيف الذي تتلقاه من قناة "العربية" السعودية وأخواتها. وواضح أن تعليمات صارمة وصلت "الجزيرة" من هرم السلطة في قطر، حتى تحافظ الإمارة على الخيط الرفيع الذي ربما ترى قطر بأنه مازال يشدّها نحو السعودية والإمارات، وبالمقابل سمحت لصحافييها بأن يغردوا كما شاءوا على مواقع التواصل الاجتماعي في مجال الخلاف القطري الخليجي، كما فعل الإعلامي الفلسطيني جمال ريان، الذي وصف ما فعلته السعودية والإمارات ب"الخطأ الجسيم"، أو الجزائرية خديجة بن قنة التي سخِرت من جرّ السعودية لدول مجهرية لقطع علاقاتها مع قطر، وتخسر في المقابل دولاً كبرى مثل تركيا، أما مدير قناة الجزيرة مصطفى سواق فاكتفى لحد الآن بالقول إن الجزيرة لا يمكنها أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي. وأثارت تغطية الجزيرة للأزمة الخليجية الكثير من الجدل، فهي لم ترد الصاع صاعين، ولا حتى صاعا واحدا، لقناتي "العربية" و"سكاي نيوز" اللتين لم تتركا تهمة إلا وكالتها لقطر ولرجالها، ووصلت إلى حد الزعم بأن قطر قدّمت لتنظيم "القاعدة" مليار دولار، وقدمت للإرهابي الزرقاوي في العراق مليون دولار، ولم تجد حرجا في ذكر أمراء قطر بالاسم، في حملة إعلامية شارك فيها بقوة مصريو هاتين القناتين. ولكن الجزيرة فضلت الهدوء الذي لم يعهده المشاهد في قضايا أخرى، سواء في مصر أو سوريا أو العراق، بل إنها لم تغير من تبويب حصصها وبقيت على نفس النسق، ولا تكاد تتطرق للأزمة الخليجية إلا في نشراتها، بينما قلبت العربية مثلا برامجها رأسا على عقب، وخلقت مزيدا من البرامج لأجل جلد النظام القطري. وحتى قنوات "بي. آن. سبورت" الخاصة بالرياضة، غطت مباراة السعودية التي جرت في استراليا بطريقة عادية وبدت متأسِّفة على خسارة السعودية التي لحقت بها أستراليا في المركز الثاني المؤهل لكأس العالم في روسيا، وصارت حظوظها في خطر، وأبدى إعلاميو "الجزيرة" من دون محللين سعوديين الذين انسحبوا ومنهم نواف الدمياط، تعاطفا كبيرا مع السعودية، بينما مازالت المملكة والإمارات العربية، ومعهما مصر، تصر على أن لا يتعامل مواطنوها مع هذه القناة وكل من خالف الأمر، تم اعتباره "خائنا للوطن". يحدث هذا وفي ذاكرة الناس ومتابعي "الجزيرة" الدور الذي لعبته في العديد من الأزمات من دون تراجع، سواء ضد نظام السيسي أو ضد نظام بشار الأسد وغيرها من القضايا التي تتحول فيها "الجزيرة" إلى طرف في الصراع وليس وسيلة إعلامية محايدة كما تقتضي أخلاقيات المهنة.